الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الأوَّل: الشكُّ في عددِ الركعاتِ


اختلَف أهلُ العِلم في حكم ما لو شكَّ المُصلِّي في عددِ الركعات، فشكَّ في رُباعيَّة؛ هل صلَّاها ثلاثًا أو أربعًا، على قولين:
القول الأول: لو شكَّ المُصلِّي في رُباعيَّة؛ هل صلَّاها ثلاثًا أم أربعًا، أتى بركعةٍ، وسجَد للسهوِ، ولا يَعملُ بغلبةِ الظنِّ، وهو مذهبُ الجمهورِ قال النوويُّ: (وقال مالكٌ، والشافعيُّ، وأحمد رضي الله عنهم، والجمهورُ: متى شكَّ في صلاته؛ هل صلى ثلاثًا أم أربعًا مثلًا، لزِمَه البناءُ على اليقين، فيجب أن يأتي برابعةٍ، ويَسجُدَ للسهو) ((شرح النووي على مسلم)) (5/58). : المالكيَّة [3009] ((الكافي)) لابن عبد البر (1/226)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/275). ، والشافعيَّة [3010] ((المجموع)) للنووي (4/128)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/209). ، والحنابلة [3011] ((الإقناع)) للحجاوي (1/141)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/406).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه، فلمْ يَدرِ كم صلَّى؟ ثلاثًا أم أربعًا؟ فلْيَطْرَحِ الشكَّ، ولْيَبنِ على ما استيقَنَ، ثمَّ يَسجُدُ سَجدتينِ قبل أن يُسلِّمَ، فإنْ كان صلَّى خمسًا، شَفَعْنَ له صلاتَه، وإنْ كان صلَّى إتمامًا لأربعٍ، كانتَا ترغيمًا للشيطانِ )) [3012] رواه مسلم (571).
ثانيًا: لأنَّ الأصلَ عدمُ فِعلها [3013] ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/209).
القول الثاني: لو شكَّ المُصلِّي في رُباعيَّة؛ هل صلَّاها ثلاثًا أم أربعًا فإنَّه يَتحرَّى، فإنْ ترجَّح له شيءٌ عمِل به، وإلَّا عمِلَ باليقينِ، وهو الأقلُّ، وهو مذهبُ الحنفيَّة [3014] ((الهداية)) للمرغيناني (1/76)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشلبي)) (1/199)، إلَّا أنَّ الحنفية قيَّدوا ذلك بمَن كثُر شكُّه. ، واختاره الشوكانيُّ [3015] قال الشوكاني: (والذي يلوح لي أنَّه لا معارضة بين أحاديثِ البناء على الأقلِّ والبناءِ على اليقين وتحرِّي الصواب؛ وذلك لأنَّ التحري في اللُّغة - كما عَرَفتَ - هو طلب ما هو أحرى إلى الصَّواب، وقد أمر به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمر بالبناء على اليقين، والبناء على الأقلِّ عند عروض الشكِّ، فإنْ أمكن الخروجُ بالتحري عن دائرة الشكِّ لُغةً - ولا يكون إلا بالاستيقان بأنَّه قد فعَل من الصلاة كذا ركعات - فلا شكَّ أنه مُقدَّم على البناء على الأقل؛ لأنَّ الشارع قد شرَط في جواز البناء على الأقل عدمَ الدِّراية، كما في حديث عبد الرحمن بن عوف، وهذا المُتحرِّي قد حصَلتْ له الدِّراية، وأمَر الشاكَّ بالبناء على ما استيقن كما في حديث أبي سعيدٍ، ومَن بلغ به تحرِّيه إلى اليقين قد بَنَى على ما استيقن، وبهذا تَعلم أنَّه لا معارضةَ بين الأحاديث المذكورة، وأنَّ التحرِّي المذكور مُقدَّم على البناء على الأقلِّ) ((نيل الأوطار)) (3/138). ، وابنُ عثيمين [3016] قال ابن عثيمين: (أن يتردَّد؛ هل صلى ثلاثًا أو أربعًا.. إمَّا أن يترجَّحَ عنده أحدُ الطرفين الزيادة، أو النقص، فيَبني على ما ترجَّح عنده، ويُتم عليه ويسجُد للسهوِ بعد السَّلام، وإمَّا أن لا يترجَّح عنده أحدُ الأمرين، فيَبني على اليقين، وهو الأقل، ويُتم عليه، ويَسجُد للسهو قبلَ السلام) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/17).
الدليل من السُّنَّة:
عن ابنِ مَسعودٍ، قال: ((صلَّى بنا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاةً زاد فيها، أو نقَصَ منها، فلمَّا أتمَّ قلنا: يا رسولَ الله، أحدَث في الصلاةِ شيءٌ؟ قال: فثَنى رِجلَه فسجَدَ سجدتينِ، ثم قال: لو حدَث في الصِّلاةِ شيءٌ لأخبرتُكم به، ولكن إنَّما أنا بشرٌ، أنْسَى كما تَنسَونَ، فإذا نسيتُ فذَكِّروني، وإذا أحدُكم شكَّ في صلاتِه فلْيتَحرَّى الصوابَ، وليبنِ عليه، ثم ليسجدْ سَجدتينِ )) [3017] رواه البخاري (401)، ومسلم (572).

انظر أيضا: