الموسوعة الفقهية

الفصل السَّابع: الاستحداد (حَلْق العانة)


المبحث الأوَّل: تعريفُ الاستحدادِ
الاستحدادُ: حَلْقُ العانةِ ويكون بأيِّ وسيلة تُزيلُ الشَّعر. ، وسُمِّي استحدادًا لاستعمالِ الحديدةِ، وهي الموسى ((شرح النووي على مسلم)) (3/148).
والمرادُ بالعانةِ: الشَّعرُ الذي فَوقَ ذَكَر الرَّجُل وحوالَيه، وكذاك الشَّعرُ الذي حوالَي فرْجِ المرأة قال النوويُّ: (أمَّا حقيقةُ العانةِ التي يُستحبُّ حَلقُها، فالمشهورُ أنَّها الشَّعرُ النَّابِتُ حوالَي ذَكَر الرَّجُل وقُبُلِ المرأة وفوقَهما: ورأيتُ في كتاب الودائع المنسوبِ إلى أبي العبَّاس ابن سُرَيج- وما أظنُّه يصحُّ عنه- قال: العانةُ الشَّعر المستديرُ حولَ حَلْقة الدُّبر: وهذا الذي قاله غريب، ولكن لا مَنْعَ مِن حلْقِ شَعر الدُّبر، وأمَّا استحبابُه فلم أرَ فيه شيئًا لمن يُعتمَد، غير هذا؛ فإنْ قصَدَ به التنظُّفَ وسُهولة الاستنجاءِ، فهو حسَنٌ مَحبوبٌ). ((شرح النووي على مسلم)) (3/148)، ((المجموع)) (1/289).
المبحث الثَّاني: حُكمُ الاستحدادِ
الاستحدادُ سُنَّة، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/50)، وينظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (4/226). ، والمالكيَّة ((حاشية العدوي)) (2/577)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (21/61). والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/285)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/296). والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/75)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/103). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ قال ابن رشد: (وحَلْق العانةِ؛ لأنَّها من سُنَّة الحيِّ باتِّفاقٍ). ((بداية المجتهد)) (1/231)     وقال ابن عبدِ البَرِّ: (أمَّا قصُّ الأظفارِ وحَلْقُ العانة، فمُجتمَعٌ على ذلك أيضًا). ((التمهيد)) (21/68). وقال النوويُّ: (أمَّا حَلقُ العانةِ، فمتَّفقٌ على أنَّه سُنَّة أيضًا). ((المجموع)) (1/289). قال العراقيُّ: (الاستحدادُ استفعالٌ مِن استعمالِ الحَديدِ في حَلْقِ العانةِ، وهو مُستحَبٌّ إجماعًا). ((طرح التثريب)) (2/71). وقال الشوكانيُّ: (هو سُنَّةٌ بالاتِّفاقِ، ويكونُ بالحَلقِ والقصِّ والنَّتْفِ والنُّورةِ). ((نيل الأوطار)) (1/109). لكن قال ابن حجر: (ذهب ابن العربيِّ إلى القول بوجوب جميع خصال الفِطرة، وفي ذلك يقول: (والذي عندي أنَّ الخِصال الخمس المذكورة في هذا الحديث كلها واجبة؛ فإنَّ المرء لو تركها لم تبقَ صورته على صورة الآدميِّين؛ فكيف من جملة المسلمين؟!) كذا قال في شرح الموطأ، وتعقَّبه أبو شامة بأنَّ الأشياء التي مقصودها مطلوبٌ لتحسين الخَلق- وهي النَّظافة- لا تحتاج إلى ورود أمرِ إيجاب للشارع فيها؛ اكتفاءً بدواعي الأنفس، فمجرَّد النَّدب إليها كافٍ، ونقل ابن دقيق العيد عن بعض العلماء أنَّه قال: دلَّ الخبر على أنَّ الفطرة بمعنى الدِّين، والأصل فيما أُضيف إلى الشيء أنَّه منه أن يكون من أركانه لا من زوائده، حتى يقوم دليلٌ على خلافه، وقد ورد الأمر باتباع إبراهيم عليه السَّلام، وثبَت أنَّ هذه الخِصالَ أُمر بها إبراهيم عليه السَّلام، وكل شيء أمَر الله باتِّباعه فهو على الوجوب لمن أُمر به، وتعقِّب بأنَّ وجوب الاتِّباع لا يقتضي وجوبَ كلِّ متبوع فيه، بل يتمُّ الاتباع بالامتثال؛ فإن كان واجبًا على المتبوع كان واجبًا على التابع، أو ندبًا فندب، فيتوقَّف ثبوت وجوب هذه الخِصال على الأمَّة على ثبوت كونها كانت واجبةً على الخليل عليه السلام). ((فتح الباري)) (10/340).
الأدلَّة مِن السُّنَّةِ:
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((الفِطرةُ خمسٌ: الخِتانُ، والاستحدادُ، وقصُّ الشَّارِبِ، وتقليمُ الأظفارِ، ونتْفُ الآباطِ )) رواه البخاري (5891) واللفظ له، ومسلم (257).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عشرٌ مِن الفِطرة: قصُّ الشَّارب، وإعفاءُ اللِّحيةِ، والسِّواكُ، واستنشاقُ الماءِ، وقصُّ الأظفارِ، وغَسلُ البَراجِم، ونَتْفُ الإبْط، وحَلْقُ العانةِ، وانتقاصُ الماءِ )) قال زكريَّا: قال مُصعَبٌ: ونسيتُ العاشرةَ، إلَّا أن تكونَ المضمضةَ رواه مسلم (261).
المبحث الثالث: حُكمُ تَركِ الاستحدادِ ونَتفِ الإبْطِ وقَصِّ الشَّارِبِ وتقليمِ الأظفارِ فَوقَ أربعينَ يومًا
اختلف أهلُ العِلمِ في حُكمِ مَن تَرَك الاستحدادَ ونَتْفَ الإبْطِ وقَصَّ الشَّارِبِ وتقليمَ الأظفارِ فَوقَ أربعينَ يومًا على قَولينِ:
القول الأول: يُكره ترْكُ شَعرِ العانةِ، وكذا ترْكُ نَتفِ الإبْط، وقصِّ الشَّارِبِ، وتقليمِ الأظفارِ؛ أكثرَ مِن أربعينَ يومًا يُضبَطُ الحَلْقُ المُستحَبُّ بالحاجةِ وطُولِ الشَّعرِ، فإذا طال حُلِقَ، وكذلك قصُّ الشَّارب، ونتْفُ الإبْط، وتقليمُ الأظفارِ. يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/228)، ((المفهم)) للقرطبي (1/515)، ((شرح النووي على مسلم)) (3/148، 149)، ((فتح الباري)) لابن حجر (10/346). ، وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/234) ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/153)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/105).
الدَّليل مِن السُّنَّةِ:
عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((وُقِّتَ لنا في قصِّ الشَّارِبِ، وتقليمِ الأظفارِ، ونتْفِ الإبْط، وحَلْقِ العانةِ: أنْ لا تُترَكَ أكثرَ مِن أربعينَ )) رواه مسلم (258).
وجه الدَّلالة:
أنَّ قولَه: (وُقِّتَ لنا): هو من صِيَغِ الأحاديثِ المرفوعةِ؛ مثل قوله: (أُمِرْنا بكذا)، وعلى تقديرِ أنَّه موقوفٌ، فهو من المقدَّراتِ التي ليس للرأي فيها مَدخلٌ، فيكون كالمرفوعِ ((شرح النووي على مسلم)) (3/150)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/407).
القول الثاني: يَحرُمُ ترْكُ شَعرِ العانةِ، وتركُ نَتفِ الإبْط، وقصِّ الشَّارِبِ، وتقليمِ الأظفارِ، أكثرَ من أربعينَ يومًا، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة قال ابنُ عابدين: (وكُرِه تَرْكُه تحريمًا... ولا عُذرَ فيما وراءَ الأربعينَ، ويستحقُّ الوعيدَ). ((حاشية ابن عابدين)) (6/407)، وينظر: ((الفتاوى الهندية)) (5/357). ، واختاره الشَّوكانيُّ قال الشوكاني: (قلت: بل المختارُ أنَّه يُضبَطُ بالأربعينَ التي ضبَطَ بها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلا يجوزُ تجاوُزُها، ولا يُعَدُّ مُخالِفًا للسنَّةِ مَن ترَكَ القَصَّ ونحوه بعد الطُّولِ إلى انتهاءِ تلك الغاية) ((نيل الأوطار)) (1/143). وابنُ باز قال ابن باز: (تطويلُ الأظفارِ خلافُ السنَّةِ، وقد ثبت عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: الفِطرةُ خَمسٌ: الخِتانُ، والاستحدادُ، وقَصُّ الشَّارب، ونَتفُ الإبْطِ، وقَلْمُ الأظفار. ولا يجوزُ أن تُترَكَ أكثَرَ مِن أربعينَ ليلةً) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/50). وقال: (وأمَّا حَلقُ العانةِ ونَتفُ الإبْطِ وقَلْمُ الأظفار؛ ففي وجُوبِها خلافٌ بين أهلِ العِلمِ، والمشهورُ في كلامِهم أنَّها سُنةٌ، وظاهِرُ الأدلَّةِ يقتضي وجوبَها؛ لإطلاقِ الأحاديثِ الآمِرةِ بذلك؛ ولأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وَقَّتَ للمُسلمينَ ألَّا يَتركُوها مع قَصِّ الشَّارِبِ أكثَرَ مِن أربعينَ ليلة؛ كما روى ذلك مسلم في صحيحِه عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((وُقِّتَ لنا في قَصِّ الشَّارِبِ وتَقليمِ الأظفارِ ونَتفِ الإبْطِ وحَلْقِ العانةِ ألَّا تُترَكَ أكثَرَ مِن أربعينَ ليلةً)) وإذا قال الصحابيُّ مثلَ هذه الصيغةِ، فهي في حُكمِ المَرفوعِ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كقوله: أُمِرْنا أو نُهِينا؛ لأنَّه لا آمَرَ ولا ناهِيَ ولا مُؤَقِّتَ إلَّا هو..) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/50). وقال أيضًا: (الأظفارُ يَجِبُ تَعَهُّدُها قبل مُضِيِّ أربعينَ ليلةً؛ لأنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقَّتَ للنَّاسِ في قَلْمِ الأظفارِ، وحلقِ العانة، ونتفِ الإبْط، وقصِّ الشَّارِبِ: ألَّا يُترَكَ ذلك أكثَرَ مِن أربعينَ ليلةً، هكذا ثبتَ عن رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال أنسٌ رَضِيَ اللهُ عنه، وهو خادِمُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وَقَّتَ لنا في قَصِّ الشارِبِ، وقَلْمِ الظُّفُر، ونتف الإبْطِ، وحَلْقِ العانة، ألَّا نَترُكَ ذلك أكثَرَ مِن أربعينَ ليلةً)). أخرَجَه الإمامُ مُسلم في الصحيح، وأخرجه الإمام أحمد، والنَّسائي، وجماعة بلفظ: ((وَقَّتَ لنا رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ألَّا نَترُكَ الأظفارَ، والشَّارِبَ، وحَلْقَ العانةِ، ونَتْف الإبْطِ، أكثَرَ مِن أربعينَ ليلة)). فالواجِبُ على النِّساءِ والرِّجالِ أن يُلاحظوا هذا الأمر، فلا يُترك الظُّفُر، ولا الشَّارب، ولا العانة- وهي: الشِّعْرة-، ولا الإبْطِ، أكثَرَ من أربعين ليلةً) مجموع فتاوى ابن باز- (10 / 50)
الدَّليل مِن السُّنَّةِ:
عن أنسِ بِن مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((وُقِّتَ لنا في قصِّ الشَّارِبِ، وتَقليمِ الأظفارِ، ونتْفِ الإبْطِ، وحَلْقِ العانةِ: أنْ لا تُترَكَ أكثرَ مِن أربعينَ )) رواه مسلم (258).
وجه الدَّلالة:
أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقَّتَ للنَّاسِ في قَلْمِ الأظفارِ، وحَلْقِ العانةِ، ونَتْفِ الإبْطِ، وقَصِّ الشَّارِبِ: ألَّا يُتَرَك ذلك أكثَرَ مِن أربعينَ ليلةً؛ ممَّا دَلَّ على وجوبِ تَعَهُّدها قبل مُضِيِّ أربعينَ ليلةً، وعدمِ جَوازِ تَجاوُزِ الأربعينَ ((نيل الأوطار)) (1/143)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10 / 50).
المبحث الرابع: كيفيَّةُ الاستحدادِ
الأفضَلُ فيه الحَلقُ، وتجوزُ الإزالةُ بأيِّ شيءٍ، كالقصِّ والنَّتفِ والنُّورةِ؛ والرَّجُلُ والمرأةُ في ذلك سواءٌ كَونُ الحَلقِ أفضلَ للرَّجُلِ، هو محلُّ اتِّفاقٍ بين الفُقَهاءِ، ثمَّ وقع الخلافُ بينهم فيما هو الأفضَلُ للمرأة؟ فالمالكيَّة والحنابلة ذهبوا إلى أنَّ الحَلقَ لها أفضل، إلَّا أنَّ المالكيَّةَ كَرِهوا للمرأة النَّتفَ؛ لأنَّه من النَّمصِ المنهيِّ عنه، بينما ذهب الحنفيَّة والشَّافعيَّة إلى أنَّ النَّتفَ للمرأةِ أفضَلُ، وخصَّه الشافعيَّة بالشابَّةِ دون العَجوزِ. ((حاشية ابن عابدين)) (6/406)، ((حاشية العدوي)) (2/443)، ((شرح النووي على مسلم)) (3/148)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/103)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/76)، ((الموسوعة الكويتية)) (14/84). ، وهذا مَذهَبُ الحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/76)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/64). ، واختاره النوويُّ قال النوويُّ: (أمَّا الاستحدادُ، فهو حلْقُ العانة؛ سمِّي استحدادًا لاستعمالِ الحديدةِ، وهي المُوسى، وهو سُنَّة، والمرادُ به نظافةُ ذلك الموضِعِ، والأفضَلُ فيه الحَلقُ، ويجوزُ بالقصِّ والنَّتفِ والنُّورةِ). ((شرح النووي على مسلم)) (3/148). ، وابنُ دقيق العيد قال ابنُ دقيق العيد: ("الاستحدادُ" استفعالٌ مِن الحديدِ، وهو إزالةُ شَعرِ العانةِ بالحديدِ، فأمَّا إزالَتُه بغير ذلك كالنَّتفِ وبالنُّورةِ، فهو محصِّلٌ للمقصودِ، لكنَّ السُّنةَ والأَولى، الذي دلَّ عليه لَفظُ الحَديثِ). ((إحكام الأحكام)) (ص: 62). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (حَلقُها- أي: العانة- بالموسى، أفضَلُ إذا تيسَّر، وهو الاستحدادُ، فإنْ كان ذلك يشقُّ أو لم يتيسَّر للرجُلِ أو للمرأةِ، فإنَّها تُزالُ بالأدويَّة المعروفةِ التي يَعتادُها النَّاسُ.( ((الموقع الرسمي لابن باز)).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كنَّا مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غَزاةٍ، فلمَّا قَدِمنا المدينةَ ذهبْنا لندخُلَ، فقال: أمهِلوا حتَّى ندخُلَ ليلًا- أي: عِشاءً-؛ كي تمتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وتستحِدَّ الـمُغِيبةُ الـمُغِيْبةُ: التي غاب عنها زَوجُها. ((شرح النووي على مسلم)) (10/54). )) رواه البخاري (5246)، ومسلم (715)، واللفظ له.
وجهُ الدَّلالة:
أنَّ الاستحدادَ هو استفعالٌ مِنَ الحديدِ، وهو إزالةُ شَعرِ العانةِ بالحديدِ ((شرح النووي على مسلم)) (10/54)، ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 62).
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((الفِطرةُ خَمسٌ: الخِتان، والاستحدادُ، وقصُّ الشَّارِبِ، وتقليمُ الأظفارِ، ونتفُ الآباطِ )) رواه البخاري (5891)، ومسلم (257).
وجه الدَّلالة:
 أنَّ لفظ الحديث فرَّق بين إزالة شَعرِ العانةِ وإزالةِ شَعرِ الإبْطِ، فذَكَر في الأوَّلِ الاستحدادَ، وفي الثاني النَّتْفَ، وذلك ممَّا يدلُّ على رِعاية هاتين الهيئتينِ في محلِّهما ((شرح النووي على مسلم)) (3/148)، ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 62).
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عشرٌ مِن الفِطرة: قصُّ الشَّارب، وإعفاءُ اللِّحيةِ، والسِّواكُ، واستنشاقُ الماءِ، وقصُّ الأظفارِ، وغَسْلُ البَراجم، ونتفُ الإبْط، وحَلقُ العانةِ، وانتقاصُ الماء ))، قال زكريَّا: قال مُصعَبٌ: ونسيتُ العاشرةَ، إلَّا أن تكونَ المضمضةَ رواه مسلم (261).
وجه الدَّلالة:
أنَّ الحلقَ أفضلُ؛ لموافَقَتِه للحديثِ ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 62)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/104).
ثانيًا: المقصودُ هو النَّظافةُ وإزالةُ الشَّعر، فإذا أُزيل بأيِّ وسيلةٍ، تحقَّقَ المقصودُ انظر: ((شرح النووي على مسلم)) (3/148)، ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 62).
المبحث الخامس: مُباشرةُ الأجنبيِّ لحَلْقِ العانةِ
ينبغي على المَرءِ أن يَحلِقَ عانَتَه بنَفسِه، ولا يدَعَ أحدًا يطَّلِعُ على عَورَتِه، إلَّا مَن يحِلُّ له الاطِّلاعُ عليها من زوجةٍ أو أَمَةٍ قال ابن قدامة: (إن اطَّلَى بنُورةٍ فلا بأسَ، إلَّا أنَّه لا يدَعُ أحدًا يلي عَورَتَه، إلَّا مَن يَحِلُّ له الاطِّلاعُ عليها مِن زوجةٍ أو أَمَةٍ). ((المغني)) (1/64-65)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (1/289)، ((فتح الباري)) لابن حجر (10/344، 348).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قَولُ الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور: 30-31]
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يَنظُرُ الرَّجُلُ إلى عورةِ الرَّجُلِ، ولا المرأةُ إلى عورةِ المرأةِ، ولا يُفضِي الرَّجُلُ إلى الرَّجُلِ في ثوبٍ واحدٍ، ولا تُفضِي المرأةُ إلى المرأةِ في الثَّوبِ الواحِدِ )) رواه مسلم (338).
2- عن بَهزِ بن حَكيمٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: ((قلتُ: يا رسولَ الله، عَوراتُنا ما نأتي منها وما نَذَر؟ قال: احفظْ عورتَك إلَّا مِن زَوجَتِك أو ما ملَكت يمينُك. قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فإذا كان القومُ بعضُهم في بعضٍ؟ قال: إنِ استطعتَ ألَّا يراها أحدٌ فلا يَريَنَّها، قلتُ: فإذا كان أحدُنا خاليًا؟ قال: فاللهُ أحقُّ أن يُستحيَا منه )) روى البخاريُّ آخِره مُعلَّقًا بصيغة الجزم قبل حديث (278)، ورواه موصولًا أبو داود (4016) واللفظ له، والترمذي (2769)، وابن ماجه (1920)، وأحمد (20046)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (8972). حسَّنه الترمذي، وصحَّحه ابن القطان في ((أحكام النظر)) (94) وابن دقيق في ((الإلمام)) (1/145)، وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (21/337): ثابت، وقال محمد ابن عبدالهادي في ((المحرر)) (99): إسناده ثابت إلى بهز، وهو ثقة عند الجمهور، وصححه ابن القيِّم في ((تهذيب السنن)) (11/56)، وحسَّنه ابن حجر في ((هدي الساري)) (20)، وقال السخاوي في ((فتح المغيث)) (1/54): حسن مشهور عن بهز، وحسنه ابن باز كما في ((الفوائد العلمية)) (6/104)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4016)
ثالثًا: من الإجماعِ
نقَل النوويُّ الإجماعَ على تحريمِ نظَرِ الرَّجُلِ إلى عَورةِ الرجُلِ، والمرأةِ إلى عَورةِ المرأةِ قال النوويُّ: (ففيه تحريمُ نظَر الرَّجُلِ إلى عورةِ الرَّجُلِ، والمرأةِ إلى عورةِ المرأة، وهذا لا خلافَ فيه، وكذلك نَظَرُ الرَّجُلِ إلى عورةِ المرأةِ، والمرأةِ إلى عورةِ الرَّجُلِ، حرامٌ بالإجماع، ونبَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بنظر الرَّجُلِ إلى عورةِ الرَّجُلِ على نظَرِه إلى عورةِ المرأةِ، وذلك بالتَّحريمِ أَوْلى، وهذا التحريمُ في حقِّ غَيرِ الأزواجِ والسَّادةِ). ((شرح النووي على مسلم)) (4/30). ، ونقَلَه عنه ابنُ حَجَرٍ ولم يتعقَّبه ((فتح الباري)) لابن حجر (9/338).
ونقَل الإجماعَ على وُجوبِ سَتْرِ العَورةِ عَن أعيُنِ النَّاسِ مطلقًا: النوويُّ قال النوويُّ: (سَترُ العورةِ عَن العُيونِ واجبٌ بالإجماعِ). ((المجموع)) (3/166). ، وابنُ رجبٍ الحنبليُّ قال ابن رجب: (أجمَعَ العُلَماءُ على وجوبُ سَترِ العَورة بين النَّاسِ عَن أبصارِ النَّاظرينَ). ((فتح الباري)) (2/171).

انظر أيضا: