الموسوعة الفقهية

المبحث الأول: الاعتكافُ في أفضَلِ الأوقاتِ والأماكِنِ


المطلب الأول: أفضَلُ الاعتكافِ زمنًا
أفضل الاعتكافِ زمنًا ما كان في رمضانَ، وآكَدُه ما كان في العَشرِ الأواخِرِ منه قال ابنُ دقيق العيد: (واستحبابُه في رمضانَ بخُصوصِه وفي العَشرِ الأواخِرِ بخصوصِها) ((إحكام الأحكام)). (1/293) وقال ابنُ تيمية: (وما فعَلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على وجه التعبُّدِ، فهو عبادةٌ يُشرَعُ التأسي به فيه، فإذا خصَّصَ زمانًا أو مكانًا بعبادةٍ، كان تخصيصُه بتلك العبادةِ سُنَّةً، كتخصيصِه العَشرَ الأواخِرَ بالاعتكافِ فيها) ((مجموع الفتاوى)) (10/409). وقال ابنُ القيم: (ولَمَّا كان هذا المقصودُ إنَّما يَتِمُّ مع الصَّومِ، شُرِعَ الاعتكافُ في أفضل أيامِ الصَّومِ، وهو العَشرُ الأخيرُ مِن رمضانَ) ((زاد المعاد)) (2/87). وقال الشوكاني: (قوله: "العَشرُ الأواخِرُ مِن رمضانَ" فيه دليلٌ على استحباب مُداومةِ الاعتكافِ في العَشرِ الأواخِرِ مِن رمضان؛ لتَخصيصِه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذلك الوَقتَ بالمداومةِ على اعتكافِه) ((نيل الأوطار)) (4/264). وقال ابنُ باز: (ويُستحَبُّ الاعتكافُ في العَشرِ الأواخِرِ مِن رمضان؛ تأسِّيًا بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/442). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/207)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/389) ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/352)، وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/312) ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/475)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/449). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/254)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/348).
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يعتكِفُ العَشرَ الأواخِرَ مِن رمضانَ حتَّى توفَّاه اللهُ، ثم اعتكَفَ أزواجُه مِن بعده )) رواه البخاري (2026)، ومسلم (1172).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذكَرَ أنْ يعتكِفَ العَشرَ الأواخِرَ مِن رمضانَ، فاستأذَنَتْه عائشةُ، فأذِنَ لها، وسألَتْ حفصةُ عائشةَ أن تستأذِنَ لها ففعَلَتْ، فلمَّا رأت ذلك زينبُ ابنةُ جَحشٍ أَمَرَتْ ببناءٍ، فبُنِيَ لها، قالت: وكان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا صلى انصرَفَ إلى بنائِه، فبَصُرَ بالأبنيةِ، فقال: ما هذا؟ قالوا: بناءُ عائشةَ وحَفصةَ وزينبَ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: آلبِرَّ أردْنَ بهذا؟ ما أنا بمُعتكفٍ. فرجَعَ، فلما أفطَرَ اعتكَفَ عَشرًا من شوَّال )) رواه البخاري (2045)، ومسلم (1173).
المطلب الثاني: أفضلُ أماكِنِ الاعتكافِ
أفضَلُ أماكِنِ الاعتكافِ هو المسجِدُ الحرامُ، ثمَّ يليه المسجِدُ النَّبويُّ، ثمَّ المسجِدُ الأقصى قال ابنُ عُثيمين: (لا شكَّ أنَّ الاعتكافَ في المساجِدِ الثلاثةِ أفضَلُ مِن غَيرِه) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (20/ 160). ، ثم المسجِدُ الجامِعُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/324)، وينظر: ((المبسوط)) للشيباني (2/282). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (3/344)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/935). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/479)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (2/118). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/259)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/151).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ هذه المساجِدَ الثَّلاثةَ قد خَصَّها الله تعالى بمَزيدٍ من التَّشريفِ على غيرِها، فهي أعظَمُ مَساجِدِ الله عزَّ وجلَّ، وأفضَلُ مساجِدِ الله سُبحانَه قال ابنُ تيمية: (والمسجِدُ الحرامُ أفضَلُ المساجدِ، ويليه مسجِدُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويليه المسجِدُ الأقصى) ((مجموع الفتاوى)) (27/7).
ثانيًا: ولأنَّ كُلَّ ما عظُم من المساجِدِ وكثُر أهلُه، فهو أفضَلُ ((المبسوط)) للشيباني (2/282).
ثالثًا: لأنَّ الاعتكافَ قد يتخَلَّلُه يومُ جُمُعةٍ، فإن لم يكُنِ اعتكافُه في مسجِدِ جُمُعةٍ، اضطُرَّ إلى الخُروجِ لأدائِها (( فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (16/489).

انظر أيضا: