الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّالِثُ: سُنَّةُ العَصر


ليس للعصرِ سُنَّةٌ راتبة مؤكَّدة، وإنْ كان يُستحَبُّ الصلاةُ قبلها، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعةِ: الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/13)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/441). ، والمالكيَّة ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/3)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/498). ، والشافعيَّة السنن الرَّاتبة المؤكَّدة عند الشافعيَّة قاصرةٌ على عشرة ركَعات، ليس منها سُنَّة صلاة العصر، وإنْ كانت من جملة السُّنن الراتبة لا المؤكَّدة. يُنظر: ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (2/222)، ((البيان)) للعمراني (2/263). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/424)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/93، 95). قال العيني: (وممَّن كان يصلِّيها أربعًا من الصحابة: عليُّ بن أبي طالب، وقال إبراهيمُ النَّخَعي: كانوا يصلُّون أربعًا قبل العصر، ولا يرونها من السُّنة، وممَّن كان لا يُصلي قبل العصر شيئًا: سعيد بن المسيَّب، والحسن البصري، وسعيد بن منصور، وقيس بن أبي حازم، وأبو الأحوص، وسُئِل الشعبي عن الركعتين قبل العصر؟ فقال: إنْ كنتَ تعلم أنك تُصلِّيهما قبل أن تُقيم فصلِّ، وكلام الشعبي يدلُّ على أنهم كانوا يعجِّلون صلاة العصر، وأنَّ مَن ترك الصلاة قبلها إنما كان خشيةَ أن تُقام الصلاة وهو في النافلة، وقال محمَّد بن جرير الطبري: والصواب عندنا أنَّ الأفضل في التنفُّل قبل العصر بأربع ركعات؛ لصحَّة الخبرِ بذلك عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((عمدة القاري)) (7/235).
الأدلَّة:
أوَّلًا: دليل مشروعيَّةِ الصلاةِ قبلَ صلاةِ العصرِ
عن عبدِ اللهِ بنِ مُغفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ، بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ، بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ، ثم قال في الثالثة: لِمَن شاءَ )) رواه البخاري (627)، ومسلم (838).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الحديثَ يدلُّ على أنَّه يُصلَّى قبلَ العصرِ، فيما بين الأذانِ والإقامةِ قال ابن تيمية: (ثبَت عنه في الصَّحيح أنَّه قال: «بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ، بين كلِّ أذانين صلاةٌ، بين كلِّ أذانين صلاةٌ، ثم قال في الثالثة: لِمَن شاء»؛ ففي هذا الحديث: أنَّه يُصلِّي قبل العصر، وقبل المغرب، وقبل العشاء. وقد صحَّ أنَّ أصحاب النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانوا يُصلُّون بين أذان المغرب وإقامتها ركعتين، والنبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يراهم فلا ينهاهم، ولم يَكره فِعل ذلك. فمِثل هذه الصلوات حسنةٌ ليس سُنَّة؛ فإنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كره أن تُتَّخذ سُنَّةً، ولم يكن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي قبل العصر، وقبل المغرب، وقبل العشاء، فلا تُتَّخذ سُنَّة، ولا يكره أن يُصلي فيها، بخلاف ما فَعَله ورغَّب فيه، فإن ذلك أوكدُ مِن هذا. وقد رُوي «أنَّه كان يُصلِّي قبل العصر أربعًا»، وهو ضعيف. ورُوي «أنه كان يُصلِّي ركعتينِ»، والمراد به الركعتانِ قبل الظهر). ((مجموع الفتاوى)) (23/123، 124). وينظر: ((الاختيارات الفقهية)) (ص 428).
ثانيًا: أدلَّةُ كون سُنَّةَ العصرِ ليستْ من السُّننِ الرواتبِ
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: ((حفظتُ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عشرَ ركعاتٍ؛ ركعتَينِ قبل الظُّهرِ، وركعتينِ بعدَها، وركعتينِ بعدَ المغربِ في بيتِه، وركعتينِ بعدَ العِشاءِ في بيتِه، وركعتينِ قبلَ الصُّبحِ، كانتْ ساعةً لا يَدخُلُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيها، حدَّثَتْني حفصةُ، أنَّه كان إذا أذَّنَ المؤذِّنُ وطلَعَ الفجرُ صلَّى ركعتينِ )) رواه البخاري (1180)، ومسلم (729).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ ابنَ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما- راوي هذا الحديثِ- لم يَجعلْ سُنَّةَ العصرِ من السُّننِ الرَّواتبِ، ولو كانت منها لعدَّها ((المغني)) لابن قدامة (2/93)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/312).
2- قالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها عن تطوُّعِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كان يُصلِّي في بيتي قبلَ الظهرِ أربعًا، ثم يخرُجُ فيُصلِّي بالناسِ، ثم يَدخُلُ فيُصلِّي ركعتينِ، وكان يُصلِّي بالناسِ المغربَ، ثم يَدخُلُ فيُصلِّي ركعتينِ، ويُصلِّي بالناسِ العِشاءَ، ويدخُلُ بيتي فيُصلِّي ركعتينِ.... وكان إذا طلَعَ الفجرُ صلَّى ركعتينِ )) رواه مسلم (730).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ تطوُّعَ العصرِ لم يُذكَرْ ضِمنَ السُّننِ الرَّواتبِ ((شرح أبي داود)) للعيني (5/163).
ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُحفَظْ أنَّه كان يُصلِّي قبلَ العصر، فضلًا أنْ يكونَ قد داومَ عليها كالسُّننِ الرَّواتبِ قال الجوينيُّ: (على الجملة: المتَّفق عليه آكدُ ممَّا تطرَّق الخلاف إليه، ولم يصحَّ عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المواظبةُ على صلاة قبل فريضة العصر حسَب ما كان يواظب على سُنَّة الظهر قبله وبعده). ((نهاية المطلب)) (2/349). وقال ابنُ القيِّم: (لم يُنقل عنه أنه كان يُصلِّي قبل العصر حديثٌ صحيح، وفي السُّنن عنه أنه قال: «رحِم الله امرأً صلَّى قبل العصر أربعًا»). ((الصلاة وأحكام تاركها)) (ص: 172). وقال أيضًا: (وأمَّا الأربع قبل العصر، فلم يصحَّ عنه عليه السلام في فِعلها شيء إلَّا حديث عاصم بن ضَمرة عن عليٍّ الحديث الطويل، أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «كان يُصلِّي في النهار ستَّ عشرةَ ركعةً»...، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يُنكر هذا الحديثَ ويدفعه جدًّا، ويقول: إنه موضوع. ويذكر عن أبي إسحاق الجوزجاني إنكارَه). ((زاد المعاد)) (1/311)، وينظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (2/258)، ((شرح أبي داود)) للعيني (5/163)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (2/222).

انظر أيضا: