الموسوعة الفقهية

المطلبُ السَّادِسُ: الجَمْعُ للخَوْفِ


اختَلَفَ أهلُ العِلمِ في كونِ الخوفِ عُذرًا يُجيزُ الجَمْعَ، على قولينِ:
القولُ الأوَّل: يجوزُ الجَمْعُ للخوفِ، وهذا مذهبُ الحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/236)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/298). ، وقولٌ للمالكيَّة ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (2/16)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/67). ، ووجْهٌ للشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/383)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/282). ، وهو قولُ ابنِ تَيميَّة قال ابن تيمية: (بل إذا جمَع لسبب هو دون المطر مع جمْعِه أيضًا للمطر، كان قد جمَع من غير خوف ولا مطرٍ، كما أنَّه إذا جمَع في السفر وجمَع في المدينة كان قد جمَع في المدينة من غير خوفٍ ولا سفرٍ، فقول ابن عباس: جمَع من غير كذا ولا كذا، ليس نفيًا منه للجمْع بتلك الأسبابِ، بل إثباتٌ منه؛ لأنَّه جمع بدونها وإنْ كان قد جمَع بها أيضًا. ولو لم يُنقَلْ أنه جمع بها فجَمعُه بما هو دونها دليلٌ على الجمع بها بطريق الأَوْلى؛ فيدلُّ ذلك على الجمع للخوف والمطر) ((مجموع الفتاوى)) (24/83). ، وابنِ باز قال ابن باز: (والصواب: أنَّه لا حرجَ في الجمع بينهما عند وجود العُذر الشرعيِّ، جاز الجمعُ كما جمع النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السَّفر، وفي الخوف والمرض، يجوزُ الجمع، ولا بأس) ((فتاوى نور على الدرب)) (13/123- 124). وقال أيضًا: (يجوزُ الجمع بعد الفراغ من الأولى إذا وُجِد شرطُه من خوفٍ، أو مطرٍ، أو مرض) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/294). ، وابنِ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (الجمع له ميزان، وهو المشقَّة, فإذا شقَّ على الإنسان أن يُفرِدَ كلَّ صلاة في وقتها، فله الجمع؛ لحديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: (جمَع رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين الظُّهر والعصر, والمغرب والعشاء, بالمدينة، في غير خوفٍ ولا مطرٍ). قيل لابن عباس: ما أرادَ إلى ذلك؟قال: أراد أنْ لا يُحْرِجَ أمَّتَه؛ فهذا يدلُّ على أنَّ مدار الجمع على الحرَج والمشقَّة. ويجوزُ لهم الجمع ولو بقُوا عدَّةَ سنوات, ولا أعلمُ في هذه سُنَّةً سوى حديث ابنِ عباس السابق, وهو قاعدةٌ عامَّة، وهي المشقَّة؛ فإنه يجوز الجمعُ سواءً في الحرب أو في السِّلم, وفي الحضر والسفر) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (15/383).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الظُّهرَ والعصرَ جميعًا، والمغربَ والعِشاءَ جميعًا، في غيرِ خوفٍ ولا سَفرٍ رواه مسلم (705).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ قولَ ابنِ عبَّاسٍ: (من غيرِ خوفٍ ولا سَفرٍ)، يدلُّ بمفهومه على جوازِ الجَمْعِ للخوفِ ((فتح الباري)) لابن رجب (3/95).
ثانيًا: أنَّ هذا عُذرٌ تَلحَقُ به المشقَّةُ، ومشقتُه أكثرُ من مَشقَّةِ السَّفرِ والمرَضِ والمطرِ؛ فإذا كانَ الجمعُ يجوزُ في السَّفرِ والمطرِ والمرضِ، فلأنْ يجوزَ للخوفِ من العدوِّ أَوْلَى ((المنتقى))‏ للباجي (1/256).
القول الثاني: لا يجوزُ الجمعُ للخوفِ، وهذا مذهبُ الحَنَفيَّة ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي  (ص: 73)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/126). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/383)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/282). ، وقولٌ للمالكيَّة ((القوانين الفقهيَّة)) لابن جزي (1/57)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/67). ، وعليه فتوى اللَّجنة الدَّائمة جاءَ في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: (الخوفُ لا يُجيزُ الجَمْعَ بين الصَّلاتينِ، وإنَّما يُبيحُ للخائفِ أن يُصلِّي في بيتِه، ولا يحضُر إلى المسجد لصلاة الجماعة إذا كان عليه خوفٌ في خروجه إلى المسجِد) ((فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية) (7/15).
الأدلَّة:
أولَا: مِن الكِتاب
قال اللهُ تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة: 238-239]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ معنى الآية: إذا كُنتم لا تَتمكَّنون من أداءِ الصَّلاةِ على ما هي عليه، وخِفتُم من العدوِّ، فرجالًا أو ركبانًا، أي: حتى لو كُنتمْ ماشينَ أو راكبينَ، فصَلُّوا ولا تُؤخِّروها؛ فلا يجوزُ للإنسانِ أن يُؤخِّرَ الصلاةَ عن وقتِها لأيِّ عَملٍ كان ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (2/16)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/34).
ثانيًا: أنَّه لم يُنقَلْ جَمْعُ الصَّلاةِ لعُذرِ الخوفِ ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/282).
ثالثا: أنَّ الصَّلاةَ لها مواقيتُ معلومةٌ شرعًا؛ فلا يُخرَجُ عنها إلَّا بدليلٍ ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/282).

انظر أيضا: