الموسوعة الفقهية

المبحث الأوَّل: أحكامُ الأَنساكِ الثَّلاثة


المَطْلَب الأوَّلُ: جوازُ الأَنساكِ الثَّلاثَةِ
يجوزُ الإحرامُ بأيِّ الأنساكِ الثَّلاثةِ شاء: الإفرادِ، أو القِرانِ، أو التمَتُّعِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 40)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 518). ، والمالِكِيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/ 381)، ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/ 34). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/151)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/44). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 330)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/260)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/232). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال الماوردي: (لا اختلافَ بين الفقهاءِ في جوازِ الإفرادِ، والتمتُّع، والقِران، وإنَّما اختلفوا في الأفضَلِ) ((الحاوي الكبير)) (4/44).  قال ابنُ عبد البرِّ: (في حديث ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة من الفِقْه: أنَّ التمتُّع جائزٌ، وأنَّ الإفرادَ جائزٌ، وأنَّ القِرانَ جائزٌ، وهذا لا خلاف فيه بين أَهْل العِلْم) ((التمهيد)) (8/205). قال البغوي: (اتفقَتِ الأُمَّة في الحَجِّ والعُمْرَةِ على جوازِ الإفرادِ، والتمتُّع، والقِران) ((شرح السنة)) (7/74).  قال شمس الدين ابن قُدامة: (أجمَعَ أَهْل العِلْم على جوازِ الإحرامِ بأيِّ الأنساكِ الثَّلاثة شاء) ((المغني)) (3/260)، ((الشرح الكبير)) (3/232). قال القرطبي: (لا خلافَ بين العلماءِ في أنَّ التمتَّعَ جائزٌ على ما يأتي تفصيلُه، وأنَّ الإفرادَ جائزٌ، وأنَّ القرآنَ جائزٌ، لأنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَضِيَ كلًّا ولم يُنكرْه في حَجته على أحد من أصحابه، بل أجازَه لهم ورَضِيَه منهم، صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وإنما اختلف العلماء فيما كان به رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُحْرمًا في حجَّتِه، وفي الأفضل من ذلك، لاختلاف الآثارِ الواردة في ذلك) ((تفسير القرطبي)) (2/387). قال ابنُ قُدامة: (وأجمَع أهلُ العلم على جوازِ الإحرام بأيِّ الأنساك الثلاثةِ شاء، واختَلفوا في أفضلها). ((المغني)) (3/260). قال النووي: (مذهبُنا جواز الثلاثة، وبه قال العلماء وكافة الصحابة والتابعين ومَن بعدهم إلا ما ثبت في الصحيحين عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب وعثمانَ بن عفان رضي الله عنهما أنهما كانا يَنْهَيان عن التمتُّع، وعنه جوابان: أحدُهما: أنهما نهيا عنه تنزيهًا، وحملًا للنَّاس على ما هو الأفضلُ عندهما، وهو الإفرادُ، لا أنهما يعتقدان بُطلانَ التمتُّع، هذا مع عِلْمِهما بقول الله تعالى: فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ **البقرة: 196**. والثَّاني: أنهما كانا ينهَيَان عن التمتع الذي فعَلَتْه الصحابة في حَجَّةِ الوداع، وهو فَسْخُ الحَجِّ إلى العُمْرَةِ؛ لأن ذلك كان خاصًّا لهم، وهذا التأويل ضعيفٌ، وإن كان مشهورًا، وسياقُ الأحاديث الصحيحة يقتضي خلافه) ((المجموع)) (7/151). قال ابنُ تيميَّة: (ثبت عن ابنِ عباس وطائفةٍ مِنَ السَّلَف أنَّ التمتُّع واجبٌ، وأنَّ كل من طاف بالبيت وسعى ولم يكن معه هَدْيٌ، فإنَّه يُحِلُّ من إحرامه، سواءٌ قَصَدَ التحلُّل أم لم يقصده، وليس عند هؤلاء لأحدٍ أن يحجَّ إلَّا متمتِّعًا. وهذا مَذْهَبُ ابنِ حَزْمٍ وغيره من أهل الظَّاهر). ((مجموع الفتاوى)) (26/ 94).    
الدليل مِنَ السُّنَّةِ:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: خرَجْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، فقال: ((مَن أرادَ منكم أن يُهِلَّ بحَجٍّ وعُمْرَةٍ، فلْيَفْعَلْ، ومن أراد أن يُهِلَّ بحَجٍّ فلْيُهِلَّ، ومن أراد أن يُهِلَّ بعُمْرَةٍ فلْيُهِلَّ )) رواه البخاري (1786)، ومسلم (1211) واللفظ له. قالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: ((فأهَلَّ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم بحجٍّ، وأهلَّ به ناسٌ معه، وأهلَّ ناسٌ بالعُمْرَةِ والحَجِّ، وأهلَّ ناسٌ بعُمْرَةٍ، وكنتُ فيمَنْ أهَلَّ بالعُمْرَةِ )) رواه مسلم (1211). ، وفي روايةٍ: ((مِنَّا مَن أهَلَّ بالحَجِّ مُفْرِدًا، ومِنَّا مَن قَرَنَ، ومِنَّا مَن تمتَّعَ )) رواه مسلم (1211).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّها ذكرَتْ إحرامَ الصَّحابَة رَضِيَ اللهُ عنهم مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم على أحدِ هذه الأنساكِ الثلاثَةِ: التَّمتُّعِ، والقِرانِ، والإفْرادِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/232).
المَطْلَب الثَّاني: نُسُكُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم:
النُّسُكُ الذي أحرَمَ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم هو القِرانُ، وهذا مَذْهَبُ أبي حنيفةَ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/41)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/519). ، وأحمدَ في المنصوصِ عنه قال ابنُ تيميَّة: (قال [أي: الإمام أحمد]: لا أشكُّ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم كان قارنًا، والتمتُّعُ أحبُّ إليَّ لأنَّه آخِرُ الأمرينِ). ((مجموع الفتاوى)) (26/34)، ويُنْظَر: ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 466)،. ، وهو قوْلُ أئمَّةِ الحديثِ؛ كإسحاقَ بنِ راهَوَيهِ، وابنِ المُنْذِرِ ((فتح الباري)) لابن حجر (3/429). ، واختارَه ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (صحَّ في سائر الأخبارِ من روايةِ البراء, وعائشة وحفصة أمَّيِ المؤمنينَ, وأنس, وغيرهم أنَّه عليه السلام كان قارنًا) ((المحلى)) (7/165)، ويُنْظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (3/429). ، والنَّوَوِيُّ قال النووي: (الصوابُ الذي نعتقده أنَّه صلَّى الله عليه وسَلَّم أحرَمَ أوَّلًا بالحَجِّ مُفْرِدًا، ثم أدخَلَ عليه العُمْرَة، فصار قارنًا) ((المجموع)) (7/159)، ويُنْظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (3/428). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (أمَّا حجُّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم فالصحيحُ أنَّه كان قارنًا، قَرَنَ بين الحَجِّ والعُمْرَةِ، وساق الهديَ، ولم يَطُفْ بالبيتِ وبين الصَّفا والمروة إلَّا طوافًا واحدًا حين قَدِمَ، لكنَّه طاف طوافَ الإفاضَةِ مع هذين الطَّوافينِ. وهذا الذي ذكرناه هو الصوابُ المحَقَّق عند أهل المعرفة بالأحاديثِ الذين جمعوا طُرُقَها، وعرفوا مَقْصِدَها، وقد جمع أبو محمد بن حزم في حَجَّة الوداع كتابًا جيدًا في هذا الباب). ((مجموع الفتاوى)) (26/80). ، وابنُ القَيِّمِ قال ابنُ القيم: (وإنَّما قلنا: إنَّه أحرَمَ قارنًا، لبضعةٍ وعشرينَ حديثًا صحيحةٍ صريحةٍ في ذلك) ((زاد المعاد)) (2/107). وقال أيضًا: (من تأمَّلَ ألفاظ الصحابة، وجمَعَ الأحاديثَ بعضَها إلى بعضٍ، واعتبر بعضَها ببعضٍ، وفَهِمَ لغة الصحابة، أسفَرَ له صبْحُ الصوابِ، وانقَشَعَتْ عنه ظُلْمة الاختلاف) ((زاد المعاد)) (2/121). ، وابنُ حَجَرٍ قال ابنُ حجر: (الذي تجتمع به الرواياتُ أنَّه صلَّى الله عليه وسَلَّم كان قارنًا). ((فتح الباري)) (3/427). وقال أيضًا: (روى القِرانَ عنه جماعةٌ من الصحابة لم يُختَلَفْ عليهم فيه... وأيضًا فإنَّ مَن روى عنه القِرانَ لا يَحْتَمِلُ حديثُه التأويلَ إلَّا بتعسُّفٍ). ((فتح الباري)) (3/429). وقال أيضًا: (فإنَّ روايةَ القِرانِ جاءت عن بضعةَ عَشَرَ صحابيًّا بأسانيدَ جيادٍ؛ بخلاف روايتَيِ الإفرادِ والتمَتُّع، وهذا يقتضي رفعَ الشَّكِّ عن ذلك، والمصيرَ إلى أنَّه كان قارنًا). ((فتح الباري)) (3/429). وقال أيضًا: (الذي يظهرُ لي أنَّ مَن أنكَرَ القِرانَ من الصحابة نفى أن يكون أهَلَّ بهما في أوَّلِ الحال، ولا ينفي أن يكونَ أهَلَّ بالحَجِّ مُفْرِدًا ثم أدخَلَ عليه العُمْرَةَ فيجتَمِع القولان) ((فتح الباري)) (3/430). ، والكمالُ ابنُ الهُمامِ ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/522). ، والشَّوْكانيُّ قال الشَّوْكاني: (اعلمْ أنَّ حَجَّه صلَّى الله عليه وسَلَّم وإن اختلفتِ الأحاديثُ في بيانِ نَوْعِه فقد تواتر أنَّه حَجَّ قِرانًا وبلغت الأحاديث في ذلك زيادةً على عشرينَ حديثًا من طريقِ سَبعَةَ عَشَرَ صحابيًّا) ((السيل الجرار)) (ص: 346). ، والشِّنْقيطيُّ قال الشِّنْقيطيُّ: (لا شكَّ عند مَن جَمَعَ بين العِلْمِ والإنصاف، أنَّ أحاديثَ القِرانِ أرجَحُ من جهاتٍ متعدِّدة، منها: كثرةُ مَن رواها من الصَّحابة.... ومنها: أن من رُوِيَ عنهم الإفراد، رُوِيَ عنهم القِران أيضًا، ويكفي في أرجَحِيَّة أحاديثِ القِران أنَّ الذين قالوا بأفضَلِيَّة الإفرادِ مُعترفونَ بأنَّ مَن رَوَوُا القِرانَ صادقون في ذلك، وأنَّه صلَّى الله عليه وسَلَّم كان قارنًا باتِّفاق الطائفتين، إلَّا أنَّ بعضهم يقولون: إنَّه لم يكنْ قارنًا في أوَّلِ الأمر، وإنما صار قارنًا في آخِرِه، وقد ذكر ابنُ القَيِّمِ رحمه الله في زاد المعاد أنَّ أحاديثَ القِران أرجَحُ من خَمسَةَ عشَرَ وَجْهًا، فلْيَنْظُرْه من أراد الوقوفَ عليها) ((أضواء البيان)) (4/372). وابنُ باز ((فتاوى نور على الدرب)) (17/359). وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/76).
الأدلَّة: مِنَ السُّنَّة
1- عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سمعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يقول: ((أتاني الليلةَ آتٍ مِن ربِّي عزَّ وجَلَّ، فقال: صَلِّ في هذا الوادي المُبارَكِ، وقُلْ: عُمْرَةً في حَجَّةٍ )) رواه البخاري (1534).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه أُمِرَ أن يُهِلَّ بعُمْرَةٍ في حَجٍّ، وهذا إهلالُ القِرانِ، فدلَّ على أنَّه صلَّى الله عليه وسَلَّم كان قارِنًا ((فتح الباري)) لابن حجر (3/392).
2- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((تمتَّعَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم في حَجَّة الوداع بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ، وأهدى فساقَ معه الهَدْيَ من ذي الحُلَيفةِ، وبدأ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم فأهَلَّ بالعُمْرَةِ ثُمَّ أهَلَّ بالحَجِّ )) رواه البخاري (1691) واللفظ له، ومسلم (1227).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ التمتُّعَ عند الصَّحابَة يتناوَلُ القِرانَ، ويُحْمَل عليه قولُ ابنِ عُمَرَ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم حجَّ مُتَمَتِّعًا ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (26/66)، ((زاد المعاد)) لابن القَيِّمِ (2/112) وما بعدها.
3- فِعْلُ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما وأنَّه قَرَن الحَجَّ إلى العُمْرَة، وطاف لهما طوافًا واحدًا، ثمَّ قال: ((كذلك فَعَلَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم )) رواه البخاري (1640)، ومسلم (1230).
4- عن حفصَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قلتُ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم: ((ما شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا ولم تَحِلَّ مِن عُمْرَتِك؟ قال: إنِّي قَلَّدْتُ هَدْيي ولَبَّدْتُ رَأْسي، فلا أَحِلُّ حتَّى أَحِلَّ من الحَجِّ )) رواه البخاري (1697)، ومسلم (1229) واللفظ له.
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الحديثَ فيه دَلالةٌ على أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم كان في عُمْرَةٍ معها حجٌّ، فإنَّه لا يحِلُّ من العُمْرَةِ حتَّى يَحِلَّ مِنَ الحَجِّ ((زاد المعاد)) لابن القَيِّمِ (2/101).
5- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم يُلَبِّي بالحَجِّ والعُمْرَةِ جميعًا)) قال بكرٌ: فحَدَّثْتُ بذلك ابنَ عُمَرَ، فقال: ((لبَّى بالحَجِّ وَحْدَه))، فلَقِيتَ أَنَسًا فحَدَّثْتُه بقَوْلِ ابنِ عُمَرَ، فقال أنَسٌ: ما تَعُدُّونَنا إلَّا صِبْيانًا، سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يقولُ: ((لَبَّيكَ عُمْرَةً وحَجًّا )) رواه البخاري (4353، 4354)، ومسلم (1232) واللفظ له..
المَطْلَب الثَّالِثُ: أفضَلُ الأَنْساكِ
التمتُّعُ أفضَلُ الأنساكِ الثلاثَةِ لِمَن لم يَسُقِ الهَدْيَ، وهو مَذْهَبُ الحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 331)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/260)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/232)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/260). ، وأحَدُ قَوْلَيِ الشَّافعي ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/44)، ((المجموع)) للنووي (7/150). ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَفِ منهم: ابن عباس وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وابن الزبير، وعائشة، والحسن، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وجابر بن زيد، وسالم، والقاسم، وعكرمة، يشار هاهنا أن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عنهما لم يقتصِرْ على اختيارِه، بل ذهب إلى وجوبِه وتَعيُّنه لمن لم يَسُقِ الهديَ، وتبعه على ذلك: ابن القَيِّمِ، والألباني. ((المحلى)) لابن حَزْم (7/101)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/260)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/259). ، واختارَه ابنُ حزمٍ ((المحلى)) لابن حَزْم (7/99، 103 رقم 833). ، والشَّوْكانيُّ قال الشَّوْكاني: (وفي الجملة لم يوجَدْ شيء من الأحاديث ما يدلُّ على أن بعض الأنواع أفضَلُ من بعض غير هذا الحديث- حديث ((لو استقبَلْتُ من أمري ما استَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الهَدْيَ ولَجَعَلْتُها عُمْرَةً))- قال: فالتمسُّك به متعَيَّنٌ، ولا ينبغي أن يُلتَفَتَ إلى غيره من المرَجِّحات، فإنَّها في مقابِلِه ضائعةٌ) ((نيل الأوطار)) (4/311). وقال في ((السيل الجرار)) (ص: 346): (فمن جعل وجْهَ التفضيل لأحدِ أنواعِ الحَجِّ هو أنَّه صلَّى الله عليه وسَلَّم حَجَّ بنوع كذا، وأنَّ اللهَ سبحانه لا يختار لرَسولِه إلَّا ما كان فاضلًا على غيره فقد كان حجُّه صلَّى الله عليه وسَلَّم قِرانًا، فيكون القِرانُ أفضَلَ أنواع الحَجِّ، ولكنَّه قد ثبت من حديثِ جابرٍ في الصحيحينِ وغَيْرِهما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال: ((لو استقبَلْتُ من أمري ما استَدْبَرْتُ ما سُقْتُ الهَدْيَ ولَجَعَلْتُها عُمْرَةً))، فدلَّ على أنَّ التمتُّعَ أفضَلُ مِنَ القِرانِ). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (التمتُّعُ أفضَلُ في أصحِّ أقوالِ العُلَماءِ في حَقِّ مَن لم يَسُقِ الهَدْيَ، أمَّا مَن ساقَ الهَدْيَ فالقِرانُ له أفضَلُ؛ تأسيًا بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/130). ، وابن عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/77)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (24/264).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قال اللهُ تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ التمتُّعَ منصوصٌ عليه في كتابِ اللهِ تعالى دون سائِرِ الأَنساكِ ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/261).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه حَجَّ مع رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم عامَ ساق الهَدْيَ معه، وقد أهَلُّوا بالحَجِّ مُفْرَدًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: أحِلُّوا مِن إحرامِكم، فطُوفوا بالبَيْتِ وبَيْنَ الصَّفا والمَرْوَة، وقَصِّروا، وأقيموا حَلالًا حتى إذا كان يومُ التَّرْوِيَة فأهِلُّوا بالحَجِّ، واجعلوا التي قَدَّمْتُم بها مُتعةً، قالوا: كيف نَجْعَلُها متعةً وقد سَمَّيْنا الحَجَّ؟ قال: افْعَلُوا ما آمُرُكم به؛ فإنِّي لولا أنِّي سُقْتُ الهَدْيَ، لفَعَلْتُ مِثْلَ الذي أَمَرْتُكم به، ولكِنْ لا يَحِلُّ مني حرامٌ، حتى يبلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه. ففعلوا )) رواه البخاري (1568)، ومسلم (1216) واللفظ له.
2- عن عائشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: ((لو استقَبَلْتُ مِن أَمْري ما استَدْبَرْتُ ما سُقْتُ الهَدْيَ، ولَحَلَلْتُ مع النَّاسِ حين حَلُّوا )) رواه البخاري (7229) واللفظ له، ومسلم (1218).
3- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه سُئِلَ عن متعَةِ الحَجِّ، فقال: أهلَّ المهاجرونَ والأنصارُ وأزواجُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم في حَجَّةِ الوداعِ، وأَهْلَلْنا، فلمَّا قَدِمْنا مَكَّةَ، قال رسولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم: اجْعَلوا إهلالَكم بالحَجِّ عُمْرَةً إلَّا مَنْ قَلَّدَ الهَدْيَ )) أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم برقم (1572)، وأخرجه موصولًا الإسماعيلي كما في ((فتح الباري)) لابن حجر (3/434). قال الألباني في ((حجة النبي)) (90): أخرجه البخاري تعليقًا مجزومًا ورواه مسلم خارج صحيحه موصولًا وإسنادُه صحيحٌ، رجالُه رجال الصَّحيحِ.
وَجْهُ الدَّلالَةِ مِنْ هذه النُّصُوصِ مِن وَجْهَينِ:
الوجهُ الأوَّلُ: أنَّه قد تواتَرَتِ الأحاديثُ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، أنَّه أمَرَ أصحابَه في حَجَّةِ الوَداعِ لَمَّا طافوا بالبيتِ وبين الصَّفا والمروة، أن يَحِلُّوا من إحرامِهم ويَجْعَلوها عُمْرَةً، إلَّا مَن ساق الهَدْيَ، والنبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم لا يَنْقُلُهم من الفاضِلِ إلى المفضولِ، بل إنَّما يأمُرُهم بما هو أفضَلُ لهم ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (26/54).
الوجه الثَّاني: أنَّه آخِرُ الأَمرينِ مِن رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم، فلولا أنَّ التمتُّعَ هو الأفضَلُ لَمَا تأسَّفَ عليه النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، ولَمَا تَمنَّى أنَّه لم يَسُقِ الهَدْيَ حتى يَحِلَّ مع النَّاسِ مُتَمَتِّعًا ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/259).
4- عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((أُنْزِلَتْ آيةُ المتعَةِ في كتابِ اللهِ، ففَعَلْناها مع رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم، ولم يَنْزِلْ قرآنٌ يُحَرِّمُه، ولم يَنْهَ عنها حتى مات، قال رجل برَأْيِه ما شاءَ )) رواه البخاري (4518) واللفظ له، ومسلم (1226).
5- عن أبي نضرةَ، قال: ((كان ابنُ عبَّاسٍ يأمُرُ بالمتعة، وكان ابنُ الزُّبير ينهى عنها، قال: فذكرْتُ ذلك لجابرِ بنِ عبدِ الله، فقال: على يَدَيَّ دار الحديثُ؛ تَمَتَّعْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم، فلمَّا قام عُمَرُ قال: إنَّ الله كان يُحِلُّ لرَسولِه ما شاء بما شاء، وإنَّ القُرآنَ قد نَزَلَ مَنازِلَه، فـ أَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196] ، كما أمَرَكم اللهُ )) رواه مسلم (1217).
ثالثًا:أنَّ المتَمَتِّعَ يجتَمِعُ له الحَجُّ والعُمْرَةُ في أشهُرِ الحَجِّ، مع كمالِها وكمالِ أفْعَالها على وَجْهِ اليُسْرِ والسُّهولَةِ، مع زيادةٍ لنُسُكٍ هو الدَّمُ، فكان ذلك هو الأَوْلى ((الذخيرة)) للقرافي (3/286)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/262).
رابعًا:أنَّه أسهَلُ على المكَلَّفِ غالبًا؛ لِمَا فيه من التَّحَلُّلِ بين العُمْرَةِ والحَجِّ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/77).
المَطْلَب الرَّابِع: تَعْيينُ أحَدِ الأنساكِ
يُسْتَحَبُّ أن يُعيِّنَ ما يُحْرِمُ به من الأَنساكِ عند أوَّلِ إهْلالِه؛ نَصَّ على هذا الجُمْهورُ: المالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/63)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/221). ، والشَّافِعِيَّة في الأصَحِّ نص عليه الشافعي. ((المجموع)) للنووي (7/227)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/477). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (5/328)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/230، 232).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يقول: ((أتاني الليلةَ آتٍ مِن ربِّي عزَّ وجَلَّ، فقال: صَلِّ في هذا الوادي المُبارَكِ، وقل: عُمْرَةً في حَجَّةٍ )) رواه البخاري (1534).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أن قَوْلَه: ((في)) بمعنى (مع) كأنَّه قال: عُمْرَة معها حَجَّةٌ، فيكون دليلًا على أنَّه صلَّى الله عليه وسَلَّم كان قارِنًا ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/560).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: خرَجْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، فقال: ((مَن أرادَ منكم أن يُهِلَّ بحَجٍّ وعُمْرَةٍ، فلْيَفْعَلْ، ومن أراد أن يُهِلَّ بحَجٍّ فلْيُهِلَّ، ومن أراد أن يُهِلَّ بعُمْرَةٍ فلْيُهِلَّ )) رواه البخاري (1786)، ومسلم (1211) واللفظ له.
ثانيًا: أنَّ التعيينَ هو الأصْلُ في العبادات ((الذخيرة)) للقرافي (3/221).
ثالثًا: أنَّه بتعيينِ النُّسُك يَعْرِفُ المْحْرِمُ ما يدخُلُ عليه، وهو أقرَبُ إلى الإخلاصِ ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/477)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/265).
المَطْلَب الخامس: الإحرامُ المُبْهَمُ
إذا أحرَمَ ولم يعيِّنْ نُسُكَه فإنَّه ينعَقِدُ إحرامُه، ويَصْرِفُه إلى ما شاءَ مِن أنواعِ النُّسُكِ قبل شُروعِه في أفعالِ النُّسُكِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم(2/346)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/438). ، والمالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/63)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (2/26). ، والشَّافِعِيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/477)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/265). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/533)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/267).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابرِ بن عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((قَدِمَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، بِسعايَتِه، قال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم: بمَ أهْلَلْتَ يا عليُّ؟ قال: بما أهَلَّ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، قال: فأَهْدِ، وامكُثْ حرامًا كما أنت )) رواه البخاري (4352) واللفظ له، ومسلم (1216).
2- عن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((قَدِمْتُ على رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم وهو مُنِيخٌ بالبَطْحاءِ، فقال لي: أحَجَجْتَ؟، فقُلْتُ: نعم، فقال: بمَ أهْلَلْتَ؟، قال: قُلْتُ: لبَّيْكَ بإهلالٍ كإهلالِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، قال: فقد أحسَنْتَ، طُفْ بالبَيْتِ وبالصَّفا والمروة، وأَحِلَّ )) رواه مسلم (1221).
ثانيًا: أنَّه صَحَّ الإهلالُ مُبْهَمًا لتأكُّدِ الإحرامِ، وكَوْنِه لا يَخْرُج منه بمحظوراتِه ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/533).
ثالثًا: أنَّ هذا مِثْلُ ابتداءِ الإحرامِ بالنِّيَّة مطلقًا، ثم تَعْيِينِه باللَّفْظِ بأيِّ أنواعِ النُّسُكِ شاء ((المغني)) لابن قُدامة (3/267)، ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/533).
المَطْلَب السادس: مَن لَبَّى بغيرِ ما نوى
من لبَّى بغيرِ ما نوى، كأنْ يَنْوِيَ القِرانَ، ويجري على لسانِه الإفرادُ، ونحو ذلك؛ فإنَّه يكون مُحْرِمًا بما نوى، لا بما جرى على لِسانِه ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/438)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/61)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/478): ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/55).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يقولُ: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نوى )) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّه [إذا] أراد أن يُهِلَّ بحجٍّ فأهَلَّ بعُمْرَةٍ، أو أراد أن يُهِلَّ بعُمْرَةٍ فلبَّى بحجٍّ: أنَّ اللازمَ ما عقد عليه قَلْبَه، لا ما نَطَقَ به لسانُه) ((الإجماع)) (ص: 51)، ويُنْظَر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/265).
ثالثًا: أنَّ الواجِبَ النِّيَّةُ، وعليها الاعتمادُ، واللَّفْظُ لا عبرةَ به، فلم يُؤَثِّرْ، كما لا يُؤَثِّرُ اختلافُ النيَّةِ فيما يُعْتَبَرُ له اللَّفْظُ دون النِّيَّةِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/265)، ويُنْظَر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/220).
المَطْلَبُ السابعُ: نسيانُ ما أحرَمَ به
مَنْ أحرَمَ بشيءٍ مُعَيَّنٍ، ثم نَسِيَ ما أحرَمَ به؛ فإنَّه يَلْزَمُه حجٌّ وعُمْرَةٌ، ويَعْمَل عَمَلَ القارِن، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (1/223)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/438). ، والمالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/65)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (2/27). ، والشَّافِعِيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/478)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/267).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه تلبَّسَ بالإحرامِ يقينًا فلا يتحَلَّلُ إلا بيقينِ الإتيانِ بالمشروعِ فيه ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/478).
ثانيًا: أنَّه أحوَطُ؛ لاشتمالِه على النُّسُكَينِ، فيتحَقَّقُ بالإتيانِ بالنُّسُكينِ الخروجُ عمَّا شَرَعَ فيه، فتَبْرَأُ ذِمَّتُه ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (2/27)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/478).
المَطْلَب الثامن: الإحرامُ بما أحرَمَ به فلانٌ:
مَن نوى الإحرامَ بما أحْرَمَ به فلانٌ؛ انعقَدَ إحرامُه بِمِثْلِه، فإن كان لا يَعْلَمُ ما أحرَمَ به؛ فإنَّه يَقَعُ مُطْلَقًا ويَصْرِفُه إلى ما يشاء؛ نصَّ على هذا الجُمْهورُ: المالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/68). ، والشَّافِعِيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/477)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/265). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/533)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/268).
الأدلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن جابرِ بن عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((قَدِمَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، بِسعايَتِه، قال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم: بمَ أهْلَلْتَ يا عليُّ؟ قال: بما أهَلَّ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، قال: فأَهْدِ، وامكُثْ حرامًا كما أنت )) رواه البخاري (4352) واللفظ له، ومسلم (1216).
2- عن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((قَدِمْتُ على رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم وهو مُنِيخٌ بالبَطْحاءِ، فقال لي: أحَجَجْتَ؟، فقُلْتُ: نعم، فقال: بمَ أهْلَلْتَ؟، قال: قُلْتُ: لبَّيْكَ بإهلالٍ كإهلالِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، قال: فقد أحسَنْتَ، طُفْ بالبَيْتِ وبالصَّفا والمروة، وأَحِلَّ )) رواه البخاري (1724)، ومسلم (1221) واللفظ له.
ثانيًا: وله أن يَصْرِفَه إلى ما شاء؛ لأنَّه إن صَرَفَه إلى عُمْرَةٍ، وكان نُسُكُ فلانٍ عُمْرَةً، فقد أصاب، وإن كان حجًّا مُفْرَدًا أو قِرانًا فله فَسْخُهُما إلى العُمْرَةِ، وإن صَرَفَه إلى القِرانِ، وكان نُسُكُ فلانٍ قرانًا، فقد أصاب، وإن كان عُمْرَةً، فإدخالُ الحَجِّ على العُمْرَةِ جائزٌ قبل الطواف، فيصير قارنًا، وإن كان مُفْرِدًا، لغا إحرامُه بالعُمْرَة، وصَحَّ بالحَجِّ، وسقط فَرْضُه، وإن صَرَفَه إلى الإفرادِ، وكان مُفْرِدًا، فقد أصاب، وإن كان مُتَمَتِّعًا، فقد أدخَلَ الحَجَّ على العُمْرَة، وصار قارنًا في الحُكْم، وفيما بينه وبينَ الله تعالى، وهو يَظُنُّ أنَّه مُفْرِدٌ، وإن كان قارنًا فكذلك ((المغني)) لابن قُدامة (3/ 268، 269).

انظر أيضا: