الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: تعميقُ القَبرِ وتوسيعُه


الفرع الأول: تعميقُ القَبرِ
يُستحَبُّ أن يُعَمَّقَ القَبرُ [8812] واختلفوا في حَدِّ التعميقِ المستحَبِّ: فقال الحنفيَّةُ: وينبغي أن يكون مقدارُ عُمقِه إلى صَدْرِ رجُلٍ وسَط القامَةِ، وكلَّما زاد فهو أفضَلُ. ينظر: ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/109). وقال الشافعيَّة: ويُستحَبُّ أن يكون عُمقُه قامةً وبَسطةً، ومعنى القامة والبَسْطة: أن يقِفَ فيه رجلٌ معتدِلُ القامَةِ ويرفَعَ يديه إلى فوق رأسِه ما أمكَنَه، وقدَّروا ذلك بأربعِ أذرُعٍ ونِصفٍ. ينظر: ((المجموع)) (5/287). وقال الحنابلة: يُستحَبُّ تعميقُ القبرِ وتوسِعَتُه من غيرِ حَدٍّ، على الصحيحِ من المذهَبِ. ينظر: ((الإنصاف)) (2/382) ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة [8813] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/208). ويُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (2/193)، ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/109). ، والشَّافعيَّة [8814] ((المجموع)) للنووي (5/287)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/351). ، والحَنابِلَة [8815] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/382)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/133). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/371).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن هِشامِ بنِ عامرٍ رَضِيَ الله عنه، قال: ((شَكَوْنا إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يومَ أُحُدٍ، فقلنا: يا رسولَ الله، الحَفْرُ علينا لكُلِّ إنسانٍ؛ شديدٌ! فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: احْفِروا وأَعْمِقوا وأَحْسِنوا، وادْفِنُوا الاثنينِ والثلاثةَ في قبرٍ واحدٍ )) [8816] أخرجه أبو داود (3215)، والترمذي (1713)، والنسائي (2010) واللفظ له، وابن ماجه (1560)، وأحمد (16296). قال الترمذي: حسن صحيح، واحتجَّ به ابنُ حزمٍ في ((المحلى)) (5/117)، وصحَّحه ابنُ عساكر في ((معجم الشيوخ)) (2/1031)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (5/295)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (2009).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الأَمْرَ في قوله ((وأَعْمِقوا)) للاستحبابِ [8817] ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (3/1219).
ثانيًا: لأنَّ تعميقَ القبرِ أنفى لظهورِ الرائحَةِ التي تستضِرُّ بها الأحياءُ [8818] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/133).
ثالثًا: لأنَّ تعميقَ القبرِ أبعدُ لقدرةِ الوَحْشِ على نَبْشِه [8819] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/133).
الفرع الثاني: توسيعُ القبرِ
يُستحَبُّ توسيعُ القبرِ [8820] قال ابن القيم: (وكان مِن هَدْيِه: اللَّحْدُ، وتعميقُ القبرِ، وتوسيعُه مِن عند رأس المَيِّت ورِجْليه). ((زاد المعاد)) (1/502). وقال الشوكاني (وفيه مشروعيَّةُ التوصِيَةِ من الحاضرينَ للدَّفْنِ بتوسيعِ القَبرِ، وتفَقُّدِ ما يَحتاجُ إلى التفقُّدِ). ((نيل الأوطار)) (4/96). ؛ نصَّ عليه الشَّافعيَّة [8821] ((المجموع)) للنووي (5/287)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/351). ، والحَنابِلَة [8822]  ((الفروع)) لابن مفلح (3/374)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/133). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/371).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن عاصمِ بن كُلَيبٍ، عن أبيه، عن رجُلٍ من الأنصارِ، قال: خَرَجْنا مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في جِنازة، فرأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو على القبرِ يوصي الحافِرَ: ((أَوْسِعْ مِن قِبَلِ رِجْليهِ، أَوْسِعْ مِن قِبَلِ رأسِه )) [8823] أخرجه أبو داود (3332)، وأحمد (23465)، والدارقطني (4/285)، والبيهقي (11140).  صحح إسناده النووي في ((الخلاصة)) (2/1014)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/296)، وقال الزيلعي في ((نصب الراية)) (4/168): إسنادُه إسنادُ الصحيح إلَّا كليبًا لم يُخَرِّجا له، ووثَّقه ابن حبَّان وابن سعد، وصحَّحَ إسنادَه ابن حَجَرٍ في ((التلخيص الحبير)) (2/686)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3332)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1490).

انظر أيضا: