قراءة وتعريف

حقيقةُ الضَّرورةِ الشَّرعيةِ وتطبيقاتُها المعاصِرة (قراءة وتعريف)
book
محمد بن حسين الجيزاني
عنوان الكتاب: حقيقةُ الضَّرورةِ الشَّرعيةِ وتطبيقاتُها المعاصِرة
اسم المؤلف: محمد بن حسين الجيزاني
الناشر: مكتبة دار المنهاج - الرياض
سنة الطبع: 1435هـ
عدد الصفحات: 159

التعريفُ بموضوعِ الكتابِ

كتب اللهُ لشريعة الإسلامِ البقاءَ والخلودَ، وأمر الناسَ بالانقيادِ لها والدُّخولِ تحت أحكامِها؛ لِما في الشريعة من عدلٍ ورحمةٍ قد جاءت بتقديرِ حالاتِ الاضطرار ومراعاةِ أحوال المضطرين.

وهذا الكتاب (حقيقةُ الضَّرورةِ الشَّرعيةِ وتطبيقاتُها المعاصِرة) يتضمَّن بيانَ معنى الضَّرورة في الشَّرعِ وضوابطِها، مع ذكر طائفةٍ من الأمثلةِ التطبيقيةِ المعاصِرة.
 

وقد قسَّم المؤلِّفُ الكتابَ إلى مُقدِّمةٍ، وتمهيدٍ، وستة مطالبَ؛ ففي المقدِّمة تكلَّم عن أهميَّةِ الموضوع من ثلاثةِ جوانبَ:

- أنَّ مسألةَ الضَّرورة الشَّرعية بحاجةٍ إلى تأصيلٍ وضبطٍ.

- أنَّ أهلَ الزَّيغ والفساد ما زالوا يُلَبِّسون على أهل الإسلام دينَهم باسم الضَّرورةِ.

- أنَّ في تحرير مسألةِ الضَّرورة تقريرًا لعظمة هذا الدِّينِ.

وفي التمهيد ذكر الأدلَّةَ على اعتبار الضَّرورة في الشريعة الإسلامية، وأشار إلى أنَّه قد تواترت الأدلَّةُ والشواهِدُ من القرآن والسنَّة وقواعد الشريعة العامَّة على مراعاة حالِ الضَّرورةِ في أحكام الشَّريعةِ.

ومن هذه الأدلَّة قولُه تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173]. وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا ضرَرَ ولا ضِرارَ)).
 

ومن قواعدِ الشَّريعةِ:

  • أنَّ الشريعةَ مبنيَّةٌ على جلبِ المصالحِ للعباد ودَرءِ المفاسدِ عنهم.
  • أنَّ الأحكامَ الشَّرعيَّةَ مشروطةٌ بالقدرةِ والاستطاعةِ.

ثم كان المطلبُ الأول فعرَّف فيه المؤلِّفُ الضَّرورةَ لغةً واصطلاحًا، وأشار إلى أنَّ المعنى العامَّ للضرورةِ هو: ما لا بدَّ منه في قيام مصالحِ الدِّين والدنيا.

أمَّا المعنى الخاصُّ فهو الحاجةُ الشديدةُ الملجئةُ إلى ارتكاب محظورٍ شرعيٍّ. ونبَّه على أنَّ هذا التعريفَ يشتمِلُ على ثلاثةِ قيود:

القيد الأول: أنَّ الضَّرورةَ حاجةٌ مُلجئة لا مدفعَ لها.

القيد الثاني: أن الضَّرورة عذرٌ معتبرٌ شرعًا.

القيد الثالث: أنَّ الحكمَ الشَّرعيَّ الذي تحصل مخالفتُه من أجل الضَّرورة إنما هو التحريمُ؛ إذ الضَّرورةُ تختصُّ بفعل المحظور.
 

وفي المطلب الثاني: تكلَّم المؤلِّفُ عن أقسام الضَّرورة الشَّرعيةِ، ولفَتَ النَّظَرَ إلى أنَّ الضَّرورةَ الشَّرعيةَ تنقسِمُ باعتباراتٍ متعدِّدةٍ؛ فممَّا ذكره:

- انقسامُ الضَّرورةِ بالنظرِ إلى أسبابِ وقوعِها، وأنَّها تنقسم إلى قسمين: ضرورةٍ سببُها أمرٌ سماوي، كالمجاعة، والحيوان الصائل.

وضرورةٍ سببُها أمرٌ غيرُ سماوي، كالإكراهِ الملجئ.

- انقسامُ الضَّرورةِ بالنظَرِ إلى شمولها، وتنقسِمُ إلى قسمينِ أيضًا: ضرورةٍ عامَّةٍ: وهي ما عمَّت المسلمين أو جمعًا منهم، كالوقوع تحت ويلات الحروب، أو آفات الزلازل والأعاصير. وضرورةٍ خاصةٍ: وهي تلك الحالةُ التي تختصُّ بواحدٍ أو جماعة معيَّنة، كالوقوع في المخمصة، أو تحت الإكراه.

- انقسامُ الضَّرورة بالنظرِ إلى بقائِها، وكذلك تنقسم إلى قسمين: ضرورةٍ مستمرةٍ باقيةٍ، كمن يُضطرُّ لتناولِ شيءٍ من الأدوية المحرَّمة لمرض لا يُرجى برؤه منه، وضرورةٍ مرجوَّةِ الزَّوالِ، كمن وقع في مخمصة.
 

وقد أشار المؤلِّفُ إلى أنَّ لهذا التقسيم أثرًا مهمًّا في حكم استمرار العمل بالضَّرورة... وغيرها من التقسيمات.

ثم قام المؤلف في المطلب الثالث بدراسةِ العَلاقةِ بين الضَّرورة وما يقاربُها من مصطلحاتٍ، فذكر عددًا من المصطلحاتِ والعَلاقة بينها وبين الضَّرورةِ؛ ومِن هذه المصطلحات: (الحاجة) وذكر أنَّ هناك اتفاقًا في المعنى الاصطلاحي لكلٍّ من الضَّرورةِ والحاجة؛ حيث يشتركان في أصل المشقةِ، فكلٌّ منهما يستدعي التيسيرَ والتخفيف، لكنْ يختلفان في مقدارِ هذه المشقَّةِ؛ وذلك أنَّ المشقَّةَ في باب الضَّرورة مشقةٌ فادحةٌ غير عادية، أمَّا المشقَّةُ في بابِ الحاجة فإنَّها مشقَّةٌ محتملة عادية لا يترتبُ عليها الهلاكُ والتلفُ، وإنما يحصُلُ معها الحرَجُ والضِّيقُ.

وكذلك ذكرَ المؤلِّفُ العَلاقةَ بين (الضَّرورة والرُّخصة)؛ حيث عرَّف الرخصةَ عند الأصوليين بأنها: الحكمُ الثابتُ على خلافِ الدليلِ الشَّرعي لمعارِضٍ راجحٍ، ومن أمثلتها: قصرُ الصلاة وجمعُها، والفِطرُ حالَ السَّفرِ.

وأشار المؤلِّفُ إلى أن الضَّرورة تشتركُ مع الرخصة في أنَّ كلًّا منهما سببٌ شرعي للتسهيلِ والتيسير ورفع المشاقِّ، إلَّا أن التسهيل في بابِ الضَّرورة يختصُّ بالحاجة الشديدة الملجِئة، بخلاف التسهيلِ في باب الرخصة فإنَّه أعمُّ؛ فالعَلاقةُ بين الضَّرورة والرخصة هي العمومُ والخصوصُ المطلَقُ. ثمَّ ذكَرَ العلاقةَ بين الضَّرورة والمشقَّةِ، وكذلك ذكَرَ العلاقةَ بين الضَّرورة والمصلحةِ.
 

ثمَّ كان المطلب الرابع الذي خصَّصه المؤلفُ لذكر ضوابطِ الضَّرورة الشَّرعيةِ، وذكر المرادَ بضوابط الضَّرورة الشَّرعيةِ، فقال: هي الشروطُ المعتبرةُ شرعًا في حالةٍ ما؛ حتى يسوغَ تسميةُ هذه الحالة ضرورةً شرعيةً يسوغ لأجلِها الترخُّصُ بارتكابِ ما هو محظورٌ شرعًا. وذكر المؤلِّفُ أنه يمكن جمعُها في هذه الشروطِ:

- قيامُ الضررِ الفادحِ أو توقعُ حصولِه يقينًا أو غالبًا.

- تعذُّرُ الوسائل المباحة لإزالة الضرر، فيتعين إذ ذاك ارتكابُ المحظورِ الشَّرعيِّ؛ لأجل إزالتِه.

- أن تُقدَّرَ هذه الضَّرورةُ بقَدرِها من حيثُ الكَمُّ والوقتُ.

- النظرُ إلى المآل، وذلك بألَّا يترتبَ على العمل بالضَّرورة ضررٌ مساوٍ أو ضررٌ أكبَرُ من الضرر الحاصلِ.

ثم قام المؤلِّفُ بعرض هذه الشروط وبيانِها، مع ذكر الأدلَّة عليها، وبعضِ التطبيقات المعاِصرة لها.
 

ثم تناول المؤلِّفُ في المطلب الخامس حكمَ العملِ بالضَّرورةِ، وقرَّر أنَّ حكمَ العملِ بالضَّرورة من حيثُ هي ضرورةٌ: الإباحةُ، وذكرَ أنَّ المراد بالإباحةِ هنا: رفعُ الحرج والإثمِ، والدَّليلُ على ذلك قولُه تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [البقرة: 173] فلا إثمَ على المضطرِّ باتفاقٍ إذا اتقى الله تعالى في تقدير هذه الضَّرورةِ.

أمَّا من حيث التفصيلُ فقرَّر المؤلِّفُ أن الضَّرورة على ثلاثة أقسام:

- ضرورةٌ يجب فعلُها، كأكل المَيتةِ بالنسبة للمضطرِّ الذي لا يجدُ من الحلال ما يرُدُّ به نفسَه.

- ضرورةٌ يباحُ فِعلُها، كإجراء كلمة الكفرِ على اللسان عند الإكراهِ.

- ضرورةٌ يَحرُمُ فِعلُها، نحو قتل المسلم، أو قطع عضو منه بغير حقٍّ.

وفيه أشار المؤلِّفُ إلى أنَّ المحظورات نوعان:

- نوعٌ تبيح الضَّرورةُ فِعلَه، والضَّرورةُ في هذا النوع إمَّا أن تُسقِطَ حُرمتَه، مثل: الأكلِ من المَيتة، وإمَّا ألَّا تُسقِطَها، مثلُ: التلفُّظ بكلمة الكفر، بل تبقى حرمتُه، لكنَّ الضَّرورةَ ترفعُ عن فاعله المؤاخذةَ الأُخرويةَ.

- ونوعٌ لا تبيحُ الضَّرورةُ فِعلَه بحالٍ، كالإكراه على قتلِ المسلمِ.

وأشار المؤلِّفُ بهذا إلى أنَّ قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) تحتاج إلى قيدين:

1- أنَّ الإباحةَ هنا بمعنى رفعِ الإثمِ، لا بمعنى التخيير بين الفعل والترك.

2- أنَّ الضروراتِ لا تبيحُ كلَّ المحظوراتِ، بل هناك محظوراتٌ لا تُباح البتَّةَ.

وعليه أعاد المؤلِّفُ صياغة هذه القاعدة الفقهية؛ لتكونَ: (الضرورات ترفع الإثمَ والحرجَ عن ارتكاب المحظورات التي دُونَها في المفسَدةِ).
 

ثم ختم المؤلِّفُ الكتابَ بالمطلب السادس الذي خُصِّص للحديثِ عن القواعد الفقهية والأصولية المتعلِّقة بالضَّرورة، فتكلَّم عن (الاستحسان)، وذكر أنَّه عند الأصوليين يُطلَقُ على: العدولِ بحكمِ المسألة عن نظائرِها؛ لدليلٍ خاصٍّ، وهذا الدليلُ الخاصُّ قد يكون نصًّا أو إجماعًا أو ضرورةً: ومثالُه الحكمُ بطهارة البئر بعد تنجيسِها مع أنَّ الدَّلوَ يَنجُسُ بملاقاة الماء، فلا يزالُ يعود وهو نجِسٌ إلَّا أنَّ الشرع حكَمَ بالتطهيرِ للضَّرورةِ؛ حيث إنَّه لا يمكِنُنا غَسلُ البئر بماءٍ طاهرٍ إلَّا من طريق نزحِ الماءِ النَّجِس.

وتكلم كذلك عن (المصالح المرسَلة) وذكر أنها: منفعةٌ لم يشهد الشرعُ لاعتبارِها ولا لإلغائِها بدليلٍ خاصٍّ.

وأبان أنَّ المصلحة المرسَلة تنقسِمُ بالنظرِ إلى قوَّتِها إلى ثلاثة أقسام: فأقواها المصلحةُ الضروريةُ، ثم الحاجيَّةُ، ثم التحسينيةُ.

وذكر أنَّ المرادَ بالمصلحة المرسَلة الضرورية هي ما كانت المصلحةُ فيه في محلِّ الضَّرورةِ، بحيث يترتَّبُ على تفويت هذه المصلحةِ تفويتُ شَيءٍ من الضرورياتِ أو تفويتُها كلِّها.

وذكر أنَّه تندرجُ الضَّرورةُ تحت قاعدتين كُبرَيين من القواعد الفقهية: (المشقةُ تجلبُ التيسير)؛ حيث إنَّ الضَّرورةَ مِن المشاقِّ التي تستدعي التيسيرَ والتخفيفَ. وثانيهما قاعدةُ: (الضررُ يُزال)؛ حيث إن العملَ بالضَّرورةِ في حقيقته إمَّا أن يكونَ منعًا للضَّررِ قبل وقوعِه، أو رفعًا له بعد وقوعِه.
 

 ثم الخاتمة، وذكر فيها المؤلِّفُ خلاصةً مُركَّزةً للبحثِ.