الموسوعة الفقهية

المبحث الخامس: أحكامٌ متفَرِّقةٌ


المطلب الأول: حُكمُ صومِ المريضِ إذا تحامَلَ على نفسِه
إذا تحامَلَ المريضُ على نفسه فصامَ؛ فإنه يُجزئهُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/303)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/84). ، والمالكيَّة ((الكافي) لابن عبد البر (1/338). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/258)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/218). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/203)، وينظر: (( المغني)) لابن قدامة (3/155). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا على أنَّ المريضَ إذا تحامَلَ على نفسِه فصام؛ أنَّه يُجزِئُه) ((مراتب الإجماع)) (ص: 40)، ولم يتعقَّبه ابنُ تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). وقال ابن عبد البر: (إجماعُهم أنَّ المريضَ إذا تحامَلَ على نفسه فصام وأتَمَّ يومَه؛ أنَّ ذلك مجزئٌ عنه) ((التمهيد)) (2/175). وخالف الظاهريَّة فقالوا: إنَّ صيامَ المُسافِرِ والمريضِ لا يصِحُّ، وأوجَبوا عليه عدَّةً مِن أيَّامٍ أُخَرَ وإن صام في رمضانَ. ينظر: (القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/131). وفرَّق ابنُ حَزمٍ بين من يُؤذِيه الصَّومُ ويشُقُّ عليه: فلا يصِحُّ صومه، وبين مَن لا يشُقُّ عليه: فيصِحُّ صَومُه، قال ابن حزم: (فإذ قد صَحَّ هذا، فمَن سافَرَ في رمضانَ فله أن يصومَ تطوُّعًا، وله أن يصومَ فيه قضاءَ رمضانَ أفطَرَه قبلُ، أو سائِرَ ما يلزَمُه مِن الصَّومِ نَذرًا أو غيرَه؛ لأنَّ الله تعالى قال: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184] : ولم يخُصَّ رمضانَ آخرَ مِن غيرِه ولم يمنَعِ النَّصُّ من صيامِه إلا لِعَينِه فقط؛ وأمَّا المريض فإن كان يؤذيه الصَّومُ فتكَلَّفَه، لم يُجْزِه وعليه أنْ يَقضِيَه؛ لأنَّه منهيٌّ عن الحَرَجِ والتكلُّف، وعن أذى نفسِه، وإن كان لا يشُقُّ عليه أجزأه؛ لأنه لا خلافَ في ذلك، وما نعلَمُ مَريضًا لا حرَجَ عليه في الصَّومِ، قال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] فالحرَجُ لم يجعَلْه اللهُ تعالى في الدِّينِ) ((المحلى)) (4/405). ؛ وذلك لأنَّ الصَّومَ عزيمةٌ أُبِيحَ ترْكُها رُخصةً، فإذا تحمَّلَه، أجزَأَه؛ كالمريضِ الذي يُباحُ له تركُ الجُمُعة إذا حَضَرها، والذي يُباحُ له ترْكُ القِيامِ في الصَّلاةِ إذا قام فيها (( المغني)) لابن قدامة (3/156).
المطلب الثاني: إذا أصبَحَ المريضُ صائمًا ثم بَرَأَ في النَّهارِ 
إذا أصبَحَ المريضُ صائمًا ثم بَرَأَ في النَّهارِ؛ فإنَّه لا يُفطِرُ ويلزَمُه الإتمامُ؛ نصَّ عليه الحَنَفيَّة ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/248)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/351). ،  والشَّافِعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/369). ، والحَنابِلة ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/62). ؛ وذلك لانتفاءِ ما يُبيحُ له الفِطرَ.
المطلب الثالث: حُكمُ إمساكِ المُفطِرِ لمَرَضٍ إذا زال مرضُه أثناءَ النَّهارِ
إذا أفطَرَ المريضُ ثم زال مرَضُه أثناءَ النَّهارِ؛ فقد اختلف أهلُ العِلم في إمساكِه بقيَّةَ اليومِ على قولينِ:
القول الأول: لا يلزَمُه إمساكُ بقِيَّةِ اليومِ، وهو مذهب المالكِيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/551). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/262). ، وروايةٌ عند الحَنابِلة ((الشرح الكبير)) لابن قدامة (3/15). ، وهو اختيارُ ابنِ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/335-336).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه لا دليلَ على وُجوبِ الإمساكِ.
ثانيًا: لأنَّه لا فائدةَ مِن هذا الإمساكِ، وذلك لوُجوبِ القَضَاءِ عليه ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/335).
ثالثًا: لأنَّ حُرمةَ الزَّمَنِ قد زالَتْ بِفِطرِه أوَّلَ النَّهارِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/335).
القول الثاني: يلزَمُه الإمساكُ، وهو مذهب الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/311)، وينظر: (((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/363). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/309)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/145). ، ووجهٌ عند الشَّافِعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/372). ، وهو قَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ قدامة: (وهو قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح والعنبري) ((المغني)) (3/ 145، 146).
وذلك لأنَّ المريضَ صار مِن أهلِ الوُجوبِ حين زوالِ مَرَضِه؛ فيُمسِكُ تشبُّهًا بالصَّائِمينَ وقضاءً لحَقِّ الوقتِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/103).

انظر أيضا: