الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: المقدار الواجب إخراجه في زكاة الزُّروع والثِّمار


المطلب الأوَّل: ما سُقِيَ بمؤونة وما سقي بغير مؤونة
ما سُقِيَ مِنَ الزَّرعِ أو الثَّمَر بلا مَؤُونةٍ؛ فالواجِبُ فيه العُشرُ، وما سُقِيَ بمَؤُونةٍ، فالواجبُ فيه نِصفُ العُشر .
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن جابرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فيما سَقتِ السَّماءُ والأنهارُ والعيونُ، العُشرُ، وفيما سَقتِ السَّانيةُ السَّانية: هي النَّاقة التي يُستقَى عليها. ((النهاية)) لابن الأثير (2/415). نِصفُ العُشر )) رواه مسلم (981).
2- عن عبد الله بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((فيما سقتِ السماءُ والأنهارُ والعيونُ أو كان عَثَريًّا العَثري: هو مِنَ النَّخيلِ، الذي يشرَبُ بعروقِه مِن ماءِ المَطَرِ يجتمِعُ في حَفيرةٍ، وقيل: هو العِذْيُ. وقيل: هو ما يُسقى سَيحًا. والأول أشهَرُ. ((النهاية)) لابن الأثير (3/182). ، العُشْرُ، وما سُقِي بالنَّضْحِ، نِصفُ العُشر ِ)) رواه البخاريُّ (1483).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك: الشافعيُّ قال النوويُّ: (قال البيهقيُّ: وهو قول العامَّة لم يختلفوا فيه، وكذا أشار الشافعيُّ رَضِيَ اللهُ عنه في المختصَر إلى أنَّه مُجمَع عليه). ((المجموع)) (5/461). ، وابنُ بطَّالٍ قال ابنُ بطَّال: (أجمع العلماءُ على القولِ بظاهِرِ هذا الحديثِ في المقدارِ المأخوذ، وذلك العُشرُ في البعل، وفيما سقت العيون والأنهار؛ لأنَّ المُؤنةَ فيه قليلة، وما سُقِيَ بالدَّلوِ فنِصفُ العُشر ِ في الحبوبِ والثِّمارِ التي تجِبُ فيها الزَّكاة) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (3/529). ، وابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا أنَّ في ألفَيْ رطل وأربعمئة رطل بالفلفلي كاملة فصاعدًا من القمح الخالص الذي لا يُخالِطُه شيء غيره، إذا أصابه رجل وامرأة حُرَّان بالغانِ عاقلانِ مسلمانِ، ينفرد كلُّ واحدٍ منهما بملك كلِّ ذلك بعد إخراج ما أَنفق عليها، أو أصاب ذلك نصيبَه مِن زَرعِه نفسِه، أو نخله نفسِه، في أرض ليست من أرض الخَراج، ولا مِن أرضٍ اكتراها؛ أنَّ فيها الزَّكاة، وذلك عُشر ما ذكرنا إنْ كانت تُسقى بالأنهار، أو ماءِ السَّماء، أو العيونِ، أو السواقي، ونِصف العشر إن كانت تُسقى بالدَّلو، أو السَّانية، وذلك مرَّةً في الدَّهرِ تجب الزَّكاةُ المذكورة منها كما ذَكَرْنا أثر الضمِّ والتصفية). ((مراتب الإجماع)) (ص: 35). ، والبيهقيُّ قال النوويُّ: (قال البيهقي: وهو قولُ العامَّةِ، لم يختلفوا فيه). ((المجموع)) (5/461). وقال الخطيب الشربينيُّ: (انعقد الإجماعُ على ذلك كما قالَه البيهقيُّ وغيرُه) ((مغني المحتاج)) (1/385). ، وابنُ عَبدِ البَرِّ قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (أجمع العُلماءُ على القَولِ بظاهِرِه في المقدارِ المأخوذِ مِنَ الشَّيءِ المزكَّى، وذلك العُشرُ في البعل كلِّه من الحبوب، وكذلك الثِّمار التي تجب فيها الزَّكاةُ عندهم، كلٌّ على أصلِه، وكذلك ما سقَتِ العُيونُ والأنهارُ؛ لأنَّ المؤنة قليلة، وكذلك أيضًا وردت السُّنة، وأمَّا ما سُقِيَ بالسواقي والدوالي فنِصفُ العُشر ِ فيما تجِبُ فيها الزَّكاةُ عندهم، كلٌّ أيضًا على أصله) ((الاستذكار)) (3/219). ، وابنُ رشد قال ابنُ رُشْدٍ: (أجمعوا على أنَّ الواجِبَ في الحبوب أمَّا ما سُقِيَ بالسماء فالعُشر، وأما ما سُقِيَ بالنَّضحِ فِنصفُ العُشر؛ لثبوت ذلك عنه صلَّى الله عليه وسلَّم). ((بداية المجتهد)) (1/265). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (... أنَّ العُشر يجبُ فيما سُقي بغيرِ مَؤنةٍ، كالذي يشربُ من السَّماء والأنهار، وما يشرب بعروقه، وهو الذي يُغرَس في أرضٍ ماؤها قريبٌ مِن وَجهِها، فتصِلُ إليه عروقُ الشَّجَرِ، فيستغني عن سَقي، وكذلك ما كانت عروقُه تصل إلى نهرٍ أو ساقيةٍ، ونصفُ العُشرِ فيما سُقِيَ بالمؤَنِ، كالدوالي والنَّواضح؛ لا نعلَمُ في هذا خلافًا. وهو قول مالك، والثوريِّ، والشافعيِّ، وأصحاب الرأي، وغيرهم). ((المغني)) (3/9). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (وفي هذا الحديثِ وجوبُ العُشرِ فيما سُقِيَ بماءِ السَّماءِ والأنهارِ ونحوها ممَّا ليس فيه مؤنةٌ كثيرةٌ، ونِصفُ العُشر ِ فيما سُقِيَ بالنَّواضِحِ وغيرها ممَّا فيه مؤنةٌ كثيرةٌ، وهذا متَّفَقٌ عليه). ((شرح النووي على مسلم)) (7/54).
المطلب الثاني: ما سُقِيَ بعضَ العام بمؤونةٍ وبعضَه بغيرِ مؤونة
ما سُقِيَ بعضَ العامِ بمَؤونةٍ وبعضَه بلا مَؤُونةٍ، لا يخلو من حالينِ:
الحال الأولى: أن يُسقى نصفَ السَّنةِ بكُلفةٍ، ونِصفَها بغيرِ كُلفةٍ:
إذا سُقِيَ نصفَ السَّنةِ بكُلفةٍ، ونِصفَها بغيرِ كُلفةٍ، ففيه ثلاثةُ أرباعِ العُشرِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: ( فإنْ سُقِيَ نصفَ السنة بكُلفةٍ، ونصفَها بغيرِ كُلفةٍ، ففيه ثلاثةُ أرباعِ العُشرِ. وهذا قولُ مالك، والشافعيِّ، وأصحابِ الرأي، ولا نعلَمُ فيه مخالفًا؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما لو وُجِدَ في جميع السَّنة لأوجَبَ مقتضاه، فإذا وُجد في نصفِها أوجب نصفه). ((المغني)) (3/10). ، والشنقيطيُّ قال الشنقيطيُّ: (فإن سُقي تارةً بمطرِ السماء مثلًا، وتارةً بالسَّانية، فإن استويَا فثلاثةُ أرباعِ العُشر، بلا خلاف بين العلماء). ((أضواء البيان)) (1/508).
ثانيًا: أنَّ كلَّ واحدٍ منهما لو وُجِدَ في جميعِ السَّنة لأوجَبَ مقتضاه، فإذا وُجِدَ في نصفِها أوجَبَ نِصفَه ((المغني)) لابن قدامة (3/10).
الحال الثانية: أنْ يُسقى بأحدِهما أكثرَ مِنَ الآخَرِ:
إذا سُقِيَ بأحدِهما أكثَرَ مِنَ الآخَرِ؛ فإنَّه يُعتبَرُ فيه الغالِبُ، فإن كان الغالِبُ السَّقيَ بماءِ السَّماءِ أو السَّيحِ، وجَبَ العُشرُ، وإن كان الغالِبُ السَّقيَ بالنَّاضِحِ، وجب نِصفُ العُشر ِ، وهذا مذهَبُ الحنفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/246)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/246). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/210)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/10). ، وأحَدُ القَولينِ المشهورينِ للمالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير مع ((حاشية الدسوقي)) (1/449)، ((منح الجليل)) لعليش (2/30). ، وهو قَولٌ للشافعيَّة الأصحُّ عند الشافعية: أنه يُقسَّط بحَسَب السَّقيِ؛ وذلك لأنَّ ما وجَبَ فيه الزَّكاةُ بالقِسطِ عند التَّماثُلِ وجب فيه بالقِسطِ عند التَّفاضُلِ، كزكاةِ الفِطرِ في العبدِ المشترَى. ((المجموع)) للنووي (5/461)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/385). ، وبه قال بعضُ السَّلَفِ قال ابنُ قدامة: (وإن سُقِيَ بأحدِهما أكثَرَ مِنَ الآخَرِ اعتُبر أكثرُهما، فوجب مقتضاه، وسقط حُكمُ الآخَرِ؛ نصَّ عليه، وهو قول عطاء، والثوريِّ، وأبي حنيفة، وأحد قولَيِ الشافعيِّ) ((المغني)) (3/10).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ اعتبارَ مِقدارِ السَّقيِ وعددِ مرَّاتِه وقدْرِ ما يُشرَبُ في كلِّ سَقيةٍ؛ يشقُّ ويتعذَّرُ، فكان الحُكمُ للأغلَبِ منهما، كالسَّومِ في الماشِيَةِ ((المغني)) لابن قدامة (3/10)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/210).
ثانيًا: أنَّه اجتمَعَ الأمرانِ ولأحدِهما قوَّةٌ بالغَلَبة، فكان الحُكمُ له، كالماء إذا خالَطَه مائِعٌ ((المجموع)) للنووي (5/461).
ثالثًا: أنَّ غالِبَ أصلِ بابِ الزَّكاةِ أنَّ الأقلَّ تابعٌ للأكثَرِ كالضَّأنِ والمَعْزِ إذا اجتمعا في الزَّكاةِ ((التاج والإكليل)) للمواق (2/282).

انظر أيضا: