الموسوعة الفقهية

المطلب التاسع: التَّسليمُ في صَلاةِ الجِنازةِ


الفرع الأوَّل: حُكمُ التَّسليمِ
التَّسليمُ ركنٌ [8347] وأجمَعوا على مشروعيَّته. قال ابنُ عبد البرِّ: (لا خلافَ عَلِمْتُه بين العلماء والصَّحابة والتابعين ومَن بَعدَهم مِنَ الفُقهاءِ في السَّلام على الجِنازة، وإنَّما اختلفوا: هل هي واحدةٌ أو اثنتان؟). ((الاستذكار)) (3/31). وقال النوويُّ: (ولم يُذكَر في رِوايات مسلمٍ السَّلام، وقد ذكَره الدارقطنيُّ في سُنَنه، وأجمع العُلماءُ عليه، ثم قال جمهورهم: يُسلِّم تسليمةً واحدة). ((شرح النووي على مسلم)) (7/24). وقال ابن الملقِّن: (لم أرَ في هذا الحديثِ ذِكرَ السَّلامِ، نعم رَوَى أبو أُمامة أنَّه السُّنة، كما رواه النَّسائيُّ بإسناد على شرْط الصحيح، وهو إجماعٌ، وإنْ كان وقع في العتبيَّة أنَّه يُستحبُّ، وقال به محمَّد بن أبي صُفرة). ((الإعلام)) (4/401). وقال ابنُ حَجر: (قوله سمَّاها صلاةً، أي: يُشتَرَط فيها ما يُشتَرَط في الصَّلاة، وإنْ لم يكن فيها ركوعٌ، ولا سجودٌ؛ فإنَّه لا يُتكلَّم فيها، ويُكبَّر فيها، ويُسلَّم منها بالاتِّفاق، وإن اختُلِف في عدد التكبير والتسليم). ((فتح الباري)) (3/190). وقال الشوكانيُّ: (فيه دليلٌ على مشروعيَّةِ السَّلام في صلاة الجِنازة، والإسرارِ به، وهو مُجمَعٌ عليه، حَكى ذلك في البحر). ((نيل الأوطار)) (4/76) في صلاةِ الجِنازة، وهو مذهبُ الجمهورِ: المالِكيَّة [8348] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/217)، ((الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي)) (1/413). ، والشافعيَّة [8349] ((المجموع)) للنووي (5/239)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/341). ، والحَنابِلَة [8350] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/119)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/885).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عمومُ حديثِ: ((وتَحليلُها التَّسليمُ )) [8351] أخرجه أبو داود (61)، والترمذي (3)، وابن ماجه (275) من حديث علي رَضِيَ اللَّهُ عنه. قال الترمذيُّ: أصحُّ شيء في هذا الباب وأحسَنُه، وحسنه النووي في ((الخلاصة)) (1/348)، وابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/230)، (1/506)، وصحَّحه الألباني في ((إرواء الغليل)) (301).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالتْ: ((كان يختمُ الصَّلاةَ بالتَّسليمِ )) [8352] أخرجه مسلم (498).
ثانيًا: أنَّها عبادةٌ افتُتِحَت بالتَّكبيرِ، فتُختتَمُ بالتسليمِ؛ كالصَّلاةِ المفروضةِ [8353] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/342).
الفرع الثَّاني: عددُ التَّسليمِ في صَلاةِ الجِنازة
اختلَفَ أهلُ العِلمِ في عددِ التَّسليمِ في صلاةِ الجِنازة: هل هو تسليمةٌ أو تسليمتان [8354] اختَلفوا في المستحبِّ، وحُكي الإجماعُ على جوازِ الاقتصارِ على تسليمةٍ واحدةٍ في الصلاة، فقال ابنُ المنذر: (أجمَعوا على أنَّ صلاةَ مَن اقتصر على تسليمةٍ واحدة؛ جائزةٌ). ((الإجماع)) (ص: 39)، وينظر: ((الإشراف)) (2/47). وقال ابنُ قدامة: (أمَّا صلاةُ الجنازةِ والنَّافلة وسجودُ التِّلاوة؛ فلا خلافَ في أنَّه يخرجُ منها بتسليمةٍ واحدةٍ). ((المغني)) (1/397). ؛ على قولين:
القول الأوّل: يُستحَبُّ في صَلاةِ الجِنازة التَّسليمُ تَسليمتَينِ، وهو مذهبُ الحَنفيَّة [8355] ((تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ)) (1/241)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 387) ، والأصحُّ عند الشَّافعيَّة [8356] ((المجموع)) للنووي (5/240)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/341). ، وهو قولُ ابنِ حزمٍ [8357] ((المحلى)) لابن حزم (3/347).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((ثلاثُ خِلالٍ كان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يفعلهنَّ، ترَكَهنَّ النَّاسُ؛ إحداهنَّ: التسليمُ على الجِنازة مِثل التَّسليمِ في الصَّلاةِ...)) [8358] أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (10/82) (10022)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (7239). جوَّد إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (5/239)، وقال الذهبي في ((المهذب)) (3/1387): إسنادُه صالح. ووثَّق رجاله الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (3/141)، وحسَّن إسنادَه الألباني في ((أحكام الجنائز)) (162).
ثانيًا: قياسًا على سائرِ الصَّلواتِ في كونِها تَسليمتَينِ [8359] ((المغني)) لابن قدامة (2/366).
القول الثاني: يُستحبُّ في صَلاةِ الجِنازة الاقتصارُ على تسليمةٍ واحدةٍ، وهو مذهبُ المالِكيَّة [8360] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/217). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/119). ، والحَنابِلَة [8361] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/116). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/366). إلَّا أنَّ الحنابلة قالوا: إنَّه يجوز تسليمةٌ ثانية عن يساره. ، وهو القولُ القديمُ للشافعيِّ [8362] قال النوويُّ: (الاقتصارُ على تسليمة واحدة هناك- أي: في صلاة الجِنازَة- قولٌ قديم). ((المجموع)) (5/240). ، وقال به بعضُ السَّلَفِ [8363] ((الإشراف)) لابن المنذر (2/366). وينظر: ((المجموع)) للنووي (5/244). ، وهو مذهبُ جماهيرِ أهلِ العِلمِ من السَّلَفِ والخَلفِ [8364] ((شرح صحيح البخارى)) لابن بطال (3/316)، ((الاستذكار)) لابن عبد البر (3/32)، ((المجموع)) للنووي (5/244). ، وهو اختيارُ ابنِ المنذرِ [8365] ((الإقناع)) لابن المنذر (1/162). ، وابنِ باز [8366] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/141). ، وابنِ عُثَيمين [8367] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/129).
الأدلَّة:
أولًا: مِنَ الآثار
عن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عنهما، أنَّه: (سَلَّمَ تسليمةً خفيفةً على الجِنازة) [8368] أخرجه عبد الرزاق (6444)، وأبو داود في ((مسائل أحمد)) (1029)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (6990). حسَّن إسنادَه الألبانيُّ في ((أحكام الجنائز)) (165).
ثانيًا: لأنَّ صلاةَ الجِنازة مبنيَّةٌ على التَّخفيفِ [8369] ((المجموع)) للنووي (5/240).

انظر أيضا: