الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الخامس: صلاةُ التَّسْبيحِ (التَّسابيح)


لا تُشرَعُ صلاةُ التسبيحِ قال الشربيني: (صلاةُ التَّسبيح، وهي أربع ركعات يقول فيها ثلثمئة مرةٍ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إلهَ إلَّا الله، والله أكبر؛ بعد التحرُّم وقبل القراءة خمسة عشر، وبعد القراءة وقبل الركوع عشرًا، وفي الركوع عشرًا، وكذلك في الرفع منه، وفي السجود والرفع منه، والسجود الثاني؛ فهذه خمس وسبعون في أربعٍ بثلثمئة) ((مغني المحتاج)) (1/225). وسُمِّيت (صلاة التسبيح) وأُضيفت إليه لكثرة التسبيح فيها على خلاف العادة؛ ولأنَّه المقصود منها. يُنظر: ((تهذيب الأسماء واللغات)) للنووي (3/144)، ((حاشية البجيرمي على شرح الخطيب)) (1/427). ، وهو مذهبُ الحَنابِلَةِ ((الفروع وتصحيح الفروع)) (2/404)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/250)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/444)، وينظر: ((المغني)) (2/98)، ((مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله)) (ص: 89). قال المرداوي: (المنصوص هو الصَّحيح، وعليه الأكثر، قال الشيخ تقي الدين: نص أحمد وأئمَّة أصحابه على كراهتها، وقدَّمه في الرعايتين، وقاله القاضي وغيره). ، وقولٌ للحنفيَّة قال ابنُ نجيم: (في الخلاصة: الفقيه هل يُصلِّي صلاة التسبيح؟ قال: ذلك طاعة العامَّة، قيل له: فلان الفقيه يُصلِّيها؟ قال: هو عندي من العامَّة). ((البحر الرائق)) (8/235). ، وهو اختيارُ ابنِ العربيِّ قال ابنُ العربي: (أمَّا حديث أبي رافع في قِصَّة العباس فضعيف، ليس له أصلٌ في الصحة ولا في الحُسن، وإنْ كان غريبًا في طريقه غريبًا في صِفته، وما ثبت بالصحيح يُغنيك عنه). ((عارضة الأحوذي)) (2/266). وقال النوويُّ: (قال العقيلي: ليس في صلاة التسبيح حديثٌ يثبت، وكذا ذكر أبو بكر بن العربي وآخرون أنَّه ليس فيها حديثٌ صحيح ولا حسن). ((المجموع)) (4/55). ، وابنِ تَيميَّة قال ابنُ تيمية: (أجودُ ما يُروى من هذه الصلوات حديث صلاة التسبيح، وقد رواه أبو داود والترمذي، ومع هذا فلم يقُلْ به أحد من الأئمَّة الأربعة؛ بل أحمد ضعَّف الحديث ولم يستحبَّ هذه الصلوات، وأمَّا ابن المبارك فالمنقول عنه ليس مثل الصلاة المرفوعة إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإن الصلاة المرفوعة إلى النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليس فيها قعدةٌ طويلة بعد السَّجدة الثانية، وهذا يخالف الأصول؛ فلا يجوز أن تثبت بمِثل هذا الحديث. ومَن تدبَّر الأصول علِم أنه موضوع، وأمثال ذلك؛ فإنَّها كلها أحاديث موضوعة مكذوبة باتِّفاق أهل المعرفة، مع أنها توجد في مثل كتاب أبي طالب، وكتاب أبي حامد، وكتاب الشيخ عبد القادر؛ وتوجد في مِثل أمالي أبي القاسم بن عساكر، وفيما صنَّفه عبد العزيز الكناني، وأبو علي بن البنا، وأبو الفضل بن ناصر وغيرهم). ((مجموع الفتاوى)) (11/579). وقال أيضًا: (كل صلاة فيها الأمْرُ بتقدير عدد الآيات أو السور أو التسبيح، فهي كذبٌ باتِّفاق أهل المعرفة بالحديث، إلَّا صلاة التسبيح فإنَّ فيها قولين لهم، وأظهر القولين أنَّها كذب وإن كان قد اعتقد صِدقَها طائفةٌ من أهل العلم؛ ولهذا لم يأخذها أحدٌ من أئمة المسلمين، بل أحمد بن حنبل وأئمَّة الصحابة كرهوها وطعنوا في حديثها، وأمَّا مالك وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم فلم يَسمعوها بالكليَّة، ومَن يستحبُّها من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما فإنَّما هو اختيارٌ منهم لا نقلٌ عن الأئمَّة، وأمَّا ابن المبارك فلم يستحِبَّ الصفةَ المذكورة المأثورة التي فيها التسبيحُ قبل القيام، بل استحبَّ صفة أخرى توافِقُ المشروعَ؛ لئلَّا تثبت سُنَّة بحديث لا أصل له). ((منهاج السنة النبوية)) (7/315). ، وابنِ حجرٍ العسقلانيِّ قال ابن حجر: (قال أبو جعفر العقيليُّ: ليس في صلاة التسبيح حديثٌ يثبت. وقال أبو بكر بن العربي: ليس فيها حديثٌ صحيح، ولا حسن. وبالَغ ابن الجوزي فذكره في الموضوعات. وصنَّف أبو موسى المديني جزءًا في تصحيحه، فتباينَا! والحقُّ: أنَّ طُرقه كلها ضعيفة. وإن كان حديث ابن عباس يقرُب مِن شَرْطِ الحسن؛ إلا أنه شاذٌّ لشدة الفرديَّة فيه، وعدم المُتابِع والشَّاهد من وجه معتبَر، ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات، وموسى بن عبد العزيز، وإنْ كان صادقًا صالحًا فلا يحتمل منه هذا التفرد. وقد ضعَّفها ابن تيمية، والمِزي، وتوقَّف الذهبي. حكاه ابن عبد الهادي عنهم في أحكامه، وقد اختلف كلامُ الشيخ محيي الدين فوهَّاها في شرح المهذب؛ فقال: حديثها ضعيف، وفي استحبابها عندي نظر؛ لأنَّ فيها تغييرًا لهيئة الصلاة المعروفة، فينبغي ألَّا تُفعلَ وليس حديثها بثابت. وقال في تهذيب الأسماء واللغات: قد جاء في صلاة التسبيح حديثٌ حسن في كتاب الترمذي، وغيره. وذكره المحامليُّ وغيره من أصحابنا: وهي سُنَّة حسنة. ومال في الأذكار أيضًا إلى استحبابه. قلت: بل قوَّاه، واحتجَّ له. والله أعلم) ((التلخيص الحبير)) (2/14). ، والشوكانيِّ قال الشوكاني: (العجب من المصنِّف حيث يعْمَد إلى صلاة التسبيح التي اختلف الناس في الحديث الوارد فيها، حتى قال مَن قال من الأئمَّة: إنه موضوع، وقال جماعة: إنَّه ضعيف لا يحلُّ العمل به، فيجعلها أول ما خصَّ بالتخصيص، وكل من له ممارسة لكلام النبوَّة لا بدَّ أن يجد في نفسه من هذا الحديث ما يجد، وقد جعل اللهُ في الأمر سَعةً عن الوقوع فيما هو متردِّد ما بين الصحة والضعف والوضع، وذلك بملازمة ما صحَّ فِعلُه أو الترغيبُ في فِعله صحَّةً لا شكَّ فيها ولا شُبهة، وهو الكثير الطيب). ((السيل الجرار)) (ص: 200). ، وابنِ باز قال ابن باز: (حديث صلاة التسبيح موضوعٌ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (26/230). ، وابنِ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (صلاة التسبيح وردتْ فيها أحاديث عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حسَّنها بعض أهل العلم، واعتبروها، وعملوا بها، ولكن الراجح من أقوال أهل العلم أنها أحاديثُ ضعيفةٌ لا تقوم به حُجَّة؛ كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله... والأصل في العبادة الحظر إلَّا ما قام الدليل الصحيح على مشروعيَّته، وفيما صحَّ عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من النوافل ما يكفي عن مثل هذه الصلاة المختَلف فيها، وإذا تأمَّل الإنسان متنها، وما رُتِّب عليها من الثواب تبيَّن له أنَّه شاذ؛ لمخالفته لصفات الصلاة المعهودة في الشرع؛ ولأنَّ الثواب مرتَّب على فِعلها في الأسبوع، أو في الشهر، أو في السَّنة، أو في العمر وهو غريبٌ في جزاء الأعمال أنْ يتَّفق الثواب مع تبايُن الأعمال هذا التباين، فالصواب في هذه المسألة: أنَّ صلاة التسبيح غير مشروعةٍ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/323، 324).
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّه لم يثبُتْ في صلاةِ التَّسبيحِ حديثٌ ((المجموع)) للنووي (4/54)، ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (7/315)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/323، 324). ، والأصل في الصلاةِ الحظرُ إلَّا ما قامَ عليها دليلٌ صحيحٌ.
ثانيًا: أنَّ في صلاةِ التسبيحِ تغييرًا لنَظمِ الصلاةِ المعروفِ، بما يُخالِفُ الصلاةَ المرفوعةَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((الفتاوى الفقهية الكبرى)) لابن حجر الهيتمي (1/183). ((المجموع)) للنووي (4/54)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (11/579)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/323، 324).
ثالثًا: أنَّه بتأمُّل ما ترتَّبَ عليها من الثَّوابِ يَتبيَّن أنَّه شاذٌّ؛ لمخالفتِه لصفاتِ الصَّلاةِ المعهودةِ في الشَّرعِ؛ ولأنَّ الثوابَ مُرتَّبٌ على فِعلها في الأسبوعِ، أو في الشهرِ، أو في السَّنَة، أو في العُمر، وهو غريبٌ في جزاءِ الأعمالِ؛ أن يتَّفقَ الثوابُ مع تبايُن الأعمالِ هذا التبايُنَ ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/323، 324).
رابعًا: أنَّه لو كانتْ هذه الصلاة مشروعةً لنُقلت للأمَّة نقلًا لا ريبَ فيه، واشتهرتْ بينهم؛ لعظمِ فائدتِها، ولخروجِها عن جِنس العباداتِ قال ابن عثيمين: (فإنَّنا لا نعلم عبادةً يُخيَّر فيها هذا التخير، بحيث تُفعل كل يوم، أو في الأسبوع مرة، أو في الشهر مرة، أو في الحول مرة، أو في العُمر مرة، فلمَّا كانت عظيمة الفائدة... ولم تشتهرْ، ولم تُنقل، عُلِم أنه لا أصل لها؛ وذلك لأنَّ ما خرج عن نظائره، وعظمت فائدته فإنَّ الناس يهتمون به وينقلونه، ويَشيعُ بينهم شيوعًا ظاهرًا، فلما لم يكن هذا في هذه الصلاة عُلِم أنها ليست مشروعة؛ ولذلك لم يستحبَّها أحدٌ من الأئمَّة كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه- رحمه الله تعالى- وإنَّ فيما ثبتت مشروعيته من النوافل لخير وبركة لمن أراد المزيد، وهو في غِنًى بما ثبت عمَّا فيه الخلاف والشبهة، والله المستعان). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/327).

انظر أيضا: