الموسوعة الفقهية

المبحث الأوَّل: الاغتسالُ


المَطْلَب الأوَّل: حُكْمُ الاغْتِسالِ للمُحْرِمِ
يُسنُّ الاغْتِسالُ للإحرامِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/344)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/143). ، والمالِكِيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (2/38)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/322). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/212)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/478). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/183)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/348). وحُكِيَ فيه الإجماعُ قال النووي: (اتَّفق العلماء على أنَّه يُستَحَبُّ الغُسْلُ عند إرادةِ الإحرامِ بحجٍّ أو عُمْرَةٍ أو بهما، سواءٌ كان إحرامُه من الميقاتِ الشَّرعيِّ أو غيرِه) ((المجموع)) (7/212). وقال أيضًا: (وهو مُجْمَعٌ على الأمْرِ به، لكِنْ مَذْهَبُنا ومذهب مالكٍ وأبي حنيفة والجمهورِ أنَّه مُستحَبٌّ، وقال الحسن وأهل الظاهر: هو واجِبٌ) ((شرح النووي على مسلم)) (8/133). لكن قال ابنُ قُدامة: (وعلى كلِّ حالٍ؛ فمن أراد الإحرامَ استُحِبَّ له أن يغتَسِلَ قبلَه؛ في قول أكثر أَهْل العِلْم، منهم طاوس, والنخعي, ومالك, والثوري, والشافعي, وأصحاب الرأي) ((المغني)) (3/ 256). وقال ابنُ رشد: (واتَّفَق جمهور العلماء على أنَّ الغُسْلَ للإهلالِ سُنَّةٌ، وأنَّه من أفعالِ الْمُحْرِم) ((بداية المجتهد)) (1/336).
الأدلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عنْ جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((أتينا ذا الحُلَيفةِ، فولَدَت أسماءُ بِنْتُ عُمَيسٍ محمَّدَ بنَ أبي بكرٍ، فأرسَلَتْ إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: كيف أصنَعُ؟ قال: اغتَسِلي، واستَثْفِري بثوبٍ، وأَحْرِمي )) رواه مسلم (1218).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه إذا كانت الحائِضُ أو النُّفَساءُ لا تنتَفِعُ مِن غُسْلِها في استباحَةِ العِبادَةِ كالصَّلاةِ، ومع ذلك أَمَرَها النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم بالاغتسالِ؛ فاغْتِسالُ المُحْرِم الطَّاهِرِ مِن بابِ أَوْلَى، وكان للسُّنِّيَّةِ وليس للوجوبِ؛ لأنَّ الأصْلَ هو براءَةُ الذِّمَّةِ، حتى يَثْبُتَ الوُجوبُ بأمرٍ لا مَدْفَع فيه ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/5)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/337).
2- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((من السُّنَّةِ أن يغتسِلَ عند إحرامِه وعند مَدخَلِ مَكَّةَ )) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (15847)، والبزار (6158)، والطبراني (13/273) (14034) قال البزار: لا نعلَمُه يُروى عن ابنِ عُمرَ مِن وجهٍ أحسَنَ مِن هذا، ووثَّقَ رِجالَه الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (3/220)، وصَحَّحه ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (4/350)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (1/179)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (719).
المَطْلَب الثَّاني: حُكْمُ اغْتِسالِ الحائِضِ والنُّفَساءِ
يُسنُّ للحائِضِ والنُّفَساءِ الغُسْلُ للإحرامِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة قال ابنُ عبدِ البرِّ: (جمهورُ العلماء يستحِبُّونه ولا يُوجِبونَه، وما أعلمُ أحدًا من المتقدِّمين أوجَبَه إلا الحَسَن البصري؛ فإنَّه قال في الحائِضِ والنُّفَساء: إذا لم تغتَسِلْ عند الإهلالِ اغتسلت إذا ذَكَرَت. وبه قال أهلُ الظَّاهر؛ قالوا: الغُسْلُ واجبٌ عند الإهلالِ على كلِّ من أراد أن يُهِلَّ، وعلى كلِّ من أراد الحَجَّ طاهرًا كان أو غيرَ طاهرٍ) ((الاستذكار)) (4/5). وقال النووي: (وفيه صحَّةُ إحرامِ النُّفَساءِ والحائض، واستحبابُ اغتسالِهما للإحرامِ، وهو مُجمَعٌ على الأمْرِ به، لكنْ مذهَبُنا ومذهب مالك وأبي حنيفة، والجمهورُ أنَّه مستحَبٌّ، وقال الحسن وأهل الظاهر: هو واجِبٌ) ((شرح النووي على مسلم)) (8/133). : الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/344)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/143). ، والمالِكِيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (2/38)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/322). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/212)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/478). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/183)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/348).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((... فخَرَجْنا معه، حتى أتَيْنا ذا الحُلَيفةِ، فولَدَت أسماءُ بِنْتُ عُمَيسٍ مُحمَّدَ بنَ أبي بكرٍ، فأرسَلَتْ إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: كيف أصنَعُ؟ قال: اغتَسِلي، واستَثْفِري بثوبٍ، وأَحْرِمي )) رواه مسلم (1218).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ قَوْلَه: ((اغتسلي)) أمرٌ لها بأن تغتَسِلَ مع أنَّها نُفَساءُ لا تَسْتَبيحُ باغتِسالِها هذا الصَّلاةَ، ولا غَيْرَها مِمَّا تُشتَرَطُ له الطَّهارةُ ((شرح السنة)) للبغوى (7/ 43).
ثانيًا: أنَّه غُسلٌ يُراد به النُّسُكُ؛ فاستوى فيه الحائِضُ والطَّاهِرَة ((المجموع)) للنووي (7/211).
ثالثًا: لأنَّ المقصودَ مِن غُسْلِ الإحرامِ: التنظيفُ، وهما أجدَرُ بذلك ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (3/ 100).
المَطْلَب الثَّالِث: استحبابُ تَلبيدِ الرَّأْسِ
يُستحَبُّ للمُحْرِمِ بعد غُسْلِ الإحرامِ أن يُلَبِّدَ التلبيدُ: ضَفْرُ الرَّأسِ بالصَّمْغِ أو الخَطْميِّ وشِبْهِهما مِمَّا يَضُمُّ الشَّعرَ ويَلْزَقُ بعضَه ببعضٍ بما يُسَكِّنه ويمنَعُه من الانتفاشِ والتمَعُّط. ((لسان العرب)) لابن منظور (3/385)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/89، 90)، ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 321). والخَطْمِيُّ: ضرب من النبات يُغْسَلُ به الرَّأس. ((لسان العرب)) لابن منظور (12/186). رأسَه قال البغوي: (وإنَّما يفعَلُه مَنْ يطولُ مكْثُه في أعمالِ الحَجِّ وقَضاءِ مَناسكِه، دونَ المعتَمر الَّذي يتحلَّلُ بطوافٍ وسَعْيٍ). ((شرح السنة)) (7/79). ، وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/220)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/479). ، وقولٌ للحَنَفيَّة ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/26)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم(3/5). ، وقولٌ للمالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/143) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/548، 549). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ قال النووي: (وقوله صلَّى الله عليه وسَلَّم: ((لبَّدْتُ رأسي وقلَّدْتُ هَدْيي)) فيه استحبابُ التلبيدِ وتَقْليد الهَدْيِ، وهما سُنَّتان بالاتفاق). ((شرح النووي على مسلم)) (8/212).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يُهِلُّ مُلَبِّدًا التلبيدُ: أن يُضَفِّرَ رأسَه ويجعَلَ فيه شيئًا من صَمْغٍ وشِبْهِه؛ ليجتمِعَ ويتلبَّدَ؛ فلا يتخَلَّلَه الغبارُ، ولا يُصيبَه الشَّعَث، ولا يحصل به القَمْل. يُنظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (11/ 111). )) رواه البخاري (1540)، ومسلم (1184).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ إهلالَ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم مُلَبِّدًا؛ دَلَّ على استحبابِ تَلبيدِ الرَّأْسِ قبل الإحرامِ ((شرح النووي على مسلم)) (8/89، 90).
2- وعن حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أمَرَ أزواجَه أن يَحْلِلْنَ عامَ حَجَّةِ الوداعِ، قالت حفصة: فقُلْتُ: ما يمنَعُك أن تُحِلَّ؟ فقال: إنِّي لبَّدْتُ رأسي، وقَلَّدْتُ هَدْيِي، فلا أُحِلُّ حتى أنحَرَ هَدْيِي )) رواه البخاري (1697)، ومسلم (1229) واللفظ له.
فيه دليلٌ على استحبابِ تلبيدِ شَعْرِ الرأسِ عند الإِحرامِ ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 321).
3- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال في المُحْرِمِ الذي خَرَّ مِن بَعيرِه مَيِّتًا: ((اغْسِلوه بماءِ سِدْرٍ، وكفِّنُوه في ثَوْبَيْه، ولا تُمِسُّوه بطِيبٍ، ولا تُخَمِّرُوا رأْسَه؛ فإنَّه يُبْعَثُ يومَ القيامَةِ مُلَبِّدًا )) رواه البخاري (1267)، ومسلم (1206) واللفظ له.
ثانيًا: أنَّ ذلك أرفَقُ به؛ لِكَوْنه يُسَكِّنُ شَعْرَه، ويَجْمَعُه، فلا يتولَّدُ فيه القَمْلُ، ولا يتخَلَّلُه الغُبارُ، ولا يتشَعَّثُ، ولا ينتَفِشُ في مدَّةِ الإحرامِ ((شرح السنة)) للبغوي (7/79)، ((المجموع)) للنووي (7/220).

انظر أيضا: