الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّاني: الكَلبُ


الفرع الأوَّل: نجاسة الكلب
الكَلِبُ نَجِسُ العينِ بِجَميعِ أجزائِه، وهو مذهَبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/ 567)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/18)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/13). ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/314)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/310). ، وبه قال أبو يوسفَ ومحمَّدُ بنُ الحسن من الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/106)، وينظر: (((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/63). ، وهو اختيارُ الصَّنعانيِّ قال الصنعانيُّ: (... وهو ظاهرٌ في نجاسةِ فَمِه، وأُلحِقَ به سائِرُ بَدَنِه قياسًا عليه؛ وذلك لأنَّه إذا ثبت نجاسةُ لُعابِه، ولُعابُهُ جزءٌ من فَمِه؛ إذ هو عِرْقُ فَمِه، ففَمُه نَجِسٌ؛ إذ العِرْقُ جزءٌ متحلِّبٌ من البَدَنِ، فكذلك بقيَّةُ بَدَنِه). ((سبل السلام)) (1/22)، وينظر: ((نيل الأوطار)) (1/35). ، وابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: (... الكَلبُ نَجِسُ العَينِ). ((شرح رياض الصالحين)) (2/80).
الأدلَّة مِن السُّنَّةِ:
1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: إنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا شَرِب الكلبُ في إناءِ أحَدِكم؛ فلْيَغسِلْه سَبعًا )) رواه البخاري (172) واللفظ له، ومسلم (279).
2- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((طُهورُ إناءِ أحَدِكم إذا وَلَغ فيه الكَلبُ: أنْ يَغسِلَه سَبْعَ مرَّاتٍ، أُولاهُنَّ بالتُّرابِ )) رواه مسلم (279). ، وفي رواية: ((إذا ولَغَ الكَلبُ في إناءِ أحَدِكم، فلْيُرِقْه، ثم لْيَغسلْه سَبعَ مِرارٍ )) رواه مسلم (279).
وجه الدَّلالةِ مِن هذينِ الحَديثينِ:
أنَّ الأمرَ بالغَسلِ، واعتبارَ العَددِ، واعتبارَ غَسلِ التُّرابِ معه، ثم الأمرَ بإراقةِ ما وَلَغَ فيه؛ كلُّ ذلك يدلُّ على نجاسةِ الكَلبِ نجاسةً مغلَّظةً ((معالم السنن)) للخطابي (1/39)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/494). قال الصنعاني: (قَولُه: طُهورُ إناءِ أحَدِكم؛ فإنَّه لا غَسلَ إلَّا مِن حَدَثٍ أو نَجِسٍ، وليس هنا حدَثٌ فتعَيَّنَ النَّجَس، والإراقةُ إضاعةُ مالٍ، فلو كان الماءُ طاهرًا لَمَا أمَرَ بإضاعَتِه؛ إذ قد نهى عن إضاعةِ المالِ، وهو ظاهِرٌ في نجاسةِ فَمِه، وأُلحِقَ به سائِرُ بدنه قياسًا عليه،؛ وذلك لأنَّه إذا ثبت نجاسةُ لُعابِه، ولُعابُهُ جزءٌ من فَمِه؛ إذ هو عِرْقُ فَمِه، ففَمُه نَجِسٌ؛ إذ العِرْقُ جزءٌ متحلِّبٌ من البَدَنِ، فكذلك بقيَّةُ بَدَنِه) ((سبل السلام)) (1/22).
3- عن مَيمونةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصبح يومًا واجمًا، فقالت ميمونةُ: يا رسولَ الله، لقدِ استنكرتُ هيئتَكَ منذُ اليوم! قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ جِبريلَ كان وَعَدني أنْ يلقاني اللَّيلةَ فلمْ يَلْقَني، أمَ واللهِ قال النووي: (هكذا ضبطناه أمَ، مِن غير ألفٍ بعد الميم، وفي كثيرٍ من الأصولِ أو أكثرِها، أما واللهِ، بألف بعد الميم، وكلاهما صحيح. قال الإمام أبو السعادات هبة الله بن علي بن محمد العلوي الحسني المعروف بابن الشَّجَري في كتابه الأمالي: ما المزيدةُ للتوكيد، ركَّبوها مع همزة الاستفهام، واستعملوا مجموعَهما على وجهينِ؛ أحدهما: أن يُرادَ به معنى حَقًّا في قولهم: أمَا واللهِ لأفعلَنَّ، والآخَرُ: أن يكون افتتاحًا للكلام بمنزلة ألَا، كقولك: أمَا إنَّ زيدًا منُطلِقٌ، وأكثَرُ ما تحذف ألِفُها إذا وقع بعدها القَسَم؛ ليدلُّوا على شِدَّة اتصالِ الثاني بالأول؛ لأنَّ الكلمة إذا بقِيت على حرفٍ واحدٍ لم تَقُم بنفسِها، فعُلِمَ بحَذفِ ألفِ ما، افتقارُها إلى الاتِّصالِ بالهمزة، واللهُ تعالى أعلَمُ) ((شرح النووي على مسلم)) (1/215). ما أخلَفَني، قال: فظلَّ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَه ذلك على ذلك، ثم وقَع في نفْسِه جِرْوُ كَلبٍ تحت فُسطاطٍ لنا، فأمَر به فأُخرِج، ثمَّ أَخَذ بِيَدِه ماءً فنَضَحَ مكانَه، فلمَّا أمسى لقِيَه جبريلُ، فقال له: قد كنتَ وعَدتَني أنْ تلقاني البارحةَ، قال: أجَلْ، ولكنَّا لا ندخُل بيتًا فيه كلبٌ ولا صُورةٌ.. )) رواه مسلم (2105).
وجه الدَّلالة:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نضَح مكانَ الكَلبِ، ولو كان محلُّه طاهِرًا لَمَا نضَحَه؛ لأنَّ فيه إضاعةً للمالِ قال النووي: (أمَّا قوله: ((ثم أخَذ بيده ماءً فنَضَح به مكانَه))، فقد احتجَّ به جماعةٌ في نجاسةِ الكَلبِ؛ قالوا: والمراد بالنَّضحِ الغَسلُ) ((شرح النووي على مسلم)) (14/83).
الفرع الثَّاني: كيفيَّةُ تطهير الإناء مِن نجاسةِ الكَلبِ
يُغسَلُ الإناءُ ونَحوُه مِن وُلوغِ الولغُ: أن يشرَبَ بأطرافِ لِسانِه، أو يُدخِلَ لسانَه فيه فيحرِّكَه. ((النهاية)) لابن الأثير (5/226)، وينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/274-275)، ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (ص: 790). الكَلبِ سَبْعَ مرَّاتٍ، أُولاهنَّ بالتُّراب فائدة: قال ابن تيميَّة: (فإن كان المحلُّ يتضرَّرُ بالتُّرابِ لم يجِبِ استعمالُه في أصحِّ الوَجهينِ، ويُجزئ موضعَ الترابِ الأُشنانُ والصَّابون ونحوهما، في أقوى الوُجوه). ((شرح العمدة)) (1/87). وسُئل ابن عثيمين: عن وجودِ نِقاط تفتيشٍ في بعض المؤسَّساتِ الكُبرى تُستخدَمُ فيها الكلابُ المدرَّبة، فتدخُلُ في مقدِّمة السيارةِ ثم تبدأ بالشمِّ واللَّحسِ، فهل تَتنجَّسُ بذلك المقاعِدُ والأماكن التي قام الكَلبُ بشمِّها أو لحسِها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: (أمَّا الشَّمُّ فإنَّه لا يضرُّ؛ لأنَّه لا يَخرُجُ مِن الكَلبِ ريقٌ، وأمَّا اللحسُ فيخرُجُ فيه مِنَ الكَلبِ ريق، وإذا أصاب ريقُ الكَلبِ ثيابًا أو شِبهَها فإنَّها تُغسَلُ سَبْعَ مرَّات، ولا نقول: إحداها بالتُّرابِ؛ لأنَّه ربَّما يضرُّ، لكن نقول: يُستعمَلُ عن الترابِ صابونًا أو شِبهَه مِن المُزيلِ، ويكفي مع الغَسَلات السَّبع). ((لقاء الباب المفتوح)) (49/184). ، وهو مذهَبُ الحنابلةِ عندهم أنَّ الأُولى أَولى. ((الإنصاف)) للمرداوي (1/311)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/182). ، واختيارُ ابنِ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (ثم يغسلُ بالماءِ سَبْع مراتٍ ولا بدَّ، أُولاهنَّ بالتُّراب مع الماءِ). ((المحلى)) (1/120). ، وابنِ حجَر قال ابن حجر: (فطريقُ الجَمعِ بين هذه الرِّوايات: أن يقال: إحداهنَّ مُبهَمةٌ، وأُولاهنَّ والسابعةُ معيَّنة، و(أو) إن كانت في نفْس الخبرِ فهي للتخييرِ، فمقتضى حملِ المُطلَق على المقيَّدِ أن يُحمَل على أحدِهما؛ لأنَّ فيه زيادةً على الرِّواية المعيَّنة، وهو الذي نصَّ عليه الشافعيُّ في الأم، والبويطي، وصرَّح به المرعشيُّ وغيره من الأصحاب، وذكره ابنُ دقيق العيد والسُّبكيُّ...، وهو منصوصٌ كما ذكرنا. وإنْ كانت (أو) شكًّا من الراوي، فرواية مَنْ عيَّنَ ولم يشُكَّ أَولى من روايةِ مَن أبهَمَ أو شكَّ، فيبقى النظَرُ في الترجيحِ بين رِواية (أُولاهنَّ) ورواية (السابعة)؛ ورِواية (أُولاهن) أرجحُ من حيثُ الأكثريَّةُ والأحفظيَّةُ، ومن حيث المعنى أيضًا؛ لأنَّ تَتْريبَ الأخيرةِ يقتضي الاحتياجَ إلى غَسلِه أخرى لتنظيفِه، وقد نصَّ الشافعيُّ في حرملة على أنَّ الأُولى أَولى، والله أعلم). ((فتح الباري)) (1/275-276). ، وابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: ( ((إحداهُنَّ بالتُّراب))، وفي رواية: ((أُولاهنَّ بالتُّراب))، وهذه الرواية أخصُّ مِنَ الأولى؛ لأنَّ ((إحداهن)) يشمَل الأولى إلى السَّابعة، بخلاف ((أُولاهنَّ)) فإنَّه يخصِّصه بالأُولى، فيكون أَولى بالاعتبارِ؛ ولهذا قال العلماءُ رحمهم الله تعالى: الأَولى أنْ يكونَ التُّراب في الأُولى؛ لِمَا يلي: 1- ورودُ النصِّ بذلك. 2- أنَّه إذا جُعلَ الترابُ في أوَّل غسلةٍ، خفَّت النَّجاسةُ، فتكون بعد أوَّل غسلةٍ من النَّجاسات المتوسِّطة. 3- أنَّه لو أصاب الماءُ في الغسلةِ الثانية بعد التُّرابِ محلًّا آخَر غُسِلَ ستًّا بلا تراب، ولو جُعِلَ التراب في الأخيرة، وأصابت الغسلةُ الثانيةُ محلًّا آخَرَ غُسل ستًّا إحداها بالتُّراب) ((الشرح الممتع)) (1/416). وقال ابن عثيمين أيضًا: (والأحسنُ أن يكونَ التُّرابُ في الغَسلة الأولى، والله أعلم). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/247). ، وحكَى العينيُّ الإجماعَ على وجوبِ غَسْلِ الإناءِ قال العينيُّ: (قد انعقد الإجماعُ على وجوبِ غَسْلِ الإناءِ بوُلوغه). ((البناية)) (1/472).
الدليل مِن السُّنَّةِ:
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((طُهورُ إناءِ أحَدِكم، إذا وَلَغ فيه الكَلبُ: أنْ يَغسِلَه سَبْعَ مراتٍ، أُولاهنَّ بالتُّراب )) رواه مسلم (279).

انظر أيضا: