الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: صُنعُ أهْلِ المَيِّتِ الطَّعامَ للنَّاسِ


صُنعُ أهلِ المَيِّت الطَّعامَ للنَّاسِ بدعةٌ [9168] لكنْ إنْ دَعَتِ الحاجةُ إلى ذلك جاز؛ فإنَّه ربَّما جاءهم من يحضُرُ مَيِّتَهم من القُرى والأماكِنِ البعيدة، ويَبِيتُ عندهم، ولا يُمْكِنُهم إلَّا أنْ يُضَيِّفوه. ينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/410). ، وهذا مَذهَب الحَنفيَّة [9169] ((تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ)) (1/246)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 228). ، والشَّافعيَّة [9170] ((المجموع)) للنووي (5/320)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/368). ، وبعضِ المالِكيَّة [9171] ((المدخل)) لابن الحاج (3/275)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/37). قال الحطَّاب:( أمَّا إصلاحُ أهلِ الميِّتِ طعامًا، وجَمْع النَّاس عليه: فقد كَرِهَه جماعةٌ، وعَدُّوه من البِدَع؛ لأنَّه لم يُنقَل فيه شيءٌ، وليس ذلك موضِعَ الولائِمِ). ، واختاره ابنُ تيميَّة [9172] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/316). ، وابن باز [9173] قال ابن باز: (السُّنةُ أن يُصنَعَ الطعامُ لأهل الميِّتِ مِن أقارِبِهم أو جيرانِهم فيُبعَثُ إليهم، مثلما فعل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينما جاءَه نعيُ جَعفرٍ، فقال لأهله ((اصنَعُوا لآلِ جَعفرٍ طعامًا؛ فقد أتاهم ما يشغَلُهم)) أخرجه الخمسة إلا النسائي. هذا هو المشروعُ، أما أن يحمِلوا بلاءً مع بلائِهم، ويُكَلَّفوا لِيَضَعوا طعامًا للناسِ، فهو خلافُ السُّنَّة، وهو بدعةٌ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (13/384). وقال: (فالسنَّةُ أن يُصنَعَ لأهلِ الميت طعامٌ مِن جيرانهم أو أقارِبِهم للحديثِ المذكور. وأمَّا كونُ أهل الميِّتِ يصنعونَ الطَّعامَ ويَجمَعونَ الجيرانَ، فهذا لا يصلُحُ، بل هو من البِدَع، ومن المآتمِ المُنكَرة) ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (ص: 344).    ، والألبانيُّ [9174] ((أحكام الجنائز)) للألباني (ص: 256). ، وابن عثيمين [9175]  قال ابن عثيمين: (ظاهِرُ كلام المؤلِّف: أنَّ صُنعَ الطَّعامِ لأهل الميِّتِ سُنَّةٌ مُطلقًا، ولكِنَّ السنَّةَ تدُلُّ على أنَّه ليس بسنَّةٍ مُطلقًا، وإنَّما هو سنَّةٌ لِمَن انشغلوا عن إصلاحِ الطَّعام بما أصابهم من مصيبةٍ؛ لِقَوله: «فقد أتاهم ما يشغَلُهم»، والإنسانُ إذا أصيب بمصيبةٍ عظيمةٍ انغلَقَ ذِهنُه وفِكرُه، ولم يصنَعْ شيئًا. فظاهرُ التعليل: أنه إذا لم يأتِهم ما يشغَلُهم، فلا يُسَنُّ أن يُصنَعَ لهم. ومع ذلك غلا بعضُ النَّاسِ في هذه المسألة غُلُوًّا عظيمًا، لا سيما في أطرافِ البلاد، حتى إنَّهم إذا مات الميِّتُ يُرسِلون الهدايا مِن الخرفانِ الكثيرةِ لأهل الميِّتِ، ثمَّ إن أهل الميت يطبُخونها للنَّاسِ، ويَدْعونَ النَّاسَ إليها، فتجِدُ البيتَ الذي أُصيبَ أهلُه كأنَّه بَيتُ عُرسٍ، فيُضيئونَ في الليلِ المصابيحَ الكثيرةَ، ويصنعونَ الكراسيَّ المتعدِّدةَ، وقد شاهدت ذلك بنفسي. وهذا لا شَكَّ أنَّه من البِدَع المُنكَرة) ((الشرح الممتع)) (5/376). وقال: (يُكرَهُ لأهل الميِّتِ أن يصنعوا طعامًا ويَدْعوا النَّاسَ إليه، وبهذا يُعلَمُ أن ما يصنَعُه بعض المسلمين من صُنعِ الطَّعامِ والشَّاي ودعوةِ الناسِ إليه؛ أنَّ هذا من البِدَعِ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/278).    
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن عبدِ الله بن جَعفرٍ، قال: لَمَّا جاءَ نعْيُ جعفرٍ قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((اصنعوا لآلِ جعفرٍ طعامًا؛ فقد أتاهم ما يَشْغَلُهم، أو أمْرٌ يَشْغَلُهم )) [9176] أخرجه أبو داود (3132)، والترمذي (998)، وابن ماجه (1610)، وأحمد (1751). قال الترمذي: حسن صحيح، وحسَّن إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/242)، وصحَّحه ابن الملَقِّن في ((البدر المنير)) (5/355)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (3/194)، وحسَّن إسناده ابن باز في ((مجموع فتاواه)) (13/396)، وحسَّن الحديث الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3132).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ في صُنْعِ أهلِ المَيِّت طعامًا للنَّاسِ مُخالفةً للسُّنَّةِ؛ لأنَّ النَّاسَ مأمورونَ بأنْ يَصْنَعوا لأهْلِ المَيِّت طعامًا؛ فخالَفوا ذلك وكلَّفُوهم صنعةَ الطَّعامَ لغيرِهم [9177] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/118).
ثانيًا: لأنَّ فيه زيادةً على مُصِيبَتِهم [9178] ((المغني)) لابن قدامة (2/410).
ثالثًا: لأنَّ فيه شُغُلًا لهم إلى شُغُلِهم [9179] ((المغني)) لابن قدامة (2/410).
رابعًا: لأنَّه تَشَبُّهٌ بصُنْعِ أهْلِ الجاهلِيَّة [9180] ((المغني)) لابن قدامة (2/410).



انظر أيضا: