الموسوعة الفقهية

المطلب الرابع: حُكمُ عيادةِ المريضِ


الفرع الأوَّل: عيادةُ المريضِ المُسْلِم
تُستَحَبُّ عيادةُ المريضِ المُسْلِمِ [7216] وقد اتَّفَقَ العُلماءُ على مشروعيَّةِ عيادَةِ المريضِ وفَضْلِها. قال ابْنُ حزمٍ: (اتَّفقوا أنَّ عيادةَ المريض فَضْلٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 157). وقال النوويُّ: (اتَّفق العُلماءُ على فضلِ عيادةِ المريض). ((شرح النووي على مسلم)) (16/124). وقال الشوكانيُّ: (عيادَةِ المريضِ... مشروعةٌ بالإجماعِ). ((نيل الأوطار)) (4/22) ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7217] ((البناية)) للعيني (9/23). ويُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (8/19). ، والمالِكيَّة [7218] ((حاشية العدوي)) (2/624). ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (13/310). ، والشَّافعيَّة [7219] ((المجموع)) للنووي (5/111). ويُنظر: ((البيان)) للعمراني (3/10). ، والحَنابِلَة [7220] ((الفروع)) لابن مفلح (3/251). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/334). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ [7221] قال ابْنُ عبد البَرِّ: (وعيادةُ المريضِ سُنَّةٌ مسنونةٌ، فعَلَها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأمَرَ بها ونَدَبَ إليها، وأخبَرَ عن فَضْلها بضروبٍ من القولِ... فثبتت سُنَّةً ماضيةً لا خلافَ فيها). ((التمهيد)) (19/203). وقال النوويُّ: (أمَّا عيادةُ المريض فسُنَّةٌ بالإجماعِ، وسواءٌ فيه من يَعْرِفه ومَن لا يعرِفُه، والقريبُ والأجنبيُّ). ((شرح النووي على مسلم)) (14/31).
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن البراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((أمَرَنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بسَبْعٍ، ونهانا عن سبعٍ: أَمَرَنا باتِّباعِ الجنائِزِ، وعيادَةِ المريضِ... )) [7222] أخرجه البخاري (1239) واللفظ له، ومسلم (2066).
2- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: سَمِعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ: ((حَقُّ المُسلمِ على المُسْلمِ خَمْسٌ: ردُّ السلامِ، وعيادةُ المريضِ... )) [7223] أخرجه البخاري (1240) واللفظ له، ومسلم (2612).
3- عن أبي مُوسى الأشعريِّ، رَضِيَ اللَّهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((أطْعِموا الجائِعَ، وعُودُوا المريضَ، وفُكُّوا العانيَ )) [7224] أخرجه البخاري (5373).
4- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ الله عنهما، قال: ((مَرِضْتُ مرَضًا، فأتاني النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعودُني... )) [7225] أخرجه البخاري (5651) واللفظ له، ومسلم (1616).
5- عن عُرْوةَ؛ أنَّ أسامةَ بنَ زيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أخبَرَه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم رَكِبَ على حمارٍ، على إكافٍ [7226] إكاف: الإِكافُ للحمارِ كالسَّرْج للفَرَس، والرَّحْلِ للنَّاقة. يُنظر: ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (4/17). على قطيفةٍ فَدَكِيَّةٍ [7227] الفَدَكِيَّة: منسوبةٌ إلى فَدَك، وهي قريةٌ بِنَاحِيَة الحِجاز. يُنظر: ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (4/17)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (10/73). ، وأردَفَ أسامةَ وراءَه، يعود سَعْدَ بنَ عبادَةَ قبلَ وَقْعةِ بَدْرٍ.. )) [7228] أخرجه البخاري (5663) واللفظ له، ومسلم (1798).
6- عن ثَوبانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، مولى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ((من عادَ مريضًا لم يَزَلْ في خُرْفَةِ الجنَّةِ، قيل: يا رسولَ اللهِ، وما خُرْفَةُ الجنَّة؟ قال: جَناها [7229] قال ابْنُ حجر: (وخرفة بضم المعجمة وسكون الراء بعدها فاء ثم هاء: هي الثمرة إذا نَضِجَت؛ شَبَّه ما يحوزه عائِدُ المريض من الثوابِ بما يحوزه الذي يجتني الثَّمَر، وقيل: المرادُ بها هنا الطريقُ، والمعنى أنَّ العائِدَ يمشي في طريق تؤدِّيه إلى الجنَّة، والتفسيرُ الأَوَّلُ أولى). ((فتح الباري)) (10/113)، وينظر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/124). ). قال ابْنُ عثيمين: (يعني أنه يجني من ثمارِ الجنَّة مدَّةَ دوامِه جالسًا عند هذا المَريضِ). ((شرح رياض الصالحين)) (4/470). ) [7230] أخرجه مسلم (2568).
7- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يومَ القِيامةِ: يا ابنَ آدمَ، مَرِضْتُ فلم تَعُدْني، قال: يا رَبِّ، كيف أعودُك وأنت ربُّ العالمينَ؟! قال: أمَا عَلِمْتَ أنَّ عبدي فُلانًا مَرِض فلم تَعُدْه، أمَا عَلِمْتَ أنَّك لو عُدْتَه لوَجَدْتَني عِندَه؟... )) [7231] أخرجه مسلم (2569).
الفرع الثَّاني: عيادةُ المريضِ الذِّمِّي
تجوزُ عيادةُ المريضِ الذمِّيِّ، خاصَّةً إذا كان يُرجَى إسلامُه، وهو مذهَبُ الحَنفيَّة [7232] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 367). ويُنظر: ((تحفة الفقهاء)) للسمرقندي (3/344). ، والشَّافعيَّة [7233] ((المجموع)) للنووي (5/112)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/329، 330). ، وروايةٌ عن أحمَدَ [7234] ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/131)، وينظر: ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (1/427). ، وهو قَوْلُ ابنِ حَزْمٍ [7235] ((المُحَلَّى) (3/403). ، وابنِ عبدِ البَرِّ [7236] ((التمهيد)) (24/276). وابنِ تَيْميةَ [7237] ((الفتاوى الكبرى)) (5/545). والشَّوكانيِّ [7238] ((نيل الأوطار)) (8/77). ، وابنِ عُثَيمينَ [7239] ((فتاوى نور على الدرب)) (21/5). ، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [7240] ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (24/138).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أنسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كان غلامٌ يهوديٌّ يخْدُمُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فمَرِض، فأتاه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعودُه، فقعد عند رأْسِه، فقال له: أَسْلِمْ، فنظَرَ إلى أبيه وهو عِندَه، فقال له: أطِعْ أبا القاسِمِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأسْلَمَ، فخرج النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يقول: الحَمْدُ للهِ الذي أنقَذَه مِنَ النَّارِ )) [7241] أخرجه البخاري (1356).
ثانيًا: لأنَّ هذا من المعامَلَةِ الحَسَنةِ التي يُقْصَدُ بها تأليفُهم، ودَعْوتُهم إلى الإسلامِ، وترغيبُهم فيه [7242] ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (24/138).

انظر أيضا: