الموسوعة الفقهية

البمحث الرَّابع: حُكم الخِتان


المطلب الأوَّل: حُكم الخِتان للرِّجال
الخِتانُ واجبٌ في حقِّ الرِّجالِ، وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/297، 300)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/202). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/80)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/109). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيمية: (يجبُ الختانُ إذا وَجَبت الطهارةُ والصَّلاة، ويَنبغي إذا راهَقَ البلوغَ أن يَختِتن، كما كانت العرب تفعل؛ لئلَّا يبلُغَ إلَّا وهو مختونٌ) ((الفتاوى الكبرى)) (5/302). ، وابنُ عُثيمين قال ابن عثيمين: (أقرَبُ الأقوال: أنَّه واجِبٌ في حَقِّ الرِّجال، سُنَّةٌ في حَقِّ النِّساء). ((الشرح الممتع)) (1/164). ، وبه صدَرت فتوى اللَّجنة الدَّائمة جاء في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة برئاسة ابن باز: (هو واجبٌ في حقِّ الرِّجال؛ لأمْرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذلك، فقد صحَّ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قولُه لِمَن أسلم: ألْقِ عنك شَعْرَ الكُفرِ، ثم اختَتِن). ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة – المجموعة الثانية)) (4/42). ، وهو قولُ كثيرٍ مِن أهلِ العِلمِ قال ابن قدامة: (فأمَّا الخِتان، فواجبٌ على الرِّجال، ومَكرُمةٌ في حقِّ النِّساء، وليس بواجب عليهنَّ؛ هذا قولُ كثيرٍ من أهلِ العِلمِ) ((المغني)) (1/64).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل: 123]
وجه الدَّلالة:
أنَّ من شريعةِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ، وملَّتِه التي أُمِرْنا باتِّباعِها؛ الخِتانَ ((تحفة المودود)) لابن القيم (ص: 163).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اختَتَن إبراهيمُ النبيُّ عليه السَّلام وهو ابن ثمانين سَنَةً بالقَدُّومِ القدُّوم: الأكثرون رَوَوه بتشديد الدَّال، وعلى هذا هو اسمُ مكانٍ بالشَّام، ورواه جماعة بالتَّخفيفِ، وقيل: إنَّه قولُ أكثَرِ أهل اللُّغة، واختلفوا على هذا؛ فقيل: المرادُ به أيضًا موضِعٌ بالشَّام، وأنَّه يجوز فيه التَّشديد والتخفيف، وقال الأكثرون: المراد به آلةُ النَّجَّار، وهي مخفَّفة لا غيرُ، وجمعُها قُدُمٌ. ((المجموع)) للنووي (1/297، 298)، ويُنظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (2/492). )) رواه البخاري (3356)، ومسلم (2370)، واللفظ له.
وجه الدَّلالة:
 أنَّنا أُمِرنا باتِّباعِ إبراهيمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومِن شريعَتِه الختانُ ((المجموع)) للنووي (1/297).
ثالثًا: من الآثار
عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (الأَقلَفُ لا تجوزُ شَهادَتُه، ولا تُقبَلُ له صلاةٌ، ولا تُؤكَلُ له ذبيحةٌ) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (7/339). صحَّح إسناده ابنُ حجر في ((الدراية)) (2/173).
وجه الدَّلالة:
 أنَّ الأَقلَفَ هو الذي لم يَختَتنْ، وباختتانِه تجوزُ شهادتُه، وتُقبَلُ صلاتُه، وتُؤكَل ذَبيحتُه، وهذا لا يكونُ إلَّا في ترْك واجبٍ متحتِّم قال الإمام أحمد: (كان ابن عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما يُشدِّد في الختان، ورُوي عنه: لا حجَّ ولا صلاةَ؛ يعني: إذا لم يختتِنْ). ينظر: ((شرح السنة)) للبغوي (12/110)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (62/43).
رابعًا: أنَّ بقاء قُلْفةِ الرَّجُلِ دونَ خِتانٍ، يحبِسُ النَّجاسةَ، ويمنَعُ صِحَّة الصَّلاة؛ فإنَّ القُلفةَ تَستُرُ الذَّكرَ كُلَّه فيصيبُها البَولُ، ولا يُمكِنُ الاستجمارُ لها، فوجبَ إزالتُها؛ ولهذا منَع جماعةٌ من السَّلف والخَلَف إمامتَه، وإنْ كان معذورًا في نفْسه، فإنَّه بمنزلةِ مَن به سَلَسُ البَولِ ونحوِه ((تحفة المودود)) لابن القيم (ص: 167)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/117).
خامسًا: أنَّ الخِتانَ مِن أظهَرِ شَعائِرِ المُسلمينَ، التي يُفرَّقُ بها بين المُسلِمِ وغَيرِه، فكان واجبًا كسائِرِ شعائِرِهم، وهو مَيزةٌ بين المُسلمين وغيرِهم، حتى كان المسلمونَ يَعرِفون قتلاهم في المعارك بالخِتان، ولا يكادونَ يَعدُّون الأَقْلَفَ منهم، وإذا كان الخِتانُ ميزةً، فهو واجبٌ؛ لوجوبِ التَّمييزِ بين الكافِرِ والمُسلِمِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/109)، ((تحفة المودود)) لابن القيم (ص: 165، 166، 168)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/117).
سادسًا: أنَّ الخِتانَ قَطْعُ شَيءٍ من البَدَن، وقطعُ شيءٍ من البدَنِ حرامٌ، والحرامُ لا يُستباحُ إلَّا لشيءٍ واجبٍ، فعلى هذا يكون الختانُ واجبًا، ولو لم يكن واجبًا لم يجُزْ، كقَطعِ الأُصبَع؛ فإنَّ قَطعَها إذا كانت سليمةً لا يجوزُ إلَّا إذا وجبَ بالقِصاصِ ((المجموع)) للنووي (1/300)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/117).
سابعًا: أنَّ الخِتانَ لو لم يكنْ واجبًا، لَما جاز كشفُ العورةِ مِن أجْلِه، ولَما جاز نظَرُ الخاتِنِ إليها، وكلاهما حرامٌ ((شرح السنة)) للبغوي (12/110)، ((المجموع)) للنووي (1/297، 299)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/109)، ((تحفة المودود)) لابن القيم (ص: 166)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/117).
المطلب الثَّاني: حُكمُ الخِتانِ للنِّساءِ
الخِتانُ مُستحبٌّ في حقِّ النِّساءِ، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (6/371)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/63). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/395)، ((حاشية الدسوقي)) (2/126). ، وقولٌ للشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/300)، وينظر: ((طرح التثريب)) للعراقي (2/70). ، وقولٌ للحنابلةِ ((الفروع)) لابن مفلح (1/156)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/97). ، وهو اختيارُ الشَّوكانيِّ قال الشوكانيُّ: (الحقُّ أنَّه لم يَقمْ دليلٌ صحيحٌ يدلُّ على الوُجوبِ، والمتيقَّنُ السُّنيَّةُ كما في حديث: ((خمسٌ مِن الفِطرةِ)) ونحوه، والواجِبُ الوقوفُ على المتيقَّنِ إلى أن يقومَ ما يُوجِبُ الانتقالَ عنه). ((نيل الأوطار)) (1/146). ، وابنِ باز قال ابن باز: (خِتان البناتِ سُنَّة، إذا وُجِد طبيبٌ يُحسِن ذلك، أو طبيبةٌ تُحسِن ذلك؛ لقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الفِطرةُ خمسٌ: الخِتان، والاستحدادُ، وقصُّ الشَّاربِ، وقَلْم الأظفارِ، ونتْفُ الآباط)) ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/47). ، وابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: (أقرَبُ الأقوالِ: أنَّه واجِبٌ في حقِّ الرِّجالِ، سُنَّةٌ في حقِّ النِّساءِ. ووجهُ التَّفريقِ بينهما: أنَّه في حقِّ الرِّجال فيه مصلحةٌ تعودُ إلى شرْطٍ مِن شُروطِ الصَّلاةِ، وهي الطَّهارة، لأنَّه إذا بقِيَت هذه الجلدةُ، فإنَّ البَولَ إذا خرجَ مِن ثُقبِ الحَشَفةِ بقِي وتجمَّع، وصار سببًا في الاحتراقِ والالتهابِ، وكذلك كلَّما تحرَّك، أو عصَرَ هذه الجلدةَ خرَج البولُ وتنجَّسَ بذلك. وأمَّا في حقِّ المرأة، فغايةُ فائدتِه: أنه يُقلِّلُ مِن غُلمَتِها- أي: شَهوتِها- وهذا طلَبُ كَمالٍ، وليس من بابِ إزالةِ الأذى، ولا بدَّ من وجودِ طبيبٍ حاذِقٍ يعرِف كيف يَختنُ، فإن لم يوجَدْ فإنَّه يختِنُ نفْسَه إذا كان يُحسِنُ، وإبراهيمُ عليه السَّلام ختَن نفْسَه). ((الشرح الممتع)) (1/164-165). ، وهو قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ قال العراقيُّ: (فذهب أكثرُ العلماءِ إلى أنَّه سُنَّة وليس بواجبٍ، وهو قولُ مالكٍ وأبي حنيفةَ وبعضِ أصحاب الشَّافعيِّ) ((طرح التثريب)) (2/75). وقال ابنُ حجر: (ذهب أكثرُ العُلَماءِ وبعض الشافعيَّة إلى أنَّه ليس بواجبٍ) ((فتح الباري)) (10/341). وقال ابن قدامة: (فأمَّا الختانُ، فواجِبٌ على الرِّجالِ، ومَكرُمةٌ في حقِّ النِّساء، وليس بواجبٍ عليهنَّ؛ هذا قولُ كثيرٍ مِن أهلِ العِلمِ) ((المغني)) (1/64).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا جَلَس بين شُعَبِها الأَربعِ، ومسَّ الخِتانُ الختانَ، فقد وَجَب الغُسلُ )) رواه مسلم (349).
وجه الدَّلالة:
 أنَّ الحديث يدلُّ على أنَّ النِّساءَ كُنَّ يختتنَّ ((المغني)) لابن قدامة (1/64), ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/44).
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((الفِطرة خمسٌ: الخِتان، والاستحداد، وقصُّ الشَّارب، وتقليمُ الأظْفار، ونتْفُ الآباط )) رواه البخاري (5891) واللفظ له، ومسلم (257).
وجه الدَّلالة:
 أنَّ الحديثَ يعمُّ الرِّجالَ والنِّساء ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة- المجموعة الأولى)) (5/119).
ثانيًا: أنَّ الخِتان في حقِّ الرِّجال فيه مصلحةٌ تعود إلى شرْطٍ مِن شروطِ الصَّلاةِ، وهي الطَّهارة؛ وذلك لأنَّه إذا بقيت القُلْفة، فإنَّ البولَ إذا خرج مِن ثُقب الحَشَفة بقِي وتجمَّع في القُلفةِ، وصار سببًا إمَّا لاحتراقٍ أو التِهاب، أو لكونه كلَّما تحرَّك خرج منه شيءٌ فينتجَّس بذلك، أمَّا المرأةُ؛ فإنَّ غاية ما فيه من الفائدة أنَّه يُقلِّل من غُلمَتِها- أي: شهوتها- وهذا طلبُ كمالٍ، وليس من باب إزالةِ الأذى قال أحمد: (الرجل أشدُّ؛ وذلك أنَّه إذا لم يختتِنْ فتلك الجِلدة مدلَّاة على الكَمَرةِ، فلا ينقى مأثم، والمرأةُ أهون). ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/109)، وينظر: ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (21/113، 114)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/117).

انظر أيضا: