الموسوعة الفقهية

المبحث الثالث: مصرف سهْم (في سبيل الله)


مَصرِفُ هذا السَّهمِ هو في الجهادِ في سبيلِ الله، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّة الأربَعةِ: الحنفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/264)، ((البناية شرح الهداية)) لبدر الدين العيني (3/454). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/233) ويُنظر: ((التلقين في الفقه المالكي)) لعبد الوهاب بن نصر الثعلبي (1/68)، و((تفسير القرطبي)) (8/185). ، والشافعيَّة ((كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار)) لأبي بكر بن محمد الحسيني (ص: 194)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/159). ، والحَنابِلَة ((المغني)) لابن قدامة (6/482)، ((حاشية الروض المربع)) لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم (3/319). ، وهو مذهَبُ الظَّاهِريَّة قال ابنُ حَزْم: (وأمَّا سبيلُ اللهِ، فهو الجهادُ بحقٍّ). ((المحلى)) (6/151 رقم 719). ، وقولُ أكثَرِ العلماءِ وبه قال إسحاقُ، وأبو ثور، وأبو عبيد القاسم بن سلام والطبري، وابن المُنْذِر. ((تفسير القرطبي)) (8/185)، ((المغني)) لابن قدامة (6/482). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ العربي: (لا أعلم خِلافًا في أنَّ المرادَ بِسَبيلِ الله ها هنا: الغزوُ، ومن جملة سبيلِ اللهِ، إلَّا ما يُؤثَر عن أحمد وإسحاق؛ فإنَّهما قالا: إنَّه الحَجُّ، والذي يصحُّ عندي مِن قَولِهما أنَّ الحَجَّ مِن جُملة السُّبُلِ مع الغَزوِ؛ لأنَّه طريق برٍّ فأُعطي منه باسْم السبيلِ، وهذا يحُلُّ عُقَدَ الباب، ويخرِمُ قانونَ الشريعة، ويَنثُر سلكَ النظر. وما جاء قطُّ بإعطاءِ الزَّكاة في الحجِّ أثرٌ). ((أحكام القرآن)) (2/533).  وقال ابنُ قُدامة: (لا خلافَ في استحقاقِهم وبقاءِ حُكمِهم، ولا خلاف في أنَّهم الغُزاةُ في سبيل الله؛ لأنَّ سبيلَ الله عند الإطلاق هو الغَزوُ؛ قال الله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ **البقرة: 190**، وقال: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ **المائدة: 54**، وقال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا **الصف: 4**، وذكَر ذلك في غيرِ مَوضعٍ مِن كتابِه، فإذا تقرَّر هذا، فإنَّهم يُعطَون وإن كانوا أغنياءَ). ((المغني)) (6/482). وينظر: تفسير القرطبي (3/236)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (2/26).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قال اللهُ تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60]
وجه الدَّلالة:
أنَّه نصَّ على أنَّه في سبيلِ الله، وسبيلُ اللهِ عند الإطلاقِ إنَّما ينصَرِفُ إلى الجهادِ؛ فإنَّ كُلَّ ما في القرآنِ مِن ذِكرِ سَبيلِ الله إنما أُريدَ به الجهادُ، إلَّا اليسيرَ، فيجِبُ أن يُحمَلَ ما في هذه الآيةِ على ذلك؛ لأنَّ الظَّاهِرَ إرادتُه، وممَّا ورد في ذلك قولُه تعالى: وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة: 190] ، وقوله: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة: 54] ، وقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا قال ابنُ جرير الطبري: (وأما قوله وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ فإنَّه يعني: وفي النفقة في نُصرة دِين الله وطريقِه وشريعته التي شرَعها لعباده بقِتال أعدائه، وذلك هو غزوُ الكفَّار، وبالذي قُلْنا في ذلك قال أهلُ التأويل) ((تفسير الطبري)) (14/319). وقال ابنُ دقيق العيد: (العُرف الأكثر استعمالُه في الجهاد). ((فتح الباري)) لابن حجر (6/48). وقال ابن حجر الهيتمي: (سبيل الله وضعًا الطريقُ الموصلة إليه تعالى، ثم كثُر استعماله في الجهاد؛ لأنَّه سببٌ للشهادة الموصلة إلى الله تعالى، ثم وُضِع على هؤلاء؛ لأنَّهم جاهدوا لا في مقابل فكانوا أفضلَ من غيرهم). ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/159)، وينظر: ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/264) ((البناية شرح الهداية)) لبدر الدين العيني (3/454)، ((المغني)) لابن قدامة (6/482)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (2/25، 30). [الصف: 4]

ثانيًا: من السُّنَّة
عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وأمَّا خالدٌ فإنَّكم تَظلِمونَ خالدًا، قدِ احتبس أدْراعَه وأَعتادَه في سبيلِ اللهِ )) رواه البخاري (1468)، ومسلم (983).
وجه الدَّلالة:
أنَّه لا شكَّ أنَّه حبَس أَدراعَه وأَعتادَه في الجهادِ ((البناية شرح الهداية)) لبدر الدين العيني (3/455).
ثالثًا: أنَّه لا خِلافَ في أنَّه تعالى لم يُرِدْ كُلَّ وجهٍ مِن وجوه البِرِّ في قِسمةِ الصَّدَقاتِ, فلم يَجزْ أن توضَع إلَّا حيث بيَّن النصُّ ((المحلى)) لابن حزم (6/151 رقم 719).
رابعًا: أنَّنا لو فسَّرنا الآيةَ بأعمال البِرِّ لم يكُن للحَصرِ في الآية فائدةٌ إطلاقًا، والحصر هو: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ... [التوبة: 60] الآية ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/241).

انظر أيضا: