الموسوعة الفقهية

المَطلَب الثَّاني: التكبيرُ في عيدِ الفِطرِ


الفرع الأول: حُكْمُ التَّكبيرِ في عيدِ الفِطْرِ
يُسنُّ التكبيرُ في عيدِ الفِطرِ ويتأكَّد التكبيرُ عند الغُدوِّ إلى المصلَّى في العيد. ينظر: ((الكافي)) لابن عبد البر (1/263)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/102)، ((المجموع)) للنووي (5/40)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/314)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/304)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/57)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/224)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/72). ، وهو مذهبُ الجمهورِ قال ابنُ رشد: (واختَلفوا في وقت التكبير في عيد الفطر بعدَ أن أَجْمَع على استحبابه الجمهورُ) ((بداية المجتهد)) (1/220-221). وقال الشوكانيُّ: (الأكثرُ على أنه- أي: التكبير في عيد الفطر- سُنَّةٌ) ((نيل الأوطار)) (3/288). : المالِكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/263)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/102). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (5/40)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/314). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/304)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/57). ، وبه قال أبو يُوسُفَ ومحمَّد بن الحسن مِن الحَنَفيَّة [6703] قال الزيلعي: (قال أبو يوسفَ ومحمَّد: يُكبِّر في طريق المصلَّى) ((تبيين الحقائق))، مع ((حاشية الشلبي)) (1/224)، وينظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/171). ، وحُكي الإجماعُ على ذلِك قال النوويُّ: (قولها: «يُكبِّرنَ مع الناس» دليلٌ على استحبابِ التكبيرِ لكلِّ أحدٍ في العيدين، وهو مَجمَعٌ عليه) ((شرح النووي على مسلم)) (6/179). وقال أيضًا: (هو مستحبٌّ عندنا وعند العلماءِ كافَّة، إلَّا ما حكاه الشيخُ أبو حامد وغيره عن ابنِ عبَّاس، أنه لا يُكبِّر إلَّا أن يُكبِّر إمامه، وحكى الساجيُّ وغيره عن أبي حنيفة أنَّه لا يكبر مطلقًا، وحكى العبدريُّ وغيره عن سعيد بن المسيَّب وعُروة بن الزبير وداود، أنَّهم قالوا: التكبيرُ في عيد الفطر واجب، وفي الأضحى مستحَبٌّ) ((المجموع)) (5/40-41).
الأدلَّة:
أولًا: من الكِتاب
قال الله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ في الآيةِ الأمرَ بالتكبيرِ بعدَ إكمالِ عِدَّةِ شهرِ رَمضانَ، وذلك يكونُ في عِيدِ الفِطرِ ((تفسير ابن جرير)) (3/479). وقال ابنُ كثير: (أخَذ كثيرٌ من العلماء مشروعيَّة التكبير في عيد الفطر من هذه الآية: وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ حتى ذهب داودُ بن علي الأصبهانيُّ الظاهريُّ إلى وجوبه في عيد الفطر؛ لظاهر الأمْر في قوله: وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ، وفي مقابلته مذهبُ أبي حُنيفة رحمه الله، أنَّه لا يُشرع التكبيرُ في عيد الفطر. والباقون على استحبابه، على اختلافِ في تفاصيل بعضِ الفُروع بينهم). ((تفسير ابن كثير)) (1/505)، وينظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/279)، ((المحلى)) لابن حزم (5/89).
ثانيًا: من السُّنَّة
عن أمِّ عطيَّةَ، قالت: ((كنَّا نُؤمَر بالخروجِ في العيدين، والمُخبَّأةُ، والبِكرُ. قالت: الحُيَّضُ يَخرُجْنَ فيكنَّ خلفَ الناسِ، يُكبِّرْنَ مع الناسِ)) وفي رواية: ((فيُكبِّرْنَ بتكبيرِهم)) رواه مسلم (890). والرِّواية الثانية: رواها البخاري (971).
ثالثًا: من الآثار
عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّه كان يَجهَرُ بالتَّكبيرِ يومَ الفِطرِ إذا غدا إلى المصلَّى، حتى يخرُجَ الإمامُ فيُكبِّرَ) أخرجه الدارقطني (1712)، والحاكم (1106) بلفظ: للعيدين، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (6128). صحَّحه موقوفًا ابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (5/35)، والألبانيُّ في ((إرواء الغليل)) (650).
رابعًا: عملُ أهلِ المدينةِ على التَّكبيرِ في عيدِ الفِطرِ قال العدويُّ: (قال أبو حنيفة: لا يُكبِّر في الفطر، دليلنا: ما رواه الدارقطنيُّ «أنَّه عليه الصلاة والسلام كان يُكبِّر يومَ الفطر حين يخرُج من بيته حتى يأتيَ المصلَّى»، وهو عملُ أهل المدينة خلفًا عن سلَف) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/394).
خامسًا: القياسُ على التكبيرِ في عيدِ الأضحى ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/72).
الفرع الثاني: وقتُ التَّكبيرِ في عيدِ الفِطرِ
المسألة الأولى: أوَّلُ وقتِ التَّكبيرِ في عيدِ الفِطر
يَبدأُ وقتُ تكبيرِ عيدِ الفِطرِ بغُروبِ شَمسِ ليلةِ العِيدِ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (5/30)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/314). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/304)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/57). ، وقولٌ للمالكيَّة [6712] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/394)، وينظر: ((الثمر الداني)) للآبي الأزهري (1/251). ، وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلَفِ قال النوويُّ: (أمَّا أول وقتِ تكبير عيد الفِطر، فهو إذا غربتِ الشمسُ ليلةَ العيد، هذا مذهبُنا، ومذهبُ سعيد بن المسيَّب، وأبي سَلَمةَ، وعروة، وزيد بن أسلمَ) ((المجموع)) (5/41). ، واختارَه ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (التكبيرُ ليلةَ عيد الفطر: فرضٌ, وهو في ليلةِ عيد الأضحى: حسنٌ؛ قال تعالى وقدَ ذكر صومَ رمضان: وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ؛ فبإكمال عدَّة صوم رمضان وجَب التكبير, ويجزئُ من ذلك تكبيرةٌ. وأمَّا ليلة الأضحى ويومه, ويوم الفطر: فلم يأتِ به أمر, لكن التكبير فِعل خير وأجر) ((المحلى)) (5/89). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (لكن التَّكبير فيه هو المأثورُ عن الصَّحابة رضوانُ الله عليهم، والتكبيرُ فيه أوكدُ، من جِهة أنَّ الله أمَر به بقوله: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ **البقرة: 185**، والتكبيرُ فيه: أوَّله من رُؤية الهلال، وآخره: انقضاء العيد، وهو فراغُ الإمامِ من الخطبة على الصحيح) ((مجموع الفتاوى)) (24/221). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (التكبير: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلَّا الله، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، ولله الحمد. أو يُثلِّث: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلَّا الله، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، ولله الحمد، مثله: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا؛ كل هذا مشروعٌ في عيد الفِطر بعدَ غروب الشمس إلى الفراغ من الخُطبة) ((فتاوى نور على الدرب)) (13/355). وابنُ عثيمين قال ابنُ عُثَيمين: (استحبابُ التكبير في ليلة العيد من غروبِ الشَّمس آخِرَ يوم من رمضان إلى حضورِ الإمام للصلاةِ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/216). وقال أيضًا: (التكبيرُ يومَ العيد يَبتدئ من غروب الشَّمس آخرَ يوم من رمضان، إلى أنْ يَحضُرَ الإمامُ لصلاة العيد) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/259).
الأَدِلَّة:
أولًا: من الكِتاب
قال اللهُ تعالى: وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة: 185]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
المرادَ بالعِدَّةِ: عِدَّةُ الصَّومِ، والمراد بالتَّكبيرِ: التكبيرُ الذي يكونُ بعدَ إكمالِ العِدَّةِ، وإكمالُها يكونُ بغُروبِ شَمسِ آخِرِ يَومٍ من رَمضانَ (قال الشافعيُّ: سمعتُ مَن أَرضاه من العلماء بالقرآن، يقول: المرادُ بالعدَّة عِدَّة الصوم، وبالتكبير عندَ الإكمال) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/314)، ويُنظر: ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/397).
ثانيًا: أنَّ فيه إظهارَ شَعائرِ الإسلامِ ((المغني)) لابن قدامة (2/273).
المسألة الثانية: آخِرُ وقتِ التَّكبيرِ في عِيدِ الفِطرِ
التَّكبيرُ في عِيدِ الفِطرِ يَنقضِي بصلاةِ العيدِ؛ نصَّ على ذلك المالِكيَّة [6720] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/394)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/399). ، وهو مذهبُ الشافعيَّة على الأصحِّ [6721] ((المجموع)) للنووي (5/30، 32)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/314). ، وهو روايةٌ عن أحمد [6722] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/304). ، واختارَه ابنُ باز قال ابن باز: (السُّنَّة في ليلة العيدِ: التكبيرُ مع الصباح إلى انتهاءِ صلاةِ عيد الفطر) ((فتاوى نور على الدرب)) (13/368). , وابنُ عثيمين سُئِل ابنُ عُثَيمين: متى يَبتدئ التكبيرُ لعيد الفطر؟ وما هي صِفتُه؟ فأجاب فضيلتُه بقوله: (التكبيرُ يوم العيد يبتدئ من غروب الشَّمس آخِرَ يوم من رمضان، إلى أن يَحضُر الإمامُ لصلاة العيد) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/259).
الأدلَّة:
أولًا: من الآثار
عنِ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّه كان يَجهَرُ بالتكبيرِ يومَ الفِطرِ إذا غدَا إلى الـمُصلَّى، حتى يَخرُجَ الإمامُ فيُكبِّرَ) أخرجه الدارقطني (1712)، والحاكم (1106) بلفظ: للعيدين، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (6128) صحَّحه موقوفًا ابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (5/35)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (650).
ثانيًا: ولأنَّه إذا خرَج الإمامُ، فالسُّنَّةُ الاشتغالُ بالصلاةِ ((المجموع)) للنووي (5/32).
الفرع الثالث: التكبيرُ المُقيَّدُ في عيدِ الفِطرِ
ليس في عيدِ الفِطرِ تَكبيرٌ مُقيَّدٌ عقبَ الصلواتِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة [6727] إنَّما اختَلف الحنفيَّةُ في التكبيرِ عند الغدوِّ إلى المصلَّى، فذهب أبو حنيفة إلى عدم مشروعيَّته، وذهب صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن إلى مشروعيَّته، وقيل: إنَّ الخلاف بينهم إنما هو في الجهر لا في أصل التكبير. ينظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/224)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/172). ، والمالِكيَّة [6728] نصَّ المالكيَّةُ على أنَّ سُنيَّة التكبير في عيد الفطر تبدأ عند الغدوِّ إلى المصلَّى. يُنظر: ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/394)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/399). ، والشافعيَّة على الأصحِّ ((المجموع)) للنووي (5/32)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/284). ، والحَنابِلَة على الصَّحيح ((الإنصاف)) للمرداوي (2/304)، ((الفروع)) لابن مفلح (3/211). ؛ وذلك لأنَّه لم يُنقَلْ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا عن أصحابِه، ولو كان مشروعًا لفُعِل، ولنُقِل ((البيان)) للعمراني (2/654)، ((المجموع)) للنووي (5/32).

انظر أيضا: