الموسوعة الفقهية

المبحث الثالث: الغارِمُ لإصلاح ذات البَينِ


مِن الغارمينَ الذين يستحقُّون الزَّكاةَ: الغارمُ لإصلاحِ ذات البَيْن الغارِمُ لإصلاحِ ذاتِ البَين: هو مَن يَستدينُ مالًا ويصرِفُه في إصلاحِ ذاتِ البَينِ، بأنْ يَخافَ فتنةً بين قَبيلتينِ أو طائفتينِ أو شخصينِ، فيَستدينَ مالًا ويصرفَه في تسكينِ تلك الفِتنةِ. ينظر: ((المجموع)) للنووي (6/206). ، ولو كان غنيًّا، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (6/206-207)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/111). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/165-171)، ويُنظر: ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (3/317). ، ووجْهٌ للحنفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (3/454). ، واختاره ابنُ عبدِ البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال: رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: (لا تحِلُّ الصدقةُ لغنيٍّ إلا لخمسةٍ: لعاملٍ عليها، أو لرجُلٍ اشتراها بمالِه، أو غارمٍ، أو غازٍ في سبيل الله، أو مسكينٍ تُصُدِّقَ عليه فأهْدى منها لغنيٍّ)... ظاهر هذا الخبَرِ يقتضي أنَّ الصَّدقة تحِلُّ لهؤلاءِ الخَمسة في حال غِناهم، ولو لم يَجُزْ لهم أخذُها إلا مع الحاجة والفقر لَمَا كان للاستثناءِ وجهٌ؛ لأنَّ اللهَ قد أباحها للفُقَراءِ والمساكينِ إباحةً مطلقةً، وحقُّ الاستثناءِ أن يكون مُخرِجًا من الجملةِ ما دخَل في عُمومِها، هذا هو الوَجهُ). ((التمهيد)) (5/101). ، وابنُ بازٍ قال ابنُ باز: (أمَّا الغارمون: فهُم أهلُ الدَّينِ الذين يستدينون الأموالَ في حاجاتِهم المباحة، وحاجاتِ عَوائِلِهم أو لإصلاحِ ذات البَيْن، يتحمَّلونَ المال ليُصلِحوا بين النَّاسِ عند قيام الفِتن والشُّرور، والعداوات والشحناء؛ يقوم الإنسانُ ليُصلحَ بين الناس ويتحمَّل أموالًا للإصلاح بينهم، فيُعطَى هذا المتحمِّلُ ولو كان غنيًّا، يعطى ما تحمَّلَه مِنَ الزَّكاة؛ لأنه قد سعَى في خيرٍ وقام في خيرٍ، كما يُعطَى المَدينُ العاجزُ عن قضاءِ الدَّينِ في حاجاتِ نفْسِه وحاجاتِ عِياله، يُعطَى من الزَّكاةِ ما يَسُدُّ به الدَّين) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/15-16). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: (الغارمون هم المَدينونُ الذين عليهم دَينٌ للنَّاسِ، والغُرمُ ينقسِم إلى قِسمين: غرمٌ لإصلاحِ ذات البَين، وغرمٌ لحوائِجَ خاصَّةٍ للشخص؛ فأمَّا الأوَّلُ فمثل: أن يقع بيْن قَبيلتين شجارٌ ونزاعٌ وعُدوانٌ من بعضهم على بعضٍ، فيأتي رجلٌ خَيِّرٌ طيِّب، ويقول لهاتين القبيلتينِ: أنا أُصلِحُ بينكما بمالٍ أدفعُه لكلِّ واحدةٍ منكما، ويلتَزِمُ في ذمَّته بمليون ريال؛ خَمسمئة لهذه الطَّائفة، وخَمسمئةٍ لهذه الطائفة؛ فهذا نُعطيه مِنَ الزَّكاة لإيتاءِ هذا الغُرمِ؛ لأنَّ هذا الرجل محسنٌ وقائمٌ بين النَّاسِ بالإصلاح، فكان مِن مكافأتِه ومُجازاتِه أن نتحمَّلَ عنه ما التزَمَه من الزَّكاة، حتى ولو كان غنيًّا) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/530-531). وينظر: ((الشرح الممتع)) (6/233- 234).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قال اللهُ تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60]
وجه الدَّلالة:
أنَّ عمومَ الغارمينَ يشمَل مَن غَرِمَ لنفْسِه، ومَن غَرِمَ لغَيرِه ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/111).
ثانيًا: من السُّنَّة
عن قَبِيصةَ بنِ مُخارِقٍ الهلاليِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((تَحمَّلتُ حَمَالةً فأتيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أسألُه فيها، فقال: أقِمْ حتَّى تأتيَنا الصدقةُ فنأمُرَ لك بها، قال: ثمَّ قال: يا قَبِيصَةُ، إنَّ المسألةَ لا تحِلُّ إلَّا لأحدِ ثلاثةٍ: رَجُلٍ تحمَّلَ حَمَالةً، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَها، ثم يُمسِك، ورجُلٍ أصابتْ مالَه جائحةٌ فاجتاحتْ مالَه، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَ سِدادًا من عَيشٍ، أو قِوامًا مِن عيشٍ، ورجُلٍ أصابتْه فاقَةٌ أو حاجةٌ حتى يَشهَدَ- أو يقولَ- ثلاثةٌ من ذوي الحِجا مِن قَومِه: إنَّ به فاقةً وحاجةً، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَ سِدادًا مِن عَيشٍ، أو قِوامًا مِن عَيشٍ، ثم يُمسِك )) رواه مسلم (1044)
وجوه الدَّلالةِ:
الوجْه الأوَّل: قولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((رَجُلٍ تحمَّلَ حَمَالةً، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَها، ثم يُمسِك)) دليلٌ على أنَّه غنيٌّ؛ لأنَّ الفقيرَ ليس عليه أن يُمسِك عن السُّؤالِ مع فقْرِه ((التمهيد)) لابن عَبدِ البَرِّ (5/101).
الوجْه الثاني: أنَّه عطَف الذي ذهَب مالُه، والفقيرَ ذا الفاقةِ على مَن تحمَّلَ الحَمَالةَ، فدلَّ على أنَّه لم يذهبْ مالُه ولم تُصِبْه فاقةٌ ((التمهيد)) لابن عَبدِ البَرِّ (5/101).
الوجْه الثالث: أنَّه أطلَقَ دفْعَ الزَّكاةِ إلى مَن تحمَّلَ حَمَالةً، ولم يشترطْ فيه الفَقرَ.

انظر أيضا: