الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّالث: السُّننُ الرَّواتبُ في السَّفرِ غيرُ ركعتَي الفجرِ، والوترِ


لا يُسَنُّ أداءُ السُّننِ الرواتبِ في السَّفرِ غيرَ رَكعتَي الفجرِ والوترِ، وبه قال كثيرٌ من مشايخِ الحَنَفيَّة ((البناية)) للعيني (3/36)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/123). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (ويوتر المسافر ويركع سنة الفجر، ويسن تركه غيرهما، والأفضل له التطوع في غير السنن الراتبة، ونقله بعضهم إجماعا) ((الفتاوى الكبرى)) (5/ 350)، ويُنظر: ((الفروع)) لابن مفلح (3/87). ، وابنُ القيِّم قال ابن القيِّم: (كان مِن هديه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سفره الاقتصار على الفرض، ولم يُحفظ عنه أنه صلَّى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها، إلَّا ما كان من الوتر وسُنَّة الفجر، فإنه لم يكن ليدعهما حضرًا، ولا سفرًا) ((زاد المعاد)) (1/473، 474). ، وابنُ عُثيمين قال ابن عثيمين: (دلَّ عليه الدليل أنه لا يتطوَّع براتبة الظهر والمغرب والعشاء، وما عدَا ذلك من النوافل فباقٍ على مشروعيَّته). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/421). ، وبه أفتت اللَّجنة الدَّائمة في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: (المشروع للمسافر سفرًا يقصر فيه الصلاة الاقتصارُ على صلاة الفرض وعدمُ التنفُّل؛ فقد ثبت أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما قال: «صحبتُ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلم أرَه يُسبِّح في السفر»، ومراده بقوله (يُسبِّح): أي: لا يُصلِّي السبحة وهي صلاة النافلة، وأمَّا ركعتي الفجر والوتر فإنَّ المشروع للمسلم أن يُصلِّيهما حضرًا، أو سفرًا لِمَا ثبَت عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: «صلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العِشاء، ثم صلَّى ثمان ركعات وركعتين جالسًا، وركعتين بين النِّداءين ولم يكُن يدعهما أبدًا»، ولِمَا ثبَت في حديث عبد الله بن عامر «أنَّ أباه أخبرَه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى السُّبحة باللَّيل في السفر على ظهرِ راحلته حيث توجَّهت به». ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (6/114).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن حفصِ بنِ عاصمٍ، قال: ((صحبتُ ابنَ عُمرَ في طريقِ مكَّةَ، فصَلَّى لنا الظهرَ ركعتينِ، ثم أقبل وأقبَلْنا معه، حتى جاء رَحلَه وجلَس وجلَسْنا معه، فحانتْ منه التفاتةٌ نحوَ حيثُ صلَّى فرأى ناسًا قيامًا، فقال: ما يَصنَعُ هؤلاءِ؟ قلنا: يُسبِّحون، فقال: لو كنتُ مسبِّحًا أتممتُ صلاتي! يا ابنَ أخي إنِّي صحبتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السفرِ فلم يزِدْ على ركعتينِ حتَّى قبضَه اللهُ، وصحبتُ أبا بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه فلم يزِدْ على ركعتينِ حتى قبضَه اللهُ، وصحبتُ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه فلم يزِدْ على ركعتين حتى قبضَه الله، وصحبتُ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه فلم يزِدْ على ركعتينِ حتى قبضَه الله، وقد قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21] )) رواه البخاري (1102)، ومسلم (689) واللفظ له.
2- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه قال في حديثِه الطويلِ في صِفة حجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((حتى أتى المزدلفةَ، فصلَّى بها المغربَ والعِشاءَ بأذانٍ واحدٍ وإقامتينِ، ولم يُسبِّح بينهما شيئًا )) رواه مسلم (1218).
3- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((جمَع النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين المغربِ والعِشاءِ بجَمْعٍ [5150] بجَمع: أي: المزدلفة، وهي المشعَر الحرام؛ سُمِّيت جمعًا لاجتماع الناس بها، وقيل غير ذلك. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/296)، ((معجم البلدان)) لياقوت (2/163). كلَّ واحدةٍ منهما بإقامةٍ، ولم يُسبِّحْ قال النوويُّ: (النافلةُ تُسمَّى سُبحةً؛ لاشتمالها على التَّسبيح). ((شرح النووي على مسلم)) (8/188). بينهما، ولا على إثرِ كلِّ واحدةٍ منهما )) رواه البخاري (1673)، ومسلم (1288) باختلاف يسير.
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
 أنه ترَكَ التنفُّلَ عقبَ المغربِ وعقبَ العِشاءِ قال ابن حجر: (يُستفاد منه أنه ترك التنفُّل عقبَ المغرب وعقب العشاء، ولَمَّا لم يكن بين المغرب والعشاء مهلةٌ صرَّح بأنه لم يتنفَّل بينهما، بخِلاف العشاء، فإنه يحتمل أن يكون المرادُ أنه لم يتنفَّل عقبها، لكنَّه تنفَّل بعد ذلك في أثناء الليل، ومن ثم قال الفقهاء: تُؤخَّر سُنة العشاءين عنهما، ونقَل ابن المنذر الإجماع على ترْك التطوع بين الصلاتين بالمزدلفة؛ لأنَّهم اتفقوا على أنَّ السنة الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، ومَن تنفَّل بينهما لم يصحَّ أنه جمع بينهما انتهى. ويعكر على نقْل الاتفاق فعلُ ابن مسعود...). ((فتح الباري)) (3/523، 524)، وينظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/420).
4- عنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أَعجلَه السيرُ يُؤخِّرُ المغربَ فيُصلِّيها ثلاثًا ثم يُسلِّم، ثم قلَّما يَلبَثُ حتى يُقيمَ العِشاءَ، فيُصلِّيها ركعتينِ ثم يُسلِّم، ولا يُسبِّحُ بعدَ العِشاءِ (يعني لا يَتنفَّل) حتى يقومَ من جوفِ اللَّيلِ رواه البخاري (1092)، ومسلم (703).

انظر أيضا: