قراءة وتعريف

الغرورُ العِلميُّ وأثرُه في العَقلِ العِلميِّ وأبجديَّاتِ الطَّلبِ (قراءة وتعريف)
book
السعيد صبحي العيسوي
عنوانُ الكتابِ: الغرورُ العِلميُّ وأثرُه في العَقلِ العِلميِّ وأبجديَّاتِ الطَّلبِ
اسم المؤلف: السعيد صبحي العيسوي
الناشر: دار الميمان
سنة الطبع: 1439- 2018
عدد الصفحات: 177

التعريفُ بموضوعِ الكتابِ

من الأمورِ الظَّاهرةِ للعِيانِ، الواضحةِ في الأذهان: أنَّ الاشتغالَ بالتعلُّم دون حَصانةٍ قلبيةٍ وعباديةٍ يجعلُ الطالِبَ عُرضةً للآفاتِ، ومن أشدِّ الآفاتِ التي تصيبُ طالِبَ العلمِ آفةُ الغرور، التي إن أصابت الطالِبَ ولَجَت به في التناقُضاتِ والأوهامِ، فآل أمرُه إلى ضُمورِ آلةِ العِلمِ عنده، وعدمِ الإفادةِ الحقيقيَّةِ مِن المحصَّلِ.
 

والكتابُ الذي نُعرِّفُ به: (الغرورُ العِلميُّ) يُلقي الضوءَ على هذه الآفةِ، كاشِفًا حقيقتَها، باحثًا عن مُسَبِّباتها ومَظاهرِها وعلاماتِ المُصابِ بها، مع ذِكرٍ لشيءٍ من العلاج لها، كلُّ هذا مع ضمائِمَ تبيِّنُ الأمرَ وتزيدُه وضوحًا. 

ولقد كشف المؤلِّفُ عن باعثِه للكتابةِ حول هذا الموضوعِ، ومن ذلك أنَّ كلَّ سالكٍ لطريقِ الطلبِ عُرضةٌ للإصابة بهذا الداءِ (الغرور العلمي)؛ ممَّا دعاه إلى البحثِ والتنقيب عن مسبِّبات هذا الداء، مع البحثِ عن علاجِه، وأسبابِ الوقايةِ منه.
 

وقد قدَّم المؤلِّفُ للكتاب بمقدِّمةٍ قصيرةٍ أتبَعَها بعُنواناتٍ رئيسةٍ كانت بمنزلة الفصولِ للكتاب، تضمُّ في أثنائِها عنواناتٍ فرعيةٍ، كمباحِثَ مُرتبطةٍ بالعنوان الرئيس.
 

وقدَّم كتمهيدٍ للكتاب عنوانينِ:

الأول: (حقيقة الغرور العلمي) الذي شرح فيه مصطلحَ الغرورِ العلمي، وعرَّفه بـأنه (شعور خادِعٌ بحصولِ صورةِ العِلمِ، مع الفَخرِ والزَّهوِ).

والثاني: (الغرور العلمي ومحنة النوع والعين) وبيَّن فيه أنَّ المؤثِّرَ الحقيقيَّ: هو النيَّةُ والمخبَرُ والطوِيَّة، وأنَّه مهما وُصِف رجلٌ بغرورٍ وزهوٍ، فغايةُ الأمر أن يكونَ حُكمًا بالظاهرِ لا حُكمًا في الواقعِ والحقيقة.
 

ثم بدأ المؤلِّفُ في سَردِ الفُصولِ؛ فممَّا بدأ به: (الغرور العلمي وأثرُه في العقل العلمي) وقد أوضحَ فيه أنَّ معاركَ الاغترار لا تدورُ رَحاها في فَلَك النيَّات فحسبُ، بل تتعدى ذلك بمراحِلَ متقَدِّمة إلى القَدْح في الفِكرِ وآلته، وقد أشار المؤلِّفُ إلى أنَّه بإنعامِ النظرِ في جناياتِ الغرور على العقلِ العلمي يتَّضِحُ أنَّ قُطبَ رَحاها دائرٌ حول:

ضعف القوى الإدراكية: وأوضح أنَّ أثرَ ذلك يظهرُ في أمورٍ، منها: ضعفُ التصوراتِ النَّاتجُ عن فقدانِ خُلُقِ التروِّي والتريُّث لدى المغرورِ.

الأوهام والتناقضات: ويظهرُ أثَرُها في أمورٍ، منها: التناقضُ والذي يُعنى به هنا التفاوتُ بين العلمِ والعملِ، أو عدمُ الانقيادِ والعملِ.

ميع الأذهان: وهو نتاجُ الشَّغفِ والتطلُّع إلى لفتِ الأنظارِ، فينتجُ حينئذ ذوبانُ الذِّهنية العِلمية التي ستتيهُ في مَفازةِ الرياء والزَّهوِ والفخرِ.
 

ثم تناول المؤلِّفُ (أثر الغرور العلمي في أبجديات الطلب) وأشار إلى أنَّ جناية الغرور تظهرُ في مواطِنَ، منها:

ضَعْف المحصَّل: وهو أوضَحُ آثارِ الغرور، فما إن يجِد شعورُ الأهليةِ والزهوِ طريقَه إلى قلبِ الطالبِ حتى ينحسِرَ علمُه وتضعُفَ عزيمتُه.

فَقْد نفسيةِ المتعلِّم المتواضِع: فمن أثرِه في أبجديات الطلب: استحالةُ نفسية المغرور من نفسية المتعلِّم المتواضِع، إلى نفسية المتكبِّرِ المغرور.

وأخيرًا: ظنون الاكتفاء وضعف آلة الصبر
 

ثم تناول المؤلِّفُ بعد ذلك (أسباب الغرور العلمي)، وذكر سبعةَ أمور، منها:

فتح أبواب المدح والثناء: وأوضح المؤلِّفُ أنَّ المدحَ والثناءَ من المداخِل التي يَعبُرُ من خلالها الممدوحُ إلى مرحلة الغرورِ والزَّهْو؛ وهذا لأنَّ العبدَ يُخدَعُ بالمدحِ والثناء في تقديرِ حقيقة رتبتِه العِلميَّة، ومنزلته في الديانةِ ومحرابِ التعبُّد.

حبُّ الشهرةِ والشرفِ والذِّكر: فحبُّ الشهرة يفتِكُ بإخلاصِ العبدِ، ونزاهةِ قَصدِه، واستقامته على صراط العلم.
 

ثم تحدَّث عن (علامات الغرور العلمي)، وعرَضَها مُقسَّمةً إلى أقسامٍ:

  علامات عامة، منها: السعيُ لمظاهر الشرف والمنزلة، الجُرأةُ على النقدِ وأنفةُ الوقوعِ تحت طائلته، الاستبدادُ بالرأيِ وأنَفةُ التراجُع.

علامات في مرحلة التلقي والطلب، منها: التماسُ العلوم التي تمهِّدُ للشَّرَف، قصدُ التخصُّص المبكِّر قبل الشُّمولِ العِلميِّ.

علامات في مرحلة التعليم والنشر، ومن ذلك: إظهارُ المحفوظ من المتون الصعبة والألفيات العلمية عند غير أهلها وبلا داعٍ، الحطُّ على الأكابرِ والتنقُّص من علومِهم، تجاهلُ النبوغِ العِلميِّ عند الطلاب.
 

ثم أفاض المؤلف في (علاج الغرور العلمي) لأهميته، وقد قام بتقسيم مراحلِ العلاج إلى عِدَّةِ مراحِلَ:

المرحلة الأولى: سد الذرائع: وهي مرحلةٌ أولية لتجفيفِ الأسباب المُفضية إلى الغرور، ونبه على أنَّ على المُبتلى بهذا الداء أن يقِفَ مع نفسِه وقفةَ حسابٍ وتمحيصٍ؛ حتى لا يُخدَعَ ببريق الغرورِ.

وقد نبَّه المؤلِّفُ على أنَّ الطالِبَ بحاجةٍ إلى سدِّ وتجفيفِ عدَّةِ منافِذَ، من ذلك: سدُّ ذرائع الخلطة المفسِدة، سدُّ ذرائع المديح والثناء، سدُّ ذرائع أماني الشَّرَف والمنزلة.

أما المرحلة العلاجية الثانية فهي استئصال واقتلاع: ومرادُه هو التخلي عن مفرداتِ الغرورِ؛ كالعُجبِ، والكبرياء، والفخرِ، والرِّياء، ونحوها.

ثم المرحلة الثالثة في العلاج التي جعلها تحت عنوان غِراس القِيَم: ومقصِدُه منها هو غَرسُ القِيَم النبيلة والشريفة؛ لتحصينِ قلبِ العبد وعِلمِه؛ لتكوين مناعةٍ لصَدِّ دخيل الأخلاق ومساوئِها، ومن ذلك:

غرسُ قيم الافتقار إلى الله تعالى؛ فالعبدُ وما يملِكُه مَحضُ جُودٍ وتفَضُّلٍ مِن المنعِمِ تعالى؛ قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15].

غرسُ قيمة الإخلاص؛ فالإخلاص قيمةٌ كبيرةٌ، وهي مَناطُ القَبول.

غرسُ حقيقة العلم، ونبَّه المؤلِّفُ على أنَّ هذا الأمرَ يقتلِعُ شَطرًا كبيرًا مِن غرورِ الطلَّابِ. وغيرها من القِيَم المفيدة في علاجِ هذه الآفةِ.

ثم أتبع المؤلِّفُ هذه المراحِلَ العلاجية بأمرٍ مُهمٍّ، وهو (التواضع العلمي) وذكر عددًا من مُعيناتِ التواضُعِ العِلميِّ، من ذلك:

طلبُ العلمِ لله سبحانه وتعالى، ونقَلَ فيه قولَ الذهبي: (من طلب العلمَ للعملِ كسَرَه العِلمُ، وبكى على نفسِه، ومن طلب العِلمَ للمَدارسِ والإفتاءِ، والفخرِ والرِّياء؛ تحامقَ واختال وازدرى بالنَّاسِ، وأهلكه العُجبُ، ومقتَتْه الأنفُسُ).

العلمُ بأنَّ الله واهِبُ العلمِ ومانحُه.

حبسُ اللسانِ عن دعاوى الاستقراءِ، ونبَّه على أنَّ على طالبِ العلمِ أن يأخُذَ نفسَه بالحَيطةِ والدقَّةِ في الألفاظِ.
 

وختم المؤلِّفُ الكتابَ بعنوان (ضبط وتحقيق) كان مرادُه منه التمييزَ بين بعضِ الأمور التي يُظنُّ أنها من الغرورِ أو تشتركُ مع الغرورِ في بعض مظاهِرِه، فبيَّن المؤلِّفُ الفرقَ بينهما؛ فمن ذلك:

مسألة (صَون الرتبة العلمية) فلا يُخلَط بين مقامِ صَونِ القلب عن الانزلاق في دَركِ الاغترار، وبين مقامِ معرفة الرُّتبة العلمية؛ فمعرفةُ الرتبة العلمية تفيدُه وتعينُه في معرفةِ احتياجاته العِلمية والعَمَلية والسلوكيَّة، وتُطلِعُه على مدى التأهُّلِ للنظرِ في المسائِلِ والقضايا.

وكذلك مسألةُ طلبِ الشَّرَفِ وطلبِ النبوغِ العلمي؛ فتمنِّي الشرف والمنزلة من أمورِ الدنيا المذمومة، أما طلبُ النبوغِ العِلميِّ فهو محمودٌ مطلوب إذا صَدَقت الطويَّةُ والغاية؛ ففَرقٌ بين من يريد اللهَ والدارَ الآخرةَ، ومن يريدُ العلوَّ والشَّرفَ.

 

ثم ختم المؤلِّفُ الكتابَ بخاتمةٍ فيها بعض النصائحِ، منها:

اعلم أنَّ قلبَك هو محلُّ نظر الله عزَّ وجلَّ، والقلبُ كعبةٌ، والمعبود لا يرضى بمزاحمةِ الأصنامِ.

الزَمْ غرْسَ العُلماء والصالحين ولا تبالِ؛ فجفوةُ الخَلقِ مع الإخلاصِ أوصَلُ لك من أُنسِ العالَمين؛ فاستعذِبْ إخلاصَك تجِدْه حُلوًا زُلالًا.

اعلمْ أنَّه لن تسطَعَ أنوارُ عِلمِك حتى تقدَحَ زنادَ التواضُعِ العِلميِّ، وحينها ستُشرِقُ شمسُ علومِك وتَفيضُ بركتُها.
 

والكتابُ جديرٌ بكلِّ طالب علمٍ أن يقرأه ويتأمَّل ما فيه