قراءة وتعريف

التنوير الإسلامي في المشهد السعودي
book
عبد الوهاب بن عبد الله آل غظيف
عنوان الكتاب: التنوير الإسلامي في المشهد السعودي – أصوله الفكرية وموقفه من القضايا الشرعية
النـاشــر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث – جدة
الطبعة: الأولى
سـنة الطبع: 1434هـ
عدد الصفحات: 142

التعريف بموضوع الكتاب :

التنوير.. فكرة انهزاميَّة, انبهر أصحابها بالبريق الزائف لماديَّة الغرب, ورأوا أنَّه من المحتَّم عليهم أن يَلحَقوا بركْب الحضارة الغربيَّة, وأن يُسايروا تلك النَّهضة, فخَضعوا لاشتراطات الظروف المعاصرة في تفسير المعاني النَّهضويَّة, فكان من نتاج هذا الخضوع أنْ تخلَّوْا عن المبادئ, وتنازلوا عن ثوابت الدِّين, وبدؤوا في تحريف الشَّريعة الإسلاميَّة, والعبَث بأحكامها، وتحويرها؛ لتتناسبَ مع المفاهيم الغربيَّة التي عجَز الغرب نفسُه عن أن يفرضها على أبناء الأمَّة, ومِن ثَم ليخرجوا بدِين ممسوخ, ألْبسوه لباس الإسلام, ووافق عليه الغرب, وباركه لهم.

وكتاب هذا الأسبوع جاء للحديث عن هؤلاء، وبالأخصِّ ما يُسمَّى بـ(التنوير الإسلامي) في المشهَد السُّعودي, والأصول الفِكريَّة التي يرتكز عليها, ومواقفه من قضايا الشَّريعة.

في بداية الكتاب خطَّ المؤلِّف توضيحاتٍ أوليَّةً تناول فيها عدَّة أمور؛ منها: بيان أنَّ أصل مصطلح (التنوير) في الساحة الفكريَّة مرتبط بنشوء الحركة الفلسفيَّة الشهيرة التي نشأت في أوربا, والتي تُقدِّس العقل، وتسعى لإطلاقه عن قيود بيئتها، وكان من أهمِّ هذه القيود الدِّين المُحرَّف الذي ضيَّع مصالح الناس الدُّنيويَّة، وضيَّق عليهم, مع تناقضه مع أبجديَّات العلم, ممَّا أورث تلازمًا بين دعوى إنارة العقل وبين الانعتاق من رِبقة الدِّين والخلوص منه, فأخذتْ بهذا التلازم الحركةُ التنويريَّة في طريقها نحو النَّهضة والبحث عن قِيمة الإنسان؛ لتحقِّق نهضةً مخادعة, وإنجازًا ماديًّا هائلًا لم يكن أقلَّ عَمايةً عن الكنيسة, وصادفت هذه النهضةُ الماديَّة إصابةَ المجتمعات الإسلاميَّة بالانحراف عن الإسلام, فكان من جملة ما صُدِّر إلى هذه المجتمعات مصطلح (التنوير).

ثم أجمل المؤلِّف مسالك هذا التنوير في العالم الإسلامي, وذكَر أنَّ له مسلكينِ:

المسلك الأوَّل: مسلَك صارِخ؛ يُصرِّح بأنَّ نبْذ الدِّين هو الحلُّ النهضويُّ, ولهذا المسلك انعكسان؛ أحدهما: سياسي، مثَّلته الأنظمة الديكتاتوريَّة, والآخَر: ثقافي، مثَّله بعضُ دُعاة التغريب.

المسلك الثاني: وهو اتِّجاه متوارٍ؛ يُظهِر أصحابُه التَّسليمَ للمرجعيَّة الإسلاميَّة، لكنَّهم يمارسون تطويع أحكام الشريعة والنُّصوص ذات الدَّلالة القطعيَّة بما يتوافق مع الثَّقافة الغربيَّة المسيطِرة, ويُذيب التميُّزَ الإسلاميَّ شكلًا ومضمونًا.

ثم تناول المؤلِّف بالحديث التنويرَ الإسلاميَّ في المجتمع السُّعوديِّ, وطرح تساؤلًا مهمًّا، وهو: هل كان (التنوير) في الحالة الإسلاميَّة إطلاق خصوم؟ وأجاب بأنَّ هذا الادِّعاء الذي يُطلقه التنويريُّون يتناقض والحقيقةَ التاريخيَّةَ القريبة, وأنَّ هذا الإطلاق والتسمِّي به في معرِض التمدُّح حقيقةٌ ثابتة في تاريخ الحالة الثقافيَّة السُّعوديَّة.

كما تحدَّث أيضًا عن بعض الإطلاقات والمسمَّيات ذات الصِّلة بالتنوير, كالتوجُّه الجديد بيْن الإسلام والعلمانيَّة, والعصرانيَّة, والعقلانيَّة, والخِطاب النهضوي، وغيرها.

ثمَّ شرَع المؤلِّف بعد ذلك في القسم الأوَّل من أقسام الكتاب, وفيه يتحدَّث عن المبادئ المؤثِّرة في الفكر التنويريِّ, وهنا يذكُر المؤلِّف في حديثه أنَّ أبرز عاملين أسْهما في ظاهرة التنوير هما:

الانبهار بالحضارة الغربيَّة, والاستسلام لضغط مفاهيمها, والنَّهل من مُستنقَع الفِكر الغربيِّ؛ إمَّا مباشرةً, وإمَّا عبْرَ وسائطَ عربيَّة.

قِلَّة المحصول المعرفيِّ من كلام السَّلف في بيان القرآن, والسُّنة, وحقائق الإسلام, وقلَّة مطالعة كتُب أهل العلم في العقائد والفروع.

ثم وقف المؤلِّف عِدَّة وقفات مع أبرز الأفكار والمصطلحات الغربيَّة المؤثِّرة في الظاهرة التنويريَّة, وممَّا تناوله من تلك الأفكار:

1. الحريَّة: وقد عدَّها المؤلِّف - بمفهومها الغربيِّ - من القضايا ذات الحضور المركزيِّ, والتأثير الكبير في الظاهرة التنويريَّة, وذَكَر مجموعةً من الشواهد التي يُتلمَّس من خلالها التشرُّبُ التنويريُّ لمرجعيَّة الحريَّة, ومزاحمتها للدِّين, ومن تلك الشواهد:

أولًا: حريَّة رفض الشَّريعة.

ثانيًا: تحرير الإنسان من المعبودات.

ثالثًا: تقليص المفاهيم في جانب الحريَّة الشخصيَّة والسلوك، كفريضة إنكار المنكَر، وإقامة الحدود الشرعيَّة والتعزيرات؛ إذ يتَّجه الجانب التنويري إلى الموطن الذي يُقيِّدها في الشريعة, فيحاول تقليصها قدْرَ طاقته.

رابعًا: اتِّفاق الجانب التنويريِّ  على أنَّ حرية الرأي مكفولةٌ، ولو خالفت الشَّريعة, ويتنازل بعضُهم بتقييده بعدم مخالفة الشَّريعة، بشَرْط أن يكون هذا التقييد عبرَ قانون مدَنيٍّ يتَّفق عليه النَّاس.

واستعرَض المؤلِّف مجموعةً من شُبه التنويريِّين في شأن الحريَّة, كاستدلالهم على حريَّة الرأي بحريَّة المنافقين في عهد النُّبوَّة, وقولهم: إنَّ الفِكر لا يُواجَه إلَّا بالفكر, وقولهم: إنَّ الحقَّ لا خوف عليه, وغيرها من الشُّبه التي ناقشها المؤلِّف, واستوفى الردَّ عليها.

2. النِّسبيَّة والمساواة: وقد عدَّها المؤلِّف إحدى سيِّئات الفكر الغربيِّ, وأنَّها من أشدِّ القضايا انحرافًا وتأثيرًا؛ وذلك لأنَّ فكرة النسبيَّة قائمة على تذويب ثُنائيَّة الحقِّ والباطل من الأفكار والمعتقَدات؛ فهي مبدأ فلسفيٌّ يضَع المعتقداتِ كلَّها في درجة واحدة, على اعتبار أنَّها عقائدُ وقناعاتٌ صحيحة عند أصحابها فقط، وطرَح المؤلِّف تحت هذه القضية عددًا من أطروحات التنويريِّين، وناقشهم فيها.

3. الدِّيمقراطيَّة: وهنا يوضِّح المؤلِّف أنَّ الديمقراطيَّة عند التنويريِّين تقتضي أن يكون صوت الأكثريَّة مصدرَ السُّلطات جميعها, بما في ذلك سُلطة التَّشريع، ويشمل التَّشريع عندهم اختيارَ غير شِرعة الإسلام, وتنحيةَ الإسلام من النِّظام السياسيِّ!

كما أوضح أنَّ صوت الأكثريَّة في حقيقته معيار ماديٌّ لتحديد ما الصواب وما المشروع من بين رُكام الاتجاهات والأفكار والفلسفات التائهة, وعقَّب بذِكر الأصول الشرعيَّة التي تهدِم هذا التصوُّرَ الديمقراطيَّ التنويريَّ, ومن أعظمها أصل (حاكميَّة الشريعة, ووجوب التحاكُّم إلى اللهِ تعالى ورسولِه صلَّى الله عليه وسلم)، كما تناول المؤلِّف مجموعةً من الاعتراضات والشُّبه التنويريَّة في الديمقراطيَّة، وناقشها.

4. العلمانيَّة: يذكُر المؤلِّف أنَّ العلمانيَّة في الفكر التنويريِّ وأطروحاته مثَّلت كُرة الثلج التي تَكبُر يومًا بعد يوم، وبصورة متسارعة, حيث تبدو الأفكار العلمانيَّة ماثلةً للعِيان في مستويات من الطرح التنويريِّ؛ فهُم يرون ألَّا دِينيَّة في السياسة, وأنَّ مورد الدِّين هو ضمير الفرد, كما أنَّ لديهم أطروحةً تُفسِّر الدِّين تفسيرًا عصرانيًّا, وتجعل منه دِينًا متبدِّلًا بتبدُّل الزمان والمكان، في أحكامه وشرائعه! وهم يرون أنَّ العدل يقتصر على معناه الماديِّ الدنيويِّ, وكذلك مهمَّة السياسة - في تصورهم - هي حِفظ الحقوق والحريَّات وَفقَ مفهوم ماديٍّ دنيويِّ... إلى ما هنالك ممَّا ورد في أطروحاتهم  التي تخالف ما يُقرِّره الإسلام في هذه القضايا.

5. مركزيَّة الإنسان والحضارة: يرى المؤلِّف أنَّ الحديث عن وظيفة خَلق الإنسان وعَلاقته بالحضارة والعمران الماديِّ للأرض ممَّا تأثَّر بالفكر الغربيِّ في الخطاب التنويريِّ؛ فوظيفة الإنسان لها اتجاهان:

أحدهما: مدنيٌّ؛ يرى أنَّ وظيفةَ خَلْق الإنسان هي العمارة، وكلَّ ما سِوى ذلك وسيلة لها.

والآخر: شرعيٌّ؛ يرى أنَّ وظيفةَ الإنسان هي تحقيقُ العبوديَّة لله تعالى, وكلَّ ما سوى ذلك فهو وسيلة لها.

                        ثم ناقش المؤلِّف الرؤية التنويريَّة لمفهوم وظيفة خَلق الإنسان.

6. التعدديَّة والتعايش والتسامح: وهي - كما يذكر المؤلِّف -  من أهمِّ قضايا العقل التنويريِّ التي صاغها؛ تأثرًا بالفكر الغربيِّ المخالف لما قرَّرته الشريعة.

ويوضِّح أنَّ هذه المصطلحاتِ على مستوى الاصطلاح لا تُمدح ولا تُذمُّ إلَّا بعد الاستفصال؛ فما تضمَّنته من معانٍ توافق الحقَّ والشرع، أُقِرَّت عليها, وما تضمَّنته من معانٍ تخالف الشرع، فإنَّها تُنكر, ويُبيَّن بطلانها.

ويرى المؤلِّف أنَّه - وبدعوى التعدديَّة - يسوغ للتنويريِّين ما لا يسوغ من الخلاف, ويَحكُمون العلاقات بين المختلفين بما يخالف الشَّريعة, ومثل (التعدديَّة) أيضًا مصطلح (التعايش)؛ فقد يُراد به معانٍ شرعيَّة مندرجة تحت العدل مع المخالِف, وقد يُراد به معانٍ باطلة، حينما يتدخَّل ليُحجِّم من المطلوبِ الشرعيِّ؛ إمَّا في تضليل المخالف, وإمَّا في  الإنكار عليه والاحتساب.

ومثلهما مصطلح (التسامح)، والذي يُريد التنويريُّون صبْغَه بصِبغة الفضيلة, رغم ما يحمله من مفاهيمَ مضادَّةٍ للشريعة.

وفي القسم الثاني : تحدَّث المؤلِّف عن القضايا الشرعيَّة في الفكر التنويريِّ, واشتمل على ما يلي:

أولًا: الكليَّات والقضايا المنهجيَّة, ومن جملة هذه القضايا التي تضرَّرت في العقليَّة التنويريَّة: الموقف من السُّنة النبويَّة, والموقف من فَهم السَّلف والإجماع, والموقف من التُّراث, والموقف من الفِرق الإسلاميَّة والخِلاف العَقدي, والموقف من الخِلاف الفقهي, والموقف من مقاصد الشريعة, وحقيقة وواجبات النِّظام السياسي في الإسلام, وقد فصَّل المؤلِّف فيها القول وبيَّنه.

ثانيًا: الأحكام الشرعيَّة الجُزئيَّة، وقد ذكر المؤلِّف من هذه الأحكام التي طالتْها يدُ التحريف العصرانيِّ: أحكام الجهاد, والحدود والتعزيرات, والولايات - كولاية الكافر والمرأة.

أمَّا القسم الثالث: فكان الحديثُ فيه عن التنوير وإشكاليَّة الإصلاح والمنهج والنَّقد, وممَّا تناوله المؤلِّف تحت هذا الموضوع:

أولًا: التنوير والإصلاح السياسي، وهنا يذكُر المؤلِّف أنَّ الفكر التنويريَّ تشكَّل لديه رؤية في الإصلاح السياسيِّ غير نقيَّة؛ وذلك بسبب قصوره في فرز الجانب الإنسانيِّ المشترك, والجانب الثقافيِّ, واللَّذان يمثِّلان المجال السياسيَّ الغربيَّ؛ فبعضهم ممَّن له جهاد مشكور ضدَّ الاستبداد يَخلِط صنيعه بنقد الخطاب الشرعيِّ، مستبطنًا في نقده التلازمَ بين الإصلاح الشرعيِّ أو الدِّينيِّ  وبين الإصلاح السياسيِّ.

وتحدَّث المؤلِّف كذلك عن الاحتساب المدنيِّ, وهو المصطلح الذي طرَحه البعضُ؛ ليقدِّم من خلاله رؤيةً للاحتساب من خلال نقْد بعض الممارسات الاحتسابيَّة الخاطئة, ثم تقديم حلول خاطئة أيضًا.

ثانيًا: معالم في منهجيَّة الفكر  التنويريِّ, وهنا ذكَر المؤلِّف عددًا من المعالم لهذه المنهجيَّة، وهي:

• الواقعيَّة التنويريَّة, وذكر أنَّها من الركائز ذات الحضور في صِياغة المنهج التنويريِّ؛ إذ يعتمدون على الواقع, ويشمل ذلك احتجاجَهم بالقَدَر على الشرع.

• المعيار المزدوج، سواء في المسائل المنهجيَّة أم في المواقف الاجتماعيَّة والسياسيَّة, وذكَر لها المؤلِّف عِدَّة مظاهر.

• الانتقائيَّة, وهنا أوضح المؤلِّف أنَّ من سمات المنهج التنويريِّ ممارسةَ الانتقائيَّة، والاجتزاءَ في تعامله مع النصوص, والآثار, والتراث, ذاكرًا شواهد على ذلك.

• تحريف كلام أهل العلم، وذكر المؤلِّف أنَّه وإن كان بعضُه يُفسَّر بالضعف العِلميِّ لديهم, إلَّا أنَّ بعضه لا يمكن تفسيره إلَّا بافتقاد الأمانة العلميَّة, ومحاولةِ البحث عن سند للمشروعيَّة, وذكر نماذج لذلك.

ثالثًا: نقْد الإسلاميِّين في الخطاب التنويريِّ، وتناول المؤلِّف تحت هذا الموضوع عِدَّة أمور؛ منها: قضية التغريب, والإسلاميُّون والشرط الديمقراطي, وغيرها. كما تحدَّث عن إمكانية وجود أُفق للوفاق مع التنويريِّين في مشروع إصلاحي مشترك.

رابعًا: جَنَى التنوير وثمرته, وذكَر تحته بعضَ الثِّمار المُرَّة للفكرة التنويريَّة، كالازدراء للتاريخ الإسلاميِّ وتراث الأمَّة.