الموسوعة الفقهية

المطلب الرابعُ: صِفَةُ غُسْلِ المَيِّت وأحكامُه


الفرع الأول: صفةُ غُسلِ المَيِّت
المسألة الأولى: تجريدُ الميِّتِ مِن ثيابِه
يُسَنُّ تجريدُ الميِّتِ من ثيابِه، وهو مذهَبُ الجمهورِ: الحَنفيَّة [7593] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 213)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/195). ، والمالِكيَّة [7594] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/223). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/123). ، والحَنابِلَة [7595] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/91). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/338).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: ((لَمَّا أرادوا غُسلَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قالوا: واللهِ ما ندري: أَنُجَرِّدُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم من ثيابِه كما نُجَرِّدُ موتانا، أم نُغَسِّلُه وعليه ثيابُه؟ )) [7596] أخرجه أبو داود (3141)، وأحمد (26349)، وابن الجارود في ((المنتقى)) (517)، وابن حبان (6628).  صححه ابن عبد البر في ((التمهيد)) (2/159)، قال ابن كثير ((إرشاد الفقيه)) (222/1): إسناده جيد قوي، وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (8/231): حسن صحيح على شرط مسلم، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3141)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1557).
وَجهُ الدَّلالةِ:
دلَّ قولُهم: أَنُجَرِّدُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مِن ثيابِه كما نُجَرِّدُ موتانا؛ أنَّ عادتَهم كانت تجريدَ موتاهم للغُسلِ في زَمَنِه صلَّى الله عليه وسلَّم [7597] ((حاشية ابن عابدين)) (2/195).
ثانيًا: لأنَّ ذلك أَمْكَنُ في تغسيلِه [7598] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/91).
ثالثًا: لأنَّ ذلك أبلَغُ في تطهيرِه [7599] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/91).
رابعًا: لأنَّ ذلك أَصْوَنُ له مِنَ التَّنجيسِ [7600] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/91).
المسألة الثانية: سَتْرُ عورةِ المَيِّت
يجبُ سَتْرُ عورةِ المَيِّتِ عند الشُّروعِ في غُسلِه، ولا يجوزُ النَّظَرُ إلى عَورتِه.
الأدلَّة:
أولًا: من السنَّةِ
عمومُ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْرِي رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا ينظُرُ الرَّجُلُ إلى عورةِ الرَّجُلِ، ولا المرأةُ إلى عورةِ المَرْأةِ )) [7601] أخرجه مسلم (338).
ثانيًا: من الإجماع
نقَلَ الإجماعَ على وجوبِ سَتْرِ عَوْرَتِه، وحُرمَةِ النَّظَر إليها: ابنُ عبدِ البَرِّ [7602] قال ابنُ عبد البَرِّ: (السُّنة المجتمَع عليها تحريمُ النظر إلى عورة الحيِّ والميِّت، وحُرمةُ المؤمِنِ ميتًا كحُرْمَتِه حيًّا، ولا يجوز لأحدٍ أن يُغسِّلَ ميِّتًا إلَّا وعليه ما يَسْتُره، فإنْ غُسِّل في قميصٍ فحَسَنٌ، وسترُه كلِّه حَسَنٌ، وأقلُّ ما يلزم من السَّتْرِ له سَترُ عَوْرَتِه). ((الاستذكار)) (3/4). وقال أيضًا: (أجمَعَ العلماءُ على أنَّ النَّظَرَ إلى فرْج الحيِّ والميِّت يحرُم ولا يجوز، وكذلك مباشرتُه باليَدِ من غيرِ مَن أحَلَّ الله مباشرتَه من الزَّوجين، ومِلْك اليمين للرَّجُل، إلَّا ما كان من الأطفالِ الذين لا إرْبَ فيهم ولا شهوةَ تتعلَّق بهم). ((الاستذكار)) (3/8). ، وابنُ قدامةَ [7603] قال ابن قدامة- عن سَتْر عورة الميِّت- : (أمَّا سَتْر ما بين السُّرَّة والرُّكبة، فلا نعلمُ فيه خلافًا). ((المغني)) (2/338). ، والحطَّاب [7604] قال الحَطَّاب: (ولا خِلافَ في وجوب ما يستُر العورة، وما حكاه الشارحُ عن ابن يونس من أنَّه سُنَّة، يُحمل على ما زاد على سَتْر العورة؛ إذ لا خلافَ في وجوب سَترها، والله أعلم). ((مواهب الجليل)) (3/6).
المسألة الثالثة: عَصْرُ بَطْنِ الميِّت
يُشْرَعُ أن يعْصِرَ الغاسِلُ بَطْنَ الميِّتِ عصرًا رفيقًا، ثم يَلُفَّ على يَدِه خِرقةً فيُنْجيه بها، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7605] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/237)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/186). إلَّا أنَّ الأحنافَ يجعلون العَصْرَ بعد غسْلِ الميت، وإن نزل شيءٌ بِسَبَب العصر لا يعادُ تغسيلُ الميت. ، والمالِكيَّة [7606] ((التاج والإكليل)) للمواق، (2/223). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/124). ، والشَّافعيَّة [7607] ((المجموع)) للنووي (5/171)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/333). ، والحَنابِلَة [7608] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/92). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/340).
وذلك للآتي:
أولًا: ليُخْرِجَ ما في بَطْنِه من نجاسةٍ [7609] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/92).
ثانيًا: حتى لا يَخْرُج بعد ذلك فيُلَوِّث الكَفَن [7610] ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/109).
ثالثًا: يَعْصِر بطنَه عصرًا رفيقًا؛ لأنَّ المَيِّتَ في محَلِّ الشَّفَقة والرَّحمةِ [7611] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/92).
رابعًا: يلُفُّ على يَدِه خرقةً حتى لا يَمَسَّ عَوْرَتَه؛ لأنَّ النَّظَرَ إلى العورةِ حرامٌ؛ فاللَّمْسُ أَوْلى [7612] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/300).
المسألة الرابعة: نيَّة الغُسلِ
لا تجِبُ النيَّةُ في غُسلِ المَيِّت، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة [7613] ((العناية)) للبابرتي (2/110)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/200). قال ابن الهمام: (وهل يُشترَطُ للغُسْلِ النيَّةُ؟ الظاهِرُ أنَّه يُشترَطُ لإسقاطِ وجوبِه عن المُكَلَّف لا لتحصيلِ طهارَتِه هو). ((فتح القدير)) (2/106). وأيده ابن عابدين في ((حاشيته)) (2/200). ، والمالِكيَّة [7614] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/7). ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/450)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/114). ، والشَّافعيَّة [7615]  ((المجموع)) للنووي (5/164). ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/91). ، وروايةٌ عن أحمدَ [7616] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/342). ؛ وذلك لأنَّ القَصْدَ التنظيفُ، فأشْبَهَ غَسْلَ النَّجاسَةِ [7617] ((المغني)) لابن قدامة (2/345).
المسألة الخامسة: مَسْحُ أسنانِ المَيِّت ومِنْخَريه وتنظيفُهما
يُسْتَحَبُّ أن يمسَحَ الغاسِلُ أسنانَ الميِّتِ ومِنْخَرَيه وينظِّفَهما [7618] وقيل: يفعلُ ذلك بخرقةٍ؛ صيانةً لليَدِ، وإكرامًا للمَيِّت. يُنظر: ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 372)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/223)، ((المجموع)) للنووي (5/172)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/342). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7619] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 372). ويُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازة البخاري (2/156). ، والمالِكيَّة [7620] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/223). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/125). ، والشَّافعيَّة [7621] ((المجموع)) للنووي (5/172)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/333). ، والحَنابِلَة [7622]  ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/93). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/341).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن أمِّ عطيَّةَ نُسيبَةَ الأنصاريَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عنها، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لهنَّ في غُسلِ ابنتِه: ((ابدأْنَ بمَيَامِنِها ومواضعِ الوُضوءِ منها )) [7623] أخرجه البخاري (167) واللفظ له، ومسلم (939).
ثانيًا: من أجل إزالَةِ ما يُكْرَه ريحُه أو رُؤْيَتُه [7624] ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/125).
المسألة السادسة: تَوضِئَةُ الميِّت
يُسَنُّ أن يُوَضِّئَ الغاسِلُ المَيِّتَ في أوَّلِ غَسَلاتِه؛ كوضوءِ حَدَثٍ، باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7625] ((الهداية)) للمرغيناني (1/90)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 213). وقالوا: يوضَّأُ بلا مضمضةٍ ولا استنشاقٍ إلَّا أن يكون جُنُبًا. ، والمالِكيَّة [7626] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/223). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/125). وعند المالكية يُمضْمَض، ويُمالُ رَأْسُه تفاديًا لدخول الماءِ، ولِيَخْرُجَ بما معه من الأذى. ، والشَّافعيَّة [7627] ((المجموع)) للنووي (5/172)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/333). وعند الشافعية يوضَّأ وُضوءًا بمضمضةٍ واستنشاقٍ. ، والحَنابِلَة [7628] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/93). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/341). وعندهم إمرارُ خرقةٍ مبلولةٍ لِمَسْحِ أسنانِ الميِّتِ، وتنظيفِ مِنْخَريه، يقوم مقامَ المضمضةِ والاستنشاقِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ الله عنها، قالت: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لهنَّ في غُسْلِ ابنَتِه: ((ابدَأْنَ بِمَيامِنِها ومواضِعِ الوُضوءِ منها )) [7629] أخرجه البخاري (167) واللفظ له، ومسلم (939).
ثانيًا: لأنَّ الوضوءَ يُبدَأُ به في غُسْلِ الحيِّ، فكذلك الميِّتُ [7630] ((الاختيار لتعليل المختار)) للموصلي (1/97). ، فهو سنَّةُ الاغتسالِ في حالة الحياةِ، فكذا بعد المماتِ؛ لأنَّ الغُسْلَ في الموضعيْنِ لأجْلِ الصَّلاةِ [7631] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/300).
المسألة السابعة: غُسلُ الميِّت بالسِّدْر
يُغَسَّل الميِّتُ بماءٍ وسِدْرٍ [7632] يجوز استخدامُ الصابونِ في غُسلِ المَيِّت أو ما يقوم مقامَه في التنظيف. ينظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/113)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/89)، ((أحكام الجنائز)) للألباني (1/47)، ((فتاوى اللجنة الدائمة-المجموعة الأولى)) (8/353). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7633] ((الهداية)) للمرغيناني (1/90). ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/109). صرَّحوا بأنَّ المَيِّت يُغَسَّل بالسِّدْر في كيفية الغُسْل، ولم يصرحوا بالسُّنِّيَّة. ، والمالِكيَّة [7634] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/411). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/123)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/669). وصرَّحُوا بالنَّدْبِ. ، والشَّافعيَّة [7635] ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/446)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/334). وصَرَّحوا بالاستحبابِ في الغَسلةِ الأولى. ، والحَنابِلَة [7636] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/94). ويُنظر: ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/287).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((أقبلَ رجُلٌ حَرامًا مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فخَرَّ مِن بَعيرِه، فوُقِصَ وَقْصًا، فمات، فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: اغْسِلُوه بماءٍ وسِدْرٍ وأَلْبِسوه ثوبَيْهِ، ولا تُخَمِّروا رَأْسَه؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ يُلَبِّي )) [7637] أخرجه البخاري (1265)، ومسلم (1206) واللفظ له.
2- عن أمِّ عطيَّةَ الأنصاريَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: دخل علينا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين تُوفِّيَتْ ابنَتُه، فقال: ((اغْسِلْنَها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثَرَ من ذلك إنْ رَأَيْتُنَّ ذلك، بماءٍ وسِدْرٍ، واجْعَلْنَ في الآخِرَةِ كافورًا- أو شيئًا من كافورٍ- فإذا فرَغْتُنَّ فآذِنَّنِي )) [7638] أخرجه البخاري (1253) واللفظ له، ومسلم (939).
ثانيًا: لأنَّ المقصودَ من الغُسْل التنظيفُ، فيُستعانُ بما يزيدُ فيه التَّطهيرُ [7639] ((البناية)) للعيني (3/185).
المسألة الثامنة: غَسْلُ جميعِ بَدَنِ المَيِّتِ والتيامُن فيه
1- غَسْلُ جميع بَدَنِ المَيِّت
يجب غَسْلُ جميعِ بَدَنِ المَيِّت، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ [7640] ((المبسوط)) للسرخسي (2/229)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/188). ويُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازة البخاري (2/153)، ، والمالِكيَّة [7641] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/411). ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/668). ، والشَّافعيَّة [7642] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (3/98)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (2/82). ، والحَنابِلَة [7643] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/93). ويُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (1/355).
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: ((وَقَصَتْ برجلٍ مُحْرمٍ ناقتُه فقَتَلَتْهُ، فَأُتِيَ بهِ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقالَ: اغْسِلوه... )) [7644] أخرجه البخاري (1839)، ومسلم (1206).
2- عن أمِّ عطيَّةَ الأنصاريَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: دخَلَ علينا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم حين تُوُفِّيَتْ ابنَتُه، فقال: ((اغْسِلْنَها... )) [7645] أخرجه البخاري (1253) واللفظ له، ومسلم (939).
2- التيامُنُ في غُسلِه
يُسَنُّ في غُسلِ المَيِّت أن يُبدَأَ بالشِّقِّ الأيمَنِ ثُمَّ الأيسَرِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7646] ((الهداية)) للمرغيناني (1/90)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 214). ، والمالِكيَّة [7647] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/413). ويُنظر: ((الثمر الداني)) للآبي الأزهري (1/268). ، والشَّافعيَّة [7648] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (3/103، 104). ويُنظر: ((النجم الوهاج)) للدميري (3/21). والحَنابِلَة [7649] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/94). ويُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (1/356).
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لهنَّ في غسلِ ابنَتِه: ((ابْدَأْنَ بميامِنِها ومواضِعِ الوُضوءِ منها )) [7650] أخرجه البخاري (167) واللفظ له، ومسلم (939).
2- عمومُ حديثِ عائشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها: ((كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُعْجِبُه التيمُّنُ في تنعُّلِه وترجُّلِه وطُهورِه، وفي شأنِه كُلِّه )) [7651] رواه البخاري (168)، ومسلم (268).
المسألة التاسعة: وَضْعُ الكافورِ في الغَسْلَة الأخيرةِ
يُسَنُّ أن يجعَلَ الغاسِلُ في الغَسلَةِ الأخيرةِ كافورًا [7652] الكافور: شجَرٌ يتَّخَذُ منه مَادَّة شفَّافةٌ رائحَتُها عطريَّةٌ. يُنظر: ((المعجم الوسيط)) (2/792). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7653] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/237)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 374). ، والمالِكيَّة [7654] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/3). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/124). ، والشَّافعيَّة [7655] ((المجموع)) للنووي (5/169)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/334). ، والحَنابِلَة [7656] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/95). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/343).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أمِّ عطيَّةَ الأنصاريَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: ((دخَلَ علينا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين تُوُفِّيَتِ ابنَتُه، فقال: اغْسِلْنَها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثَرَ من ذلك إن رأيتُنَّ ذلك، بماءٍ وسِدْرٍ، واجْعَلْنَ في الآخرَةِ كافورًا- أو شيئًا من كافورٍ- فإذا فَرَغْتُنَّ فآذِنَّنِي )) [7657] أخرجه البخاري (1253) واللفظ له، ومسلم (939).
ثانيًا: لأنَّه يُصَلِّبُ الجسمَ، ويُبَرِّدُه، ويُطَيِّبُه، ويطردُ عنه الهوامَّ [7658] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/95).
المسألة العاشرة: الوِتْرُ في غُسلِ الميِّت
الوِترُ في تغسيلِ الميِّت مُستحَبٌّ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعةِ: الحنفيَّة [7659] ((المبسوط)) للسرخسي (2 /107). ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2 /108)، وعندهم السُّنةُ في عددِ الغُسلِ ثلاثٌ، وإنْ زاد على الثلاثِ جاز، كما في حالةِ الحياةِ. يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (2/157). ، والمالكيَّة [7660] ((الكافي)) لابن عبد البر (1/270)، ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/517) فيُغسلُ عندهم ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا، ولا يُزاد على السَّبعِ إلَّا أن يُحتاجَ إلى ذلك. ، والشافعيَّة [7661] ((فتح العزيز)) للرافعي (5/121)، ((المجموع)) للنووي (5/187) ويُستحَبُّ عندَهم أن يُغسلَ ثلاثًا، فإن لم يحصُلِ النَّقاء والتنظيفُ، يُزادُ حتى يحصلَ، والمستحبُّ أن يُختمَ بالوترِ. ، والحنابلةِ [7662] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/345)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/95)، وعندَهم يُغسل ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا، ويُزاد على سبعٍ إلى أن ينقَى، ويقطَع على وِترٍ. ، وحُكِي الإجماعُ على ذلك [7663] قال ابنُ عبد البَرِّ: (والوِترُ عندهم في الغَسَلات مستحبٌّ غيرُ واجبٍ عند الجميع). ((التمهيد)) (1/377). وقال ابنُ حجرٍ: (ومِن ثمَّ ذهب الكوفيون وأهلُ الظاهرِ والمزنيُّ إلى إيجابِ الثلاثِ). ((فتح الباري)) (3/128). وقال ابنُ حزمٍ: (وصفةُ الغسلِ أن يغسلَ جميعُ جسدِ الميِّت ورأسُه بماءٍ قد رُمي فيه شيءٌ مِن سدرٍ ولا بدَّ، إن وُجد، فإن لم يُوجد فبالماءِ وحدَه -: ثلاثَ مرَّات ولا بدَّ، يُبتدأ بالميامنِ، ويُوضَّأ -: فإن أحبُّوا الزيادةَ فعلى الوترِ أبدًا: إما ثلاثُ مرَّات، وإما خمسُ مراتٍ، وإما سبعُ مرَّات). ((المحلى)) (3/343).  
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، أنَّ النبيَّ صلَّى لله عليه وسلَّم قال: ((اغْسِلْنَها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثرَ من ذلك )) [7664] أخرجه البخاري (1253) واللفظ له، ومسلم (939).
وفي رواية: ((واغسِلنَها وِترًا ثلاثًا أو خمسًا )) [7665] مسلم (939).
المسألة الحادية عشرة: تقليمُ أظْفار المَيِّتِ وقَصُّ شارِبِه
اختلف أهلُ العِلمِ في تقليمِ أظْفارِ المَيِّت وقَصِّ شارِبِه على قولين:
القول الأول: يُكْرَه تقليمُ أظْفارِ المَيِّت وقَصُّ شاربِه، وهو مذهبُ الحَنفيَّة [7666] ((المبسوط)) للسرخسي (2/106). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/301). ، والمالِكيَّة [7667] ((منح الجليل)) لعليش (1/507). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/136). ، وقولٌ للشافعيَّةِ صحَّحَه بعضُهم، واختاره النوويُّ [7668] ((المجموع)) للنووي (5/179). ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/304). ، ومال إليه ابن المُنْذِر [7669] ((الأوسط)) لابن المنذر (5/347). ؛ وذلك لأنَّه يُفْعَلُ للزِّينةِ، والمَيِّتُ ليس بمحَلِّ الزِّينةِ [7670] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/301).
القول الثاني: يُستحَبُّ تقليمُ أظْفار المَيِّت وقَصُّ شارِبِه، وهو مذهَبُ الحَنابِلَة [7671] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/350). ويُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (1/357). ، وقولٌ للشافعيَّة [7672] ((المجموع)) للنووي (5/179). ، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ [7673] ((الأوسط)) لابن المنذر (5/346). ، واختاره ابنُ بازٍ [7674] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/114). ، وابنُ عثيمينَ [7675] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/282).
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّه تنظيفٌ لا يتعلَّقُ بقَطْعِ عُضوٍ، أشْبَهَ إزالةَ الوَسَخِ والدَّرَن [7676] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/350).
ثانيًا: لأنَّه سُنَّةٌ في حياتِه [7677] ((الكافي)) لابن قدامة (1/357).
المسألة الثانية عشرة: حَلْقُ شَعْرِ عانَةِ المَيِّت
يَحْرُم حَلْقُ شَعْرِ عانَةِ الميِّت [7678] ومِن أَهْلِ العِلْمِ من ذهب إلى جوازِ الأَخْذِ منها إذا طالَتْ وفَحُشَتْ؛ قال ابن المنذر: (وقال أحمد، وإسحاق في الشَّعْر والظُّفْر: يؤخَذُ إذا كان فاحِشًا). ((الأوسط)) (5/346). وقال ابن عثيمين: (وأمَّا العانةُ إذا طالَتْ وكَثُرَتْ؛ فإنَّها تُؤخَذُ). ((الشرح الممتع)) (5/282). ، وهو مذهَبُ الحَنابِلَة [7679] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/347)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/350). ؛ وذلك لِمَا فيه مِنْ مَسِّ العورةِ ونَظَرِها، وهو مُحَرَّمٌ [7680] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/350).
المسألة الثالثة عشرة: تنشيفُ المَيِّتِ بعد الغُسْل
يُستَحَبُّ أن يُنَشَّفَ المَيِّتُ بعد الغُسْلِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7681] ((الهداية)) للمرغيناني (1/90). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/301). ، والمالِكيَّة [7682] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/29). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/301). ، والشَّافعيَّة [7683] ((المجموع)) للنووي (5/176)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/334). والحَنابِلَة [7684] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/348)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/211).
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّه مِن كَمالِ غُسْلِ الحَيِّ [7685] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/348).
ثانيًا: لأنَّه إذا بَقِيَ رَطْبًا عند التَّكفينِ، أَثَّرَ ذلك في الكَفَنِ [7686] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/348)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/283).
المسألة الرابعة عشرة: التيمُّمُ عند العَجْزِ عن الماءِ
يُيَمَّمُ المَيِّتُ لعُذْرٍ مِن عَدمِ الماءِ، أو عَجْزٍ عن استعمالِه، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7687] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/151)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/253). ، والمالِكيَّة [7688] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/411). ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/669). ، والشَّافعيَّة [7689] ((المجموع)) للنووي (5/178). ويُنظر: ((البيان)) للعمراني (3/34). ، والحَنابِلَة [7690] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/218)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/344). ، وهو قولُ ابنِ حَزْمٍ الظَّاهريِّ [7691] ((المحلى)) لابن حزم (1/377). ؛ وذلك لأنَّه غُسْلٌ لا يتعلَّقُ بإزالَةِ نجاسةٍ، فنابَ التيمُّمُ عنه عند العَجْزِ؛ كغُسْلِ الجنابَةِ [7692] ((المجموع)) للنووي (5/178). ويُنظر: ((البيان)) للعمراني (3/34).
الفرع الثاني: الأحكامُ الخاصَّةُ بغُسْلِ المرأةِ والخُنْثَى والمُحْرِم
المسألة الأولى: الأحكامُ الخاصَّةُ بغُسْلِ المرأةِ
يُستَحَبُّ تسريحُ شعْرِ الميَّتةِ، وجَعْلُه ثلاثَ ضفائِرَ خَلْفَها، وهو مذهبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة [7693] ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/410). ويُنظر: ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (2/261). ، والشَّافعيَّة [7694] ((المجموع)) للنووي (5/184). ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/28). ، والحَنابِلَة [7695] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/97). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/352).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: ((تُوُفِّيَتْ إحدى بناتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأتانا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: اغْسِلْنَها بالسِّدْرِ وِتْرًا ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثَرَ من ذلك، إن رأيتُنَّ ذلك، واجعَلْنَ في الآخِرَةِ كافورًا- أو شيئًا من كافورٍ- فإذا فرغْتُنَّ فآذِنَّنِي، فلما فَرَغْنا آذَنَّاه، فألقى إلينا حَقْوَهُ [7696] فألقى إلينا حَقْوَه: يعني إزارَه، وأصْلُ الحقْوِ مَعْقِد الإزارِ، وسُمِّيَ به الإزارُ؛ لأنه يُشَدُّ فيه. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (7/3)، ((النهاية)) لابن الأثير (1/417). ، فضَفَّرْنا شَعْرَها ثلاثةَ قُرونٍ، وألقيناها خَلْفَها )) [7697] أخرجه البخاري (1253) واللفظ له، ومسلم (939).
المسألة الثانية: غسلُ الخُنثى المُشْكِل
الخُنثى المُشْكِل يُيَمَّمُ ولا يُغَسَّلُ [7698] على تفصيل بين المذاهِبِ الفِقهيَّةِ: فالحنفيَّةُ قالوا: إن كان المُيَمِّمُ ذا رَحِمٍ منه، يَمَّمَه بغير خرقةٍ، وإن كان غيرَ مَحْرَم فبخرقةٍ ويُعرِض عن ذراعيه، أما إن كان صغيرًا غُسِّلَ على كلِّ حالٍ، سواءٌ كان الغاسِلُ رجلًا أو امرأةً، وإن كان بلغ حَدَّ الشهوةِ لا يُغَسَّل للتعذُّر، بل يُيَمَّم. ينظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/235). والمالكية قالوا: الخُنْثَى المُشْكِل الكبير الذي لا مَحْرَمَ له من الذكورِ والإناثِ ولا سيِّدًا ذَكَرًا، أنَّه يُشتَرى له جاريةٌ من مالِ نفسه، فإن لم يكنْ له مالٌ فَمِنْ بيتِ المالِ، ثم تَرْجِع لبيتِ المالِ ولا تُورَثُ، وإن لم يُوجَدْ، أوْ لا وصولَ إليه، فإنَّه يُيَمَّمُ ويُدْفَنُ، وينبغي إذا يمَّمَه رجُلٌ أن يُيَمِّمَه إلى كوعَيهِ احتياطًا، وإن يَمَّمَتْه امرأةٌ يَمَّمَتْه إلى مِرْفَقَيه بالأَوْلى من الرَّجُلِ؛ وذلك لأنَّه إن كان ذَكَرًا فهي أَمَتُه، وإن كان أنثى فهو امرأةٌ إلا أنَّها تُؤمَرُ بِسَتْرِه. ينظر: ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/415)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (8/624). والحنابلة قالوا: إذا مات خُنثى مُشْكِل له سبعُ سنينَ فأكثَرُ، فإن كانت له أمَةٌ غَسَّلَتْه؛ لأنَّه إن كان أنثى فلا كلامَ، وإن كان ذَكَرًا فلِأَمَتِه أن تُغَسِّلَه. ينظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/347)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/91). ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة [7699] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/235). ويُنظر: ((الدر المختار)) للحصكفي (1/167). ، والمالِكيَّة [7700] ((مواهب الجليل)) للحطاب (8/624). ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/673). ، والحَنابِلَة [7701] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/339)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/347). ، ووجهٌ للشافعيَّةِ [7702] ((البيان)) للعمراني (3/22).
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّه مات قبل أن يَستبينَ أَمْرُه فلم يُغَسِّلْه رجلٌ ولا امرأةٌ؛ لأنَّ حِلَّ الغُسل غيرُ ثابتٍ بين الرِّجالِ والنِّساءِ، فيُتَوَقَّى؛ لاحتمالِ الحُرْمَةِ، ويُيَمَّمُ بالصَّعيدِ؛ لتَعَذُّرِ الغُسْلِ [7703] ((العناية)) للبابرتي (10/520).
ثانيًا: لأنَّه لا يحلُّ للرَّجُلِ أن يُغَسِّلَه؛ لاحتمالِ أن يكونَ أنثى، ولا يحِلُّ للمرأةِ أن تُغَسِّلَه؛ لاحتمال أنَّه ذَكَرٌ؛ فَيُيَمَّم [7704] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/328).
المسألة الثالثة: صفةُ غُسْلِ من مات مُحْرِمًا
غُسْلُ الْمُحْرِم المَيِّت كغُسْلِه وهو حيٌّ، فيُجَنَّب ما يُجَنَّبُ وهو حيٌّ، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة [7705] ((المجموع)) للنووي (5/208). ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/13). ، والحَنابِلَة [7706] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/98). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/400). ، وبه قالت طائفةٌ مِنَ السَّلَف [7707] قال الماوردي: (وبه قال من الصحابة: عثمان، وعلي، وابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عنهم، ومن التابعين: عطاء، ومن الفقهاء: سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق). ((الحاوي الكبير)) (3/13). ، وهو قولُ ابنِ حزْمٍ [7708] ((المحلى)) لابن حزم (3/374). ، وابنِ تيميةَ [7709] ((شرح عمدة الفقه- كتاب الطهارة والحج)) لابن تيمية (3/51). ، وابنِ القَيِّم [7710] ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/484). والصَّنعاني [7711] ((سبل السلام)) للصنعاني (2/92). ، وابنِ بازٍ [7712] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/297). ، وابنِ عثيمينَ [7713] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/285).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((بَيْنَا رجلٌ واقِفٌ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بِعَرَفَةَ إذْ وَقَعَ عن راحِلَتِه فوَقَصَتْه، أو قال فأَوْقَصَتْه- فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: اغْسِلُوه بماءٍ وسِدْرٍ وكفِّنوه في ثوبينِ، ولا تُمِسُّوه طِيبًا، ولا تُخَمِّروا رَأْسَه، ولا تُحَنِّطوه؛ فإنَّ اللهَ يَبْعَثُه يومَ القيامَة مُلَبِّيًا )) [7714] أخرجه البخاري (1850) واللفظ له، ومسلم (1206).
وجهُ الدَّلالة:
أنَّه مَنَعَ مِن تخميرِ رَأْسِه بعد الموتِ، ومِنْ مَسِّهِ بالطِّيبِ؛ لِبقاءِ الإحرامِ عليه [7715] ((شرح عمدة الفقه- كتاب الطهارة والحج)) لابن تيمية (3/51). ، ودلَّ قَوْلُه: ((فإنَّه يُبعَثُ يومَ القيامَةِ مُلَبِّيًا)) على أنَّه باقٍ على إحرامِهِ؛ فهو كالحَيِّ [7716] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/285).
الفرع الثالث: إذا خرج من المَيِّت نجاسةٌ بعد غُسلِه
إذا خرج من المَيِّت نجاسةٌ بعد غُسلِه وقبلَ تكفينِه؛ وَجَبَ غَسْلُ النَّجاسَةِ، ولا يُعادُ الغُسْلُ، وهذا مذهَبُ الجمهورِ [7717] أمَّا الحنابلة فقالوا: يُعادُ غُسْله إذا خرج منه شيءٌ إلى سبع غَسَلات ولا يزاد على سبعٍ؛ فإن خرج منه شيءٌ بعد السابعة، غُسِلَ الموضِعُ وَحْدَه. ينظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/351)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/348). : الحَنفيَّة [7718] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/237). ويُنظر: ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/104). ، والمالِكيَّة [7719] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/223). ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/671). ، والشَّافعيَّة [7720] ((المجموع)) للنووي (5/176)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/334).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الغُسْلَ قد عُرِفَ بالنَّصِّ، وقد حصل مرَّةً، وسقط الواجِبُ فلا يُعيدُه [7721] ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/109).
ثانيًا: لأنَّه خَرَجَ عن التَّكليفِ بِنَقْضِ الطَّهارة [7722] ((المجموع)) للنووي (5/176).
ثالثًا: قياسًا على ما لو أصابَتْه نجاسةٌ مِن غَيْرِه؛ فإنَّه يكفي غَسْلُها بلا خلافٍ [7723] ((المجموع)) للنووي (5/176).
رابعًا: لأنَّ خُروجَ النَّجاسةِ مِنَ الحَيِّ بعد غُسْلِه لا يُبْطِلُه، فكذلك المَيِّت [7724] ((المغني)) لابن قدامة (2/344).
مسألة: حُكمُ إعادةِ وُضوءِ المَيِّت بعد خروجِ النَّجاسةِ منه
إذا خرَجَ من المَيِّت نجاسةٌ بعد غُسْله، وقبل تكفينِه؛ فلا يُعادُ وُضوؤُه، وهو مذهبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة [7725] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/237). ويُنظر: ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/104). ، والمالِكيَّة [7726] ((حاشية العدوي)) (1/520). والصَّحيحُ مِن مَذْهَبِ الشَّافعيَّة [7727] ((المجموع)) للنووي (5/176)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/334).
وذلك للآتي:
 أولًا: لأنَّه إن كان حَدَثًا، فالموت فَوْقَه في هذا المَعنى؛ لكونِه ينفي التمييزَ فوقَ الإغماءِ؛ فلا معنى لإعادَتِه مع بقاءِ المَوْتِ [7728] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي مع، ((حاشية الشلبي)) (1 /237)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/109).
ثانيًا: لأنَّه خرَجَ عن التَّكليفِ بِنَقْضِ الطَّهارةِ، وقياسًا على ما لو أصابَتْه نجاسةٌ مِنْ غَيْرِه، فإنَّه يَكْفِي غَسلُها بلا خلافٍ [7729] ((المجموع)) للنووي (5 /176).
الفرع الرابع: حُكمُ الاغتسالِ مِن غُسْلِ المَيِّت
يُستحَبُّ الاغتسالُ مِنْ غُسْلِ المَيِّت، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7730] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 48)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/202). ، والمالِكيَّة [7731] ((منح الجليل)) لعليش (1/494). ويُنظر: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 22)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/549). والشَّافعيَّة [7732] ((المجموع)) للنووي (2/203)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/85). ، والحَنابِلَة [7733] ((الفروع)) لابن مفلح (1/264)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/150).
الأدلَّة من الآثار:
1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، أنه قال: (مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فلْيغتَسِلْ ) [7734] أخرجه البزار (7992)، وابن شاهين في ((ناسخ الحديث ومنسوخه)) (ص56) وابن أبي شيبة (3/269) والبيهقي (1/302). قال الإمام أحمد- كما في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (1/180)- موقوفٌ على أبي هريرة، وقال البخاري كما في ((خلاصة البدر المنير)) لابن الملقِّن (1/60): الأشبه وقْفُه على أبي هريرة. وقال أبو حاتم في ((العلل)) (1/351): هو موقوفٌ على أبي هريرة، لَا يرفعُهُ الثِّقاتُ. قال البيهقي في ((السنن الكبرى)) (1/302): هذا هو الصَّحيحُ مَوقوفًا على أبى هريرةَ؛ كما أَشار إليه البخارِىُّ. قال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (2/524): له طرق كثيرة، وحاصِلُه تضعيفُ رَفْعِه وتصحيحُ وَقْفِه.
2- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، قال: (كُنَّا نُغَسِّلُ المَيِّتَ؛ فمِنَّا من يَغْتَسِلُ، ومنَّا مَن لا يغتَسِلُ ) [7735] أخرجه الدارقطني (2/72)، والبيهقي (1521)، والخطيب في ((تاريخ بغداد)) (3/ 427)  صححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/378)، وصحح إسناده ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (1/208)، والألباني في ((أحكام الجنائز)) (72).

انظر أيضا: