الموسوعة الفقهية

 المبحثُ الثَّامِن: الأكْل والشُّرب في الصَّلاةِ عمدًا


 مَن أكَلَ أو شرِبَ في صلاتِه متعمدًا بطَلَتْ صلاتُه.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذر [2892] قال ابنُ المنذِر: (وأجمَعوا على أنَّ المصلِّي ممنوعُ الأكل والشرب.. وأجمَعوا على أنَّ مَن أكَل وشرِب في صلاته الفرض عامدًا، أنَّ عليه الإعادةَ) ((الإجماع)) (ص:39). ، وابنُ حزمٍ [2893] قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا أنَّ الأكل، والقهقهة، والعمل الطويل بما لم يُؤمر به فيها ينقضها، إذا كان تعمَّد ذلك كلَّه، وهو ذاكر لأنَّه في صلاة) ((مراتب الإجماع)) (ص:27). ، وابنُ عبد البَرِّ [2894] قال ابنُ عبد البر: (وأجمَعوا أنَّ العمل الكثير في الصلاة يُفسِدها، وأنَّ قليل الأكل والشرب والكلام عمدًا فيها لغيرِ صلاحها يُفسِدها) ((التمهيد)) (20/95). ، وابنُ قُدامةَ [2895] قال ابنُ قُدامة: (إذا أكَل أو شرِب في الفريضة عامدًا، بطَلتْ صلاتُه، رواية واحدة، ولا نَعلَم فيه خلافًا) ((المغني)) (2/46). ، وابنُ مفلحٍ [2896] قال برهان الدِّين ابنُ مُفلح: ("وإنْ أكَل أو شرِب عمدًا، بطَلت صلاتُه، قلَّ أو كثُر"؛ لأنَّه عملٌ من غير جنس الصلاة، فاستوى كثيرُه وقليله كالجِماع، وظاهره لا فَرْقَ بين الفرض والنفل، وهو إجماعُ مَن يُحفظ عنه، في الفرض؛ لأنَّهما يُنافيانِ الصَّلاة، إلَّا ما حكاه في الرِّعاية قولًا أنَّها لا تبطُل بيسيرِ شُرْب، لكنَّه غير معروف) ((المبدع)) (1/456).
مطلب: حُكمُ مَن أكَلَ أو شَرِبَ في صلاتِه ناسيًا أو جاهلًا
مَن أكَل أو شَرِب في فريضةٍ أو تطوُّع، ناسيًا أو جاهلًا، فإنْ كان قليلًا لم تَبطُلْ صلاتُه، وإنْ كان كثيرًا بطَلَتْ، وهو مذهبُ الشافعيَّة [2897] ((المجموع)) للنووي (4/90)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/188)، وقالوا: تُعرف القِلَّة والكثرة بالعُرْف. ، والحنابلة [2898] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (1/457)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/47). ، وبه قال ابنُ عُثيمين [2899] قال ابنُ عُثَيمين: (قوله: «بيسير أكْل أو شُرب سهوًا» مثاله: إنسان سَهَا، وكان معه شيءٌ من طعام، فأخذ يأكل منه لكنَّه ساهٍ، فلا تَبطُل الصَّلاة؛ لأنَّه يسير، لكن لو كان كثيرًا، مثل: أن يكونَ قد اشترى كيلو مِن العِنب عَلَّقه في رقبتِه، ونسِي وجعَل يأكل من هذا العنب حتى فَرَغَ منه، فهذا كثير؛ فتبطل به الصَّلاة، ولو كان ساهيًا...فبهذا عَرَفْنا أنه تَبطُل الصلاة فَرْضُها ونَفْلها بالأكْل الكثير سهوًا أو عَمْدًا، ولا تَبطُل بالأكْل اليسير سهوًا، وأمَّا الشُّرب: فتبطل بالشُّرب الكثير عمدًا أو سهوًا، ولا تَبطُل باليسير سهوًا) (الشرح الممتع)) (3/355).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
1- قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب: 5]
2- وقوله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا
ثانيًا: قياسًا على جوازِ الكلامِ اليسيرِ في الصَّلاة للنَّاسي والجاهل، وممَّا يدلُّ على ذلك ما يلي:
1- حديثُ معاويةَ بنِ الحَكَمِ رَضِيَ اللهُ عَنْه مرفوعًا: (إنَّ الصَّلاةَ لا يَصلُحُ فيها شيءٌ مِن كلامِ النَّاس) رواه مسلم (537).
2 - عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((صلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إحِدَى صلاتَيِ العَشيِّ- قال محمد: وأكثرُ ظنِّي العَصر - ركعتينِ، ثم سلَّم، ثم قام إلى خَشبةٍ في مُقدَّمِ المسجدِ، فوضع يدَه عليها وفيهم أبو بكر وعُمرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، فهابَا أن يُكلِّمَاه، وخرج سَرَعانُ النَّاسِ، فقالوا: أَقصُرتِ الصلاةُ؟ ورجلٌ يَدْعوه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (ذو اليدين)، فقال: أنسيتَ أمْ قَصُرت؟ فقال: لم أَنسَ ولم تَقْصُر. قال: بلى قد نَسيتَ، فصلَّى ركعتينِ، ثمَّ سلَّم، ثمَّ كبَّر فسجد مِثلَ سجوده أو أطولَ، ثمَّ رفَع رأسَه فكبَّر، ثم وضَعَ رأسَه فكبَّر، فسَجَدَ مِثل سُجودِه أو أطولَ، ثم رفَع رأسَه وكبَّر )) رواه البخاري (6051)، ومسلم (573).
دلَّ حديثُ ذي اليدينِ على أنْ لا إعادةَ على مَن تكلَّم ناسيًا، والأَكْلُ والشُّرب ناسيًا في معنى الكلام [2902] ((الأوسط)) لابن المنذر (3/432).
ثالثًا: أنَّ ما يُبطِل عمدُه الصَّلاةَ إذا عُفِي عنه لأجْل السهوِ شُرِعَ له السجود، كالزِّيادةِ مِن جِنس الصَّلاة، ومتى كثُر ذلك أَبطل الصَّلاةَ؛ لأنَّ الأفعالَ المعفوَّ عن يسيرِها إذا كثُرتْ أَبطَلتْ [2903] ((المغني)) لابن قدامة (2/47).

انظر أيضا: