الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: حدُّ المَرَضِ الذي يُبيحُ الفِطرَ


المطلب الأول: المرضُ الذي يزيدُ بالصَّومِ
إذا خاف المريضُ زيادةَ المَرَض بصيامِه أو كان يشُقُّ عليه ولا يضُرُّه؛ فله أن يُفطِر، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/422)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 94). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/382)، وينظر: ((تفسير القرطبي)) (2/ 276). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/310)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 156). ، وهو قَولُ جُمهورِ العُلَماءِ قال القرطبي: (وقال جمهورٌ مِنَ العُلَماءِ: إذا كان به مَرضٌ يُؤلِمُه ويُؤذِيه أو يخافُ تَمادِيَه أو يخافُ تَزَيُّدَه؛ صحَّ له الفِطرُ. قال ابنُ عطية: وهذا مذهَبُ حذَّاقِ أصحاب مالك، وبه يناظِرون. وأمَّا لفظُ مالك فهو المَرَضُ الذي يشُقُّ على المرء ويبلُغُ به. وقال ابنُ خويز منداد: واختلفت الروايةُ عن مالكٍ في المرضِ المبيحِ للفِطرِ، فقال مرَّةً: هو خَوفُ التَّلَفِ من الصيام. وقال مرة: شِدَّةُ المرضِ، والزيادةُ فيه، والمشقَّةُ الفادحة. وهذا صحيحٌ مَذهَبُه، وهو مقتضى الظاهر؛ لأنَّه لم يخُصَّ مَرَضًا مِن مَرَضٍ فهو مباحٌ في كُلِّ مَرَضٍ، إلَّا ما خصَّه الدَّليلُ مِن الصُّداع والحمَّى والمرض اليسير الذي لا كُلفَةَ معه في الصِّيام.) ((تفسير القرطبي)) (2/ 276).
الدليل: من الكتاب
وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ البقرة: 185.
المطلب الثاني: المَرَضُ الذي يضُرُّ الصَّائِم ويَخافُ معه الهَلاك
إذا كان المَرَضُ يضُرُّ الصَّائِم، وخَشِيَ الهلاكَ بِسَبَبه؛ فالفِطرُ عليه واجبٌ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة قال ابنُ نجيم: (.. إذا خاف الهلاك فالإفطار واجب) ((البحر الرائق)) (2/303). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/382)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/718). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/257)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/437). ، وجزم به جماعةٌ من الحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/310).
الأدِلَّة: مِنَ الكتاب
1- قولُه تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: 29]
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّهيَ هنا يَشمَلُ ما فيه إزهاقٌ للنَّفسِ، وما فيه ضَرَرٌ؛ بدليلِ احتجاجِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنه بهذه الآيةِ على تَرْكِه الاغتسالَ في شِدَّةِ البَرْدِ لَمَّا أجنَبَ؛ وإقرارِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/ 340).
2- قولُه تعالى: وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: 195]
المطلب الثالث: المَرَضُ اليسيرُ
مَن مَرِضَ مرضًا لا يؤثِّر فيه الصَّومُ، ولا يتأذَّى به- مثل الزُّكام أو الصُّداع اليَسيرَينِ، أو وجَع الضِّرس، وما أشبه ذلك- فلا يحِلُّ له أن يُفطِرَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/282)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/97)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/366). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/447)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/718). ، والشَّافِعيَّة قال النووي: (وأمَّا المرَضُ اليسيرُ الذي لا يلحَقُ به مشقَّةٌ ظاهرةٌ؛ لم يجُزْ له الفِطرُ بلا خلافٍ عندنا) ((المجموع)) (6/258). ، والحَنابِلة ((الفروع)) لابن مفلح (4/437)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/310). ؛ وذلك لأنَّ المريضَ إذا لم يتأذَّ بالصَّومِ، كان كالصَّحيحِ فيَلْزَمُه الصِّيامُ؛ ولأنَّ المَرَضَ لَمَّا كان منه ما يَضُرُّ، ومنه ما لا يَضُرُّ، اعتُبِرَت حِكمَتُه، وهي ما يُخافُ منه الضَّرَرُ ((المغني)) لابن قدامة (3/156).

انظر أيضا: