قراءة وتعريف

الاتجاهاتُ الحَشويَّةُ في الفِكرِ الإسلاميِّ
book
أحمد قوشتي
عنوان الكتاب: الاتجاهاتُ الحَشويَّةُ في الفِكرِ الإسلاميِّ
اسم المؤلف: د. أحمد قوشتي
الناشر: دار الفضيلة
سنة الطبع: 1437 – 2016م
عدد الصفحات: 200

التعريفُ بموضوعِ الكتابِ

برزَ مُصطلَحُ الحَشويَّة في سياقِ ما يُمكِنُ تسميتُه بـ (حرب الألقاب والمصطلحات)؛ حيث تُصَكُّ ألقابُ ذمٍّ وتشويهٍ للخُصومِ عبرَ مصطلحٍ معيَّنٍ، له دَلالاتٌ مُعجميَّةٌ ولُغويَّةٌ سيِّئةٌ، كما أنَّ ظِلالَ معناه والأطيافَ المحمَّلةَ بداخله تبعثُ على النُّفور والاشمئزاز، غيرَ أنَّه لا نكادُ نقِفُ على أشخاصٍ أو طوائفَ اتَّفقَت الكلمةُ على إدراجِهم في عِداد الحَشويَّة ولهم تراثٌ مكتوبٌ ينصرون فيه مذهبَهم، ويردُّونَ على شُبُهات الخصومِ. وكتابُ هذا الأسبوعِ يتناولُ الحشويَّة كمصطلحٍ أو اتجاهٍ فِكريٍّ ظهر قديمًا وما زال موجودًا بصورةٍ أو بأخرى حتى يومِنا هذا.

وقد قسَّمَ المؤلِّفُ الكتابَ إلى مقدمةٍ وأربعةِ مباحثَ ثمَّ الخاتمةِ.
 

في المبحث الأول عرف المؤلِّفُ الحشويةَ لغةً واصطلاحًا

وأنها- لغةً- نسبةٌ إلى الحَشْوِ أو الحَشَا، وأنَّ الحَشوَ في معظمِ إطلاقاتِه يُرادُ به الأشياءُ غيرُ الضَّروريَّة أو قليلةُ القيمةِ.

ثم عرَّفه اصطلاحًا بأنَّه: عبارةٌ عن اتِّجاهٍ عامٍّ وتيارٍ فكريٍّ موجودٍ داخلَ الكثير من المذاهب والطوائفِ المختلفةِ مُتمثِّلًا في الاتِّجاهات القائلةِ بالتَّشبيه والتجسيمِ، والاتجاهاتِ المُنحِيةِ للعَقلِ بالكليَّة، وكذا التي تروي الموضوعاتِ مِن الأحاديثِ والآثارِ، ولا تميِّزُ بين الصَّحيحِ والموضوعِ.
 

وفي المبحث الثاني تناولَ نشأةَ مُصطلح الحَشويةِ، وأوضح أنَّه قد ظهر اتِّجاهانِ في تحديد الوقتِ الذي ظهر فيه مُصطلح الحَشويَّة، وأوَّل من استخدمَه:

الاتجاه الأول: أنَّ أوَّلَ ظهور لهذا المصطلح ورد على لسانِ الحسَنِ البَصريِّ حينما قال لجماعةٍ من الناس كانوا يجلِسونَ في حلقتِه وتفوَّهوا بكلامٍ مُنكَرٍ: (ردُّوا هؤلاءِ إلى حَشا الحَلقةِ- أي: جانبِها) فسُمُّوا بالحَشويَّة.

الاتجاه الثاني: أنَّ أوَّلَ ظهورٍ لهذا المُصطلحِ ورد على لسانِ المُعتزلة، ويعَدُّ عمرُو بنُ عبيد أحدُ أئمَّة المذهب الاعتزاليِ أوَّلَ من استخدم هذا اللَّقبَ، كما قال شيخُ الإسلامِ ابن تيميَّة- رحمه الله تعالى.
 

ثم كان المبحث الثالث وتناول فيه عوامِلَ ظهور الاتِّجاهاتِ الحَشويَّة، وفيه أشار إلى عددٍ من العوامل التي كان لها- من وجهة نظرِه- أثرٌ جوهريٌّ في ظهورِ الاتِّجاهاتِ الحَشويَّة المختلفةِ، وذكر منها:

  1. العامل النفسي

 ويُقصَدُ به أنَّ نفسيَّةَ عوامِّ النَّاسِ وسُذَّاجِهم وخصائِصَ شخصيَّتِهم تكون دائمًا أكثرَ مَيلًا واستعدادًا لقبولِ النَّزعة الحَشويَّة، وخصوصًا فيما يتعلَّقُ برواية الموضوعاتِ والقَصص والخُرافات التي تستهوي عقليَّة العوامِّ.

  1. الغُلُو في ردِّ الفعل

فقد يحدثُ أحيانًا أن يتبنَّى مذهبٌ أو فرقةٌ كلاميَّةٌ ما اعتقادًا مُعَيَّنًا، ويُسرِفُ في تبنِّيه والدعوةِ إليه؛ ممَّا يؤدي إلى ظهورِ فرقةٍ أخرى تتبنى الاعتقادَ المضادَّ تمامًا، وتُقابلُ الغلوَّ السابقَ بغلوٍّ مماثلٍ أو أشَدَّ.
 

ثم كان المبحث الرابع وجعله للحديثِ عن أبرزِ الاتِّجاهات الحَشويَّة، وبيَّن فيه أنَّ ظاهرةَ الحشوِ قد وُجِدَت بصورةٍ أو بأخرى لدى عددٍ من المدارس الكلاميَّة، وذكر من أبرزِ هذه الاتِّجاهات:

أولًا: حَشويَّة الشِّيعة

وذكرَ مِن مظاهرِ الحَشوِ عندهم:

القول بالتَّشبيه والتَّجسيم:

فقد كادت تتَّفِقُ كلمة مؤرِّخي الفِرَق على أنَّ بدءَ ظُهورِ التَّشبيه في الإسلامِ كان من قِبَل الرَّوافض، ثمَّ انتقل منهم إلى الفِرَق الأخرى.

الرِّوايات الموضوعة:

فلدى الشِّيعةِ ضَعفٌ شديدٌ في مجال التمييزِ بين المرويَّات وتعديلِ الرُّواةِ وتجريحِهم؛ ممَّا أفسح المجالَ لانتشارِ الرِّوايات المكذوبةِ، وكثرة الرُّواة المعروفين بالوضعِ.
 

ثانيًا: حشويَّةُ الكرَّاميَّة

ويُعتبَرُ الكرَّاميَّةُ أشهرَ من أُدرِجوا في عدادِ الحَشويَّة؛ لِمَا عُرِفَ عنهم من القولِ بالتَّجسيمِ والتَّشبيهِ، وذكر من أبرز جوانبِ الحَشوِ لديهم آراءَهم في بابِ الصِّفاتِ.
 

ثالثًا: حشويَّةُ الصوفيَّة

فالبيئةُ الصوفيَّةُ بطبيعتها وخصائصِها وسِماتِ المُنتَمين إليها تمثِّلُ تربةً خِصبةً لنُشوءِ الحَشوِ والحشويَّة، وليس ذلك على وجهِ العُمومِ، وذكر من أبرز الخصائصِ في ذلك:

1- انتشار الغلوِّ بأنواعِه المتعدِّدة لدى قطاعٍ كبيرٍ من الصوفيَّة، فهناك غلوٌّ في الأنبياءِ، وفي الأولياءِ والصَّالحين.

2- كون التصوُّفِ بطبيعتِه واعتمادِه على التَّجربة الذَّوقيَّة والكَشفيَّة لا يعوِّلُ كثيرًا على العَقلِ؛ ممَّا يفتَحُ البابَ أمامَ التَّصديقِ بكُلِّ ما يُقالُ ويُروى دون كثيرِ تمحيصٍ.

3- قلَّة عناية أكثرِ الصوفيَّة بالعلمِ، ولا سيَّما علم الحديث؛ ممَّا جعل كتُبَ القومِ مَرتعًا خِصبًا لانتشار الأحاديثِ الموضوعةِ والضَّعيفة، والتي لا أصلَ لها، وذكرَ من أهم الأمورِ التي ظهرت لدى الصوفيَّة وهي تندرج في مفهومِ الحَشوِ: القولَ بالحُلول والاتِّحاد، أو بوَحدة الوجودِ.
 

ثمَّ كانت الخاتمة وفيها أهمُّ النَّتائجِ، وذكر منها:

1- تضافرت مجموعةٌ مِن العواملِ التي أسهمت في ظهورِ الاتِّجاهاتِ الحَشويَّة، ولعلَّ في مقدِّمتِها الجانبَ النفسيَّ، وردَّ الفعلِ على التيَّارات المبالغةِ في النفي والتعطيلِ، إضافةً إلى العاملِ الخارجيِّ الذي يتجلَّى فيه التأثُّر بالآراء النصرانيَّة واليهوديَّة والرواقيَّة.

2- ظهر الحَشوُ لدى جماعةٍ من المُنتَسبينَ إلى علمِ الحديث أو التفسيرِ، ممَّن اقتصروا على جانبِ الرواية دون أن يكونَ لديهم مَلَكةُ النَّقدِ والتَّمييزِ.

3- مِن الخطأِ الواضحِ قَصرُ الحَشوِ على المحَدِّثين أو الحنابلةِ وَحدَهم؛ لأنَّه لم يكن سِمةً عامَّةً لديهم جميعًا، وإنَّما ظهر لدى بعض المُنتَسبينَ إليهم، كما أنَّ المحَدِّثينَ وعُلَماءَ الحنابلةِ الثِّقاتِ أنفُسَهم نقَدوا هؤلاء النَّفرَ نقدًا شديدًا، وأخرجوهم مِن عدادِ أهلِ الفَنِّ الثِّقاتِ الأثباتِ.