الموسوعة الفقهية

الفَرعُ العاشر: القُنوتُ في الوِتْرِ


تمهيدٌ: تعريفُ القنوتِ
القُنوت لُغةً: يُطلَقُ على الدُّعاءِ، والقِيامِ، والخضوعِ، والسُّكونِ، والسُّكوتِ، والطَّاعةِ، والصَّلاةِ، والخُشوعِ، والعِبادةِ، وطُولِ القيامِ، وأصْل (قنَت) يدلُّ على طاعةٍ وخيرٍ في دِينٍ ((مشارق الأنوار)) للقاضي عياض 2/186، ((مقدمة فتح الباري)) لابن حجر (ص: 171) ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/31).
القُنوتُ اصطلاحًا: هو الدُّعاءُ في الصَّلاةِ في مَحلٍّ مخصوصٍ من القيامِ ((فتح الباري)) لابن حجر (2/490).
المسألةُ الأولى: حُكمُ القنوتِ في صَلاةِ الوِترِ
يُشرَعُ القنوتُ في الوترِ، وهذا مذهبُ الجمهورِ وذلك في الجملة، وإلَّا فقد اختلفوا: هل هو مشروعٌ طوالَ السَّنة، أو في بعضها؟ على ما سيأتي تفصيلُه. : الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشلبي)) (1/170)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/428). قال المرغينانيُّ: (وفيها واجباتٌ، كقراءة الفاتحة... والقنوت في الوتر...؛ ولهذا تجبُ عليه سجدتَا السهوِ بتركها، هذا هو الصَّحيحُ، وتسميتُها سُنَّة في الكتابِ لِمَا أنَّه ثبَت وجوبُها بالسُّنَّة). ((الهداية)) (1/46). وهو سُنَّة عند محمَّد وأبي يوسف؛ قال الكاساني: (فالقنوت واجبٌ عند أبي حنيفة، وعندهما سُنَّة، والكلام فيه كالكلامِ في أصلِ الوتر). ((بدائع الصنائع)) (1/273). ، والشافعيَّة قال النوويُّ: (المشهورُ من مذهبنا أنَّه يُستحبُّ القنوت فيه في النِّصف الأخير من شهرِ رمضان خاصَّةً). ((المجموع)) (4/24)، وينظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (1/330). ، والحَنابِلَة ((مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني)) (ص: 95، 96)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/554). وعندهم القنوتُ سُنَّة في صلاة الوترِ. يُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (2/88). ، وروايةٌ عن مالك قال ابنُ عبد البر: (روَى ابن نافع عن مالكٍ، أنَّه سُئل عن لَعْن الكفرةِ في رمضان؛ في أوَّل الشهر أم في آخره؟ فقال مالكٌ: كانوا يَلعنون الكفرة في رمضانَ في النِّصف منه حتى ينسلخَ رمضان، وأرى ذلك واسعًا إنْ فعل أو ترك). ((الاستذكار)) (2/73، 74). وقال أيضًا: (قد كان مالكٌ يرى القنوتَ في النِّصف الثاني من رمضان في الوتر، والدُّعاءَ على مَن استحقَّ الدعاء عليه، ثم ترك ذلك فيما رواه المصريُّون عنه... أمَّا رواية المصريِّين؛ ابن القاسم، وأشهب، وابن وهب، عن مالكٍ في ذلك، فإنَّهم رووا عن مالكٍ أنه سُئل: أَيقنُتُ الرجلُ في الوتر؟ فقال: لا... قال أشهب: سُئِل مالكٌ عن القنوت في الصبح؟ فقال: أمَّا الصبح فنعم، وأمَّا الوتر فلا أرى فيه قنوتًا، ولا في رمضان). ((الاستذكار)) (2/76)، وينظر: (( الكافي)) لابن عبد البر (1/256).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن الحسنِ بن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه قال: ((عَلَّمني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كلماتٍ أقولهنَّ في قُنوتِ الوِترِ: اللهمَّ اهْدِني فيمَن هدَيْت، وعافِني فيمَن عافَيْت، وتولَّني فيمَن تولَّيْت، وباركْ لي فيما أَعطَيْت، وقِني شَرَّ ما قَضَيْت؛ فإنَّك تَقْضِي ولا يُقْضَى عليك، وإنَّه لا يَذلُّ مَن والَيْت، تباركتَ ربَّنا وتَعالَيْت )) رواه أبو داود (1425)، والترمذي (464)، والنسائي (3/248)، وابن ماجه (1178)، وأحمد (1/199) (1718)، وزاد البيهقي (2/209) (3263): ((ولا يَعزُّ مَن عادَيْت)). قال الترمذيُّ: حسنٌ لا نعرفه إلَّا مِن هذا الوجه. وقال ابنُ عبد البرِّ في ((التمهيد)) (2/285): رُوي من طُرق ثابتة. وصحَّح إسنادَه النوويُّ في ((الخلاصة)) (1/455)، وقال ابن الملقِّن في ((خلاصة البدر المنير)) (1/128): إسنادُه على شرْط الصَّحيح، وقال ابنُ حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/147): حسن صحيحٌ. وقال السَّخاويُّ في ((القول البديع)) (261): سندُه صحيحٌ أو حسن. وقال الشوكانيُّ في ((تحفة الذاكرين)) (215): أقلُّ أحواله إذا لم يكُن صحيحًا أن يكون حسنًا. وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيق ((المحلى)) (4/147)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1425)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (319). قال الإمام أحمد كما في في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (2/18): (لا يصحُّ فيه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيءٌ)، لكنه لَمَّا قِيل له: تختار من القنوت شيئًا، قال: ما جاء في الحديثِ، فلا بأسَ به. ((مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني)) (ص: 71). والحديث يؤيِّده فِعلُ السَّلف، كما قال ابن عبد البر: (لا يصحُّ عن النبيِّ عليه السلام في القنوت في الوترِ حديثٌ مسنَد، وأمَّا عن الصحابة فرُويَ ذلك عن جماعةٍ). ((الاستذكار)) (2/77).
ثانيًا: مِن الآثار يُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/77). وقال ابنُ القيِّم: (القنوتُ في الوتر محفوظٌ عن عُمرَ، وابنِ مسعودٍ، والرِّواية عنهم أصحُّ من القنوت في الفجر، والرِّواية عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قنوت الفجر، أصحُّ مِن الرِّواية في قنوت الوتر، والله أعلمُ). ((زاد المعاد)) (1/335).
1- عن إبراهيمَ، عن عَلقمةَ، قال: (إنَّ ابنَ مسعودٍ وأصحابَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانوا يَقنُتونَ في الوترِ قبلَ الرُّكوعِ) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (2/302). حسَّن إسنادَه ابنُ حجر في ((الدراية)) (1/194)، وجوَّد إسنادَه الألبانيُّ في ((إرواء الغليل)) (2/166) وقال: على شَرْط مسلم.
2- عن عبدِ الرحمنِ بنِ الأسودِ، عن أبيه، قال: (كان ابنُ مسعودٍ لا يَقنُتُ في شيءٍ من الصَّلواتِ إلَّا في الوتر قبلَ الركوعِ) رواه ابنُ أبي شَيبة في ((المصنف)) (2/302)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (11/366)، والطبرانيُّ (9/272) (9165) حسَّن إسنادَه الهيثميُّ في ((مَجمَع الزوائد)) (2/140)، وصحَّحه ابن حجر في ((الدراية)) (1/193)، وصحَّح إسنادَه العيني في ((نخب الأفكار)) (4/383)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (2/166).
المَسألةُ الثانية: وقتُ قنوتِ الوترِ
يُشرَعُ القُنوتُ في الوترِ ومِنْ أهْلِ العِلْمِ من ذهب إلى أنَّ القُنوتَ يُشْرَع في الوِتْر في النِّصْف الآخِرِ من شَهْرِ رمَضانَ، وهذا مذهَبُ الشافعيَّة، ورواية عن أحمد، ورُوِيَ ذلك عن عليٍّ وأُبيٍّ، وبه قال ابن سيرين، وسعيد بن أبي الحسن، والزهري، ويحيى بن وثاب، ومالك. ينظر: ((المجموع)) للنووي (4/24)، ((المغني)) لابن قدامة (2/111). في جميعِ السَّنةِ يستحبُّ ترْكُ المداومةِ على القنوتِ في كلِّ ليلةٍ، فيستحبُّ أن يقنتَ أحيانًا ويترُك القنوت أحيانًا. قال المرداويُّ: (استحبَّ الإمام أحمدُ ترْكَ القنوت في الوتر؛ تأليفًا للمأموم) ((الإنصاف)) (2/37). وقال ابنُ عُثيمين: (وأمَّا القنوت في الوِتْرِ فليس بواجِبٍ، والذي يَنبغي للإنسانِ ألَّا يداومَ عليه، بل يقْنُت أحيانًا، ويتْرُك أحيانًا) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/161). وقال الألبانيُّ: (إنما قلنا: كان يقنُت أحيانًا؛ لأنَّنا تتبَّعْنا الأحاديثَ الواردةَ في إيتارِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وهي كثيرة- فوجدْنا أكثَرَها لا تتعرَّض لذِكر القنوت مطلقًا- كأحاديثِ عائشةَ، وابنِ عبَّاس، وغيرهما، ومقتضى الجمع بينها وبين حديث أُبَيٍّ وما في معناه: أن يُقال: إنَّه كان يقنُت أحيانًا، ويدَعُ أحيانًا؛ إذ لو كان يقنُت دائمًا، لَمَا خَفِيَ ذلك على أكثَرِ الصحابة الذين رَوَوْا إيتارَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((أصل صفة صلاة النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) (3/970). ، وهذا مذهبُ الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشلبي)) (1/170)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/428). ، والحَنابِلَة ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/554)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/111). ، ووجهٌ عندَ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/15). قوَّاه النوويُّ قال النوويُّ: (يُستَحَبُّ في الوِتْر في جميع السَّنَة، وهو قول أربعة من كِبار أصحابنا، أي: عبد الله الزبيري، وأبي الوليد النيسابوري، وأبي الفضل بن عبدان، وأبي منصور بن مهران، وهذا الوجهُ قويٌّ في الدليل؛ لحديثِ الحسنِ بن عليٍّ رضي الله عنهما السَّابق في القنوت). ((المجموع)) (4/15). ، وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلفِ قال الترمذيُّ: (فرأى عبدُ الله بن مسعود القنوتَ في الوِتْر في السَّنة كلِّها، واختار القنوتَ قبل الركوع، وهو قول بعض أهل العِلم، وبه يقول سفيانُ الثوريُّ، وابنُ المباركِ، وإسحاقُ، «وأهل الكوفة»). ((سنن الترمذي)) (2/328). وقال ابنُ قُدامة: (القنوتُ مسنونٌ في الوِتْر، في الركعة الواحِدة، في جميع السَّنَة؛ هذا المنصوصُ عند أصحابِنا، وهذا قولُ ابن مسعودٍ، وإبراهيم، وإسحاق، وأصحابِ الرَّأي، ورُوي ذلك عن الحسَن). ((المغني)) (2/111). وقال النوويُّ: (حُكيَ عن ابن مسعودٍ، والحسنِ البصريِّ، والنَّخَعيِّ، وإسحاقَ، وأبي ثور: أنَّهم قالوا: يقنت فيه في كلِّ السَّنة، وهو مذهبُ أبي حنيفة، وهو رواية عن أحمد، وقال به جماعةٌ من أصحابنا). ((المجموع)) (4/24). ، واختارَه ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (القنوت فِعلٌ حسَن، وهو بعد الرَّفع من الركوع في آخِر ركعةٍ من كلِّ صلاة، فرْض الصَّبح وغير الصبح، وفي الوتر؛ فمَن تركه فلا شيءَ عليه في ذلك). ((المحلى)) (3/54). ،واختارَه ابنُ باز قال ابن باز: (القنوتُ سُنَّة في الوترِ، وإذا ترَكَه في بعضِ الأحيان، فلا بأس). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/32). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (القنوتُ في الوترِ سُنَّة، لكن الاستمرار عليه دائمًا ليس من السُّنَّة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/176). ، والألبانيُّ قال الألبانيُّ: (وكذلك كان لا يخصُّه بالنِّصفِ الأخير من رمضان، والحُجَّة في ذلك: أنَّ الأحاديث الواردة فيه مطلقةٌ غير مقيَّدة) ((أصل صفة صلاة النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) (3/969).
الأَدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
عن الحسنِ بن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه قال: ((عَلَّمني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كلماتٍ أقولهنَّ في قُنوتِ الوِترِ: اللهمَّ اهْدِني فيمَن هدَيْت، وعافِني فيمَن عافَيْت، وتولَّني فيمَن تولَّيْت، وباركْ لي فيما أَعطَيْت، وقِني شَرَّ ما قَضَيْت؛ فإنَّك تَقْضِي ولا يُقْضَى عليك، وإنَّه لا يَذلُّ مَن والَيْت، تباركتَ ربَّنا وتَعالَيْت )) رواه أبو داود (1425)، والترمذي (464)، والنسائي (3/248)، وابن ماجه (975)، وأحمد (1/199) (1718)، وزاد البيهقي (2/209) (3263): ((ولا يَعزُّ مَن عادَيْت)). قال الترمذيُّ: حسنٌ لا نعرفه إلَّا مِن هذا الوجه. وقال ابنُ عبد البرِّ في ((التمهيد)) (2/285): رُوي من طُرق ثابتة. وصحَّح إسنادَه النوويُّ في ((الخلاصة)) (1/455)، وقال ابن الملقِّن في ((خلاصة البدر المنير)) (1/128): إسناده على شرط الصَّحيح. وقال ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/147): حسنٌ صحيح. وقال السخاويُّ في ((القول البديع)) (261): سندُه صحيحٌ أو حسن. وقال الشوكاني في ((تحفة الذاكرين)) (215): أقلُّ أحواله إذا لم يكُن صحيحًا أن يكون حسنًا. وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيق ((المحلى)) (4/147)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (1425)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (319). قال الإمام أحمد كما في في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (2/18): (لا يصحُّ فيه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيءٌ)، لكنَّه لَمَّا قيل له: تختارُ من القنوت شيئًا؟ قال: ما جاءَ في الحديثِ فلا بأسَ به. ((مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني)) (ص: 71). والحديثُ يؤيِّده فِعلُ السَّلف كما قال ابنُ عبد البر: (لا يصحُّ عن النبيِّ عليه السلام في القنوتِ في الوترِ حديثٌ مسنَد، وأمَّا عن الصحابة فرُوي ذلك عن جماعةٍ). ((الاستذكار)) (2/77).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الحديثَ لم يخصَّ القنوتَ بوقتٍ دونَ آخرَ.
ثانيَّا: مِن الآثار
عن عَلقمةَ: (أنَّ ابنَ مسعودٍ وأصحابَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانوا يَقنُتونَ في الوترِ قبلَ الرُّكوعِ) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (2/302). حسَّن إسنادَه ابنُ حجر في ((الدراية)) (1/194)، وجوَّد إسنادَه الألباني في ((إرواء الغليل)) (2/166) وقال: على شرْط مسلم. قال ابنُ عبد البرِّ: (لا يصحُّ عن النبيِّ عليه السَّلام في القنوت في الوترِ حديثٌ مسنَد، وأمَّا عن الصَّحابة فرُوي ذلك عن جماعة... فبهذا احتجَّ مَن أجاز القنوتَ في الوتر من قيام رمضان النِّصف الآخر منه؛ لأنَّه عمَّن ذكَرْنا من جِلَّة الصحابة، وهو عملٌ ظاهر بالمدينة في ذلك الزَّمان في رمضان لم يأتِ عن أحدٍ منهم إنكارُه). ((الاستذكار)) (2/77). وقال ابن القيِّم: (القنوتُ في الوتر محفوظٌ عن عُمرَ، وابن مسعود، والرِّواية عنهم أصحُّ من القنوت في الفجر، والرِّواية عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قنوت الفجر، أصحُّ من الرِّواية في قنوتِ الوتر، والله أعلم). ((زاد المعاد)) (1/335).
ثالثًا: أنَّه وترٌ، فيُشرع فيه القنوتُ، كالنِّصفِ الآخِرِ من رَمضانَ ((المغني)) لابن قدامة (2/112).
رابعًا: أنَّه ذِكرٌ يُشرَعُ في الوترِ؛ فيُشرَعُ في جميعِ السَّنَةِ، كسائرِ الأذكارِ ((المغني)) لابن قدامة (2/112).
المَسألةُ الثالثة: التأمينُ خلفَ الإمامِ في قُنوتِ الوترِ
يُشرَعُ التأمينُ خلفَ الإمامِ في قُنوتِ الوترِ، وهو مذهبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (3/493)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/167). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/241)، وينظر: ((مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني)) (ص: 96)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (2/196). ، وهو قولٌ للحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نُجيم (2/48)، ((الدر المختار)) للحصكفي، مع ((حاشية ابن عابدين)) (2/8). ، واختاره ابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (أمَّا التأمين على دُعاء القنوت، فإنَّه أيضًا بالقياسِ على التأمينِ على قِراءة الفاتحةِ يكونُ مشروعًا). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (13/139). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمة في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: (يُشرَعُ التأمينُ على الدُّعاءِ في القُنوتِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (7/48). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ قُدامة: (إذا أخَذ الإمام في القنوت، أمَّن مَن خَلْفَه، لا نعلم فيه خلافًا، وقاله إسحاقُ، وقال القاضي: وإنْ دعَوا معه فلا بأسَ. وقيل لأحمد: إذا لم أسمعْ قُنوتَ الإمامِ أدْعو؟ قال: نعمْ، فيَرفع يديه في حالِ القنوتِ). ((المغني)) (2/113، 114).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((قنَتَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شهرًا متتابعًا في الظهرِ والعصرِ والمغربِ والعِشاءِ وصلاةِ الصُّبحِ، في دُبرِ كلِّ صلاةٍ، إذا قال: سمِعَ اللهُ لِمَن حمِدَه من الركعةِ الآخِرة، يدعو على أحياءٍ مِن بني سُليمٍ؛ على رِعْلٍ وذَكوانَ وعُصيَّةَ، ويُؤمِّنُ مَن خَلْفَه )) رواه أبو داود (1443)، وأحمد (1/301) (2746)، وابن الجارود في ((المنتقى)) (198)، وابن خزيمة في ((الصحيح)) (618) صحَّح إسنادَه ابن جرير في ((تفسيره)) (1/316)، وقال النووي في ((المجموع)) (3/502): إسناده حسن أو صحيح، وحسنه ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (2/288)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (2/400): ليس في إسناده مطعن إلا هلال بن خباب فإن فيه مقالا وقد وثقه أحمد وابن معين وغيرهما، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((المسند)) (4/263)، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1443).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لا فَرقَ بين قُنوتِ النازلةِ وبين قُنوتِ الوترِ؛ لأنَّ الكلَّ دُعاءُ قنوتٍ من الإمامِ في الصلاة جهرًا؛ فيُستحبُّ التأمينُ عليه ((المجموع)) للنووي (3/502).
ثانيًا: أنَّ الإمامَ إنَّما يَجهرُ بالدعاءِ؛ ليسمعَ المأموم حتَّى يُؤمِّنَ، وإلَّا لم يكُن ثَمَّ فائدةٌ مِن جهْرِه قال ابنُ القيِّم: (سُئِل أحمدُ عن الرجل يقنُتُ في بيته أُيعجبك يجهرُ بالدُّعاء في القنوت أو يسرُّه؟ قال: "يُسرُّه؛ وذلك أنَّ الإمام إنَّما يجهَرُ ليؤمِّن المأمومُ") ((بدائع الفوائد)) (4/113).
المَسألةُ الرابعة: محلُّ القُنوتِ في الوترِ 
محلُّ القنوتِ في الركعةِ الأخيرةِ مِن الوترِ، بعدَ الركوعِ، ويجوزُ قَبْلَه، وهذا مذهبُ الحَنابِلَةِ الأفضل عندَهم القنوتُ بعد الركوع، مع جوازِ القنوت قَبْلَه. ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/554)، ويُنظر: ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (2/189). ، وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلف وقال ابنُ المنذر: (وقال أنسُ بن مالك: كلُّ ذلك كنَّا نفعل قَبلُ وبعدُ، وممَّن رأى أنْ يقنت بعد الركوع: أيوب السِّخْتياني، وأحمدُ بن حنبل، ورُوي هذا القول عن الحسن البصريِّ والحَكم، وحمَّاد، وأبي إسحاق). ((الأوسط)) (5/211)، وينظر: ((الإشراف)) لابن المنذر (2/272). ، وهو قولُ فُقهاءِ أهلِ الحديثِ قال ابنُ تَيميَّة: (وأمَّا فقهاء أهل الحديث كأحمدَ وغيرِه فيُجوِّزون كِلَا الأمرين؛ لمجيء السُّنة الصَّحيحة بهما، وإن اختاروا القنوتَ بعد الركوع؛ لأنَّه أكثرُ وأقيَسُ، فإنَّ سماع الدعاء مناسبٌ لقولِ العبد سمِعَ الله لِمَن حمِده؛ فإنَّه يُشرَع الثناءُ على الله قبلَ دُعائِه كما بُنِيتْ فاتحةُ الكتاب على ذلك؛ أوَّلها ثناءٌ، وآخِرها دُعاء). ((مجموع الفتاوى)) (23/100). ، واختارَه ابنُ حجرٍ قال ابنُ حجر: (ومجموعُ ما جاء عن أنسٍ من ذلك: أنَّ القنوت للحاجة بعدَ الركوع لا خِلافَ عنه في ذلك، وأمَّا لغير الحاجة فالصحيحُ عنه أنه قبلَ الركوع، وقد اختَلَف عملُ الصَّحابة في ذلك، والظاهر أنَّه من الاختلافِ المباح) ((فتح الباري)) (2/491). ، وابنُ باز قال ابن باز: (ثبَت أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قنَتَ قبل الركوع، وقنَت بعد الركوع، والأكثرُ أنَّه قنَت بعدَ الركوع). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/357). , وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (وقوله: «فيها»، أي: في الركعة الثَّالثة بعدَ الركوعِ، هذا هو الأفضلُ، وإنْ قنَت قَبْلَه فلا بأس، فإذا أتمَّ القراءةَ قنَت ثم كبَّر ورَكعَ، فهذا جائزٌ أيضًا) ((الشرح الممتع)) (4/18).
الأدلَّة:
أدلَّةُ أفضليَّة القُنوتِ بعدَ الرُّكوعِ:
أولًا: من الآثار
1- عن عبدِ الرحمنِ بن عبدٍ القاريِّ؛ أنَّه قال: (خرجتُ مع عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه ليلةً في رمضانَ إلى المسجدِ، فإذا الناسُ أوزاعٌ متفرِّقون؛ يُصلِّي الرجل لنَفْسِه، ويُصلِّي الرجُلُ فيُصلِّي بصلاتِه الرهطُ، فقال عمر: إنِّي أرى لو جمعتُ هؤلاءِ على قارئٍ واحد، لكان أمثلَ، ثم عزَمَ، فجمَعَهم على أُبيِّ بن كعبٍ، ثم خرجتُ معه ليلةً أخرى والناسُ يُصلُّونَ بصلاةِ قارئِهم، قال عُمرُ: نِعمَ البدعةُ هذه، والتي يَنامون عنها أفضلُ مِن التي يقومون- يريد: آخِرَ الليل- وكان الناسُ يقومون أوَّلَه، وكانوا يَلْعَنونَ الكَفرةَ في النِّصفِ: اللهمَّ قاتلِ الكفرةَ الذين يَصدُّونَ عن سَبيلِك، ويُكذِّبون رُسلَك، ولا يُؤمِنون بوعدِك، وخالِفْ بين كلمتِهم، وألْقِ في قلوبِهم الرُّعبَ، وألْقِ عليهم رِجزَك وعذابَك، إلهَ الحقِّ، ثم يُصلِّي على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويَدعو للمسلمين بما استطاعَ من خيرٍ، ثم يَستغفرُ للمؤمنين، قال: وكان يقولُ إذا فرغَ مِن لَعْنه الكفرةَ وصلاتِه على النبيِّ واستغفارِه للمؤمنينَ والمؤمناتِ ومسألتِه: اللهمَّ إيَّاك نَعبُدُ، ولك نُصلِّي ونَسجُد، وإليكَ نَسعَى ونَحفِد، ونرجو رحمتَك ربَّنا، ونخاف عذابَك الجِدَّ؛ إنَّ عذابَك لِمَن عاديتَ مُلحِق، ثم يُكبِّر ويَهوي ساجدًا) رواه ابنُ خُزيمة (1100)، وأصله في ((صحيح البُخاري)) (2010) بدون الدعاء، وحسَّن إسنادَه ابن حجر ((التلخيص الحبير)) (2/515)، وصحَّح إسنادَه الألبانيُّ في تخريجه لصحيح ابن خزيمة (1100).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
في قوله: ((ثم يُكبِّر ويَهوي ساجدًا)) أنَّ دعاء القنوت في الوترِ كان بعدَ الركوع؛ فلوَ كان الدعاءُ بعدَ القراءةِ لكبَّر للركوعِ لا للسُّجودِ.
2- عن أبي رافعٍ مولى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: (صلَّيتُ خَلفَ عمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فقَنَتَ بعدَ الرُّكوعِ، ورفعَ يديهِ وجَهَرَ بالدُّعاءِ) رواه عبد الرزاق في ((المصنف)) (4980)، والطبري في ((تهذيب الآثار)) (585)، والبيهقيُّ في ((السنن الكبرى)) (2/212) باختلاف يسير بينهم وصحَّحه البيهقي.
3- عن أبي عُثمانَ النَّهديِّ عن عُمرَ: (أنَّهُ كانَ يَقنتُ بعدَ الرُّكوعِ) رواه ابن أبي شيبة (2/313)- وفيه زيادة أنَّ ذلك كان في صَلاةِ الصُّبْحِ- والبخاري في ((قرة العين برفع اليدين)) (94)، والطبري في ((تهذيب الآثار- مسند ابن عباس)) (1/ 351)، والبيهقيُّ في ((السنن الكبرى)) (2/212). وصحَّحه البيهقيُّ، وقال أحمد شاكر في تحقيق ((المحلى)) 4/141: من أصحِّ الأسانيدِ على الإطلاق.
4- عن العَوَّامِ بنِ حمزةَ، قال: سألتُ أبا عثمانَ عن القُنوتِ، فقال: بعدَ الركوعِ، فقلتُ: عمَّن؟ فقال: عن أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ رواه ابن أبي شيبة (2/312)، وأحمد في ((سؤالات الأثرم)) (16)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (2/202). وحسَّن إسنادَه الألبانيُّ في ((الإرواء)) (2/146).
ثانيًا: القياسُ على ما ثبَتَ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من القنوتِ بعدَ الرَّفعِ من الركوعِ في الفجرِ في قُنوتِ النَّوازلِ سُئِل الإمامُ أحمد عن القنوت في الوتر قبل الركوع أم بَعدَه، وهل تُرفع الأيدي في الدُّعاء في الوتر؟ فقال: (القنوتُ بعد الركوع، ويرفَعُ يديه، وذلك على قياسِ فِعل النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في القنوت في الغَداة). ((مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني)) (ص: 66). وقال عبدُ الله بنُ أحمدَ بنِ حنبل: (قال سمعتُ أبي يقول: أختارُ القنوت بعدَ الركعةِ؛ لأنَّ كلَّ شيء يثبُت عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في القنوت إنَّما هو في الفجرِ لَمَّا رفع رأسه من الركعة، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اللهمَّ أنجِ الوليدَ بن الوليد، وسَلمةَ بن هشامٍ، وقنوت الوتر أيضًا أختارُه بعد الركوع). ((مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله)) (ص: 91).
ثالثًا: أنَّ سماعَ الدُّعاء مناسبٌ لقول العبد: سمِع الله لِمَن حمِدَه؛ فإنَّه يُشرَعُ الثَّناءُ على اللهِ قبلَ دُعائِه، كما بُنِيتْ فاتحةُ الكتابِ على ذلِك؛ أوَّلها ثناءٌ، وآخِرُها دعاء ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/100).
أدلَّة جوازِ القنوتِ قبلَ الرُّكوعِ:
1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (سُئلَ عن القنوتِ في صلاةِ الصُّبحِ، فقال: كنَّا نَقنُتُ قبلَ الركوعِ وبَعدَه ) رواه ابن ماجه (1183) صحَّح إسنادَه ابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (3/630)، وقوَّى إسنادَه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (2/569)، وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (979).
2- عن عَلقمةَ: (أنَّ ابنَ مسعودٍ وأصحابَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانوا يَقنُتونَ في الوترِ قبلَ الركوع) رواه ابنُ أبي شيبة في ((المصنف)) (2/302). حسَّن إسنادَه ابنُ حجر في ((الدراية)) (1/194)، وجود إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (2/166)، وقال: على شرْط مسلم.
المسألةُ الخامسة: الأدعية الواردةُ في دُعاءِ القُنوتِ
1- عن الحسنِ بن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه قال: ((عَلَّمني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كلماتٍ أقولهنَّ في قُنوتِ الوِترِ: اللهمَّ اهْدِني فيمَن هدَيْت، وعافِني فيمَن عافَيْت، وتولَّني فيمَن تولَّيْت، وباركْ لي فيما أَعطَيْت، وقِني شَرَّ ما قَضَيْت؛ فإنَّك تَقْضِي ولا يُقْضَى عليك، وإنَّه لا يَذلُّ مَن والَيْت، تباركتَ ربَّنا وتَعالَيْت )) رواه أبو داود (1425)، والترمذي (464)، والنسائي (3/248)، وابن ماجه (1178)، وأحمد (1/199) (1718). وزاد البيهقيُّ (2/209) (3263): ((ولا يَعزُّ من عاديت)). قال الترمذيُّ: حسنٌ لا نعرفه إلَّا مِن هذا الوجه. وقال ابنُ عبد البرِّ في ((التمهيد)) (2/285): رُوي من طُرق ثابتة. وصحَّح إسنادَه النوويُّ في ((الخلاصة)) (1/455)، وقال ابن الملقِّن في ((خلاصة البدر المنير)) (1/128): إسناده على شرط الصَّحيح. وقال ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/147): حسنٌ صحيح. وقال السخاويُّ في ((القول البديع)) (261): سندُه صحيحٌ أو حسن. وقال الشوكاني في ((تحفة الذاكرين)) (215): أقلُّ أحواله إذا لم يكُن صحيحًا أن يكون حسنًا. وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيق ((المحلى)) (4/147)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (1425)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (319). قال الإمام أحمد كما في في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (2/18): (لا يصحُّ فيه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيءٌ)، لكنَّه لَمَّا قيل له: تختارُ من القنوت شيئًا؟ قال: ما جاءَ في الحديثِ فلا بأسَ به. ((مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني)) (ص: 71). والحديثُ يؤيِّده فِعلُ السَّلف كما قال ابنُ عبد البر: (لا يصحُّ عن النبيِّ عليه السلام في القنوتِ في الوترِ حديثٌ مسنَد، وأمَّا عن الصحابة فرُوي ذلك عن جماعةٍ). ((الاستذكار)) (2/77).
2- عن عليِّ بن أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كان يقولُ في آخِر وترِه: (اللهمَّ إنِّي أعوذُ برِضاك من سخطِك، وبمعافاتِك من عقوبتِك، وأعوذ بكَ مِنك، لا أُحصي ثناءً عليك، أنتَ كما أثنيتَ على نفْسِك أوردَه أبو داود في: (باب القنوت في الوتر)، وهو ظاهرُ ترجمةِ النَّسائي؛ حيث أورده في: (باب الدعاء في الوتر)، وأورد قَبْله حديث: ((اللهمَّ اهدِني فيمَن هَدَيْت)). قال ابنُ القيِّم: (هذا يحتمل أنَّه قبل فراغه منه وبعدَه، وفي إحدى الرِّوايات عن النَّسائي: كان يقول إذا فرَغَ من صلاته، وتبوَّأ مضجعَه، وفي هذه الرِّواية: «لا أُحصي ثناءً عليك ولو حرصتُ»، وثبَت عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال ذلك في السُّجود؛ فلعلَّه قاله في الصَّلاة وبعدها). ((زاد المعاد)) (1/336). )) رواه أبو داود (1427)، والترمذي (3566)، والنسائي (3/248)، وابن ماجه (976)، وأحمد (1/96) (751). قال الترمذي: حسنٌ غريبٌ. وقال النوويُّ في ((الخلاصة)) (1/563): إسنادُه حسنٌ أو صحيح. وصحَّحه ابنُ حجر في ((نتائج الأفكار)) (3/25)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (1427)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (971)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((المسند)) (2/109).
3- عن عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ: (...وكان الناسُ يقومون أوَّلَه، وكانوا يَلْعَنونَ الكَفرةَ في النِّصفِ: اللهمَّ قاتلِ الكفرةَ الذين يَصدُّونَ عن سَبيلِك، ويُكذِّبون رُسلَك، ولا يُؤمِنون بوعدِك، وخالِفْ بين كلمتِهم، وألْقِ في قلوبِهم الرُّعبَ، وألْقِ عليهم رِجزَك وعذابَك، إلهَ الحقِّ، ثم يُصلِّي على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويَدعو للمسلمين بما استطاعَ من خيرٍ، ثم يَستغفرُ للمؤمنين، قال: وكان يقولُ إذا فرغَ مِن لَعْنه الكفرةَ وصلاتِه على النبيِّ واستغفارِه للمؤمنينَ والمؤمناتِ ومسألتِه: اللهمَّ إيَّاك نَعبُدُ، ولك نُصلِّي ونَسجُد، وإليكَ نَسعَى ونَحفِد، ونرجو رحمتَك ربَّنا، ونخاف عذابَك الجِدَّ؛ إنَّ عذابَك لِمَن عاديتَ مُلحِق، ثم يُكبِّر ويَهوي ساجدًا) رواه ابن خزيمة (1100) وأصله في صحيح البخاريِّ (2010)، وحسَّن إسنادَه ابن حجر ((التلخيص الحبير)) (2/515)، وصحَّح إسنادَه الألبانيُّ في تخريجه لـ ((صحيح ابن خزيمة)) (2/155).
4- عن عطاءٍ: (أنَّه سمِعَ عُبيدَ بنَ عُمَيرٍ يأثُرُ عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ في القنوتِ (في الوتر) أنَّه كان يقولُ: اللهمَّ اغفرْ للمؤمنين والمؤمناتِ، والمسلمين والمسلمات، وألِّف بين قلوبِهم، وأصلِحْ ذاتَ بينهم، وانصُرْهم على عدوِّك وعدوِّهم، اللهمَّ الْعنَ كَفرةَ أهلِ الكتابِ الذين يُكذِّبونَ رُسلَك ويُقاتلون أَولياءَك، اللهمَّ خالِفْ بين كلمتِهم، وزَلْزِلْ أقدامَهم، وأَنْزِلْ بهم بأسَك الذي لا تَردُّه عن القومِ المجرمِينَ، بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، اللهمَّ إنَّا نَستعينُك ونَستغفِرُك، ونُثني عليكَ ولا نَكفُرك، ونَخْلَعُ ونَترُك مَن يَفْجُرك، بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، اللهمَّ إيَّاك نَعبُد، ولكَ نُصلِّي ونَسجُد، وإليك نَسعَى ونَحفِد، نَرجو رَحمتَك ونخافُ عذابَك؛ إنَّ عذابَك بالكفَّارِ مُلحِق) رواه عبد الرزاق في ((المصنف)) (3/111)، والبيهقي (2/210) (3268). قال البيهقيُّ: صحيحٌ موصول، وقال ابن الملقِّن في ((تحفة المحتاج)) (1/410): صحيحٌ أو حسن، رُوي بعضه مرفوعًا مرسلًا، وصحَّحه موقوفًا ابنُ حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/158).
المسألةُ السادسة: رفْعُ اليدينِ في دُعاء القُنوتِ
يُستحبُّ رفْعُ اليدينِ في دُعاءِ القنوتِ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة على الصَّحيح ((المجموع)) للنووي (3/500، 507)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/255). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/123) ((الإقناع)) للحجاوي (1/147)، وينظر: ((مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني)) (ص: 66)، ((مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله)) (ص: 95)، ((المغني)) لابن قدامة (2/113). ، وروايةٌ عن أبي يُوسفَ ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/430). ، وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلفِ قال ابن المنذر: (رُوِّينا عن عمرَ بن الخطاب، وابن مسعود، وابن عبَّاس، أنَّهم كانوا يرفعون أيديَهم في القنوت، وبه قال أحمدُ، وإسحاق، وأصحاب الرأي). ((الإشراف)) (2/273). وقال ابنُ رجب: (يَستَدِلُّ بهذا القول مَن قال: إنَّه يرفع يديه في القنوت في الصَّلاة، وهو قول النَّخَعيِّ، والثوريِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ، ومالك، والأوزاعي- في رواية عنهما- وهو الصحيحُ عند أكثرِ أصحاب الشافعيِّ. ومنهم مَن قال: يرفعهما أوَّلًا لتكبيرِ القنوت، ثم يُرسلهما، وهو قول أبي حنيفة، والليث بن سعد، والحسن بن حيٍّ. وقالت طائفةٌ: لا يَرفعُهما أصلًا. ورُوي رفْع اليدين في القنوت عن عُمرَ، وابن مسعود، وابن عبَّاس، وأبي هريرة). ((فتح الباري)) (6/424، 425). ، واختارَه ابنُ باز قال ابنُ باز: (يُشرَع رفعُ اليدين في قنوت الوترِ؛ لأنَّه من جنس القنوتِ في النوازل، وقد ثبَت عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه رفَع يديه حين دُعائه في قنوتِ النَّوازل. خرَّجه البيهقي رحمه الله بإسنادٍ صحيح). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/51). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عثيمين: (من السُّنة أن يرفعَ الإنسانُ يديه عند دعاء القُنوتِ؛ لأنَّ ذلك واردٌ عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قنوتِه حين كان يقنُت في الفرائِضِ عند النوازلِ، وكذلك صحَّ عن أمير المؤمنين عُمرَ بن الخطَّاب رضي الله عنه رفْعُ اليدين في قنوت الوتر، وهو أحدُ الخلفاء الراشدين الذين أُمِرْنا باتِّباعِهم؛ فرَفْعُ اليدين عند قنوت الوتر سُنَّة، سواء كان إمامًا، أو مأمومًا، أو منفردًا، فكلَّما قنتَّ فارفعْ يديك). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/136، 137). ، والألبانيُّ ((أصل صفة صلاة النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) (957).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن عبدِ الرحمنِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كنتُ أَرْتمي بأَسهُمٍ لي بالمدينةِ في حياةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذ كسفَتِ الشمسُ فنبذتُها، فقلتُ: والله، لأنظرنَّ إلى ما حدَثَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في كسوفِ الشَّمسِ، قال: فأتيتُه وهو قائمٌ في الصَّلاةِ، رافعًا يديه، فجَعَل يُسبِّحُ ويُهلِّلُ ويُكبِّر، ويدعو حتى حُسِرَ عنها، فلمَّا حُسِرَ عنها قرأَ سورتين، وصلَّى رَكعتينِ )) رواه مسلم (913).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ رفْعَ اليدينِ في الدُّعاءِ في الصَّلاةِ يدلُّ على مشروعيَّة رفْعِ اليدينِ في القنوتِ ينظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (6/424).
2- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه في قِصَّة القُرَّاء وقتْلهم، قال: ((لقد رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كلَّما صلَّى الغداةَ رفَعَ يَديهِ يَدْعو عليهم، يَعني: على الذين قَتلوهم)) رواه أبو عوانة في ((المستخرج)) (7343)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3793)، البيهقي (2/211) (3270). قال النوويُّ في ((المجموع)) (3/500): إسنادُه صحيحٌ أو حسَن، وجوَّد إسنادَه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (1/240)، وابن الملقِّن في ((تحفة المحتاج)) (1/307).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ رفْع اليدينِ في الحديثِ وإنْ كانَ في قنوتِ النوازلِ إلَّا أنَّ قنوتَ الوترِ مِن جنسِ قنوتِ النوازلِ ((السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي)) (2/211).
3- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قال: ((إنَّ الله تعالى طيِّبٌ لا يَقبَلُ إلَّا طيِّبًا, وإنَّ اللهَ أمرَ المؤمنين بما أمَرَ به المرسلين، فقال سبحانه:  يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون: 51] ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 172] ، ثم ذَكَر الرجلَ يُطيلُ السَّفر أشعثَ أغبرَ، يمدُّ يديه إلى السَّماء: يا ربِّ، يا ربِّ، ومطعمُه حرامٌ، ومَشرَبُه حرامٌ، ومَلبَسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرامِ؛ فأنَّى يُستجابُ لذلك ؟!)) رواه مسلم (1015).
4- عن سلمانَ الفارسيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إنَّ اللهَ حييٌّ كريم؛ يَستحيي إذا رفَعَ الرجُلُ إليه يَديهِ أن يَردَّهما صفرًا خائِبتَينِ )) رواه أبو داود (1488)، والترمذي (3556)، وابن ماجه(3865)، وأحمد (5/438) (23765). قال الترمذيُّ: حسنٌ غريب، ورواه بعضُهم ولم يرفعْه. وصحَّحه الذهبي في كتاب ((العرش)) (59)، وحسَّنه ابن حجر في ((الأمالي الحلبية)) (1/126)، وجوَّد إسنادَه الصنعانيُّ في ((العدة على الإحكام)) (3/36)، وصحَّحه ابنُ باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (9/156)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3556).
وجه الدَّلالةِ من الحديثينِ:
أنَّ قُنوتَ الوترِ دعاءٌ؛ فيَدخُلُ في عمومِ النصوصِ التي فيها استحبابُ رفْعِ اليدينِ عندَ الدُّعاءِ ما دام أنَّه لم يرِدْ فيه ما يدلُّ على منْعِ رفْعِ اليدينِ ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 122).
ثانيًا: أنَّ عددًا من الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم رفَعوا أيديَهم في القنوتِ قال البيهقيُّ: (والحديثُ في الدُّعاءِ جُمْلةً إلاَّ أنَّ عددًا من الصَّحابة رضي الله عنهم رفَعوا أيديهم في القنوتِ، مع ما رُوِّيناه عن أنسِ بن مالكٍ عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((السنن الكبرى)) (2/211).
فعن أبي رافعٍ مولى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: (صلَّيتُ خَلفَ عمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فقَنَتَ بعدَ الرُّكوعِ، ورفعَ يَديهِ وجَهَرَ بالدُّعاءِ) رواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (2/212) وصحَّحه. قال ابنُ عثيمين: (صحَّ عن عُمرَ بن الخطاب، وعُمر بن الخطاب رضي الله عنه أحدُ الخلفاء الراشدين الذين لهم سُنَّة مُتَّبعة بأمْر النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيرفع يديه) ((الشرح الممتع)) (4/18).
المَسألةُ السابعة: مَسْحُ الوجهِ باليدينِ بعدَ الفراغِ من القنوتِ
لا يُشرَعُ مَسْحُ الوجهِ باليدينِ بعدَ الفراغِ مِنَ الدُّعاءِ في القنوتِ عن عليٍّ الباشانيِّ قال: (سألتُ عبدَ الله- يعني: ابن المبارك- عن الذي إذا دعَا مَسَح وجهَه؟ قال: لم أجدْ له ثبتًا. قال عليٌّ: ولم أرَه يَفعل ذلك. وسُئل عبد الله رحمه الله عن الرجُلِ يَبسُط يديه فيدعو ثم يَمسَحُ بهما وجهَه؟ فقال: كَرِه ذلك سفيانُ). انظر: ((السنن الكبرى)) للبيهقي (2/212). ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة على الصَّحيحِ ((المجموع)) للنووي (3/500، 501)، وينظر: ((الأذكار)) للنووي (ص 61). ، ونصَّ عليه مالكٌ قال ابنُ رشد الجدُّ: (في مسْح الوجه باليدين في الدُّعاء: وسُئِل مالكٌ عن الرجل يمسحُ بكفَّيه وجهَه عند الدعاء وقد بسَطها قبل ذلك؟ فأنكَر ذلك، وقال: ما أَعلمُه. قال محمَّد بن رشد: إنما أنكر ذلك مالكٌ رحمه اللَّهُ؛ لأنَّه رآها بِدعةً؛ إذ لم يأتِ بذلك أثرٌ عن النبي عليه السَّلامُ، ولا مدخلَ فيه للرأي). ((البيان والتحصيل)) (18/49). ، وهو قولٌ للحنفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (5/318).  جاء في حاشية الطَّحطاوي (ص: 251): (في جوامع الفقه: لو بسَط يديه بعد الفراغ منه ومسَح بهما وجهَه، قيل: تفسد صلاتُه. اهـ). ، وروايةٌ عن أحمدَ قال أبو داود: (سمعتُ أحمد سُئل عن الرجل يمسح وجهَه بيده إذا فرَغ في الوتر؟ قال: لم أسمعْ به، وقال مرَّة: لم أسمع فيه بشيءٍ، ورأيتُ أحمد لا يَفعلُه). ((مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني)) (ص: 102)، ((مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله)) (ص: 95)، وينظر: ((جُزء في مسح الوجه بعد الدُّعاء)) لبكر أبو زيد (ص: 84). وقال ابنُ قدامة: (إذا فرغ من القنوت فهلْ يمسح وجهه بيده؟ فيه روايتان: إحداهما: لا يفعل؛ لأنَّه رُوي عن أحمد أنَّه قال: لم أسمع فيه بشيءٍ. ولأنَّه دعاءٌ في الصلاة؛ فلم يستحبَّ مسحُ وجهه فيه، كسائر دعائها. الثانية: يستحبُّ؛ للخبر الذي رُويناه. ورَوى السائبُ بن يزيد: «أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا دعَا رفَع يديه، ومسَح وجهه بيديه». ولأنَّه دعاءٌ يرفع يديه فيه، فيمسح بهما وجهَه، كما لو كان خارجًا عن الصَّلاة، وفارَقَ سائرَ الدُّعاء؛ فإنَّه لا يرفع يديه فيه). ((المغني)) (2/113، 114)، وينظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (2/123). ، واختارَه الآجُريُّ ((الإنصاف)) للمرداوي (2/123). ، وابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (أمَّا مسحُه وجهَه بيديه فليس عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيه إلَّا حديثٌ أو حديثان لا يقومُ بهما حُجَّة). ((مجموع الفتاوى)) (22/519). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (المسحُ للوجه لم يردْ فيه أحاديثُ صحيحةٌ، وإنما ورد فيه أحاديثُ لا تخلو من ضَعْف؛ فلهذا الأرجح والأصحُّ أنَّه لا يمسحُ وجهَه بيديه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (26/138). ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (أمَّا مسح الوجه بعد انتهاء الدُّعاء فليس بسُنَّة، لا في القنوت ولا في غير القنوت) ((جلسات رمضانية)) (رقم الدرس: 23). ويُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/40-41).
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّه عملٌ لم يثبتْ فيه خبرٌ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن عليٍّ الباشانيِّ قال: (سألتُ عبدَ الله- يعني: ابن المبارك- عن الذي إذا دعَا مَسَح وجهَه؟ قال: لم أجدْ له ثبتًا. قال عليٌّ: ولم أرَه يَفعل ذلك). انظر: ((السنن الكبرى)) للبيهقي (2/212)، وقال البيهقيُّ: (فأمَّا مسحُ اليدين بالوجه عند الفراغ من الدُّعاء، فلستُ أحفظه عن أحدٍ من السلف في دعاء القنوت، وإنْ كان يُروَى عن بعضهم في الدعاء خارجَ الصلاة، وقد رُوي فيه عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حديثٌ فيه ضعف، وهو مستعمَلٌ عند بعضهم خارجَ الصلاة، وأمَّا في الصلاة، فهو عمل لم يثبتْ بخبر صحيحٍ، ولا أثر ثابت، ولا قياس؛ فالأَوْلى أنْ لا يفعلَه، ويقتصر على ما فعله السلفُ رضي الله عنهم مِن رفْع اليدين دون مسحِهما بالوجه في الصلاة). ((السنن الكبرى)) (2/212) وينظر: ((المجموع)) للنووي (3/501)، ((جزء في مسح الوجه بعد الدعاء)) لبكر أبو زيد (ص: 100، 102).
ثانيًا: أنَّ النُّصوصَ الثابتةَ في رفْعِ الأيدي للدُّعاءِ كثيرةٌ جدًّا، ولم ترِدْ واقعةُ المسحِ في شيءٍ منها ((جزء في مسح الوجه بعد الدعاء)) لبكر أبو زيد (ص: 102).
ثالثًا: أنَّه لم يثبُتْ عن أحدٍ من الصحابةِ مسْحُ الوجهِ باليدينِ بعدَ الدُّعاءِ، ويَبعُدُ انتشارُ سُنَّة بينهم ثُمَّ لا تُنقَلُ إلينا، لا سيَّما وهي من السُّننِ الظاهرة، وهذا يُقوِّي عدمَ المشروعيَّة ((جزء في مسح الوجه بعد الدعاء)) لبكر أبو زيد (ص: 102).
رابعُا: أنَّه دعاءٌ في صلاةٍ؛ فلم يستحبَّ مَسْحُ وجهِه فيه كسائرِ الأدعيةِ في الصَّلاةِ أنَّه دعاءٌ في الصلاة؛ فلم يستحبَّ مسحُ وجهه فيه، كسائرِ دُعائها. يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/113، 114).
المسألةُ الثامنة: الصَّلاةُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعدَ القُنوتِ
تُسنُّ الصَّلاةُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعدَ الفراغِ من دُعاءِ القُنوت، وهو الصَّحيحُ من مذهبِ الشافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (3/499)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/254). ، ومذهبِ الحَنابِلَةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (2/122)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/420). ، وقولٌ عندَ الحَنَفيَّة ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/274)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/438).
الأَدِلَّة مِن الآثار:
1- أثَرُ أُبيِّ بن كَعبٍ كما في حديثِ عبد الرحمنِ بن عَبدٍ القاريِّ، قال: (...وكانوا يَلْعَنونَ الكَفرةَ في النِّصفِ: اللهمَّ قاتلِ الكفرةَ الذين يَصدُّونَ عن سَبيلِك، ويُكذِّبون رُسلَك، ولا يُؤمِنون بوعدِك، وخالِفْ بين كلمتِهم، وألْقِ في قلوبِهم الرُّعبَ، وألْقِ عليهم رِجزَك وعذابَك، إلهَ الحقِّ، ثم يُصلِّي على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويَدعو للمسلمين بما استطاعَ من خيرٍ، ثم يَستغفرُ للمؤمنين، قال: وكان يقولُ إذا فرغَ مِن لَعْنه الكفرةَ وصلاتِه على النبيِّ واستغفارِه للمؤمنينَ والمؤمناتِ ومسألتِه: اللهمَّ....) رواه ابن خزيمة (1100) وأصله في ((صحيح البخاريِّ)) (2010)، وحسن إسناده ابن حجر ((التلخيص الحبير)) (2/515)، وصحَّح إسنادَه الألباني في تخريجه لـ ((صحيح ابن خزيمة)) (2/155).
2- أَثَرُ مُعاذٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه هو معاذ بن الحارث أبو حليمة الأنصاري، القاري؛ قال ابن أبي حاتم في ترجمته في ((الجرح والتعديل)) (8/246): هو الذي أقامه عمرُ رضي الله عنه يُصلِّي بهم في شهر رمضان صلاةَ التراويح. : ((أنَّه كان يُصلِّي على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في القُنوتِ)) رواه إسماعيلُ بن إسحاق القاضي في ((فضل الصلاة على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) (107)، وقال الألباني معلقًا عليه: (إسنادُه موقوفٌ صحيح).
المَسألةُ التاسعة: ما يُجتنبُ في دعاءِ القُنوتِ
يَنبغي للإمامِ أن يجتنبَ في دُعاءِ القنوتِ عِدَّة أمورٍ؛ منها:
- المُبالَغة في رفْعِ الصَّوتِ بالدُّعاء قال الحسن: (ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدُّعاء، وما يُسمع لهم صوتٌ، إنْ كان إلا همسًا بينهم وبين ربِّهم؛ وذلك أنَّ الله يقول: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً **الأعراف: 55**، وذلك أنَّ الله ذكَر عبدًا صالحًا فرضِيَ فِعلَه، فقال: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا **مريم: 3**). انظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/485). وقال ابنُ جريرٍ في قوله عزَّ وجلَّ: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ **الأعراف: 55**: (فإنَّ معناه: إنَّ ربَّكم لا يحبُّ مَن اعتدى فتجاوز حدَّه الذي حدَّه لعباده في دُعائه ومسألته ربَّه، ورفْعه صوتَه فوق الحدِّ الذي حدَّ لهم في دُعائهم إياه، ومسألتهم، وفي غير ذلك من الأمور) ((تفسير ابن جرير)) (12/486).
- رفْع الصَّوتِ بالبُكاء قال ابن جريج: (إنَّ من الدعاء اعتداءً، يُكره رفعُ الصوتِ، والنِّداءُ والصياحُ بالدعاء، ويُؤمَر بالتضرُّع والاستكانة) ((تفسير ابن جرير)) (12/487).
- تَكلُّف السَّجع قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما لعِكرمةَ: (فانظر السجعَ في الدعاء فاجتنبْه؛ فإني عهدتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابَه لا يفعلون إلَّا ذلك. يعني: لا يفعلونَ إلا ذلك الاجتنابَ). رواه البخاري (6337). وقال ابنُ تيميَّة: (... ومثل أن يقصد السَّجع في الدُّعاء، ويتشهَّق ويتشدَّق، وأمثال ذلك؛ فهذه الأَدعية ونحوها منهيٌّ عنها) ((الفتاوى الكبرى)) (2/415). وقال أيضًا: (وهذا كما يُكره تَكلُّفُ السَّجع في الدعاء، فإذا وقَع بغير تكلُّف فلا بأسَ به؛ فإنَّ أصل الدعاء من القلْب، واللسان تابعٌ للقلب، ومن جعَل همَّتَه في الدعاء تقويمَ لسانه أضعفَ توجُّهَ قلبِه) ((مجموع الفتاوى)) (22/489). وقالت اللَّجنة الدَّائمة: (المشروعُ للدَّاعي اجتنابُ السَّجع في الدُّعاء، وعدم التكلُّف فيه، وأن يكونَ حالَ دعائه خاشعًا متذلِّلًا، مظهرًا الحاجة والافتقار إلى الله سبحانَه؛ فهذا أدْعى للإجابة، وأقرب لسماع الدُّعاء) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (6/76).
- الإطالَة على الناسِ في دُعاءِ القُنوت [3747] قال البغويُّ: (يُكره إطالةُ القنوت). انظر: ((المجموع)) للنووي (3/499). وقال ابنُ باز: (فالأفضلُ للإمامِ في... والقنوتِ تَحرِّي الكلمات الجامعةِ، وعدم التطويل على الناس؛ يقرأ: «اللهمَّ اهِدْنا فيمَن هدَيْت» الذي ورَد في حديث الحسن في القنوت، ويَزيد معه ما يتيسَّر من الدعوات الطيِّبة، كما زاد عمرُ، ولا يتكلَّف ولا يُطوِّل على الناس، ولا يَشُق عليهم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/355). وقال أيضًا: (السُّنة أنْ لا يطوِّل وأن يقتصرَ على جوامع الدُّعاء في القنوت) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/357). وقال ابنُ عُثَيمين: (ولكن لا يَنبغي أن يُطيل إطالة تشقُّ على المأمومين، أو توجِب مللَهم؛ لأنَّ النبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام غضِب على معاذٍ رضي الله عنه حين أطالَ الصلاةَ بقَوْمِه، وقال: «أفتَّانٌ أنت يا معاذُ؟!») ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/135). وقال أيضًا: (فالإطالة التي تشقُّ على الناس منهيٌّ عنها؛ فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا بلغه أنَّ معاذ بن جبل رضي الله عنه أطال الصلاةَ في قومِه غضِب صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غضبًا لم يغضبْ في موعظةٍ مِثْلِه قطُّ، وقال لمعاذ بن جبل: «أفتَّانٌ أنت يا معاذُ؟!»، فالذي ينبغي: أن يقتصرَ على الكلمات الواردة، ولا شكَّ في أنَّ الإطالةِ شاقَّة على الناس وتُرْهِقُهم، ولا سيَّما الضعفاء منهم، ومِن الناس مَن يكون وراءه أعمالٌ ولا يحبُّ أن ينصرف قبل الإمامِ، ويشقُّ عليه أن يبقَى مع الإمامِ. فنصيحتي لإخواني الأئمَّة أن يكونوا بَينَ بَين، كذلك ينبغي أن يتركَ الدعاء أحيانًا؛ حتى لا يظن العامَّة أنَّ الدُّعاءَ واجبٌ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/136).
المسألةُ العاشرة: القُنوتُ في النَّوازِلِ
يُشرَعُ القُنوتُ في النَّوازِلِ في الصَّلواتِ الخَمسِ في الرَّكعةِ الأخيرةِ بَعدَ الرُّكوعِ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ -على الصحيحِ-                      [1] ((المجموع)) (3/494)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/254).       ، والحنابِلةِ            [2] عندَ الحنابلةِ: يُكرَهُ القنوتُ في غَيرِ وِترٍ إلَّا أن تَنزِلَ   بالمُسلِمينَ نازلةٌ -غيرَ الوباءِ كالطَّاعونِ- لأنَّه لم يَثبُتِ القنوتُ في   طاعونِ عَمواسَ ولا في غيرهِ، ويُسَنُّ للإمامِ الأعظَمِ خاصة القنوتُ فيما عدا   الجُمُعةَ من الصَّلواتِ المكتوباتِ فيكفي الدُّعاءُ في خُطبتها. ((كشاف القناع))   للبُهوتي (1/421)، ((شرح منتهى الإرادات)) (1/242).     ، وهو قَولُ ابنِ تَيميَّةَ            [3] قال ابنُ تَيميَّةَ: (القُنوتُ مَشروعٌ عندَ النَّازِلةِ في   الصَّلَواتِ، وفي الفَجرِ والمغرِبِ أوكَدُ، والنَّازِلةُ هي العَدُوُّ، نحوَ استِنصارِه   صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للمُستَضعَفينَ تحتَ يَدِ العَدُوِّ، ودُعائِه على الذين   قَتَلوا أصحابَ بِئرِ مَعونةَ). ((مختصر الفتاوى المصرية)) (1/100).      وقال: (فيُشرَعُ أن يَقنُتَ عندَ النَّوازِلِ، يدعو للمُؤمِنين،   ويدعو على الكُفَّارِ في الفَجرِ وفي غَيرِها من الصَّلواتِ). ((الفتاوى الكبرى))   (2/119).      والشَّوكانيِّ            [4] قال الشَّوكانيُّ: (ورَد الدُّعاءُ في النَّوازِلِ في جميعِ   الصَّلَواتِ وفي بَعضِها). ((السيل الجرار)) (ص: 140).      وابنِ بازٍ            [5] قال ابنُ بازٍ: (المشروعُ القُنوتُ   في النَّوازِلِ في جميعِ الصَّلَواتِ الخَمسِ، ولكِنَّه في صلاةِ الفَجرِ أفضَلُ،   وإن قَنَت في بقيَّةِ الأوقاتِ فلا بأسَ، كالمغربِ والعِشاءِ، وهكذا في السِّرِّيَّةِ   الظُّهرِ والعَصرِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/318).     ، وابنِ عُثَيمين            [6] قال ابنُ عُثَيمين: (إذا نَزَل بالمُسلِمين نازلةٌ فإنَّه   ينبغي أن يُدعى لهم حتَّى تنكَشِفَ. وهذا القُنوتُ مَشروعٌ في كُلِّ الصَّلَواتِ،   كما في حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، الذي رواه أحمدُ وغيرُه، إلَّا   أنَّ الفُقَهاءَ رَحِمهم اللهُ استَثنَوا الطَّاعونَ، وقالوا: لا يُقنَتُ له؛ لعَدَمِ   وُرودِ ذلك، وقد وقَع في عهدِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه ولم يَقنُتْ، ولأنَّه شهادةٌ؛   فلا ينبغي الدُّعاءُ برَفعِ سَبَبِ الشَّهادةِ. وظاهِرُ السُّنَّةِ: أنَّ القُنوتَ   إنَّما يُشرَعُ في النَّوازِلِ التي تكونُ مِن غيرِ اللهِ، مِثلُ: إيذاءِ المُسلِمين   والتَّضييقِ عليهم، أمَّا ما كان مِن فِعلِ اللهِ فإنَّه يُشرَعُ له ما جاءت به   السُّنَّةُ، مِثلُ الكُسوفِ؛ فيُشرَعُ له صلاةُ الكُسوفِ، والزَّلازِلُ شُرِع لها   صلاةُ الكُسوفِ كما فعَل ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، وقال: هذه صلاةُ   الآياتِ. والجَدبُ يُشرَعُ له الاستِسقاءُ، وهكذا. وما عَلِمتُ لساعتي هذه أنَّ   القُنوتَ شُرِع لأمرٍ نَزَل من اللهِ، بل يُدعى له بالأدعيةِ الواردةِ الخاصَّةِ،   لكِنْ إذا ضُيِّق على المُسلِمين وأوذوا وما أشبَهَ ذلك؛ فإنَّه يُقنَتُ اتِّباعًا   للسُّنَّةِ في هذا الأمرِ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (9/292).     ، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ            [7] قالت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ: (القُنوتُ إنَّما يُشرَعُ في صلاةِ   الوِترِ أو في الفَريضةِ إذا نزَلت بالمُسلِمينَ نازلةٌ؛ لأنَّ هذا هو الثَّابتُ   من سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والقُنوتُ في النَّوازِلِ يجوزُ في   جميعِ الصَّلَواتِ الخَمسِ بعدَ الرَّفعِ مِنَ الرُّكوعِ في الرَّكعةِ الأخيرةِ).   ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (7/150).     .
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قال: ((قنَتَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَهرًا مُتتابعًا في الظُّهرِ والعَصرِ والمغربِ والعِشاءِ وصلاةِ الصُّبحِ، في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ، إذا قال: سمِعَ اللهُ لِمَن حمِدَه مِن الرَّكعةِ الآخِرةِ، يدعو على أحياءٍ مِن بني سُلَيمٍ؛ على رِعْلٍ وذَكوانَ وعُصيَّةَ، ويُؤمِّنُ مَن خَلْفَه؛ أرسَل إليهم يدعوهم إلى الإسلامِ، فقَتَلوهم))            [8] أخرجه أبو داود (1443) مختصَرًا، وأحمد (2746) واللفظ له.      صحَّحه البَغوي في ((شرح السنة)) (2/243)، وابن القيم في ((زاد   المعاد)) (1/271)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (3/627)، وحَسَّنه ابنُ حجر   في ((نتائج الأفكار)) (2/138)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1443).      والحديثُ أصلُه في صحيحِ البخاري (4090)، ومسلم (677) من حديثِ   أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه.     .



انظر أيضا: