الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: اجتماعُ غُسلِ الجَنابةِ وغُسلِ الجُمُعةِ


الفرع الأوَّل: مَن نَوَى غُسْلَ الجنابةِ وغُسْلَ الجُمُعةِ
يُجزئ غُسلٌ واحدٌ عن الجَنابةِ والجُمُعةِ إذا نواهما، وهذا باتِّفاق المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((الدر المختار)) للحصكفي و((حاشية ابن عابدين)) (1/169)، ((درر الحكام)) لملا خسرو، مع ((حاشية الشرنبلالي)) (1/20). ، والمالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/312)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/168). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/534)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/229). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (3/182)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/257). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عبد البَرِّ: (أجمَعوا أنَّ مَن اغتسل يَنوي الغسل للجنابة وللجمعة جميعًا في وقتِ الرَّواح أنَّ ذلك يُجزئه منهما جميعًا، وأنَّ ذلك لا يقدح في غسل الجنابة، ولا يضرُّه اشتراك النية في ذلك، إلَّا قومًا من أهل الظاهِر شذُّوا فأفسدوا الغُسلَ إذا اشترك فيه الفرضُ والنفل) ((التمهيد)) (14/153). وقال ابنُ قُدامَة: (فإنِ اغتَسل للجمعة والجنابة غسلًا واحدًا، ونواهما: أجزأه، ولا نعلم فيه خلافًا، ورُوي ذلك عن ابنِ عُمر، ومجاهد، ومكحول، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبي ثور) ((المغني)) (2/257، 258). وقال ابنُ جزي: (إذا اغتَسل للجنابةٍ والجمعةِ؛ ففي ذلك صور: الأولى: أن ينوي الجنابةَ ويُتبعها الجمعة؛ فيجزيه عنهما اتفاقًا) ((القوانين الفقهية)) (ص: 23). وقال ابنُ رجب: (يُستدلُّ بالحديث- يعني: حديث ((مَن اغتَسل يوم الجُمُعة غُسلَ الجنابة))- على أنَّ مَن عليه غُسل الجنابة، فاغتسل للجنابة يومَ الجمعة، فإنَّه يُجزئه عن غُسل الجمعة، وسواء نوى به الجمعة، أو لم يَنوِ. أمَّا إنْ نواهما بالغسل، فإنَّه يحصُل له رفْعُ حدَث الجنابة وسُنَّة غُسل الجمعة بغيرِ خلافٍ بين العلماء، رُوي ذلك عن ابنِ عُمر) ((فتح الباري)) (5/350). وقال ابنُ المنذر: (قال أكثرُ مَن نحفظ عنه من أهل العِلم: إنَّ المغتسل للجنابة والجمعة غسلًا واحدًا يُجزيه) ((الأوسط)) (4/50). وقال النوويُّ: (قال ابنُ المنذر: أكثرُ العلماء يقولون: يُجزئ غسلٌ واحد عن الجنابة والجمعة، وهو قولُ ابنِ عُمرَ، ومجاهد، ومكحول، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وقال أحمد: أرجو أن يُجزئه. وقال أبو قتادة الصحابيُّ لِمَن اغتسل للجنابة: أعِدْ غسلا للجمعة، وقال بعضُ الظاهريَّة: لا يُجزئه) ((المجموع)) (4/536).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوَى... )) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).
ثانيًا: أنَّ مَبْنى الأسبابِ الموجِبةِ للطهارةِ على التداخُلِ ((المبسوط)) للسرخسي (1/45).
ثالثًا: أنَّه لا تَنافي بين الغُسلينِ، كما لو أَحْرمَ بصلاةٍ ينوي بها الفرضَ وتحيَّةَ المسجدِ ((الفروع)) لابن مفلح (3/182).
رابعًا: أنَّهما غُسلانِ اجتمعَا، فأَشبها غُسلَ الحيضِ والجنابةِ ((المغني)) لابن قدامة (2/257، 258).
الفَرعُ الثَّاني: مَن نَوَى غُسلَ الجنابةِ ولم يَنْوِ غُسلَ الجُمُعةِ
يُجزئُ غُسلُ الجنابةِ عن غُسلِ الجُمُعة ولو لم يَنوِ غُسلَ الجُمُعةِ، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة ((البَحْر الرائق)) لابن نُجيم (1/68) ((الفتاوى الهندية)) (1/16). ، والأشهرُ من مذهبِ الحَنابِلَةِ ((الفروع)) لابن مفلح (3/182)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/257، 258). ، وقولٌ للشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/535). ، وهو قولُ أشهبَ من المالِكيَّة ((الاستذكار)) لابن عبد البر (1/265). ، وبه قال بعضُ السَّلفِ قال ابنُ رجب: (الثاني: يَحصُل له غُسل الجمعة بذلك، وهو أحدُ قولي الشافعي، وقولُ أشهبَ المالكيِّ، وهو نصُّ الشافعي، وقول أبي حنيفةَ وإسحاق، مع كون أبي حنيفةَ يَعتبر النيةَ لنقل الطَّهارة، وحكاه ابنُ عبد البر عن عبدِ العزيز بن أبي سَلَمة، والثوريِّ، والشافعيِّ، والليثِ بن سعد، والطبريِّ، وهو أحدُ الوجهين لأصحابنا) ((فتح الباري)) (5/351). ، واختارَه ابنُ باز قال ابنُ باز: (مَن اغتسل عن الجنابة يومَ الجمعة كفاه ذلك عن غُسل الجُمعة, والأفضلُ أن ينويَ بهما جميعًا حين الغسل) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/172). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (إذا نوى غسل الجنابة؛ فهل يُجزئ عن غُسل الجُمُعة؟ ننظر: هل غسل الجمعة مقصودٌ لذاته، أو المقصود أن يتطهَّر الإنسان لهذا اليوم؛ المقصود الطهارةُ لقولِ الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لو أنَّكم تطهَّرتم ليومِكم هذا» إذن المقصودُ من هذا الغُسل أن يكونَ الإنسانُ نظيفًا يومَ الجُمُعة، وهذا يحصُل بغسل الجنابة، وبناءً على ذلك لو اغتسل الإنسانُ من الجنابة يومَ الجمعة أجزأه عن غُسل الجمعة، وإنْ كان لم يَنوِ، فإنْ نوى فالأمرُ واضحٌ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/302).
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّه مُغتسِلٌ، فيَدخُلُ في عمومِ الحديثِ ((المغني)) لابن قدامة (2/257، 258).
ثانيًا: أنَّ المقصودَ التنظيفُ، وهو حاصلٌ بهذا الغُسلِ ((المجموع)) للنووي (4/533)، ((المغني)) لابن قدامة (2/257، 258).
الفَرعُ الثَّالِثُ: مَن نَوَى غُسلَ الجُمُعة ولم يَنوِ غُسلَ الجَنابةِ
لا يُجزئ غُسلُ الجُمُعة عن غُسلُ الجَنابةِ إذا لم يَنوِه، وهو مذهبُ المالِكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/164)، ((التاج والإكليل)) للمواق (1/312)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/544). ، والصَّحيحُ من مذهبِ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/535) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/76). ، ووجهٌ عند الحَنابِلَةِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (1/85)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/113). ، واختاره ابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (إذا نوى غُسلَ الجمعة لم يَكفِه عن غُسل الجنابة؛ لأنَّ غُسل الجمعة واجبٌ عن غير حدَث، وغسل الجنابةِ واجبٌ عن حدَث؛ فلا بدَّ من نيَّة ترفع هذا الحدثَ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/138).
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّ غُسلَ الجنابةِ لرفْعِ الحدثِ؛ فلا يُجزئ عنه غُسلُ الجُمُعة الذي المقصودُ منه التنظيفُ وقطعُ الرائحةِ ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/138).
ثانيًا: أنَّ غُسلَ الجنابةِ واجبٌ، وغُسلَ الجُمُعةِ مُستحَبٌّ- على الرَّاجح-؛ فلا يُجزئ الغسلُ الأَدْنى عن الغُسلِ الأَعْلى ((التاج والإكليل)) للمواق (1/312)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/200).
ثالثًا: أنَّ شَرْطَ غُسلِ الجُمُعةِ حصولُ غُسلِ الجنابةِ ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/544).

انظر أيضا: