الموسوعة الفقهية

المبحثُ الثاني: إخراجُ القِيمةِ


يُجزِئُ إخراجُ القِيمةِ- في غَيرِ زكاةِ الفِطرِ- للحاجةِ أو المَصلحةِ الرَّاجحةِ، وهذا روايةٌ عن أحمدَ قال أبو داود: (قيل لأحمد: أُعطي دراهِمَ في صَدقةِ الفِطرِ؟ فقال: أخافُ ألَّا يُجزِئَ خلافُ سُنَّةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم). ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/195)، ((الفروع)) لابن مفلح (4/267)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/49). ، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (يجوزُ إخراجُ القِيمة في الزَّكاةِ؛ لعدم العُدولِ عن الحاجَةِ والمصلحة، مثل أن يبيعَ ثَمَرةَ بستانِه أو زرعِه، فهنا إخراجُ عُشرِ الدِّراهم يُجزِئُه ولا يُكلَّف أن يشتريَ تمرًا أو حِنطةً؛ فإنه قد ساوى الفقيرَ بنفْسه. وقد نصَّ أحمدُ على جواز ذلك، ومثل أن تجِبَ عليه شاةٌ في الإبِلِ وليس عنده شاةٌ، فإخراجُ القيمةِ كافٍ، ولا يُكلَّفُ السَّفَرَ لشراءِ شاةٍ، أو أن يكون المستحقِّونَ طلبوا القيمةَ؛ لكونها أنفعَ لهم، فهذا جائزٌ) ((الفتاوى الكبرى)) (5/372). وابنِ باز   قال ابنُ باز: (الأصلُ أنَّه يجِبُ دفْعُ الزَّكاةِ مِن عَينِها إلَّا للحاجةِ)، وقال أيضًا: (لا يُخرِجُ مِنَ الغنم نقودًا إلَّا إذا رأى العامِلُ مصلحةً في ذلك، فلا بأسَ بأخْذِ نقودٍ) ((اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية)) لخالد آل حامد (1/825). وقال أيضًا فيما يتعلَّقُ بزكاة الفِطر: (لا يجوزُ إخراجُ القيمة عند جمهورِ أهلِ العِلم، وهو أصحُّ دليلًا، بل الواجِبُ إخراجُها من الطعام، كما فعله النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم، وبذلك قال جمهورُ الأمَّة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14 /202). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: (يرى أكثرُ العلماءِ أنَّه لا يجوزُ إخراجُ القِيمةِ إلَّا فيما نَصَّ عليه الشَّرعُ، وهو الجُبرانُ في زكاة الإبل (شاتانِ أو عِشرون درهمًا)، والصَّحيحُ أنه يجوز إذا كان لمصلحةٍ، أو حاجةٍ، سواءٌ في بهيمةِ الأنعامِ، أو في الخارِجِ مِنَ الأرضِ). ((الشرح الممتع)) (6/148). وقال في زكاةِ الفِطرِ: (ولو كانتِ القِيمة معتبَرةً لم تكُن الأجناسُ مختلفةً؛ إذ إنَّ صاعًا من الشَّعير قد لا يُساوي صاعًا مِنَ التَّمرِ، أو لا يُساوي صاعًا من البُرِّ، أو ما أشْبه ذلك؛ وعلى هذا فالواجبُ إخراجُ زكاةِ الفِطرِ مِنَ الطعامِ، وكلُّ أمَّةٍ طعامُها قد يختلفُ عن الأمَّة الأخرى)، وينظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/67، 73)، ((الشرح الممتع)) (6/43).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قدَّر الجُبرانَ بِشاتَينِ أو عِشرينَ درهمًا، ولم يَعدِلْ إلى القِيمةِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/82).
ثانيًا: أنَّه متى جُوِّزَ إخراجُ القِيمةِ مطلقًا، فقد يعدِلُ المالكُ إلى أنواعٍ رَديئةٍ، وقد يقَعُ في التَّقويمِ ضَررٌ؛ لأنَّ الزَّكاة مبناها على المواساةِ، وهذا مُعتبَر في قدْرِ المالِ وجِنسِه ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/82).
ووجْه المَنعِ مِن إخراجِ القِيمةِ في زكاة الفِطرِ: هو أنَّ القيمةَ في زكاةِ الفِطرِ لو كانت مُعتبرةً لم تكُنِ الأجناسُ مُختلفةً؛ إذ إنَّ صاعًا مِنَ الشَّعيرِ قد لا يُساوي صاعًا مِنَ التَّمرِ، أو لا يُساوي صاعًا من البُرِّ، أو ما أشْبَه ذلك   ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/67، 73)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/43). وقال ابنُ تيميَّة: (ومن قال بالثاني: إنَّ صدقةَ الفِطرِ تَجْري مجرَى كفَّارةِ اليمينِ والظِّهارِ والقتل، والجِماع في رَمضانِ، ومجرى كفَّارة الحَجِّ؛ فإنَّ سبَبَها هو البَدنُ ليس هو المال، كما في السُّنن عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ((أنَّه فرَضَ صَدَقةَ الفِطر طُهرةً للصَّائمِ مِن اللَّغو والرَّفَث، وطُعْمةً للمساكينِ؛ مَن أدَّاها قَبلَ الصلاةِ فهي زَكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعدَ الصَّلاةِ فهي صَدَقةٌ مِن الصَّدَقاتِ))، وفي حديثٍ آخَر أنَّه قال: ((أغْنُوهم في هذا اليومِ عنِ المسألة))؛ ولهذا أوجبَها اللهُ طعامًا...) ((مجموع الفتاوى)) (25/73).

انظر أيضا: