الموسوعة الفقهية

المطلب الخامس: آدابُ زيارةِ المَريضِ


الفرع الأَوَّلُ: الدُّعاءُ للمَريضِ [7243] قال ابنُ حَجَرٍ: (آدابُ العيادةِ عَشَرةُ أشياءَ، ومنها ما لا يختصُّ بالعيادَةِ: ألَّا يُقابِلَ البابَ عند الاستئذانِ، وأن يَدُقَّ البابَ بِرِفْقٍ، وألَّا يُبهِمَ نَفْسَه؛ كأن يقولَ: أنا، وألَّا يَحْضُرَ في وقتٍ يكونُ غيرَ لائقٍ بالعيادَةِ؛ كوَقْتِ شُرْبِ المريضِ الدَّواءَ، وأن يُخَفِّفَ الجلوسَ، وأن يَغُضَّ البَصَرَ ويُقَلِّلَ السُّؤالَ، وأن يُظْهِرَ الرِّقَّةَ، وأن يُخْلِصَ الدُّعاءَ، وأن يُوَسِّعَ للمريضِ في الأَمَلِ، ويشير عليه بالصَّبْر؛ لِمَا فيه من جزيلِ الأَجْرِ، ويُحَذِّره من الجَزَع لِمَا فيه من الوزر). ((فتح الباري)) (10/126).
يُستحبُّ لِمَن عاد مريضًا أن يدعُوَ له؛ نصَّ على ذلك المالِكيَّةُ [7244] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/427). ويُنظر: ((الشرح الصغير)) للدردير (4/763)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/77). ، والشَّافعيَّةُ [7245] ((المجموع)) للنووي (5/112)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/330). ، والحَنابِلَةُ [7246] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/195)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/81). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/334).
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن ابنِ عباسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: ((كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا دخل على مَن يعودُه قال: لا بأسَ؛ طَهُورٌ إنْ شاءَ اللهُ )) [7247] أخرجه البخاري (3616).
2- عن أنسٍ رَضِيَ الله عنه، ((أنَّه قال لثابتٍ: ألَا أرقِيكَ برُقْيةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: بلى، قال: اللهُمَّ، ربَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ الباسِ، اشْفِ أنت الشَّافي، لا شافِيَ إلَّا أنت، شفاءً لا يُغادِر سَقَمًا )) [7248] أخرجه البخاري (5742).
3- عن سعد بن أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، ((أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دخلَ على سعدٍ يَعودُه بمكَّةَ، فبكى، قال: ما يُبكِيكَ؟ فقال: قد خَشيتُ أن أموتَ بالأرضِ التي هاجَرتُ منها، كما مات سعدُ بنُ خَوْلةَ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اللهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، اللهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، ثَلَاثَ مِرَارٍ )) [7249] أخرجه البخاري (5659)، ومسلم (1628) واللفظ له.
4- عن أبي سَعيدٍ الخُدْرِي رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ جبريلَ أتى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالَ: يا مُحَمَّدُ أَشْتَكَيْتَ؟ قال: نَعَم. قال: باسْمِ اللهِ أَرْقيكَ، مِنْ كُلِّ شَيءٍ يُؤذيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفسٍ أو عينِ حاسِدٍ اللهُ يَشْفيكَ، باسْمِ اللهِ أَرْقيكَ )) [7250] أخرجه مسلم (2186).
الفرع الثَّاني: تخفيفُ المُكْثِ عِندَه
يُخَفِّفُ العائدُ المُكْثَ عند المريضِ، ولا يُطيلُ الجُلوسَ عنده [7251] إلَّا أَنْ يطلُبَ منه الجلوسَ. يُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/327). ؛ نصَّ عليه المالِكيَّةُ [7252] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/427). ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/327). ، والشَّافعيَّة [7253] ((المجموع)) للنووي (5/112)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/330). ، والحَنابِلَة [7254] ((الفروع)) لابن مفلح (3/253)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/78). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [7255] قال ابنُ عبد البرِّ: (ولا خلافَ بين العُلماءِ والحُكماءِ أنَّ السنَّةَ في العيادةِ التَّخفيفُ إلَّا أن يكونَ المريضُ يدعو الصَّديقَ إلى الأُنْسِ به). ((التمهيد)) (1/197). ؛ وذلك لِمَا في الإطالَةِ من إضْجارِه والتَّضييقِ عليه، ومَنْعِه من بعضِ تَصَرُّفاتِه [7256] ((المجموع)) للنووي (5/112).
الفرع الثَّالِثُ: ترغيبُه في التَّوبَةِ
يُسْتَحَبُّ ترغيبُ المريضِ في التَّوبَةِ؛ نصَّ عليه الحَنفيَّة [7257] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 366). والشَّافعيَّة [7258] ((روضة الطالبين)) للنووي (2/96)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/330). ، والحَنابِلَة [7259] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/81). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/334). ؛ وذلك لأنَّ التَّوبةَ واجبةٌ على كلِّ حالٍ، وهو أحْوَجُ إليها من غيرِه [7260] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/81).
الفرع الرابع: ترغيبُه في الوصيَّةِ
يُستَحَبُّ ترغيبُ المريضِ في الوصِيَّةِ؛ نصَّ عليه الحَنفيَّةُ [7261] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 369). ، والشَّافعيَّة [7262] ((روضة الطالبين)) للنووي (2/96)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/330). ، والحَنابِلَة [7263] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/81). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/334).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ما حقُّ امرئٍ مُسلمٍ له شيءٌ يُوصِي فيه، يَبيتُ ليلَتَينِ إلَّا ووصِيَّتُه مكتوبةٌ عندَه )) [7264] أخرجه البخاري (2738)، ومسلم (1627).
الفرع الخامِسُ: حثُّه على تحسينِ الظَّنِّ باللهِ
يُستحَبُّ للعائِدِ أن يَحُثَّ المريضَ على تحسينِ ظنِّه بربِّه سبحانه وتعالى؛ نصَّ عليه الحَنفيَّة [7265] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي، مع ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 563). ، والشَّافعيَّة [7266] ((المجموع)) للنووي (5/109)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ رَضِيَ الله عنهما، قال: سمعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، قبلَ موتِه بثلاثَةِ أيَّامٍ، يقولُ: ((لا يَموتَنَّ أحدُكم إلَّا وهو يُحْسِنُ الظَّنَّ باللهِ عزَّ وجلَّ )) [7267] أخرجه مسلم (2877).
الفرع السَّادِسُ: عدمُ مُواصلةِ العيادةِ كلَّ يومٍ
ينبغي ألَّا يُواصِلَ العيادةَ كلَّ يومٍ [7268] قال النوويُّ: (قلْتُ: هذا لآحادِ النَّاسِ، أمَّا أقارِبُ المريضِ وأصدقاؤه ونحوُهم ممَّن يأتَنِسُ بهم... أو يشُقُّ عليهم إذا لم يَرَوْه كلَّ يومٍ فَلْيُواصلوها ما لم ينْهَ، أو يُعلَمْ كراهةُ المريضِ لذلك). ((المجموع)) (5/112). وقال ابن مفلح: (ويتوجَّهُ اختلافُه باختلافِ النَّاسِ، والعملُ بالقرائِنِ وظاهِرِ الحالِ). ((الفروع)) (3/254). ؛ نصَّ على ذلك الشَّافعيَّةُ [7269] ((المجموع)) للنووي (5/112)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/330). ، والحَنابِلَة [7270] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/325)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/79). ؛ وذلك حتَّى لا يُثْقِلَ عليه [7271] ((فيض القدير)) للمناوي (2/15).

انظر أيضا: