الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: البلوغ


المطلب الأوَّلُ: اشتراطُ البُلوغِ
يُشتَرَطُ لوجوبِ الصَّومِ: البلوغُ فائدة: قال ابنُ عُثيمين: (ويَحْصل بُلوغُ الذَّكَرِ بواحدٍ من أمورٍ ثلاثةٍ: أحدُها: إِنزالُ المَنيِّ باحتلامٍ أو غيرهِ. الثاني: نبَاتُ شَعرِ العَانةِ وهو الشَّعْر الْخشِنُ ينْبُت حولَ الْقُبُلِ. الثالثُ: بلوغُ تمامِ خَمْسَ عَشْرةَ سنةً. ويحصل بلوغُ الأُنثى بما يحْصلُ به بلوغُ الذَكَرِ وزيادةُ أمرٍ رابعٍ وهو الحَيضُ). ((مجالس شهر رمضان)) (ص: 28).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حتى يستيقِظَ، وعن الصبيِّ حتى يبلُغَ، وعن المجنونِ حتى يعقِلَ )) رواه أبو داود (4402)، وأحمد (940)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (7303)، وابن خزيمة (1003)، والحاكم (949).  حسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/206)، والحاكم وقال: على شرط الشيخين، والنووي في ((المجموع)) (6/253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403).
ثانيًا: من الإجماعِ
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفَقوا على أنَّ صِيامَ نَهارِ رَمَضانَ على: الصَّحيحِ المُقيمِ العاقِلِ البالِغِ الذي يعلَمُ أنَّه رمضانُ، وقد بلَغَه وجوبُ صِيامِه وهو مُسلمٌ) ((مراتب الإجماع)) (ص 39)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). وانظر ((المحلى)) لابن حزم ( 6/160). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (وأمَّا على مَن يجِبُ وجوبًا غير مُخيَّرٍ: فهو البالِغ، العاقِلُ، الحاضر، الصَّحيح، إذا لم تكُن فيه الصِّفةُ المانعة مِن الصَّوم، وهي: الحَيضُ للنِّساءِ، وهذا لا خِلافَ فيه؛ لِقَولِه تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185] ). ((بداية المجتهد)) (2/46). ، والنَّوويُّ قال النووي: (لا يجِبُ صَومُ رَمَضانَ على الصبيِّ، ولا يجِبُ عليه قضاءُ ما فات قبل البلوغِ، بلا خلافٍ) ((المجموع)) (6/253). ، ومحمدُ ابنُ مُفلحٍ قال ابنُ مفلح: (صومُ رَمَضانَ فرضٌ على كلِّ مسلمٍ بالِغٍ، عاقلٍ، قادرٍ، مُقيمٍ "ع" [إجماع]). ((الفروع)) (4/428). ، وإبراهيمُ ابن مفلح قال برهان الدين ابن مُفلح: ("ولا يجِبُ الصَّومُ إلَّا على المسلِم البالِغِ، العاقِلِ، القادِرِ على الصَّومِ" إجماعًا). ((المبدع)) (2/414).
ثالثًا: أنَّ الصَّبيَّ لِضَعفِ بِنيَتِه وقصورِ عَقلِه واشتغالِه باللَّهوِ واللَّعِبِ؛ يشُقُّ عليه تفَهُّمُ الخطابِ، وأداءُ الصَّومِ، فأسقَطَ الشَّرعُ عنه العباداتِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/87).
المطلب الثاني: قضاءُ البالِغِ لِمَا فاتَه قَبلَ البُلوغِ
لا يجبُ على البالِغِ قضاءُ ما فات قَبل البُلوغ.
الأدلة:
أولًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ قال النووي: (فلا يجبُ صومُ رمضانَ على الصبيِّ، ولا يجب عليه قضاءُ ما فات قبل البلوغِ، بلا خلافٍ) ((المجموع)) (6/253). وقال الطحطاوي: (قوله "لا ما مضى" أي: اتِّفاقًا؛ لعدم شرْطِ الوجوبِ فيما مضى، وهو الإسلامُ والبلوغ) ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 421). لكن ذَهب الأوزاعيُّ وعبدُ الملك بن الماجشون إلى أنَّ الغُلامَ إذا بلغ أثناءَ رَمَضانَ، فإنَّه يصومُ ما مضى من أوَّلِ الشَّهرِ. ينظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (3/352). ومسألةُ بلوغِ الصبيِّ أثناءَ شَهرِ رَمضانَ سيأتي ذِكرُها.
ثانيًا: أنَّ زَمَن الصِّبا ليس زمَنَ تكليفْ؛ للحديث: ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ...)) ولو وجب عليه القَضاءُ لوجب عليه أداؤُه في حالِ الصِّغَرِ ينظر: ((المجموع)) للنووي (6/253).
المطلب الثالث: أمرُ الصَّبيِّ بالصَّومِ
إذا كان الصبيُّ يُطيقُ الصِّيامَ دون وقوعِ ضَرَرٍ عليه، فعلى وليِّهِ أن يأمُرَه بالصَّومِ؛ ليتمَرَّنَ عليه ويتعوَّدَه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/339)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/373). ، والشَّافِعيَّة قال النووي: (قال المُصَنِّفُ والأصحاب: وإذا أطاق الصَّومَ وَجَبَ على الوليِّ أن يأمُرَه به لسبعِ سِنينَ، بشَرطِ أن يكون مُمَيِّزًا، ويضرِبَه على ترَكِه لعشرٍ؛ لِمَا ذكره المُصنِّفُ، والصَّبِيَّةُ كالصبيِّ في هذا كلِّه بلا خلافٍ) ((المجموع)) (6/253). والحَنابِلة على اختلافٍ بينهم في تحديدِ السِّنِّ التي يُؤمَرُ فيها الصَّبيُّ. ((الإنصاف)) للمرداوي (3/199)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/14). ، وهو قولٌ عند المالكيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (2/533). ، وبه قالت طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ قدامةَ: (ومِمَّن ذهب إلى أنَّه يُؤمَرُ بالصِّيامِ إذا أطاقه: عطاءٌ والحسَنُ وابنُ سيرين والزُّهري وقتادة والشَّافعي) ((المغني)) (3/ 161).
الدليلُ منَ السُّنَّة:
عن الرُّبيِّع بنتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ الله عنها قالت: ((أرسَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غداةَ عاشُوراءَ إلى قُرى الأنصارِ: من أصبَحَ مُفطِرًا فلْيُتِمَّ بقيَّةَ يَومِه، ومن أصبَحَ صائمًا فلْيَصُمْ، قالت: فكُنَّا نصومُه بعدُ، ونُصَوِّم صِبيانَنا، ونجعَلُ لهم اللُّعبةَ مِنَ العِهنِ)) رواه البخاري (1960) ومسلم (1136).
وفي لفظ: ((... ونصنَعُ لهم اللُّعبةَ مِنَ العِهنِ، فنذهَبُ به معنا، فإذا سألونا الطَّعامَ أعطيناهم اللُّعبةَ تُلهِيهم حتى يُتِمُّوا صَومَهم )) رواه مسلم (1136).
المطلب الرابع: حُكمُ قضاءِ ما سبَقَ إذا بلغ الصبيُّ أثناءَ شَهرِ رَمضانَ
إذا بلغَ الصَّبيُّ أثناءَ شَهرِ رَمَضانَ؛ فإنَّه يصومُ بقيَّةَ الشَّهرِ ولا يلزَمُه قضاءُ ما سبَقَ، سواءٌ كان قد صامَه أم أفطَرَه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 421)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/87). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/328)، (شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (2/349). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/253)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/187). ، والحَنابِلة ((المبدع)) لابن مفلح (2/415)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/309)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/162)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/15). ، وهو قولُ عامَّةِ أهلِ العِلمِ ((المغني)) لابن قدامة (3/162). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ قال النَّووي: (لا يجِبُ صَومُ رَمَضانَ على الصبيِّ، ولا يجِبُ عليه قضاءُ ما فات قبلَ البلوغ بلا خلافٍ) ((المجموع)) للنووي (6/ 253). وقال الطحطاوي: (قوله "لا ما مضى" أي اتِّفاقًا؛ لعَدَمِ شَرطِ الوجوبِ فيما مضى، وهو الإسلامُ والبلوغُ) ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 421).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه لا يُوجَّهُ إليه الأمرُ بالصَّومِ حينذاك؛ لأنَّه ليس مِن أهلِ وُجوبِ الصَّومِ؛ وعليه فلا يلزَمُه قضاؤُه ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/97).
ثانيًا: أنَّه زمنٌ مضى في حالِ صِباه، فلم يلزَمْه قضاءُ الصَّومِ فيه، كما لو بلَغَ بعد انسلاخِ رمضانَ ((المغني)) لابن قدامة (3/162).
المطلب الخامس: حُكمُ القَضاءِ والإمساكِ إذا بلغَ الصَّبيُّ أثناءَ نهارِ رَمَضانَ وهو مُفطِرٌ
إذا بلغ الصبيُّ أثناءَ نهارِ رَمَضانَ وهو مُفطِرٌ؛ فإنَّه يلزَمُه أن يُمسِكَ بقِيَّةَ يَومِه، ولا قضاءَ عليه، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/310)، وينظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/373)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/363)، ، وروايةٌ عن أحمَدَ ((المغني)) لابن قدامة (3/ 162)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/15)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/200). ، اختارها ابنُ تيميَّةَ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/109)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/200). ، وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/334). ؛ وذلك لأنَّه صار مِن أهلِ الوُجوبِ حين بُلوغِه؛ فيُمسِكُ تشبُّهًا بالصَّائِمين، وقضاءً لِحَقِّ الوَقتِ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/313). ، ولا تلزَمُه الإعادةُ؛ لأنَّه أتى بما أُمِرَ به ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/334).

انظر أيضا: