الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: أحْوالُ سهْوِ المأمومِ مع إمامِه في غير الأركانِ


المَطلَبُ الأوَّل: سَهوُ المأمومِ حالَ ائتمامِه
سَهوُ المأمومِ حالَ ائتمامِه يَتحمَّلُه إمامُه، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة [3051] ((الهداية)) للمرغيناني (1/75)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/175). ، والمالكيَّة [3052] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/41) ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/328). ، والشافعيَّة [3053] ((المجموع)) للنووي (4/143)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/210). ، والحنابلة [3054] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/108)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/407). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك [3055] قال ابن المنذر: (أجمَعوا على أنْ ليس على مَن سها خَلْفَ الإمام سجودٌ، وانفرد مكحولٌ، وقال: عليه) ((الإجماع)) (ص: 40). وقال ابنُ قُدامة: (المأموم إذا سها دون إمامه، فلا سجودَ عليه، في قول عامَّة أهل العلم، وحُكي عن مكحول أنَّه قام عن قعودِ إمامه فسَجَد) ((المغني)) (2/32). وقال النوويُّ: (إذا سها خلف الإمام تحمَّل الإمامُ سَهوَه، ولا يسجُد واحد منهما، بلا خلافٍ) ((المجموع)) (4/143).
الأدلَّة مِن السُّنَّة:
1- عن معاويةَ بنِ الحَكَم السُّلَميِّ، قال: ((بَيْنا أنَا أُصلِّي مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذ عَطَس رجلٌ من القوم، فقلتُ: يَرْحَمُك الله، فرماني القومُ بأبصارِهم، فقلتُ: واثُكْلَ أُمِّيَاهْ! ما شأنُكم؛ تنظرون إليَّ؟! فجعلوا يضربونَ بأيديهم على أفخاذِهم، فلمَّا رأيتُهم يُصمِّتونني لكنِّي سكتُّ، فلمَّا صلَّى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم... قال: إنَّ هذه الصَّلاةَ لا يَصلُحُ فيها شيءٌ مِن كلامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسبيحُ، والتَّكبيرُ، وقِراءةُ القرآنِ )) [3056] رواه مسلم (537).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لم يسجُدْ ولا أمَرَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالسُّجودِ [3057] ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/210).
2- عمومُ ما جاءَ عن أبي هُريرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به.. فإذا سجَدَ فاسجُدوا )) [3058] رواه البخاري (734)، ومسلم (414).
المَطلَبُ الثَّاني: سهوُ المأمومِ بعدَ انقضاءِ ائتمامِه
سهوُ المأمومِ بعدَ انقضاءِ ائتمامِه لا يَتحمَّلُه عنه إمامُه، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة [3059] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/175)، ((اللباب في شرح الكتاب)) لعبد الغني الميداني (1/96). ، والمالكيَّة [3060] ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/325)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/332). ، والشافعيَّة [3061] ((المجموع)) للنووي (4/143)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/211). ، والحنابلة [3062] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/232) ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/408).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لانتهاءِ القُدوة [3063] ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/211).
ثانيًا: لأنَّ صلاةَ المسبوقِ كصلاتينِ حُكمًا؛ منفرد فيما يَقضِيه [3064] ((اللباب في شرح الكتاب)) لعبد الغني الميداني (1/96).
المَطلَبُ الثالث: إذا أدْرَك المأمومُ بعضَ صَلاةِ الإمامِ ثمَّ سها الإمامُ فسَجَد للسَّهوِ
إذا أدْرَك المأمومُ بعضَ صلاةِ الإمامِ، ثم سهَا الإمامُ فسجَدَ للسهوِ، لزمَ المأمومَ متابعتُه في السُّجودِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعةِ: الحنفيَّة [3065] ((البناية)) للعيني (2/616)، وينظر: ((اللباب في شرح الكتاب)) لعبد الغني الميداني (1/96). ، والمالكيَّة [3066] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/38) ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/324). ، والشافعيَّة [3067] ((المجموع)) للنووي (4/146)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/212). ، والحنابلة [3068] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/109) ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/408). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك [3069] قال المرداويُّ: (وأمَّا المسبوق: فإنَّ سجوده لا يُخِلُّ بمتابعة إمامه؛ فلذا قلنا: يسجد بلا خلاف... فإذا قلنا: يسجد المسبوقُ مع إمامه، فلم يسجد إمامه سجَد هو، رواية واحدة، وحكاه غيرُ واحد إجماعًا) ((الإنصاف)) (1/109). وقال ابنُ حزم: (واتَّفقوا أنَّ مَن أدرك السَّهو مع إمامه، فإنَّه يسجد للسهو، وإنْ لم يَسْهُ) ((مراتب الإجماع)) (ص: 33). وقال النووي: (مذهبنا: أنَّ الإمام إذا سها وسجَد للسهو لزِمَ المأمومَ السجودُ معه، قال الشيخ أبو حامد: وبهذا قال العلماءُ كافَّةً، إلَّا ابن سيرين) ((المجموع)) (4/146).
الدليل من السُّنَّة:
عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به؛ فلا تختلِفُوا عليه، فإذا ركَع، فاركعوا، وإذا قال: سمِعَ اللهُ لِمَن حمِدَه، فقولوا: ربَّنا لكَ الحمدُ، وإذا سجَد فاسجُدوا، وإذا صَلَّى جالسًا، فصَلُّوا جلوسًا أجمعون.. )) [3070] رواه البخاري (734)، ومسلم (414).
المَطلَبُ الرَّابعُ: متابعةُ المأمومِ المَسبوقِ للإمامِ في سُجودِ السَّهوِ إذا سَجَدَ الإمامُ بَعدَ السَّلامِ
اختَلَف أهلُ العِلمِ في حُكمِ متابعةِ المأمومِ المسبوقِ للإمامِ في سُجودِ السَّهوِ إذا سجَدَ الإمامُ بعدَ السَّلامِ على قولين:
القولُ الأوَّلُ: لا يَسجُدُ معه المأمومُ ويَسجدُهما إذا قضَى باقي صلاتِه، وهو مذهبُ المالكيَّة [3071]- ((التاج والإكليل)) للمواق (2/40)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/332)، ((التمهيد)) لابن عبد البر (7/76). ، والشافعيَّة [3072]- ((تحفة المحتاج وحواشي الشرواني والعبادي)) (2/196)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/229)، ((البيان)) للعمراني (2/342). ، وروايةٌ عن أحمد [3073]- ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (1/475)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/32). ، وهو قولُ ابن باز [3074]- قال ابنُ باز: (أمَّا المسبوقُ فإنَّه يسجُد للسهو إذا سها مع إمامِه، أو فيما انفرَد به بعدَ إكمالِه الصلاةَ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/268).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ المأمومَ إنَّما يلزمه متابعةُ الإمامِ ما دامَ في الصَّلاة، وبالسَّلامِ قد خرَجَ عن الصلاةِ؛ فلم يلزمْه متابعتُه [3075]- ((البيان)) للعمراني (2/342)، ((المغني)) لابن قدامة (2/32).
ثانيًا: ولأنَّ المتابعةَ حينئذٍ متعذِّرة؛ فإنَّ الإمامَ سيُسلِّم ولو تابعَه في السَّلامِ لبطَلتِ الصلاةُ؛ لوجودِ الحائلِ دونها وهو السَّلام؛ فكيف يُتابِعُه فيما يؤدِّي بعدَ السَّلام؟! [3076] ((المبسوط)) للسرخسي (1/413)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (3/389).
القول الثاني: يُتابِعُه المأمومُ في السجودِ بعدَ السَّلام، وهو مذهبُ الحنفيَّة [3077] ((المبسوط)) للسرخسي (1/413)، ((البناية)) للعيني (2/617). والحنابلة [3078] ((المغني)) لابن قدامة (2/32)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (1/475)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/408). ، وهو قولُ طائفةٍ من السَّلف [3079] قال ابنُ قُدامة: (وإذا كان المأمومُ مسبوقًا فسها الإمامُ فيما لم يدركْه فيه، فعليه متابعتُه في السجود، سواء كان قبل السَّلام أو بعدَه. رُوي هذا عن عطاءٍ، والحسن والنَّخَعي، والشعبيِّ، وأبي ثور، وأصحاب الرأي) ((المغني)) (2/32).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عمومُ قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به؛ فلا تَختلِفوا عليه، فإذا رَكَع، فاركعوا، وإذا قال: سمِعَ اللهُ لِمَن حمِدَه، فقولوا: ربَّنا لكَ الحمدُ، وإذا سجَدَ فاسجدوا، وإذا صلَّى جالسًا، فصلُّوا جلوسًا أجمعون.. )) [3080] رواه البخاري (734)، ومسلم (414).
ثانيًا: أنَّ سجودَ السَّهو وجَب على الإمامِ لعارضٍ في صلاتِه، فيتابعه المسبوقُ فيها كما يُتابعُه في سجدةِ التلاوةِ [3081] ((المبسوط)) للسرخسي (1/413).
ثالثًا: أنَّ وقتَ قِيام المأمومِ إلى القضاءِ ما بعدَ فراغِ الإمامِ، فما دام الإمامُ مشغولًا بواجبٍ من واجباتِ الصلاةِ، مؤدِّيًا في حرمةِ الصلاةِ، لا يُمكنُه أنْ يقومَ إلى القضاءِ، فعليه متابعةُ الإمامِ فيها [3082] ((المبسوط)) للسرخسي (1/413).
رابعًا: أنَّ السُّجودَ من تمام الصَّلاةِ، فيتابعه فيه المأمومُ كالذي قبلَ السَّلامِ، وكغيرِ المسبوقِ [3083] ((المغني)) لابن قدامة (2/32).

انظر أيضا: