الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: المِصرُ الجامِعُ


لا يُشترَطُ في إقامةِ الجُمُعةِ: المصرُ الجامِعُ، بل تجوزُ في القُرى إلَّا أنَّ لهؤلاء الفقهاء تفصيلاتٍ في الشروط التي يجب توافُرها فيها؛ فالمالكيَّة اشترطوا أنْ تكون القريةُ كبيرةً يوجد بها سوقٌ وجامع وجماعة، أمَّا الشافعيَّة والحنابلة فاشترَطوا أن تكونَ القريةُ مجتمعة البناء، وأن يستوطنَها أربعون لا يَظعنون عنها صيفًا ولا شتاءً. ينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/76)، ((المجموع)) للنووي (4/505)، ((المغني)) لابن قدامة (2/244). ، وهذا مذهبُ الجمهورِ قال النوويُّ: (إذا كان في القريةِ أربعون من أهلِ الكَمال صحَّت جُمعتُهم في قريتهم ولزمتهم، سواء كان فيها سوقٌ ونهر أم لا، وبه قال مالكٌ وأحمد، وإسحاق، وجمهورُ العلماء، وحكاه الشيخ أبو حامد عن عُمرَ وابنِه، وابنِ عبَّاس رضي الله عنهم) ((المجموع)) (4/505). : من المالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/ 161)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/76)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/496). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/37)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/404). ، والحَنابِلَة ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/ 762). قال ابنُ قُدامَة: (لا يُشترَط للجُمعةِ المصرُ؛ رُوي نحوُ ذلك عن ابنِ عُمر، وعُمرَ بن عبد العزيز، والأوزاعيِّ، والليث، ومكحولٍ، وعِكرمةَ، والشافعيِّ) ((المغني)) (2/246). ، واختاره ابنُ حزم قال ابنُ حزم: (وتُصلَّى في كلِّ قرية صغُرت أم كبُرت، كان هنالك سلطانٌ، أو لم يكن... ثم قال: وأمَّا قولنا: تُصلَّى الجمعة في أيِّ قرية صغُرت أم كبُرت، فقد صحَّ عن عليٍّ رضي الله عنه: لا جُمعةَ ولا تشريقَ إلَّا في مِصرٍ جامعٍ، وقد ذكَرْنا خلافَ عمر لذلك، وخلافهم لعليٍّ في غير ما قِصَّة. وقال مالك: لا تكون الجمعةُ إلَّا في قرية متَّصلة البنيان. قال علي: هذا تحديدٌ لا دليلَ عليه، وهو أيضًا فاسد؛ لأنَّ ثلاثةَ دُور قرية متصلة البُنيان، وإلا فلا بدَّ له من تحديد العدد الذي لا يقعُ اسم قرية على أقلَّ منه، وهذا ما لا سبيلَ إليه) ((المحلى)) (3/252- 256).
الأدلَّة:
أولًا: من الكِتاب
قوله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الآيةَ عامَّةٌ تَشمَلُ المدنَ والقُرَى ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (3/284).
ثانيًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: (إنَّ أوَّلَ جُمُعةٍ جُمِّعتْ بعدَ جُمُعةٍ في مسجدِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مسجدِ عبدِ القَيسِ بجُواثَى من البَحرين ) [5734] رواه البخاري (892).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الظاهرَ أنَّهم جَمَّعوا بأمْر النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في جُواثَى، وهي قريةٌ من قُرَى البَحرينِ كما في بعضِ الرِّواياتِ؛ فدلَّ على جوازِ إقامةِ الجُمُعةِ في القُرى ((فتح الباري)) لابن حجر (2/380)، ((شرح السنة)) للبغوي (4/219)، ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (3/280).

انظر أيضا: