الموسوعة الفقهية

المبحث الثالث: مقدار الصَّاع في زكاة الفِطر


مِقدارُ الصَّاعِ الواجِبُ في زكاةِ الفِطرِ: خمسةُ أرطالٍ الرِّطلُ- وكسره أشهَرُ من فتحه-: هو معيارٌ يُوزَن به، وإذا أُطلِقَ الرِّطلُ في الفروعِ فالمرادُ به رِطلُ بغداد، ومقدارُه اثنتا عشرةَ أوقيَّةً بالوزنِ، أي: 408 جراماتٍ، ومقدارُه بالكَيل: مُدٌّ وثلُثٌ. ((المصباح المنير في غريب الشرح الكبير)) للفيومي (1/230)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/179). وثلُثٌ بالعراقيِّ في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: ( مقدارُ زكاةِ الفِطرِ عَن الفَردِ ثلاثة كيلو تقريبًا من الأَرز أو غيرِه مِن قوتِ البَلدِ). ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة – المجموعة الثانية)) (8/266). قال ابنُ باز: (الواجِبُ صاعٌ مِن جَميعِ الأجناسِ بصاعِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو أربع حفَناتٍ باليَدينِ المعتدلِتَينِ الممتلِئَتينِ، كما في القاموس وغيره، وهو بالوَزنِ يقارِبُ ثلاثة كيلو غرام، فإذا أخرجَ المُسلِمُ صاعًا من الأرز أو غيرِه مِن قُوتِ بَلَدِه، أجزَأَه ذلك، وإن كان من غيرِ الأصنافِ المذكورةِ في هذا الحديثِ في أصحِّ قولَيِ العلماء، ولا بأس أن يُخرِجَ مِقدارَه بالوزنِ، وهو ثلاثة كيلو تقريبًا). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/201). وقال ابنُ عُثيمِين: (الصَّاعُ مكيالٌ يُقدَّرُ به الحجم، نُقِلَ إلى المِثقالِ الذي يُقدَّرُ به الوزن؛ نظرًا لأنَّ الأزمان اختلفَتْ، والمكاييلَ اختلفت، فقال العلماء: ونُقِلَت إلى الوزن؛ من أجل أن تُحفَظ؛ لأنَّ الوَزنَ يُحفَظ، واعتبَرَ العُلَماءُ رحمهم الله البُرَّ الرزين، الذي يعادِلُ العَدَس، وحرَّروا ذلك تحريرًا كاملًا، وقد حرَّرْتُه فبلغ كيلوين وأربعين جرامًا من البُرِّ الرزين). ((الشرح الممتع)) (6/176). وقال: (ومقدارُ الصَّاعِ كيلوانِ وأربعونَ غرامًا من البُرِّ الجيِّد، هذا هو مقدارُ الصَّاعِ النبويِّ الذي قدَّرَ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الفِطرةَ). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (20/112). ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/ 506)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/78)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/744). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/128)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي و((حواشي الشرواني والعبادي)) (3/316)، ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/206)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/81). ، وإليه رجع أبو يوسُفَ مِنَ الحنفيَّة ((مختصر اختلاف العلماء)) (1/455). ، واختاره أبو عُبيدٍ وإسحاقُ بنُ راهَوَيه قال ابنُ قدامة: (الصَّاعُ: خمسةُ أرطالٍ وثلثٌ بالعراقيِّ، والمُدُّ: رُبُعُ ذلك، وهو رِطلٌ وثلثٌ، وهذا قولُ مالكٍ والشافعيِّ وإسحاق وأبي عُبَيد وأبي يوسُفَ). ((المغني)) (1/163). ، وبه قال فُقَهاءُ الحَرَمينِ، وأكثَرُ فُقَهاءِ العِراقيِّينَ قال النوويُّ: (الصاعُ المُجزِئُ في الفِطرةِ عندنا خمسةُ أرطالٍ وثلثٌ بالبغداديِّ، وبه قال جمهورُ العُلَماءِ مِنَ المتقدِّمين والمتأخِّرين؛ قال الماوَرْديُّ: وبه قال مالكٌ وأبو يُوسُفَ وأحمد، وفقهاءُ الحَرَمينِ، وأكثَرُ فُقَهاءِ العراقيِّينَ). ((المجموع)) للنووي (6/143).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((المكيالُ مكيالُ أهلِ المدينةِ، والوزنُ وزنُ أهلِ مكَّةَ )) رواه أبو داود (3340)، والنسائي (7/284) (4594)، والطبراني (12/392) (13449)، صححه الدارقطني كما في ((تلخيص الحبير)) (2/759)، وابن حزم في ((المحلى)) (11/353)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (1/279)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/562)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (4608).
وجه الدَّلالة:
أنَّ مكيالَ أهلِ المَدينةِ هو المُعتبَرُ، ولَمَّا نقَلَ أهلُ المدينةِ مِقدارَ الصَّاعِ خلَفًا عَن سَلَفٍ، تعيَّنَ الأخذُ به قال ابنُ حَزْم: (فلم يسَعْ أحدًا الخروجُ عن مكيالِ أهلِ المدينة ومِقداره عندهم, ولا عن موازينِ أهلِ مكَّة, ووجدْنا أهلَ المدينةِ لا يختَلِفُ منهم اثنانِ في أنَّ مُدَّ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم الذي به تؤدَّى الصَّدَقاتُ ليس أكثَرَ مِن رِطلٍ ونصفٍ, ولا أقلَّ مِن رِطلٍ وربع. وقال بعضهم: رِطل وثُلُث, وليس هذا اختلافًا; لكنَّه على حَسَب رزانةِ المكيلِ مِنَ البُرِّ, والتَّمر, والشعير). ((المحلى)) (5/245رقم 642). وقال ابنُ دقيق العيد: (الصَّاعُ أربعةُ أمدادٍ، والمُد: رِطلٌ وثلث بالبغداديِّ، وخالف في ذلك أبو حنيفةَ، وجعَل الصَّاعَ ثمانيةَ أرطالٍ، واستدلَّ مالكٌ بنَقلِ الخَلَفِ عَنِ السَّلَفِ بالمدينة، وهو استدلالٌ صحيحٌ قويٌّ في مثل هذا، ولَمَّا ناظر أبا يوسُفَ بحضرةِ الرَّشيدِ في المسألة رجع أبو يوسُفَ إلى قَولِه لَمَّا استدلَّ بما ذَكَرْناه). ((إحكام الأحكام)) (ص: 265).
وممَّا ورد في البابِ:
1- عن مالك قال: أخرج لي نافعٌ صاعًا وقال: (هذا صاعٌ أعطانِيه ابنُ عُمَرَ، وقال هذا صاعُ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فعيَّرْتُه فكان بالعِراقيِّ خَمسةَ أرطالٍ) ((الحاوي)) للماوردي (3/382).
2- أنَّ أبا يُوسُفَ دخل المدينةَ، فسألهم عن الصَّاعِ، فقالوا: خمسةُ أرطالٍ وثُلُثٌ، فسألهم الحُجَّةَ فقالوا: غدًا، فجاء مِنَ الغَدِ سبعونَ شيخًا، كلُّ واحد منهم آخِذٌ صاعًا تحت ردائِه، فقال: صاعي وَرِثتُه عن أبي، ووَرِثَه أبي عن جَدِّي، حتى انتهَوْا به إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فرجَعَ أبو يوسُفَ عَن قَولِه ((المغني)) لابن قدامة (1/164).
3- عن عُمَرَ بنِ حَبيبٍ القاضي قال: (حجَجْتُ مع أبي جعفرٍ، فلمَّا قدِمَ المدينةَ قال ائتونِي بصاعِ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فعايَرَه، فوجَده خمسةَ أرطالٍ وثلثًا برِطلِ أهلِ العِراقِ) ((المهذب)) للشيرازي (1/165).

انظر أيضا: