مقالات وبحوث مميزة

 

 

مسألةُ الأخذِ منَ اللِّحية وتقصيرِها

عَلَوي بن عبد القادر السَّقَّاف

المشرف العام على مؤسسة الدرر السنية

17 ربيع الأول 1430

 

الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ

أما بعدُ:

فقد وردَت أحاديثُ كثيرةٌ بتوفيرِ اللِّحى وإعفائِها، وحاصلُ مجموعِ رواياتِها خمسٌ: (أوفُوا)، و(أرخُوا)، و(أرجُوا)، و(وفِّروا)، و(أعفُوا)، ومعانيها كلُّها متقاربةٌ، ولم يرِدْ حديثٌ بلفظِ: (اترُكوا) ولا بلفظ (أكرِموا)، والرِّوايات هي:
 

  1.  حديث عبد الله بن عمرَ رضي الله عنهما مرفوعًا: ((أحفُوا الشَّوارِبَ، وأوفُوا اللِّحَى)) رواه مسلم.
  2.  حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: ((جزُّوا الشَّواربَ، وأرخُوا اللِّحَى)) رواه مسلم، وجاء بلفظ (أرجُوا) بالجيم.
  3.  حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: ((وفِّروا اللِّحَى، وأحفُوا الشوارِبَ)) رواه البخاري.
  4.  حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: ((أنهِكوا الشوارِبَ، وأعفُوا اللِّحَى)) رواه البخاري، ومسلم بلفظ: (أحفُوا الشوارِبَ).
     

وهذه الألفاظ كلُّها تدلُّ على التركِ والتَّوفيرِ والتكثيرِ، وإليك تفصيلُ ذلك:

(أوفُوا) من الإيفاءِ: وهو الإتمامُ وعدمُ النُّقصانِ،  قال في تاج العروس: (أوفى الشيءُ، أي: تمَّ وكثُر)، وفي مقاييس اللغة: (وفي) كلمةٌ تدلُّ على إكمالٍ وإتمامٍ).

(أرخُوا) من الإرخاءِ: وهو بمعنى الإطالةِ والسَّدلِ، ومنه: أرخى العِمامةَ: أطالَها، وأرخى السِّترَ: أسدَلَه. (انظر تاج العروس)

(أرجُوا) أصلُها: أرجِئُوا، من الإرجاءِ: وهو التأخيرُ، فلمَّا قال: (أحفُوا الشوارِبَ) قال بعدها: (وأرجُوا اللِّحَى) أي: أخِّرُوها ولا تُحفُوها.

(وفِّرُوا) من التوفيرِ: وهو الكثرةُ، قال ابن فارس في مقاييس اللغة: ( (وفر) كلمةٌ تدلُّ على كثرةٍ وتَمامٍ)، وفي القاموس المحيط: (وفَّرَه توفيرًا: كثَّرَه)، وفي لسان العرب: (وفَّرَه: كثَّره).

(أعفُوا) الإعفاء أصلُ معناه في اللغةِ: التَّركُ، كما في تاج العروس وغيره، تقول: عفا اللهُ عنك، أي تركَ عقابَك، وعفوتُ عن فلانٍ، أي: تركتُه وحالَه ولم أعاقِبْه، ويأتي بمعنى التوفيرِ والكثرةِ؛ ففي لسان العرب:  (عفا القومُ: كَثُروا، وفي التنزيل: {حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف: 95] أي: كثُروا، وعفا النَّبتُ والشَّعرُ وغيره، يعفوُ، فهو عافٍ: كثُرَ وطال، وفي الحديثِ: أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم أمرَ بإعفاءِ اللِّحى، هو أن يوفَّرَ شعرُها ويُكَثَّر، ولا يُقَصَّ كالشَّوارب، مِن: عفا الشيءُ: إذا كثُرَ وزاد) ا.هـ، وقال القرطبي في (المفهم) (1/512)  قال أبو عبيد: (يقال عفا الشَّيءُ: إذا كثُرَ وزاد).

فأنت ترى أنَّ كلَّ الألفاظِ التي جاءت في الأحاديثِ تدُلُّ على الوفرةِ والكثرة، وبصيغةِ الأمرِ الدَّالِّ على الوجوبِ، وقد تأكَّد ذلك بفعلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّه لم يصِحَّ عنه أنَّه أخذَ شيئًا من لِحيتِه، بل جاء في أحاديثَ كثيرةٍ في صِفتِه صلَّى الله عليه وآلِه وسلَّم أنَّه كان: (كَثَّ اللِّحيةِ) رواه البخاري ومسلم، و (كثيرَ شَعرِ اللِّحيةِ) رواه مسلم، كما ورد في صفة عددٍ من الصحابة رضي الله عنهم أنَّهم كانوا كثيري شَعرِ اللِّحيةِ، ولا يُعرَفُ عن أحدٍ من السلَفِ أنَّه حلقَ لِحيَتَه البتَّةَ؛ ولذلك اتفقَ الفُقَهاءُ على حرمةِ حَلقِها، ونقل غيرُ واحدٍ الإجماعَ على ذلك؛ منهم ابن حزم بقولِه: ((واتَّفَقوا أنَّ حَلقَ جميعِ اللِّحيةِ مُثْلةٌ لا تجوزُ)). ولم يعلِّقْ عليه ابنُ تيمية، انظر: (مراتب الإجماع) (ص120)، وانظر: ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (2/ 299)،  وقال الشيخ عبد العزيز بن باز في مجموع الفتاوى (3/373): ((حكمُ اللِّحيةِ في الجُملةِ فيه خِلافٌ بين أهلِ العِلمِ؛ هل يجِبُ توفيرُها أو يجوزُ قَصُّها, أمَّا الحَلقُ فلا أعلَمُ أحدًا من أهلِ العِلمِ قال بجوازِه)).
 

أمَّا الأخذُ منها وتقصيرُها وتهذيبُها، فإن كان بحيثُ لا تكونُ وافرةً وكثيرةً وكَثَّةً، فلا يجوزُ؛ لظاهرِ النُّصوصِ السَّابقةِ التي تدُلُّ كلُّها على وجوبِ الإعفاءِ والتوفيرِ والإرخاءِ، وقد اختَلَفوا فيما لو أخذَ منها شيئًا مع بقائِها وافرةً كثيرةً، على قولين:
 

الأول: عدمُ جوازِ أخذِ شَيءٍ منها، ودليلُهم الأمرُ بالإعفاءِ، وأخَذوا من معنى الإعفاءِ التَّرْك، وهو أحدُ مَعنَيَي الإعفاءِ، أمَّا بقيَّةُ ألفاظ الحديثِ فلا تدلُّ على عدمِ جوازِ أخذِ شَيءٍ منها.

الثاني: جوازُ الأخذِ منها مع توفيرِها وإرخائِها، ودليلُهم أنَّ الإعفاءَ يأتي في اللغةِ بمعنى الكثرةِ كما تقدَّمَ، قالوا: فمَن ترَك لحيتَه وأعفاها حتى طالَت وكثُرَت، فقد حقَّقَ الإعفاءَ الواجِبَ، كما استدلُّوا بفِعلِ عدَدٍ من الصحابةِ- منهم: ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم- بأخذِ ما زاد على القَبضةِ، ثم اختلفوا: هل كان هذا في نُسُكٍ أم لا؟ وهذا الاختلافُ لا يغيِّرُ في أصل الاستدلالِ؛ لأنَّه كما قال ابن عبد البَرِّ في (الاستذكار) (4/317): (( لو كان غيرَ جائزٍ ما جاز في الحَجِّ)).

وسبَبُ اختلافِهم هو أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه راويَ حديثِ: (أعفُوا اللِّحَى) هو نفسُه كان يأخذُ مِن لحيتِه ما زاد على القبضةِ، فمن قال بعدمِ الجوازِ استدَلَّ بقاعدة: (العِبرةُ بروايةِ الرَّاوي لا برأيِه) ومن قال بالجوازِ استدلَّ بقاعدة: (الرَّاوي أدرى بما رَوى) وقال: لم يخالِف ابنُ عمَرَ رَضِيَ الله عنهما روايتَه، بل هذا معنى الإعفاءِ.
 

وقد قال بجوازِ أخذ ما زاد على القبضةِ جمهورٌ مِن أهل العلم؛ منهم الإمام مالك، والإمام أحمد، وعطاء، وابن عبد البر، وابن تيمية، وغيرهم، وعندهم أنَّ ما زاد على القبضةِ تحقَّقَ فيه الإعفاءُ والتوفيرُ والإرخاءُ.
 

قال أبو الوليد الباجي في (المنتقى شرح الموطأ) (4/367): ((روى ابن القاسم عن مالك: لا بأسَ أن يؤخَذَ ما تطايرَ من اللِّحيةِ وشَذَّ، قيل لمالك: فإذا طالت جدًّا؟ قال: أرى أن يؤخَذَ منها وتُقَصَّ، ورُوي عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنَّهما كانا يأخذانِ مِن اللِّحيةِ ما فضَل عن القبضةِ)).
 

وقال ابن هانئ في مسائله (2/151): ((سألتُ أبا عبد الله عن الرجُلِ يأخذ من عارِضَيه؟ قال: يأخذُ مِن اللِّحيةِ ما فضلَ عن القبضة، قلتُ: فحديثُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أحفُوا الشَّوارِبَ وأعفُوا اللِّحى) قال: يأخذُ مِن طولِها ومن تحت حَلقِه، ورأيت أبا عبد الله يأخذُ من عارِضَيه ومن تحتِ حَلقِه)) ا.هـ

وقال الخلَّال في كتاب (الوقوف والترجل) (ص129): ((أخبرني حربٌ قال: سُئل أحمدُ عن الأخذ من اللِّحية؟ قال: إنَّ ابن عمر يأخذُ منها ما زاد على القبضةِ، وكأنَّه ذهب إليه، قلتُ: ما الإعفاءُ: قال: يُروى عن النبي صلَّى الله عليه وسلم، قال: كأنَّ هذا عنده الإعفاءُ)) ا.هـ
 

وقال المرداوي في (الإنصاف) (1/121): ((ويُعفِي لحيتَه ... ولا يُكرَهُ أخذُ ما زاد على القبضةِ، ونصُّه- يعني أحمد- لا بأسَ بأخذِ ذلك، وأخذِ ما تحت الحَلقِ ...)) ا.هـ

وقال ابن بطَّال في شرح البخاري (9/147): ((قال عطاء: لا بأسَ أن يأخُذَ مِن لحيتِه الشيءَ القليلَ مِن طولِها وعَرضِها إذا كثُرَت)).
 

وقال الحافظ ابن عبد البر في (الاستذكار) (4/317): ((وفي أخذِ ابنِ عمَرَ مِن آخِرِ لحيتِه في الحَجِّ دليلٌ على جوازِ الأخذ من اللحيةِ في غير الحَجِّ؛ لأنَّه لو كان غيرَ جائزٍ ما جاز في الحَجِّ ...وابن عمر روى عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (وأعفُوا اللِّحى) وهو أعلَمُ بمعنى ما روى، فكان المعنى عنده وعند جمهورِ العُلَماءِ الأخذَ من اللِّحية ما تطايرَ، والله أعلم)).

وقال شيخ الإسلام في (شرح العمدة) (1/236): ((وأمَّا إعفاءُ اللِّحيةِ فإنَّه يُترَكُ، ولو أخذَ ما زاد على القبضةِ لم يُكرَهْ؛ نصَّ عليه كما تقدَّمَ عن ابن عمر، وكذلك أخذُ ما تطايرَ منها)) ا.هـ
 

وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح) (10/ 36): ((قلت: الذي يظهَرُ أنَّ ابنَ عُمرَ كان لا يخُصُّ هذا التَّخصيصَ بالنُّسُكِ، بل كان يحمِلُ الأمرَ بالإعفاءِ على غير الحالةِ التي تتشَوَّه فيها الصورةُ بإفراطِ طُولِ شَعرِ اللِّحيةِ أو عَرضِه)) ا.هـ

وفي حاشية ابن عابدين (2/459): ((لا بأسَ بأخذِ أطرافِ اللِّحيةِ إذا طالت)) ا.هـ

وقال الغزالي في (الإحياء) (1/143): ((وقد اختلفوا فيما طال منها، فقيل: إنْ قبَضَ الرجلُ على لحيتِه وأخذَ ما فضَلَ عن القبضةِ، فلا بأس؛ فقد فعَلَه ابن عمر وجماعةٌ من التابعين، واستحسَنه الشَّعبي وابن سيرين، وكَرِهَه الحسَنُ وقتادة وقالا: ترَكْهُا عافيةً أحَبُّ؛ لِقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أعفُوا اللِّحى)) والأمرُ في هذا قريبٌ إن لم يَنتَهِ إلى تقصيصِ اللِّحيةِ وتدويرِها من الجوانبِ)) ا.هـ
 

وقال العراقي في (طرح التثريب) (2/49): (إعفاءُ اللِّحيةِ: وهو توفيرُ شعرِها وتكثيرُه، وأنَّه لا يأخذ منه كالشَّارب، مِن: عفا الشيءُ: إذا كثُرَ وزاد ... واستدلَّ به الجمهورُ على أنَّ الأَولى تركُ اللحيةِ على حالِها، وألَّا يُقطَعَ منها شيءٌ))

وقال ابن الهمام في (فتح القدير) (2/270): ((يُحمَلُ الإعفاءُ على إعفائِها من أن يأخُذَ غالِبَها أو كلَّها، كما هو فعلُ مَجوسِ الأعاجمِ ... فيقع بذلك الجمعُ بين الروايات)) ا.هـ
 

وأقوالُ  أهل العلم في جوازِ الأخذِ ممَّا زاد على القبضةِ كثيرةٌ جدًّا، ولم يأتِ عن أحدٍ مِن الصحابةِ ولا من التابعينَ- فيما أعلَمُ- تحريمُ ذلك.
 

واستحسن بعض العلماء قصَّ ما زاد على القبضةِ وقالوا بالاستحبابِ والسُّنِّيَّة، وهذا بعيد.

جاء في (البحر الرائق) (3/12): ((قال أصحابنا: الإعفاءُ تَرْكُها حتى تَكِثَّ وتَكثُرَ, والقَصُّ سنَّةٌ فيها، وهو أن يقبِضَ الرجُلُ لحيَتَه, فما زاد منها على قبضةٍ قَطَعَها، كذلك ذكر محمد في كتاب (الآثار) عن أبي حنيفة، قال: وبه نأخذُ)) ا.ه

وقال القرطبي في (المفهم) (1/512): ((ولا يجوزُ حَلقُ اللِّحيةِ ولا نَتفُها ولا قَصُّ الكثيرِ منها, فأمَّا أخذُ ما تطايَرَ منها وما يُشَوِّه ويدعو إلى الشُّهرةِ طُولًا وعَرْضًا، فحَسَنٌ عند مالكٍ وغيرِه من السَّلَفِ)) ا.هـ

وقال القاضي عياض في (إكمال المعلم) (2/36): ((وأمَّا الأخذُ مِن طولِها وعَرضِها فحسَنٌ)) ا.هـ
 

ومن العلماء من ذهب إلى المنع من الأخذِ مُطلقًا:

قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) (10/350): ((قال الطبري: ذهبَ قومٌ إلى ظاهر الحديثِ فكَرِهوا تناوُلَ شيءٍ من اللِّحيةِ مِن طُولِها ومِن عَرضِها))

وقال النووي في (المجموع) (1/290): ((والصحيحُ كراهةُ الأخذِ منها مُطلقًا، بل يترُكُها على حالِها كيف كانت؛ للحديثِ الصَّحيحِ: (وأعفُوا اللِّحى)) )) ا.هـ

وقال في شرحه لصحيح مسلم (3/151): ((والمُختارُ تَركُ اللِّحيةِ على حالها, وألَّا يتعَرَّض لها بتقصيرِ شَيءٍ أصلًا)).

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز في (مجموع الفتاوى) (4/443): ((الواجِبُ إعفاءُ اللحيةِ وتوفيرُها وإرخاؤُها وعدمُ التعَرُّضِ لها بشيءٍ)).

وقال الشيخ ابن عثيمين في (فتاوى على الدرب) (10/173) ((الواجِبُ إبقاءُ اللِّحيةِ كما هي، ولا يتعَرَّض لها بقَصٍّ ولا بحلقٍ)).

وقال في (مجموع الفتاوى) (11/85): ((أمَّا ما سَمِعتُم من بعض النَّاسِ أنَّه يجوز تقصيرُ اللِّحية خصوصًا ما زاد على القبضةِ، فقد ذهب إليه بعضُ أهلِ العِلمِ فيما زاد على القبضةِ، وقالوا: إنَّه يجوزُ أخذُ ما زاد على القبضةِ؛ استنادًا إلى ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنَّه كان إذا حَجَّ أو اعتمر قبضَ على لحيتِه، فما زاد أخذَه، ولكِنَّ الأَولى الأخذُ بما دَلَّ عليه العمومُ في الأحاديثِ السَّابقةِ؛ فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يستثنِ حالًا من حالٍ)) ا.هـ

وقال بعض العُلَماءِ بوجوبِ أخذِ ما زاد على القبضةِ، وليس معهم دليلٌ.
 

وخُلاصة ما سبق:

  1. أنَّ حَلقَ اللِّحيةِ حرامٌ.
  2. أنَّ الأخذَ منها وقصَّها بما يُخِلُّ بتوفيرِها وكَثرتِها حرامٌ أيضًا؛ لمُخالفتِه الأمرَ بالإعفاءِ والإرخاءِ والتَّوفيرِ الواردَ في الأحاديثِ، وضابِطُ ذلك ما زاد على القبضةِ، وهو في الغالبِ إلى منتصَفِ الصَّدرِ.
  3. أنَّ المعاصيَ تتفاوَتُ، فالحلقُ أعظَمُ مِن أخذِ شَيءٍ منها.
  4. أنَّ الأخذَ مِن اللِّحيةِ بما لا يُخرِجُها عن كونِها كثَّةً وكثيفةً- وهو ما زاد على القبضةِ- ممَّا اختلف فيه العُلَماءُ قديمًا وحديثًا.
  5. أنَّ حاصِلَ كلامِ القائلينَ بجوازِ الأخذِ منها هو الأخذُ ممَّا زاد على القبضةِ،  ولا أعلم أحدًا يقولُ بجوازِ الأخذِ دونَ ذلك.
  6. أنَّ سببَ اختلافِهم كما سبق بيانُه هو معنى الإعفاءِ، واختلافُهم في تقديمِ إحدى القاعدتين على الأخرى؛ قاعدة: (العِبرةُ بروايةِ الرَّاوي لا برأيِه) وقاعدة: (الرَّاوي أدرى بما روى).
  7. أنَّ الأَولى والأحوطُ خروجًا من الخلافِ تركُها دون أخذِ شيءٍ منها؛ اقتداءً بالنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.
     

أمَّا مسألةُ الإنكارِ؛ فمن حلَقَها أو أخذ منها وقصَّرها وخفَّفَها، فيُنكَرُ عليه؛ لأنَّه فعل مُنكرًا، لكنَّه مُنكَرٌ دون مُنكَرٍ، والمعاصي تتفاوَتُ كما تقدَّمَ، وأمَّا من وفَّرَها وكثَّرها وأرخاها ولو أخذ ممَّا زاد على القبضةِ، فلا يُنكَرُ عليه، ولم يُنكِر الصَّحابةُ رَضِيَ الله عنهم على من فعلَ ذلك، كابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما.
 

والله أعلم.