الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: العُروضُ المعدَّة للتِّجارة


تجِبُ الزَّكاةُ في عُروضِ التِّجارة، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّة الأربَعةِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق للزيلعي مع حاشية الشلبي)) (1/279)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/218). ، والمالكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبدِ البَرِّ (1/298)، ((الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي)) (1/472). ، والشافعيَّة قال النوويُّ: (نصوص الشافعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه القديمةُ والجديدةُ متظاهرةٌ على وجوبِ زكاةِ التِّجارة). ((المجموع)) (6/47)، وينظر: ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/101). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/240)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/58). ، وبه قال جماهيرُ أهلِ العِلم قال ابنُ المُنْذِر: (رُوِّيناه عن عمر بن الخطاب، وابن عباس، والفقهاء السَّبعة: سعيد بن المسيِّب، والقاسم بن محمَّد، وعروة بن الزُّبير، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وخارجة بن زيد، وعُبَيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسلمان بن يسار، والحسن البصريِّ، وطاووس، وجابر بن زيد، وميمون بن مهران، والنَّخَعي، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، والنعمان وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأبي عُبيد). ((الإشراف)) (3/81). قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (وممَّن رأى الزَّكاةَ في الخيلِ والرقيقِ وسائِرِ العروضِ كُلِّها إذا أُريدَ بها التِّجارة: عمر وابن عمر، ولا مخالف لهما من الصحابة، وهو قول جمهور التابعين بالمدينة والبصرة والكوفة، وعلى ذلك فقهاءُ الأمصارِ بالحجاز والعراق والشام، وهو قولُ جماعةِ أهلِ الحديث). ((التمهيد)) (17/125). وقال ابنُ قدامة: (تجب الزَّكاةُ في قيمةِ عُروضِ التِّجارة، في قولِ أكثَرِ أهل العِلم). ((المغني)) (3/58).  وقال النوويُّ: (وبه قال جماهيرُ العلماءِ مِنَ الصَّحابة والتابعين والفقهاءِ بَعدَهم أجمعين). ((المجموع)) (6/47). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ قال أبو عُبيد: (أجمع المسلمون أنَّ الزَّكاة فرضٌ واجِبٌ فيها- يعني عروض التِّجارة- وأمَّا القولُ الآخَرُ؛ فليس من مذاهب أهل العِلم عندنا). ((الأموال)) (ص: 525). قال ابنُ المُنْذِر: (أجمع أهل العِلم على أنَّ في العروض التي يُراد بها التِّجارة الزَّكاةَ، إذا حال عليها الحَوْل). ((الإشراف)) (3/81). وينظر: ((المجموع)) للنووي (6/47)، ((المغني)) لابن قدامة (3/58). قال الخطَّابي: (وجوبُ الزَّكاة في الأموال التي تُرصَد للتِّجارة، وهو كالإجماعِ مِن أهل العِلم. وزعَم بعضُ المتأخِّرين من أهل الظاهر أنَّه لا زكاة فيها، وهو مسبوقٌ بالإجماع). ((معالم السنن)) (2/53). قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (وممَّن رأى الزَّكاة في الخَيلِ والرقيق وسائِرِ العروض كلِّها إذا أريد بها التِّجارة: عمر وابن عمر، ولا مخالف لهما من الصحابة، وهو قولُ جمهور التابعين بالمدينة والبصرة والكوفة، وعلى ذلك فقهاءُ الأمصارِ بالحجاز والعراق والشام، وهو قولُ جماعة أهل الحديث). ((التمهيد)) (17/125). قال ابنُ العربي: (الزَّكاة واجبةٌ في العروضِ من أربعة أدلَّة: الأوَّل: قول الله عز وجل: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً، وهذا عامٌّ في كلِّ مالٍ على اختلاف أصنافه، وتبايُنِ أسمائه، واختلافِ أغراضه؛ فمن أراد أن يخصَّه في شيءٍ؛ فعليه الدَّليل.  الدَّليل الثاني: أنَّ عمر بن عبد العزيز كتب بأخْذ الزَّكاةِ مِنَ العروض، والملأُ الملأُ، والوقتُ الوقتُ، بعد أنِ استشار واستخار، وحكم بذلك وقضى به على الأمَّة، فارتفع الخلافُ بحُكمه. الثالث: أنَّ عُمَرَ الأعلى قدْ أخَذَها قبلَه. صحيحٌ من روايةِ أنس. الرابع: أنَّ أبا داودَ ذكر عن سَمُرةَ بنِ جُندب: (أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يأمُرُنا أن نُخرج الزَّكاة ممَّا نُعِدُّه للبيع)، ولم يصحَّ فيه خلافٌ عن السلف). ((عارضة الأحوذي)) لابن العربي (3/160). قال المجد ابن تيمية: (وهو إجماعٌ متقدِّم). ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/240). ووصف ابن عَبدِ البَرِّ القول بخلافه بالشُّذوذ: (وقد شذَّ داودُ، فلم يرَ الزَّكاةَ في العروضِ، وإنْ نوى بها صاحِبُها التِّجارة). ((التمهيد)) (17/126).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [البقرة: 267]
وجه الدَّلالة:
 أنَّ عمومَ هذه الآيةِ يُوجِبُ الصَّدقةَ في سائِرِ الأموالِ؛ لأنَّ قولَه تعالى: مَا كَسَبْتُمْ ينتظِمُها عن مجاهد في هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنْفِقُواْ مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ قال: (من التِّجارة). ((تفسير الطبري)) (5/556). وقال البخاريُّ: (بابُ صدقَةِ الكسْبِ والتِّجارة؛ لقوله تعالى: يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنْفِقُواْ مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ). ((صحيح البخاري)) (2/523). وقال الطبري: (القولُ في تأويل قوله: مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ، يعني بذلك جلَّ ثناؤه: زكُّوا مِن طَيِّبِ ما كسَبْتم بتصرُّفِكم إمَّا بتجارةٍ، وإمَّا بصناعةٍ مِنَ الذَّهَب والفضَّة). ((تفسير الطبري)) (5/555). وقال الجصَّاص: (روى عن جماعة من السَّلف في قوله تعالى: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ أنَّه من التجارات؛ منهم الحسن ومجاهد، وعموم هذه الآيةِ يوجِبُ الصدقة في سائر الأموال؛ لأنَّ قوله تعالى: ما كَسَبْتُمْ ينتظِمُها وإن كان غير مكتفٍ بنفسه في المقدار الواجِبِ فيها، فهو عمومٌ في أصناف الأموال مُجمَلٌ في المقدارِ الواجِبِ فيها، فهو مفتقِرٌ إلى البيانِ، ولَمَّا ورد البيانُ من النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بذِكر مقاديرِ الواجباتِ فيها؛ صحَّ الاحتجاجُ بعُمومِها في كلِّ مالٍ اختلفنا في إيجابِ الحقِّ فيه نحو أموالِ التِّجارة، ويُحتجُّ بظاهِرِ الآية على مَن ينفي إيجابَ الزَّكاة في العروض). ((أحكام القرآن)) للجصاص (2/174).
3- قوله تعالى: خُذْ مِنْ أمْوَالِهِمْ صَدَقَةً التوبة: 103.
وجه الدَّلالة:
 أنَّ عمومَ الآيةِ يَشمَلُ كلَّ مالٍ على اختلافِ أصنافِه، وتبايُنِ أسمائِه، واختلافِ أغراضِه قال ابنُ العربي: (قول الله عز وجل: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً، وهذا عامٌّ في كلِّ مالٍ على اختلاف أصنافِه، وتباين أسمائه، واختلاف أغراضه؛ فمَن أراد أن يخصَّه في شيء؛ فعليه الدَّليل). ((عارضة الأحوذي)) لابن العربي (3/159).
1-  قوله تعالى: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ والْمَحْرُومِ [الذاريات: 19]
2- وقوله تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج: 24-25]
3- وقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة: 103]
وجه الدَّلالة:
 أنَّ هذه الآياتِ أوجبت في كلِّ مالٍ حقًّا، ومالُ التِّجارة أعمُّ الأموالِ، ولم يأتِ دليلٌ مِن كتابٍ ولا سُنَّةٍ يُعفِي أموالَ تجَّارِ المسلمينَ مِن هذا الحقِّ المعلومِ الذي بإخراجِه يتطهَّرُ المُسلِم ويتزكَّى ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/240)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/138).
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لمُعاذِ بنِ جَبلٍ حين بعثَه إلى اليَمَنِ: أعْلِمْهم أنَّ اللهَ افتَرَض عليهم صدقةً في أموالِهم، تُؤخَذُ مِن أغنيائِهم فتُرَدُّ على فُقَرائِهم )) رواه البخاري (1395)، ومسلم (19)
وجه الدَّلالة:
 أنَّه أوجَبَ الزَّكاةَ في أموالِ الأغنياءِ، ولا شكَّ أنَّ عروضَ التِّجارة مالٌ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/138).
2- عن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى )) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907)
وجه الدَّلالة:
أنَّ التِّجارة بالعروضِ، المرادُ بها تنميةُ النَّقدينِ، والزَّكاةُ واجبةٌ فيهما قال ابنُ عُثيمين: (هذا أقوى دليلٍ عندي، ونحن لو سألْنا التاجِرَ: ماذا يريدُ بهذه الأموالِ؟ لقال: أريدُ الذَّهَب والفضَّة، فإذا اشتريتُ السلعةَ اليومَ ورَبِحْتُ فيها غدًا أو بعد غدٍ بعتُها، ليس لي قصْدٌ في ذاتِها إطلاقًا). ((الشرح الممتع)) (6/139).
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
1- عن ابْنِ عبدِ القاريِّ، قال: (كنتُ على بيتِ المالِ زَمَنَ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ، فكان إذا خرَجَ العطاءُ جمَع أموالَ التجَّارِ ثم حسبَها: شاهِدَها وغائبَها، ثم أخَذ الزَّكاةَ مِن شاهِدِ المالِ على الشَّاهِدِ والغائِبِ) رواه القاسم بن سلام في ((الأموال)) (887)، وابن زنجويه في ((الأموال)) (1686) صححه ابن حزم في ((المحلى)) (5/234) قال ابنُ رُشْدٍ: (إنَّ زكاةَ العُروضِ ثابتةٌ عن عُمَرَ وابنِ عمر). ((بداية المجتهد)) (1/254).
2- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما قال: (ليس في العُروضِ زكاةٌ إلَّا ما كان للتِّجارة) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (2/406)، وابن زنجويه في ((الأموال)) (1688)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (4/248) صححه الشافعي كما في ((السنن الكبرى)) للبيهقي، وابن حزم في ((المحلى)) (5/234)، وابن حجر في ((الدراية)) (1/261)، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (6/78).
وجه الدَّلالة:
أنَّ زكاةَ عُروضِ التِّجارة ثبتتْ عن عُمَرَ وابنِ عمر رَضِيَ اللهُ عنهما، ولا مخالِفَ لهما من الصَّحابة قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (وممَّن رأى الزَّكاةَ في الخيلِ والرقيقِ وسائِرِ العروضِ كُلِّها إذا أريد بها التِّجارة: عمر وابن عمر، ولا مخالِفَ لهما من الصحابة). ((التمهيد)) (17/125). قال ابنُ رُشْدٍ: (إنَّ زكاةَ العروض ثابتة عن عمر وابن عمر، ولا مخالِفَ لهما من الصَّحابة). ((بداية المجتهد)) (1/254)، وينظر ((الأموال)) للقاسم بن سلام (ص: 521).
رابعًا: أنَّ العُروضَ المتَّخَذةَ للتِّجارة مالٌ مقصودٌ به التنميةُ، فأشبَهَ الأجناسَ الثلاثةَ التي فيها الزَّكاةُ باتِّفاقٍ: الحَرْثَ، والماشِيَةَ، والذَّهَبَ والفضَّةَ قال أبو عبيد: (أمَّا أموالُ التجَّار فإنَّما هي للنَّماء وطلَبِ الفَضلِ، فهي في هذه الحالِ تُشبِه سائمةَ المواشي التي يُطلَب نسلُها وزيادتُها، فوجبت فيها الزَّكاةُ لذلك، إلَّا أنَّ كُلَّ واحدةٍ منهما تزكَّى على سَنَتِها، فزكاةُ التِّجارات على القِيم، وزكاةُ المواشي على الفرائِضِ، فاجتمَعَتا في الأصلِ في وجوبِ الزَّكاةِ، ثم رجعَتْ كُلُّ واحدةٍ في الفرَع ِإلى سُنَّتِها، فهذا ما في زكاةِ التجارات إذا كانت أعيانُها حاضرةً عند أهلها). ((الأموال)) (ص: 525، 526)، وينظر: ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/218)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/254)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/240).
خامسًا: أنَّ عُروضَ التِّجارة إذا أُريدَ بها التِّجارة؛ فإنَّها تُجرى مُجرى العَينِ؛ لأنَّ العَينَ من الذَّهَبِ والفضَّة إنَّما تحوَّلَت فيها طلَبًا للنَّماءِ، ثم تُرَدُّ إلى الذَّهَبِ والوَرِقِ، ولا يحصُلُ التصرُّفُ في العين إلَّا بذلك، فلهذا قامَتِ العُروضُ مقامَ العينِ مِن الذَّهَبِ والفضَّة ((التمهيد)) لابن عَبدِ البَرِّ (17/125، 126).
سادسًا: أنَّ عُروضَ التِّجارة المتداوَلَة للاستغلالِ نقودٌ معنًى، لا فرْقَ بينها وبين الدَّراهم والدنانيرِ التي هي أثمانُها، إلَّا في كَونِ النِّصابِ يتقَلَّبُ ويتغيَّرُ بين الثَّمَنِ وهو النَّقدِ، والمُثَمَّن وهو العُروضُ؛ فلو لم تَجِبِ الزَّكاةُ في التِّجارة، لأمكَنَ لجميعِ الأغنياءِ أو أكثَرِهم: أن يتَّجِروا بنقودِهم، ويتحَرَّوا ألَّا يحولَ الحَوْلُ على نِصابِ النَّقدينِ أبدًا، وبذلك تُعطَّلُ الزَّكاةُ فيهما عندهم ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/140).



انظر أيضا: