الموسوعة الفقهية

المطلب الحادي عشر: حُكمُ رَفْعِ الصَّوتِ مع الجِنازة بقراءةٍ أو ذِكْرٍ


لا يُشرَعُ رفعُ الصَّوتِ [8537] رفعُ الصَّوتِ بقراءةِ قرآنِ أو ذكرٍ أثناءَ تشييعِ الجنازةِ بدعةٌ، ومن صورِ هذه البدعةِ رفعُ الصَّوتِ بالتهليلِ، وما شابهَ ذلك مِن أذكارٍ بصوتٍ جماعيٍّ، ومنه قولُهم: (وحِّدوه) أو (اذكروا الله) أوقراءةُ بعضِ القصائدِ كالبُردةِ، أو الدعاءُ للميتِ برفعِ الصَّوتِ عندَ الدَّفنِ، وذكَر بعضُ أهلِ العلمِ أنَّ في رفعِ الصَّوتِ- إضافةً إلى كونِه بدعةً- تشبُّهًا بالنَّصارى؛ فإنَّهم يرفعونَ أصواتَهم بشيءٍ مِن أناجيلِهم وأذكارِهم مع التمطيطِ والتلحينِ والتحزينِ، وأقبحُ مِن ذلك تشييعُها بالعَزفِ على الآلاتِ الموسيقيَّةِ أمامَها عزفًا حزينًا، كما يُفعَلُ في بعضِ البلادِ الإسلاميَّة تقليدًا للكفَّار. ينظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (9 /20)، ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (14/62)، ((فتاوى نور على الدرب)) للعثيمين (6/108)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/171)، ((أحكام الجنائز)) للألباني (ص: 71). بقراءةٍ أو ذِكْرٍ في السَّيرِ بالجِنازة ومعها، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [8538]  ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/207). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/310). ، والمالِكيَّة [8539] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/238). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/136،137). ، والشَّافعيَّة [8540] ((المجموع)) للنووي (5/321)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/48)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/23). ، والحَنابِلَة [8541] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/370)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/130). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/355). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [8542] قال ابن تيميَّةَ: (لا يُستَحَبُّ رَفْعُ الصَّوتِ مع الجِنازَة؛ لا بقراءةٍ ولا ذِكْرٍ ولا غيرِ ذلك؛ هذا مذهَبُ الأئمَّة الأربعة، وهو المأثورُ عَنِ السَّلَف من الصَّحابة والتابعين، ولا أعلَمُ فيه مخالِفًا). ((مجموع الفتاوى)) (24/294). وقال أيضًا: (ويُكرَه رَفْعُ الصَّوتِ مع الجِنازَة، ولو بالقراءةِ؛ اتِّفاقًا). ((الفتاوى الكبرى)) (5/361). وقال: (كان المَيِّتُ على عهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يخرُجُ به الرِّجالُ يحملونَه إلى المقبرةِ، لا يُسْرِعون ولا يُبْطئونَ، بل عليهم السَّكينةُ، لا نساءَ معهم، ولا يَرفعونَ أصواتَهم، لا بقراءةٍ ولا غيرِها، وهذه هي السُّنَّة باتِّفاقِ المسلمين). ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) (3/146). وهناك قولٌ عند الحنفية وغيرِهم بِحُرْمَةِ هذا الفِعلِ، وليس مجرَّد الكراهة، قال الطحطاوي: (قوله ( ويُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوت) قيل: يكرهُ تحريمًا؛ كما في القهستاني عن القنية، وفي الشرح عن الظهيرية). ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 401). قال ابن مُفْلِح: (ويُكْرَه رفعُ الصَّوتِ ولو بالقراءةِ؛ اتِّفاقًا، قاله شيخنا، وحرَّمَه جماعةٌ من الحنفية وغَيْرِهم). ((الفروع)) (3/369)
الأدلة:
أوَّلًا: مِنَ الآثار
قال قيسُ بنُ عبَّاد- وهو من أكابِرِ التَّابعين من أصحابِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه-: (كانوا يَسْتَحبُّون خَفْضَ الصَّوتِ عند الجنائِزِ، وعند الذِّكْرِ، وعِندَ القِتالِ) [8543] أخرجه ابن المبارك في ((الزهد)) (247)، وابن أبي شيبة (11201)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (3034)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (18466). قال ابن حجر كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (4/184): موقوف صحيح، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (6/88): رجاله رجالُ الصحيح، وقال الألباني في ((أحكام الجنائز)) (ص 92): إسناده رجاله ثقات.
ثانيًا: اتَّفَقَ أهلُ العلمِ بالحَديثِ والآثارِ أنَّ هذا لم يكن على عَهْدِ القُرونِ الثلاثةِ المُفَضَّلةِ [8544] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/294).
ثالثًا: أنَّ عدمَ رفعِ صوتٍ بقراءةٍ ولا ذِكرِ ولا غيرِهما، أسكنُ للخاطرِ، وأجمعُ للفِكرِ فيما يتعلَّق بالجِنازةِ [8545] ((الأذكار)) للنووي (ص: 160).

انظر أيضا: