الموسوعة الفقهية

المبحث الرَّابِع: التمتُّعُ في الحَجِّ


المَطْلَب الأوَّل: تعريفُ التمَتُّعِ
التمَتُّعُ: هو أن يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ في أشهُرِ الحَجِّ، ثم يَحِلَّ منها، ثم يُحْرِمَ بالحَجِّ مِن عامِه ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/208).
المَطْلَب الثَّاني: سبَبُ تَسْمِيَةِ النُّسُك بالتمتُّع
ذكَرَ أَهْلُ العِلْم أسبابًا لتسميةِ نُسُك التمتُّع بهذا الاسم؛ أشهَرُهما سببانِ ((التمهيد)) لابن عَبْدِ البَرِّ (8/344)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/293)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/459)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/208). :
السببُ الأوَّل: أنَّ المتمَتِّعَ يتمَتَّعُ بإسقاطِ أحَدَ السَّفَرينِ عنه، فشَأْنُ كلِّ واحدٍ من النُّسُكين أن يُحْرِمَ به من الميقاتِ، وأن يَرْحَل إليه مِن قُطْرِه، فإذا تمتَّعَ بالنُّسُكين في سَفْرَةٍ واحدةٍ، فإنَّه يكون قد سقط أحدُهما، فجعل الشَّرعُ الدمَ جابِرًا لِمَا فاته، ولذلك وجب الدَّمُ أيضًا على القارِنِ، وكلٌّ يُوصَف بالتمتُّع في عُرْفِ الصَّحابَة لهذا المعنى، ولذلك أيضًا لم يَجِبِ الدَّمُ على المكِّيِّ مُتَمتِّعًا كان أو قارنًا؛ لأنَّه ليس مِن شأنِه الميقاتُ ولا السَّفَرُ.
السبب الثَّاني: أنَّ المتمَتِّعَ يتمتَّعُ بين العُمْرَةِ والحَجِّ بالنِّساءِ والطِّيبِ، وبكلِّ ما لا يجوزُ للمُحْرِم فِعْلُه مِن وَقْتِ حِلِّه في العُمْرَةِ إلى وقت الحَجِّ، وهذا يدلُّ عليه الغايةُ في قَوْلِه تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة: 196] ؛ فإنَّ ذلك يدلُّ على أنَّ ثَمَّةَ تمتُّعًا بين العُمْرَةِ والحَجِّ، ويدلُّ عليه أيضًا لفظُ التمتُّعِ؛ فإنَّه في اللغةِ بمعنى التلذُّذِ والانتفاعِ بالشَّيءِ.
المَطْلَب الثَّالِث: صُوَرُ التمتُّعِ
الفرع الأوَّل: الصُّورةُ الأصليَّةُ للتمتُّعِ
أن يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ في أشهُرِ الحَجِّ، ثم يُحْرِمَ بالحَجِّ بعد فراغِه من العُمْرَةِ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ من أهلَّ بعُمْرَةٍ في أشهُرِ الحَجِّ مِنْ أهل الآفاقِ من الميقات وقَدِمَ مَكَّةَ ففَرَغَ منها وأقام بها وحَجَّ مِن عامِه؛ أنَّه متمتِّع) ((الإجماع)) (ص: 56). ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (فأمَّا الوجهُ المجتَمَع على أنَّه التمتُّع المرادُ بقول الله عَزَّ وجَلَّ: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فهو الرَّجُلُ يُحْرِمُ بعُمْرَةٍ في أشهُرِ الحَجِّ، وهي شوال وذو القَعْدة وعشرٌ من ذي الحِجَّة...) ((التمهيد)) (8/342). ، والقرطبيُّ قال القرطبي: (فأمَّا الوجه المجتَمَع عليه فهو التمتُّع المرادُ بقول اللهِ عزَّ وجلَّ: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وذلك أن يُحرِمَ الرجلُ بعُمْرَةٍ في أشهُرِ الحَجِّ... وأن يكون من أهلِ الآفاق، وقَدِمَ مَكَّة ففَرَغَ منها ثم أقام حَلالًا بمَكَّة إلى أن أنشأ الحَجَّ منها في عامه ذلك قبل رُجُوعِه إلى بلده، أو قبل خروجِه إلى ميقاتِ أهْلِ ناحِيَتِه، فإذا فعل ذلك كان متمتعًا، وعليه ما أوجب اللهُ على المتمتع، وذلك ما استيسَرَ من الهَدْيِ، يذبَحُه ويُعطيه للمساكينِ بمنًى أو بمَكَّة، فإن لم يجد صام ثلاثةَ أيَّامٍ، وسبعةٍ إذا رجع إلى بلَدِه- على ما يأتي- وليس له صيامُ يَوْمِ النحر بإجماعٍ من المسلمين.... فهذا إجماعٌ من أَهْل العِلْم قديمًا وحديثًا في المتعة) ((تفسير القرطبي)) (2/391).
الفرع الثَّاني: الصورةُ الطَّارِئَةُ (فَسْخُ الحَجِّ إلى عُمْرَةٍ)
أن يُحْرِمَ بالحَجِّ، ثم قبل طوافِه، يفسَخُ حَجَّه إلى عُمْرَةٍ، فإذا فرغ من العُمْرَةِ وحَلَّ منها، أحرَمَ بالحَجِّ قال ابنُ تيميَّة: (فأمَّا الفسخُ بعُمْرَةٍ مجرَّدةٍ فلا يُجَوِّزه أحدٌ من العلماء) ((مجموع الفتاوى)) (26/280).  وقال ابنُ القيم: (فإنَّه لو أراد أن يفسَخَ الحَجَّ إلى عُمْرَةٍ مفردة، لم يَجُزْ بلا نزاعٍ) ((زاد المعاد)) (2/219). ويُنْظَر: ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/215). ، وهذه الصورةُ تَصِحُّ عند الحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 415)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/359). ، والظَّاهِريَّةِ فَسْخُ الحَجِّ إلى عُمْرَة واجبٌ عند الظاهريَّة لِمَن لم يَسُقِ الهَدْيَ. ((المحلى)) لابن حَزْم (7/99 رقم 833)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/333). ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف منهم ابن عباس رَضِيَ اللهُ عنهما والحسن البصري ومجاهد. ((التمهيد)) لابن عَبْدِ البَرِّ (8/358)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد(1/333)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (26/49)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/222). ، واختارَه ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (كثيرٌ مِمَّا تنازعوا فيه قد جاءت السنَّة فيه بالأمرَينِ؛ مثل الحَجِّ، قيل: لا يجوز فَسْخُ الحَجِّ إلى العُمْرَة؛ بل قيل: ولا تجوز المُتعَة, وقيل بل ذلك واجبٌ، والصحيحُ أنَّ كليهما جائزٌ؛ فإنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أمر الصَّحابة في حَجَّة الوداعِ بالفَسْخِ، وقد كان خَيَّرَهم بين الثلاثةِ، وقد حجَّ الخُلفاءُ بعده ولم يَفْسَخوا) ((مجموع الفتاوى)) (22/336)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/222). ، وابنُ القَيِّمِ مذهب ابن القَيِّمِ هو وجوبُ فَسْخِ الحَجِّ إلى عُمْرَةٍ؛ كمذهب ابن عباس وابن حَزْم، وفي ذلك يقول: (نحن نُشْهِدُ اللهَ علينا أنَّا لو أحرَمْنا بحجٍّ لرأينا فرضًا علينا فسخَه إلى عُمْرَةٍ؛ تفاديًا مِن غَضَبِ رسول اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم، واتِّباعًا لأمره، فوالله ما نُسِخَ هذا في حياته ولا بعده، ولا صحَّ حرفٌ واحد يعارضه، ولا خُصَّ به أصحابُه دون من بعدهم، بل أجرى اللهُ سبحانه على لسان سُراقَةَ أن يَسْأَلَه: هل ذلك مختصٌّ بهم؟ فأجاب بأن ذلك كائنٌ لأبَدِ الأَبَدِ. فما ندري ما نُقَدِّم على هذه الأحاديث، وهذا الأمر المؤكَّد الذي غَضِبَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم على من خالَفَه) ((زاد المعاد)) (2/182)، وانظر: ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/224). ، والشِّنْقيطيُّ قال الشِّنْقيطيُّ: (الذي يظهر لنا صوابُه في حديث ((بل للأبد))، وحديث الخصوصيَّة بذلك الرَّكب، هو ما اختاره العلَّامة الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيميَّة رحمه الله، وهو الجمعُ المذكور بين الأحاديث بحَمْلِ الخصوصيَّة المذكورة على الوجوبِ والتحَتُّم، وحمل التأبيد المذكور على المشروعيَّة والجوازِ أو السنَّة، ولا شكَّ أنَّ هذا هو مقتضى الصناعة الأصوليَّة والمصطلحِيَّة؛ كما لا يخفى) ((أضواء البيان)) (4/360). ، وابنُ باز ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/130). ، وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/96).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((كانوا يَرَوْنَ العُمْرَةَ في أشهُرِ الحَجِّ مِن أفجَرِ الفُجورِ في الأرضِ، ويجعلون المُحَرَّم صَفَرًا، ويقولون: إذا بَرَأَ الدَّبَر، وعَفا الأَثَر، وانسلَخَ صَفَر؛ حَلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعتَمَر، فقَدِمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم وأصحابُه صَبيحةَ رابعةٍ مُهِلِّينَ بالحَجِّ، فأمَرَهم أن يجعلوها عُمْرَةً، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رَسولَ اللهِ، أيُّ الحِلِّ؟ قال: الحِلُّ كُلُّه )) رواه البخاري (1564)، ومسلم (1240) واللفظ له.
2- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم لأصحابِه: ((اجعلوها عُمْرَةً، فأحَلَّ النَّاسُ إلَّا مَن كان معه الهَدْيُ )) رواه مسلم (1211).
3- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال: ((لو أنِّي استقْبَلْتُ مِن أَمْري ما استَدْبَرْتُ لم أَسُقِ الهَدْيَ، وجَعَلْتُها عُمْرَةً، فمن كان منكم ليس معه هدْيٌ فليُحِلَّ، ولْيَجْعَلْها عُمْرَةً، فقام سُراقَةُ بنُ مالكِ بنِ جَعْشَم، فقال: يا رَسولَ الله، أَلِعامِنا هذا أم لأَبدٍ؟ فشَبَّكَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم أصابِعَه واحدةً في الأُخْرى، وقال: دَخَلَتِ العُمْرَةُ في الحَجِّ- مَرَّتينِ- لا، بل لأبدٍ أبدٍ )) رواه البخاري (1785)، ومسلم (1218).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم نصَّ على أنَّ هذه العُمْرَةَ التي وقع السُّؤالُ عنها، وكانت عُمْرَة فَسْخ، هي لأبَدِ الأَبَدِ، لا تختصُّ بقَرْنٍ دون قَرْنٍ ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/218).
ثانيًا: أنَّ فَسْخَ الحَجِّ إلى عُمْرَةٍ ليتمَتَّعَ بها؛ هو من بابِ الانتقالِ مِن الأَدْنى إلى الأَعْلى، وهو جائزٌ، وقد أمَرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم مَن نَذَرَ أن يصلِّيَ ركعتينِ في بيت المَقْدِس أن يُصَلِّيَهما في الحَرَم، فعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، ((أنَّ رجلًا قام يومَ الفتحِ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي نَذَرْتُ لله إن فتَحَ اللهُ عليك مَكَّةَ، أن أصَلِّيَ في بيت المقْدِسِ ركعتينِ، قال: صلِّ هاهنا، ثم أعاد عليه، فقال: صلِّ هاهنا، ثم أعاد عليه، فقال: شأنُكَ إِذَن ))  أخرجه أبو داود (3305) واللفظ له، وأحمد (14961)، والدارمي (2339).  صَحَّح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/473)، وابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/374)، وصَحَّحه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (112)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (9/509)، وقال ابنُ تيميَّة في ((مجموع الفتاوى)) (31/245): ثابت، وقال محمد ابن عبدالهادي في ((المحرر)) (285): رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3305).
المَطْلَب الرَّابِع: شُروطُ المُتَمَتِّع
الفرع الأوَّل: ما يُشتَرَط للتمَتُّعِ
المسألةُ الأولى: الإحرامُ بالعُمْرَةِ في أشْهُرِ الحَجِّ
يُشتَرَط للمُتمتِّعِ أن يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ في أشهُرِ الحَجِّ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزْم قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا على أنَّ من اعتمر عُمْرَتَه كلَّها مما بين استهلالِ المحرَّم إلى أن يُتِمَّها قبل يوم الفِطْرِ ولم ينوِ بها التمتُّع ثم خرج إلى مَنْزِله أو إلى الميقاتِ وهو من غير أهلِ مَكَّة ثم حجَّ من عامه أنَّه ليس متمَتِّعًا) ((مراتب الإجماع)) (ص: 49). ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (روي عن طاوس في التمتُّع قولان هما أشدُّ شذوذًا مما ذكرنا عن الحسن؛ أحدهما: أنَّ من اعتمر في غيرِ أشْهُرِ الحَجَّ ثم أقام حتى الحَجِّ ثم حجَّ مِن عامِه أنَّه متمتِّع، وهذا لم يَقُلْ به أحدٌ من العلماء فيما عَلِمْتُ غيره، ولا ذهب إليه أحد من فقهاء الأمصار) ((التمهيد)) (8/347). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (لا نعلم بين أَهْل العِلْم خلافًا في أنَّ من اعتمر في غير أشهُرِ الحَجِّ عُمْرَةً، وحل منها قبل أشهر الحَجِّ، أنَّه لا يكون متمتعًا، إلا قولينِ شاذَّين) ((المغني)) (3/413). ، وابنُ أخيه ابنُ أبي عُمَرَ قال شمس الدين ابن قُدامة: (أجمعوا على أنَّ من اعتمر في غير أشهُرِ الحَجِّ، ثم حجَّ من عامه؛ فليس بمتمتِّع) ((الشرح الكبير)) (3/241).
ثانيًا: أنَّ شُهورَ الحَجِّ أحَقُّ بالحَجِّ من العُمْرَةِ؛ لأنَّ العُمْرَةَ جائزةٌ في السَّنَةِ كُلِّها، والحَجَّ إنَّما موضِعُه شهورٌ معلومةٌ، فإذا جعل أحدٌ العُمْرَةَ في أشهُرِ الحَجِّ ولم يأتِ في ذلك العامِ بِحَجٍّ، فقد جعلها في موضعٍ كان الحَجُّ أَوْلَى به ((التمهيد)) لابن عَبْدِ البَرِّ (8/347).
ثالثًا: أنَّه لم يَجْمَع بين النُّسُكين في أشهُرِ الحَجِّ، فلم تحصُلْ صورةُ التمَتُّع، فهو كالمُفْرِد ((المجموع)) للنووي (7/174).
المسألة الثَّانية: أنْ يحُجَّ مِن عامِه
أن يُحْرِمَ بالحَجِّ في عامِه، فإنِ اعتَمَرَ في أشهُرِ الحَجِّ فلم يحُجَّ ذلك العامَ، بل حَجَّ في العامِ القابِلِ؛ فليس بمتمَتِّع.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قال اللهُ تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أن هذا يقتضي الموالاةَ بين العُمْرَةِ والحَجِّ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/241).
ثانيًا: عن سعيدِ بنِ المسيب قال: ((كان أصحابُ رسولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم يَعتَمِرونَ في أشهُرِ الحَجِّ، فإذا لم يحُجُّوا مِن عامِهم ذلك لم يَهْدُوا)) رواه ابن أبي شيبة (13171) واللفظ له، والبيهقي (9051)  حسَّنه النوويُّ في ((المجموع)) (7/174)، وحسَّنَ إسنادَه ابنُ الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (1/361).
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزْم قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا أن من اعتمر في أشهر الحَجِّ ثم لم يحجَّ من عامه ذلك إلى أنْ حَجَّ عامًا كاملًا؛ أنَّه ليس متمتعًا). ((مراتب الإجماع)) (ص: 49). ، وابنُ قُدامة قال شمس الدين ابن قُدامة: (لا نعلم فيه خلافًا إلَّا قولًا شاذًّا عن الحسن؛ فيمن اعتمر في أشهر الحَجِّ فهو متمتِّعٌ حجَّ أو لم يحُجَّ) ((الشرح الكبير)) (3/241).
رابعًا: أنَّهم إذا أجمعوا على أنَّ مَنِ اعتمَرَ في غيرِ أشْهُرِ الحَجِّ ثم حجَّ مِن عامِه، فليس بمتمَتِّع؛ فهذا أَوْلى؛ لأنَّ التباعُدَ بينهما أكثَرُ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/241).
المسألة الثَّالِثة: عَدَمُ السَّفَرِ
يُشتَرَطُ للمتمَتِّع ألَّا يسافِرَ بين العُمْرَةِ والحَجِّ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ضابِطُه عند الحَنَفيَّة: ألَّا يرجِعَ إلى بلده. ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (2/48)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/15). ، والمالِكِيَّة ضابِطُه عند المالِكِيَّة: ألَّا يَرْجِعَ إلى بلده أو أبعَدَ منه. ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/82)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (2/29)، ويُنْظَر: ((التمهيد)) لابن عَبْدِ البَرِّ (8/346)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/130). ، والشَّافِعِيَّة ضابطه عند الشَّافِعِيَّة ورواية عن أحمد: ألَّا يرجِعَ إلى ميقاته. ((المجموع)) للنووي (7/174)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (3/327)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/313). ، والحَنابِلَة ضابِطُه عند الحَنابِلَة: ألَّا يسافِرَ بين العُمْرَة والحَجِّ سَفرًا بعيدًا تَقْصُرَ في مِثْلِه الصَّلاة. ((الإنصاف)) للمرداوي (3/312)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/413). ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف في مصنف ابن أبي شيبة: عن عطاءٍ, وطاوس, ومجاهد؛ قالوا: (إن خَرَجَ في أشهُرِ الحَجِّ ثم أقام فهو متمَتِّع). ، وهو قولُ عامَّةِ أَهْلِ العِلْمِ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (فإن اعتمر في أشهر الحَجِّ ثم رجع إلى بلده ومنزله ثم حجَّ مِن عامه ذلك؛ فليس بمتمَتِّع ولا هَدْيَ عليه ولا صيام عند جماعة العلماء أيضًا إلَّا الحسن البصري؛ فإنَّه قال: عليه هَدْيُ حَجٍّ أو لم يحجَّ. قال: لأنَّه كان يقال عُمْرَةٌ في أشهر الحَجّ متعةٌ.... والذي عليه جماعة الفقهاء وعامَّة العلماء ما ذكرتُ لك قبل هذا...وعلى هذا الناسُ) ((التمهيد)) (8/345، 346). وقال الشِّنْقيطيُّ: (الحاصل: أنَّ الأئمَّة الأربعة متَّفقون على أنَّ السَّفَر بعد العُمْرَة، والإحرامَ بالحَجِّ من منتهى ذلك السَّفَرِ؛ مُسقِطٌ لدَمِ التمتُّعِ، إلَّا أنهم مختلفون في قَدْرِ المسافَةِ؛ فمنهم من يقول: لا بدَّ أن يرجع بعد العُمْرَةِ في أشهر الحَجِّ إلى المحِلِّ الذي جاء منه، ثم يُنْشِئ سَفَرًا للحجِّ ويُحْرِمَ من الميقاتِ، وبعضهم يقول: يكفيه أن يَرْجِعَ إلى بَلَدِه أو يسافِرَ مسافةً مساويةً لمسافةِ بلده، وبعضُهم يكفي عنده سَفَرَ مسافةِ القَصَر، وبعضهم يقول: يكفيه أن يَرْجِعَ لإحرامِ الحَجِّ إلى ميقاتِه) ((أضواء البيان)) (5/123).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
 قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لا فَرْقَ بين حاضري المسجِدِ الحرامِ في عدم وُجوبِ الدَّمِ عليهم، وبين الآفاقِيِّينَ في وجوبِ الدَّمِ عليهم، إلا أنَّ الآفاقيينَ تَرَفَّهوا بإسقاطِ أحَدِ السَّفَرينِ عنهم، وإذا كان الأمرُ كذلك، فإذا سافروا بين الحَجِّ والعُمْرَةِ فلا يكونون قد ترفَّهوا بتَرْك أحَدِ السَّفَرينِ، فزال عنهم اسمُ التمتُّعِ وسَبَبُه ((المغني)) لابن قُدامة (3/414)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/124).
المسألة الرَّابِعة: نِيَّةُ المُتمَتِّعِ في ابتداءِ العُمْرَةِ أو في أثنائِها
اختلف أَهْلُ العِلْم في اشتراطِ نِيَّة المُتَمَتِّع في ابتداءِ العُمْرَةِ أو في أثنائِها على قولين:
القول الأوّل: لا تُشتَرَط نيَّةُ التمتُّعِ، وهو مَذْهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة لم يذكُرْه الحَنَفيَّة ضمن شروطِ التمتُّع، فدلَّ على عدم اعتبارِه عندهم. يُنْظَر: ((الفتاوى الهندية)) (1/238)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/4). ، والمالِكِيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/558، 559)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/293). ، والشَّافِعِيَّة- في الأصحِّ ((المجموع)) للنووي (7/178)، ويُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (8/210). - واختارَه ابنُ قُدامة مِنَ الحَنابِلَة قال شمس الدين ابن قُدامة: (ذكر القاضي شرطًا سادسًا لوجوب الدمِ، وهو أن ينوِيَ في ابتداءِ العُمْرَة وفي أثنائها أنَّه متمَتِّع، وظاهر النص يدلُّ على أن هذا غيرُ مُشتَرَط؛ فإنَّه لم يذكره، وكذلك الإجماعُ الذي ذكرناه مخالفٌ لهذا القول؛ لأنَّه قد حصل له الترفُّه بترك أحد السَّفَرين، فلَزِمَه الدمُ) ((الشرح الكبير)) (3/244)، ويُنْظَر: ((الإنصاف)) للمرداوي (3/313).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ:
قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
عمومُ الآية، فإنَّه لم يُشتَرَط فيها نيَّةُ التمتُّع، وتخصيصُه بها هو تخصيصٌ للقرآنِ بغير دليلٍ ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/125).
ثانيًا: أنَّه لا يُحتاجُ إلى النيَّةِ؛ لأنَّ الدَّمَ يتعلَّقُ بترك الإحرامِ بالحَجِّ من الميقاتِ، وذلك يوجَدُ من غيرِ نِيَّةٍ ((المجموع)) للنووي (7/174).
القول الثاني: يُشتَرَطُ نيَّةُ التمتُّعِ محلُّ نيَّة التمتُّع عندهم: هو وقتُ الإحرام بالعُمْرَة، وقال بعضُهم: له نيَّة التمتُّع، ما لم يفْرغْ من أعمالِ العُمْرَة؛ كالخلافِ في وقت نية الجَمْعِ بين الصلاتين، فقال بعضهم: ينوي عند ابتداءِ الأُولى منهما، وقال بعضهم: له نيَّتُه ما لم يفرغ من الصلاة الأولى. ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/125). ، وهذا مَذْهَبُ الحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/313)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/62). ، ووجهٌ للشافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/174)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/210). ، واختارَه ابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/83). ؛ وذلك لأنَّه جمَعَ بين عبادتينِ في وقتِ إحداهما، فافتقَرَ إلى نيَّة الجمعِ؛ كالجَمْعِ بين الصَّلاتينِ ((المجموع)) للنووي (7/174)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/125).
الفرع الثَّاني: ما لا يُشتَرَط للتمتُّع
المسألة الأولى: كونُ الحَجِّ والعُمْرَةِ عن شخصٍ واحدٍ
لا يُشتَرَط كونُ الحَجِّ والعُمْرَةِ عن شخصٍ واحدٍ فيصح أن يكون حَجُّه عن شخصٍ، وعُمْرَتُه لآخَرَ. ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة: الحَنَفيَّة لم يَذْكُرْه الحَنَفيَّةُ ضمن شروط التمتُّع. ((حاشية ابن عابدين)) (2/535)، ويُنْظَر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/126). ، والمالِكِيَّة ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (2/30)، ويُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/126). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/177)، ويُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (8/210). ، والحَنابِلَة ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/62)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/313).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ ظاهِرَ الآيةِ أنَّه لا يُعتَبَر وقوعُ النُّسُكينِ عن واحدٍ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 414).
ثانيًا: أنَّ مؤدِّيَ النُّسُكينِ شَخْصٌ واحدٌ ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/125).
المسألة الثَّانية: تمَتُّعُ حاضِرِي المسجِدِ الحرامِ
لحاضِرِي المسجِدِ الحرامِ التمتُّعُ والقِرانُ، مِثْلُهم مِثْلُ الآفاقيِّ، لكِنْ يَسْقُطُ عنهم الدّمُ، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: المالِكِيَّة لكن كره المالِكِيَّةُ القران للمكي، قال مالك في الموازية: أكْرَهُ القرانَ للمَكِّي، فإن فعل فلا هَدْيَ. ((الكافي في فقه أهْلِ المدينة)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/382)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/291). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/169، 171) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/516). ، والحَنابِلَة ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/61)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/415).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قال اللهُ تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الآيةَ أثبتَتِ التمتُّعَ لحاضري المسجِدِ الحرامِ، وإنَّما نَفَتْ وُجوبَ الدَّمِ عليهم ((المجموع)) للنووي (7/169).
ثانيًا: أنَّ حقيقةَ التمتُّعِ والقِرانِ موجودةٌ في حاضري المسجِدِ الحرامِ، كالآفاقيِّينَ، ولا فَرْقَ، وإنَّما يقع الخلافُ بينهم في وجوبِ الدَّمِ على الآفاقيِّينَ دون حاضِرِي المسجِدِ الحرام؛ بسبب ما حصل للآفاقِيِّينَ من الترفُّه بسقُوطِ أحَدِ السَّفَرينِ عنهم ((المغني)) لابن قُدامة (3/415).
ثالثًا: أنَّ ما كان من النُّسُك قُرْبةً وطاعةً في حَقِّ غيرِ حاضِرِي المسجدِ الحرامِ، كان قُربةً وطاعةً في حَقِّ حاضِرِي المسجِدِ الحرامِ؛ كالإفرادِ ((المجموع)) للنووي (7/171).
المسألة الثَّالِثة: المقصودُ بحاضِرِي المسجِدِ الحرامِ
اختلف الفُقَهاءُ في حاضِرِي المسجِدِ الحرامِ الذين لا يجب عليهم دَمُ التمتُّعِ والقِرانِ إلى أقوالٍ؛ منها:
القول الأوّل: حاضِرُو المسجِدِ الحرامِ هم أهلُ مَكَّةَ، وأهْلُ الحَرَمِ، ومن كان مِنَ الحَرَمِ دون مسافَةِ القَصْرِ، وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/174). ((روضة الطالبين)) للنووي (3/46). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/412)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/414). ، واختاره الطَّبريُّ قال ابنُ جرير: (وأولى الأقوالِ في ذلك بالصِّحَّة عندنا قولُ من قال: إنَّ حاضري المسجِدِ الحرامِ مَن هو حوله ممن بينه وبينه من المسافَةِ ما لا تقصُرُ إليه الصلوات) ((تفسير ابن جرير)) (3/112).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الشَّارِعَ حَدَّ الحاضِرَ بدون مسافَةِ القَصْرِ، بنفي أحكامِ المسافرينَ عنه، فالاعتبارُ به أَوْلى من الاعتبارِ بالنُّسُك؛ لوجودِ لَفْظِ الحضورِ في الآيَةِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/415).
ثانيًا: أنَّ حاضِرَ الشَّيءِ مَن دنا منه، ومَن دونَ مسافَةِ القَصْرِ قريبٌ في حُكْمِ الحاضِرِ؛ بدليل أنَّه إذا قَصَدَه لا يترخَّصُ رُخَصَ السَّفَر، فيكون مِن حاضِرِيه ((المغني)) لابن قُدامة (3/414).
القول الثاني: هُم أهْلُ الحَرَم، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَف منهم ابن عباس رَضِيَ اللهُ عنهما، ومجاهد، وطاووس، ينظر ((تفسير الطبري)) (3/110، 111)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/414). وقَدَّمَه صاحِبُ الفُروعِ ((الفروع)) لابن مفلح (5/349). واستظهَرَه ابنُ حَجَرٍ ((فتح الباري)) لابن حجر (3/434). ، وأفتت به اللَّجْنَة الدَّائِمَة ونص الفتوى: (اختلف أَهْل العِلْم في المعنى بـ: حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ **البقرة: 196** والراجح أنهم أهلُ الحرم) ((فتاوى اللَّجْنَة الدَّائِمَة- المجموعة الأولى)) (11/390). واختارَه ابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (الأقرب... أنَّ حاضري المسجِدِ الحرامِ هم أهلُ الحرم؛ وأمَّا من كان مِن غيرِ أهْلِ الحرمِ فليسوا مِن حاضريه؛ بل هم مِن محلٍّ آخر؛ وهذا هو الذي ينضَبِطُ) ((تفسير ابن عُثيمين- الفاتحة والبقرة)) (2/395)، وفي موضع آخرَ قال: (وأقربُ الأقوال أن نقول: إنَّ حاضري المسجِدِ الحرام هم أهلُ مَكَّة، أو أهل الحَرَم، أي: من كان مِن أهْلِ مَكَّة ولو كان في الحِلِّ، أو من كان في الحَرَم ولو كان خارِجَ مَكَّة). ((الشرح الممتع)) (7/89).
الدَّليلُ مِنَ الآثارِ:
قال ابنُ عباسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196] هم أهْلُ الحَرَمِ أخرجه الطبري في ((تفسيره)) (3504).
المَطْلَب الخامس: أعمالُ المُتَمَتِّع
الفرع الأوَّل: طوافُ المتمَتِّع وسَعْيُه
يجبُ على المتمَتِّع طوافان وسَعيانِ، فيبدأ أوَّلًا بعُمْرَةٍ تامَّةٍ: فيطوف ويسعى، ثم يحلِقُ أو يُقَصِّر، ويتحلَّل منها، ثم يُحْرِم بالحَجِّ، ويأتي بطوافٍ للحَجِّ وسَعْيٍ له، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة: الحَنَفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/6)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/6). ، والمالِكِيَّة ((التمهيد)) لابن عَبْدِ البَرِّ (8/351)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/344). ، والشَّافِعِيَّة ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/324). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/506). ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف قال ابنُ عبدِ البرِّ: (واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري وأبو ثور على أنَّ المتمتع يطوف لعمرته بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة وعليه بعد (أيضًا) طواف آخر لحجه وسعي بين الصفا والمروة). ((التمهيد)) (8/351). ، وحُكِيَ الإجماعُ على أنَّ المتمتِّعَ عليه طوافان: طوافٌ لِعُمْرَتِه، وطوافٌ لحَجِّه قال ابنُ رشد: (أجمعوا أن من تمتع بالعُمْرَة إلى الحَجّ أن عليه طوافين طوافًا للعُمْرَة لحله منها وطوافًا للحج يوم النحر على ما في حديث عائشة المشهور) ((بداية المجتهد)) (1/344).
الأدلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((فطاف الذين كانوا أهلُّوا بالعُمْرَةِ بالبيتِ وبين الصَّفا والمروة، ثم حَلُّوا، ثم طافوا طوافًا واحدا بعد أن رَجَعوا مِن مِنًى، وأمَّا الذين جمعوا الحَجَّ والعُمْرَةَ فإنَّما طافوا طوافًا واحدًا )) رواه البخاري (1556) واللفظ له، ومسلم (1211).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه يدلُّ على الفَرْقِ بين القارِنِ والمتمَتِّع، وأنَّ القارِنَ يفعَلُ كفِعْلِ المُفرِدِ والمتمَتِّع؛ يطوف لعُمْرَتِه ويطوفُ لحَجِّه ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/69).
2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه سُئِلَ عن متعةِ الحَجِّ، فقال: أهَلَّ المهاجرونَ والأنصارُ وأزواجُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم في حَجَّةِ الوداع وأهْلَلْنا، فلمَّا قَدِمْنا مَكَّةَ، قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: اجعلوا إهلالَكم بالحَجِّ عُمْرَةً إلَّا من قلَّدَ الهَدْيَ، فطُفْنا بالبَيت وبالصَّفا والمروة، وأتينا النِّساءَ، ولَبِسْنا الثِّيابَ، وقال: من قَلَّدَ الهديَ فإنَّه لا يَحِلُّ له حتى يبلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه، ثم أمَرَنا عَشِيَّةَ التَّروِيَة أن نُهِلَّ بالحَجِّ، فإذا فَرَغْنا من المناسِكِ جِئْنا فطُفْنا بالبَيتِ وبالصَّفا والمروةِ، فقد تمَّ حَجُّنا وعلينا الهَدْيُ )) رواه البخاري (1572).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الحديثَ صَريحٌ في أنَّ طوافَ المتمَتِّع وسَعْيَه مرَّتان: مرَّةٌ لعُمْرَتِه، ومَرَّةٌ لحَجِّه ((حاشية ابن القَيِّمِ)) (5/347)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/69).
الفرع الثَّاني: الهَدْيُ
يجب على المتَمَتِّع دمُ نُسُكٍ إذا لم يكُنْ مِن حاضِرِي المسجِدِ الحرامِ، فمَنْ لم يجِدْ فلْيَصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحَجِّ وسبعةً إذا رَجَعَ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((تمتَّعَ النَّاسُ مع رسول الله صلَّى الله عليه وسَلَّم بالعُمْرَة إلى الحَجِّ... فلمَّا قَدِمَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال للنَّاسِ:... مَن لم يكُنْ منكم أهدى فلْيَطُفْ بالبيتِ وبالصَّفا والمروةِ, وليُقَصِّر, وليحلل ثمَّ لْيُهِلَّ بالحَجِّ وليَهْدي, فمَنْ لم يجِدْ هديا فلْيَصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحَجِّ وسبعةً إذا رجَعَ إلى أهْلِه )) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227) واللفظ له.
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
عن أبي حمزةَ قال: ((سألتُ ابنَ عبَّاسٍ عن المتعَةِ، فأمرني بها، وسألْتُه عن الهَدْيِ: فقال: فيها جَزورٌ، أو بقرةٌ، أو شاة، أو شِرْكٌ في دَمٍ )) رواه البخاري (1688) واللفظ له، ومسلم (1242).
رابعًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمع أَهْلُ العِلْم على أنَّ من أهَلَّ بعُمْرَةٍ في أشهُرِ الحَجِّ مِنَ الآفاقِ من الميقات، وقَدِمَ مَكَّة ففرغ منها، وأقام بها فحَجَّ من عامه، أنَّه متمتِّعٌ، وعليه الهدْيُ إن وجد، وإلا فالصيام) ((الإشراف)) (3/ 296). ، وابنُ رُشْدٍ ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/376). ، والقرطبيُّ ((تفسير القرطبي)) (2/390،391). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (لا خلاف بين أَهْل العِلْم، في أنَّ دَمَ المتعةِ لا يجب على حاضري المسجِدِ الحرام) ((المغني)) (3/414)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/242). وابنُ مُفْلِحٍ قال ابنُ مفلح: (يلزم المتمتِّعَ دمٌ بالإجماع) ((الفروع)) (5/347). والشَّوْكانيُّ قال الشَّوْكاني: (وقع الإجماعُ على وجوب الهَدْي على المتمتِّع). ((السيل الجرار)) (ص: 337).
خامسًا: أنَّ حاضِرَ المسجِدِ الحرامِ ميقاتُه مَكَّة، ولا يحصُلُ له الترفُّه بتَرْكِ أحَدِ السَّفَرينِ، فهو أحرم من ميقاتِه، فأشبَهَ المُفْرِدَ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين لابن قُدامة (3/242).
المطلب السادس: إجزاء التمتُّعِ عن الحَجِّ والعُمرةِ  
يُجزِئُ التمتُّعُ في الحجِّ عن الحجِّ والعُمرةِ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:   
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن قُدامة [917] قال ابنُ قُدامة: (وتُجزئ عُمرة المتمتِّع، وعُمرةُ القارن، والعُمرة من أدْنى الحلِّ، عن العُمرة الواجبة، ولا نعلم في إجزاءِ عُمرة التمتُّع خلافًا، كذلك قال ابنُ عمر، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، ولا نعلم عن غيرِهم خلافَهم). ((المغني)) (3/219). وقال: (ولا خلافَ في إجزاء التمتُّعِ عن الحجِّ والعمرةِ جميعًا). ((المغني)) (3/261). ونقَل عنه ابنُ حجر ذلك، فقال: (وقال ابنُ قُدامة: يترجَّح التمتع بأنَّ الذي يُفرد إن اعتمَر بعدها، فهي عُمرةٌ مُختلَف في إجزائها عن حَجَّةِ [كذا، والمناسب للسِّياق: عُمرةِ] الإسلام، بخِلاف عُمرة التمتُّع فهي مُجزئةٌ بلا خِلاف). ((فتح الباري)) (3/429). ، وابن تيميَّة [918] قال ابنُ تيميَّة: (وعُمرتُه تُجزئه عن عُمرةِ الإسلام بالاتِّفاق بخلاف عمرة القارن، فإن فيها اختلافًا). ((شرح عمدة الفقه لابن تيميَّة)) (2/543). وبرهانُ الدِّين بن مفلح [919] قال بُرهان الدِّين ابنُ مفلح: («وتُجزئ عُمرةُ القارن، والعمرةُ من التَّنعيم عن عُمرةِ الإسلام في أصحِّ الرِّوايتين»، أما عُمرةُ المتمتِّع فتُجزئ عنها بغير خِلافٍ نعلمه). ((المبدع شرح المقنع)) (3/186).

انظر أيضا: