الموسوعة الفقهية

المطلب التَّاسع: المسح على العمامة


يجوزُ المسحُ على العمامةِ، مقتصرًا عليها دونَ مسْحِ الرَّأس، وهذا مَذهَبُ الحنابلةِ على المشهورِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/119)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/219)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدِّين ابن قدامة (1/150). ، والظاهريَّة قال ابن حزم: (كلُّ ما لُبِسَ على الرَّأس من عمامةٍ أو خمار، أو قَلَنْسُوة أو بيضة، أو مِغفَر، أو غير ذلك: أجزأ المسحُ عليها، المرأةُ والرَّجل سواءٌ في ذلك، لعلَّةٍ أو غير عِلَّة... وهو قول الأوزاعيِّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وداود بن عليٍّ، وغيرهم). ((المحلى)) (2/58-61). ، وبه قال جمهورُ الصَّحابة والتَّابعين قال ابن المُنذِر: (اختلفوا في المسحِ على العمامة، فأجازت طائفةٌ المسح على العمامة، وممَّن فعل ذلك أبو بكر الصِّدِّيق، وعمر، وأنس، وأبو أمامة، ورُوي ذلك عن سعد بن أبي وقَّاص، وأبي الدَّرداء، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، والحسن، وقتادة... وبه قال الأوزاعيُّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور) ((الأوسط)) (2/120). وقال ابن حزم: (بهذا القولِ يقولُ جُمهورُ الصَّحابة والتَّابعين). ((المحلى)) (1/305). وقال النوويُّ: (قالت طائفةٌ: يجوزُ الاقتصارُ على العِمامة؛ قاله سفيان الثوريُّ، والأوزاعيُّ، وأحمد، وأبو ثور، وإسحاق، ومحمَّد بن جرير، وداود). ((المجموع)) (1/407). ، وهو اختيارُ ابنِ المُنذِر ((المغني)) لابن قدامة (1/219). ، وابنِ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (معلومٌ أنَّ في هذا الباب مِن الرُّخصة التي تُشبِه أصولَ الشَّريعة، وتوافِقُ الآثار الثَّابتة عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. واعلمْ أنَّ كلَّ من تأوَّل في هذه الأخبارِ تأويلًا- مثل كون المسحِ على العمامة مع بعضِ الرَّأس هو المجزئُ، ونحو ذلك- لم يقِف على مجموع الأخبار، وإلَّا فمَن وقف على مجموعِها أفادتْه علمًا يقينًا بخلاف ذلك). ((مجموع الفتاوى)) (21/21). ، وابنِ القيِّم قال ابن القيِّم: (رَددتُم السُّنن الثَّابتة عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المَسحِ على العمامة، وقلتم: إنَّها زائدة على نصِّ الكتابِ، فتكون ناسخةً له فلا تُقبَل، ثم ناقَضْتم فأخذتُم بأحاديثِ المَسحِ على الخفَّين، وهي زائدةٌ على القرآنِ، ولا فرق بينهما، واعتذرتم بالفَرقِ بأنَّ أحاديثَ المَسحِ على الخفَّين متواترةٌ، بخلافِ المَسحِ على العمامة، وهو اعتذارٌ فاسِدٌ؛ فإنَّ من له اطِّلاعٌ على الحديث لا يشكُّ في شهرةِ كلٍّ منها، وتعدُّدِ طُرُقها، واختلافِ مَخارِجِها، وثبوتِها عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قولًا وفعلًا..). ((أعلام الموقعين عن رب العالمين)) (2/322، 323). ، والشوكانيِّ قال الشوكانيُّ: (الحاصل: أنَّه قد ثبت المسحُ على الرَّأس فقط، وعلى العمامةِ فقط، وعلى الرأسِ والعمامةِ، والكلُّ صحيحٌ ثابت؛ فقَصْرُ الإجزاءِ على بعض ما ورد لِغَيرِ مُوجِبٍ، ليس من دأْبِ المُنصِفين). ((نيل الأوطار)) (1/166). ، والشنقيطيِّ قال الشنقيطيُّ: (فقد ثبَت في مَسحِ الرَّأس ثلاث حالات: المسحُ على الرَّأس، والمسُح على العِمامة، والجمعُ بينهما بالمَسحِ على النَّاصية والعمامة. والظاهر من الدَّليل جوازُ الحالات الثَّلاث المذكورة، والعِلم عند الله تعالى). ((أضواء البيان)) (1/353). ، وابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: (المسحُ على العمامة ممَّا جاءت به السُّنَّة عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما في حديث المغيرة بن شُعبة رَضِيَ اللهُ عنه، فيجوز المسح عليها، فيمسَحُ على العمامةِ كلِّها أو أكثَرِها). ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (11/170).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قولُ الله تعالى في آيةِ الوُضوءِ: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ [المائدة: 6]
وجه الدَّلالة:
 أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مبيِّنٌ لكلامِ الله، مفسِّرٌ له، وقد مسح النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على العِمامةِ،كما أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أمر بغَسلِ الرِّجلين، وجاءت السُّنَّة النَّبويَّة بالرُّخصةِ بمَسحِ حائِلِهما ((المغني)) لابن قدامة (1/219).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن المُغيرة بن شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم توضَّأ، فمسحَ بناصِيَتِه، وعلى العمامةِ، وعلى الخفَّينِ )) رواه مسلم (274).
2- عن عمرِو بن أُميَّة رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يمسَحُ على عِمامَتِه وخُفَّيه )) رواه مسلم (205).
ثالثًا: من الآثار قال ابن حزم: (أمَّا الحنفيُّون المتزيَّنون في هذا المكان باتِّباعهم، فقد خالفوا أبا بكر, وعمر, وعليَّ بن أبي طالب; وابن مسعود, وابن عبَّاس, والمغيرة بن شُعبة, وأنس بن مالك, وأمَّ سلمة أمَّ المؤمنين: في المسحِ على العِمامة). ((المحلى)) (4/253).
1- عن عبد الرَّحمن بن عُسيلةَ الصُّنابحيِّ قال: (رأيتُ أبا بكر الصِّدِّيقَ يمسَحُ على الخِمارِ- يعني: في الوضوءِ) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (1/22). قال ابن حزم في ((المحلى)) (2/60): إسناده في غاية الصحَّة.
2- عن سُوَيد بن غَفَلَة قال: (سألتُ عُمرَ بن الخطَّاب عن المسحِ على العِمامةِ؟ قال: إنْ شئتَ فامسَحْ عليها، وإنْ شئتَ فلا) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (1/22) قال ابن حزم في ((المحلى)) (2/60): إسناده في غاية الصحَّة.

انظر أيضا: