قراءة ونقد

الحرية أو الطوفان
book
حاكم المطيري
عنوان الكتاب: الحرية أو الطوفان
النـاشــر: المؤسَّسة العربية للدِّراسات والنشر - بيروت. توزيع - دار الفارس للنشر والتوزيع - عمان - الأردن
الطبعة: الثانية
سـنة الطبع: 1429 هـ - 2008م
عدد الصفحات: 367
عرض ونقد: القِسم العِلمي بمؤسَّسة الدُّرر السَّنية

أولًا: عرْض الكتاب:

 

ظهَر هذا الكتاب قُبيل اندلاع الثورات في العالم العربي، وأُعجب به كثيرٌ من الناس، بينما تناولته طائفةٌ بالنقد، وإبداء بعض الملاحظات، ثم في الطبعة الثانية أضاف المؤلِّف إليها بعض الملحقات، وفيها ردَّ المؤلِّف على بعض هذه الانتقادات، وأجاب عن بعض تلك الإشكالات.
والكتاب فيه أمورٌ كثيرة حسَنة وجيِّدة؛ كتأكيد المؤلِّف على وجوب الرُّجوع إلى نصوص الشرع كتابًا وسُنَّة، واتِّباع سُنَّة الخلفاء الراشدين، وذكر الأمثلة الناصعة من الخلفاء الذين انتهجوا نهج العدل بين الرعية، وكذا ذكر أمثلة لأكابر العلماء والفقهاء الذين نصحوا للأمراء، وتأكيده على أنَّ الأمَّة جميعًا ملزَمة ببذل كل ما تَستطيع للنهوض للإصلاح ونيل الكرامة والحريَّة الحقَّة. وكذا ردُّه على الاتجاه العلماني الجارف المولَع بفصل الدِّين عن الدولة، وتأكيده على أنَّ الإسلام دين ودولة معًا، وتأكيده على وجوب التَّحاكُم إلى شرع الله تعالى واعتقاد حاكمية الله تعالى لكل شيء في هذا الكون، وأن َّالقوانين الوضعيَّة المخالفة لشرع الله تعالى وتحكيمها في دماء العباد وأعراضهم وإنزالها منزلةَ الشرع المطهَّر، هو من حُكم الجاهليَّة، ومن الكُفر بخالق السَّموات والأرض، وكذا حديثه عن الجهاد وأهميَّته وتأكيده على أنَّه بنوعيه (جهاد الدفع، وجهاد الطلب) فرْض في الجملة.
وقد تألَّف الكتاب من ثلاثة فصول، بحسب المراحل التاريخيَّة للخطاب السياسي الشرعي، ولكلٍّ منها خصائص وملامح تميزها:

الفصل الأوَّل: المرحلة الأولى: مرحلة الخطاب السِّياسي الشَّرعي المنزَّل، وتبدأ من قيام الدولة الإسلاميَّة في المدينة بعد هجرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إليها، إلى وفاة آخر خليفة صحابي هو عبد الله بن الزُّبير رضي الله عنه (سنة 73هـ)، وتتميَّز هذه المرحلة بضرورة الدولة للدِّين، وأنه لا دِين بلا دولة، وبضرورة إقامة السُّلطة، وأنه لا دولة بلا إمام، وأنه لا عقد بيعة إلَّا برضا الأمَّة واختيارها، ولا رضا بلا شورى، ولا شورى بلا حرية، وأنَّ الحاكميَّة والطاعة المطلقة لله ورسوله وطاعة ما سواهما مقيَّدة، وتحقيق مبدأ العدل والمساواة، وحماية الحقوق والحريَّات الفرديَّة والجماعيَّة وصيانتها، ووجوب الجهاد في سبيل الله.
الفصل الثاني: المرحلة الثانية: مرحلة الخطاب السِّياسي الشرعي المؤوَّل (73 هـ - 1350 هـ تقريبًا)، ومن خصائص هذه المرحلة مصادرة حقِّ الأمة في اختيار الإمام، وتحوُّل الحُكم من شورى إلى وراثة، ومصادرة حقِّها في الرأي والشورى، وتراجُع دورها في مواجهة الظلم والانحراف، وظهور المستبد العادل.
الفصل الثالث: المرحلة الثالثة: الخطاب السِّياسي الشرعي المبدَّل، وأهم ملامحها: إثبات عدم شرعية الخِلافة، وإثبات مشروعية التحاكم إلى القوانين الوضعيَّة، وإثبات عدم مشروعية الجهاد في سبيل الله.

ثانيًا: نقد الكتاب
مؤلِّف هذا الكتاب هو واحد مِن دُعاة الإصلاح الذين ينشدونه ويدْعون إليه بالعودة إلى فَهم السَّلف الصالح في أمور الدِّين كله عمومًا، وفيما يتعلَّق بأمور السياسة الشرعيَّة وأمور الشُّورى والحُكم خصوصًا، وهذا ممَّا يُمدح له، ويُشكر عليه، وفي الكتاب جُمل حسَنة، وأمور كثيرة متَّفق عليها، سبق الإشادة بها ولا نتعرَّض لها هنا لأنَّها واضحة ولا إشكال فيها، إلَّا أنَّ هناك بعض المآخذ على المؤلِّف وطريقته في الطَّرح، نذكُر أهمَّها في هذه العُجالة:
فمِن هذه المآخِذ:

1- قوله (ص: 13): (ضرورة الدَّولة للدِّين، وأنَّه لا دِين بلا دولة):
وهذا هو أوَّل المبادئ لمرحلة الخطاب المنزَّل التي ذكَرها المؤلِّف؛ يقول (ص: 13 - 14): (وتتميَّز هذه المرحلة بوضوح المبادئ التالية: ضرورة الدَّولة للدِّين، وأنَّه لا دِين بلا دولة: فقد تجلَّى مبدأ ضرورة قيام الدولة، أنَّ الإسلام دِين ودولة في هذه المرحلة؛ إذ لا يُتصوَّر أن يكون الإسلام الرسالة الخالدة للإنسانيَّة، والشريعة الكاملة التي ارتضاها الله للبشرية، دون دولة تتجلَّى فيها أحكام هذه الرِّسالة، وتُقام فيها الواجبات والحقوق والحدود التي تصون هذه الحقوق، وقد أكَّد القرآن ضرورة الدولة في آيات كثيرة كغاية وهدف؛ كما في قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ...} [النور: 55]... ومعلوم أنَّ أكثر الواجبات لا يمكن أداؤه على الوجه الأكمل - بل لا يمكن أداؤه أصلًا - إلَّا في ظلِّ دولة تحكُم بالإسلام وتنفِّذ شريعته، كالزَّكاة و... وما لا يتم الواجب إلَّا به فهو واجب ضرورة... وقد عمِل على تحقيق هذه الغاية وهو في مكَّة... ولا يتحقَّق ذلك القسط إلَّا بإقامة دولة تُحقِّق هذا الهدف...).

التعقيب:
 ممَّا هو مُتَّفق عليه بين المسلمين كافَّة أنَّ دِين الإسلام شامل لكلِّ نواحي الحياة، وأنه دِين ودولة وأنَّ أمور الدولة تُساس وتصلُح بهذا الدِّين فقط، وأن القول بأنه لا دين في السياسة، أو أن الإسلام دين بلا دولة - الذي افتراه علي عبد الرازق في كتابه (الإسلام وأمور الحُكم)- هو قول أبطل من الباطل نفسه؛فأمور التشريع والسياسة، ونصب الأئمة والولاة، والحُكم بين الناس بالعدل، وإقامة الحدود، وجباية الزكاة، وأحكام الحرب والسلم...إلخ من أمور الخلافة والسياسة الشرعيَّة وضبط أمور الناس في معاشِهم - كل ذلك مُفصَّل ومبيَّن في كتاب الله تعالى وسُنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم بأتم تفصيل، وأوضح بيان، ممَّا لا يدع لأحد شكًّا أنَّ هذه الأمور كلها من الدِّين، الذي شرَعه ربُّ العالمين، وأنه كما - ذكَر المؤلِّف - مِن وسائل إقامة الدِّين.
وأمَّا القول بأنَّه لا دِين إلَّا بدولة، وأنَّ الدَّولة غاية وهدف، فهو قول غير صحيح؛ ولا ينبغي أن يُردَّ على التفريط بالغلو، بل أعدلُ الأمور أواسطها؛ فكم من الأنبياء والمرسَلين أقام الله تعالى بهم الدين، ولم تقم لهم دولة؛ ومنهم من هم من أولي العزم من الرسل كنوح أول المرسلين، وإبراهيم الخليل، وموسى الكليم، وعيسى المسيح – عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم، بل نبينا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم أقام الدين في مكة ثلاث عشرة سنة في مكة، ومن توفاه الله تعالى من أتباعه في هذه المرحلة هل نقول إنه مات على دين ناقص؟! لا يقول بهذا أحد. على أن المسلمين مكلفون بما يستطيعون فإنْ عجزوا عن إقامة الدولة؛ فهم مكلفون بما يستطيعون من إقامة الدين، ولا إثم عليهم ودينهم كامل، ثم ما المقصود بالدولة التي هي ضرورة للدين عند المؤلف؛ أهي الخلافة العظمى التي ينضوي تحتها المسلمون كلهم في جنبات الأرض؟ أم هي الدويلات المتفرقة بالمفهوم المدني الحديث؟ هذا أمر يحتاج إلى تفصيل، وإن كان يشير في كلامه أنه يريد الخلافة العظمى، وهذا أمر صعب المنال، ولم يقل قائل بأن أحكام الدين تتوقف على إقامة الخلافة العظمى؛ إذًا لتعطلت كثير من أمور الدِّين.

2- حصْرُه سُنن الخُلفاء الراشدين في أمور الخِلافة وسياسة شؤون الأمَّة فقط:
يقول (ص: 252) عن دعوة الإمام محمَّد بن عبد الوهاب - بعدما أشاد بها وذكَر بعض الجوانب الإصلاحيَّة التي قام بها الشَّيخ -: (كما لم يتمَّ بحث هذه القضايا التي هي من المفاهيم السَّلفية التي أجمع عليها الصَّحابة، وهي ممَّا حث عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: ((عليكم بسُنَّتي وسُنة الخُلفاء الراشدين))، وإنَّما المقصود سُننهم في أمور الخِلافة وسياسة شؤون الأمَّة...).
وحصْر المؤلِّف لسُنة الخلفاء الراشدين في أمور الخِلافة وسياسة شؤون الأمَّة، لم يقل به أحدٌ من العلماء فيما علمنا، بل هو عام في كلِّ أمور الدِّين ومنها هذه الأمور، وهذا صنيع العلماء الفقهاء وشراح الأحاديث واعتمادهم على ما رُوي عن الخلفاء الراشدين في كثير من مسائل الدِّين العلميَّة الاعتقاديَّة والعمليَّة الفقهيَّة، واعتماد رأيهم وإجماعهم في أي مسألة حُجَّة معمول بها، من ذلك ما جمع عمر عليه الصَّحابة من (مسائل من الفرائض كالعول، وفي زوج وأبوين وزوجة وأبوين أن للأم ثلث الباقي، وكقضائه فيمن جامع في إحرامه أنَّه يمضي في نُسكه وعليه القضاء والهدي، ومثل ما قضى به في امرأة المفقود، ووافقه غيره من الخلفاء أيضًا، ومثل ما جمع عليه الناس في الطلاق الثلاث، وفي تحريم متعة النساء)؛ [ينظر: (جامع العلوم والحِكم) لابن رجب (2/ 125)] وغير ذلك مما هو منثور في كتب التفسير والفقه وشروح الأحاديث والآثار. ثم إنَّ إخضاع النصوص للتأويل المتعسِّف، أو حصر معناها في معنًى واحد؛ لتوافق مذهبًا أو رأيًا معينًا خطأ منهجي كبير، وهو ما أنكره المؤلف نفسه، وادعاه على الفقهاء ومدوِّني العقائد أنهم أوَّلوا النصوص تحت ضغط الواقع السياسي - كما سيأتي.

3- قياسه بيعة الإمام على الوكالة وتهوينه من أمر فسخها:
قال المؤلِّف (ص: 28): (فإذا ثبت كلُّ ذلك، وأنَّه لا إمامة بلا عقْد البَيعة، ولا عقد إلَّا برِضا الطَّرفين، وأنَّه عقد وكالة: الأمَّة فيه هي الأصيل، والإمام هو الوكيل عنها في القيام بمهامَّ محدَّدة، وَفق صيغة محدَّدة، نصُّها: (بايعناك على بيعة رِضا، على إقامة العدل والإنصاف والقيام بفروض الإمامة)، أو: (بايعناك على الكتاب والسُّنَّة)،كما كان الصحابة يفعلون - إذا ثبَت ذلك كلُّه فإنَّه لا يوجد عقد في الشريعة يقتضي الاستدامة ولا يمكن فسخُه، بل جميع العقود التي تقبل الاستدامة وطول المدَّة - كالإجارة والوكالة والنِّكاح - يمكن فسخُها ورفْعُها، خصوصًا عقود الوكالة؛ إذ هي أوسعُ العقود في الشريعة الإسلاميَّة في هذا الباب؛ إذ لكلٍّ من طرفي العقْد فسخُه، فإنَّ للأصيل الحقَّ في عزل الوكيل متى شاء؛ إذ هو صاحب الحقِّ... فعقد الإمامة كغيرِه مِن العقود التي يُمكن فسخُها).

التَّعقيب:
 إنَّ تشبيه عقد بيعة الإمام بعقد الوكالة من كلِّ وجه لا يصحُّ؛ نعم هناك أوجه شبه، كما أنَّ ثمَّت فروقًا كثيرة بينهما، وهي مهمَّة جدًّا؛ من ذلك أن عقد الوكالة عقد جائز، أما عقد البيعة فالأصل أنَّه عقد لازم غير مؤقَّت وهذا صنيع الخلفاء الراشدين ولا نعرف لهم مخالفًا من الصحابة رضي الله عنهم، والبيعة عهد يجِب الوفاء به؛ لذا جاء التشديد والنهي عن فسخها، كقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن كَرِهَ مِن أميرِهِ شيئًا فلْيَصْبِرْ: فإنَّهُ مَن خرج مِن السُّلطانِ شِبْرًا ماتَ مِيتَةً جاهليَّةً)) [رواه البخاري (7053) مسلم (1849)]، وغيره من الأحاديث. ثم إنَّ هذا التشبيه بعقد الوكالة من كلِّ وجه والزعم بجواز فسخها متى شاء الأصيل (الأمَّة)، يجعل هذا العقد عُرضةً للفسخ لأدنى موجِب ولو لم يكن في نفسه موجِبًا حقيقيًّا، كما أنه يُسقط كل تبعات هذا الفسخ من حصول المفاسد الكبيرة التي قد تطال الدماء، وتؤدِّي إلى التنازع والتقاتل على الإمارة. كما أن عقد الوكالة يمكن توقيته، أمَّا الأصل في عقد البيعة فهو الاستدامة والتأبيد، كما أن البيعة لا تجوز لأكثر من واحد في وقت واحد، بينما تجوز الوكالة لأكثر من واحد في وقت واحد. وأيضًا لا يجوز عقد البيعة للمرأة، وهذا جائز في الوكالة...إلخ من هذه الفروق. فالذي ينبغي ألَّا يعد عقد البيعة كعقد الوكالة من كل وجه، وألا يُستهان بأمْر فسخه، وآثار ذلك وتَبعاتِه كبيرة كما هو معلوم.

4- قوله (ص: 63): (فاعتقاد وَحدانية الله في حاكميته هو الأصل الذي يقوم عليه توحيده في عبادته وطاعته، والأمر الوارد في الآية (أمَر) هو فرد من أفراد (الحُكم) ونوع من أنواعه، فلكون الحاكمية لله عز وجل، ولكونها حقًّا من حقوقه التي لا ينازعه فيها أحد؛ لهذا أمر ألا يعبد إلا هو، فلا يعرف التوحيد من الشرك، ولا الطاعة من المعصية، ولا الإيمان من الكفر إلا بحكم الله، فمن لم يثبت هذا الأصل الإيماني العظيم - أي توحيد الله المطلق في حاكميته وإفراده بها – لم يسلم له توحيد الله في عبادته وطاعته؛ إذ العبادة والطاعة لله لا تعرف إلا عن طريق حكم الله وشرعه، ولا سبيل لالتزام حكم الله إلا بالإقرار والإيمان بأنه وحده الذي له الحكم والتشريع والأمر، كما له الخلق: {أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤[).
وفي هذا التأصيل غلوٌّ في مسألة الحاكميَّة؛ نعم! الحُكم لله تعالى وحْده، وأنَّه من مقتضيات توحيد الرُّبوبيَّة؛ فمِن خصائص الربِّ الحُكم والقضاء، ومِن مقتضيات توحيدِ الألوهيَّة؛ فتحكيم الله تعالى في كلِّ الأمور عبادة لا تُصرف إلَّا له وحده؛ فإنَّ الله تعالى هو الحَكم. أمَّا أنَّه الأصل الذي ينبني عليه توحيد العبادة والطاعة؛ فهذا خلاف ظاهر نصوص الأدلَّة كما في قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((حقُّ الله على العباد أنْ يَعبدوه ولا يُشركوا به شيئًا)) [رواه البخاري (2856)، ومسلم (30)] ...إلخ؛ وهو فيما نعلم مخالِفٌ لتأصيل العلماء في ذلك؛ فإنَّهم عكسوا الأمر وجعلوا توحيد الله تعالى في عبادته هو الأصل، ومن ضِمنه إفرادُه سبحانه بالحُكم.

5- ومن المآخذ أيضًا: قول المؤلِّف في ذكره لأهمِّ أسباب شيوع الخِطاب السِّياسي المؤوَّل - على حدِّ تعبيره – (ص: 166 - 169): (إنَّ الأسباب التي أدَّت إلى شيوع هذا الخِطاب المؤوَّل كثيرة؛ أهمها: 1- نظر أصحاب هذا الخطاب إلى حوادث التاريخ نظرةً جزئيَّة لا نظرة كليَّة، فظنُّوا أنَّ كلَّ خروج لم يترتَّب عليه سوى الفساد؛ قال ابن القيِّم: (الإنكار على الملوك والخروج عليهم أساسُ كلِّ شرٍّ وفتنة إلى آخر الدهر). ولم ينظروا إلى الحوادث التي ترتَّب عليها كثير من الصَّلاح؛ فقدْ خرج ابن الزبير على يزيد وكان عهده خيرًا من عهدهم، وظهور شيخ الإسلام محمَّد بن عبد الوهاب وأقام دولته مع محمد بن سعود، وكان عصرهم خيرًا ممَّن قبلهم... إلخ. وحوادث التاريخ كثيرة جدًّا، بل هذا تاريخ شعوب العالم كلِّه يؤكِّد عدم صحَّة هذه النظرية... ثم استدلَّ بالثورات في أوربا وثورة إيران، وأنَّ الحال بعدها عندهم كان خيرًا من الحال قبلها...
ثم قال: 2- خلْطهم بين مفهوم الخروج السياسي لمواجهة طغيان السُّلطة دفاعًا عن الأمَّة، ورفعًا للظُّلم عنها، ومفهوم الخروج العقائدي الذي يستحلُّ أصحابه دماء المسلمين وأموالهم ويُكفِّرونهم، وهم الذين جاءت النصوص بذمِّه... ثم ذكر كلام شيخ الإسلام ابن تيميَّة في التفريق بين قتال الخوارج وقتال البغاة، وإنكاره على الفقهاء الخَلْطَ بينهما...).

والردُّ على هذا من وجوه:

أوَّلها: أنَّ في هذا الكلام ازدراءً لأهل العلم واتهامًا لهم بالسطحيَّة والجزئية والخَلط في الحُكم على الأمور، وهذا لا يليق بهم، وخُصوصًا العلَّامة ابن القيِّم الذي اشتهر بأنَّه من المحقِّقين، وفي كلام ابن تيميَّة الذي استشهد به المؤلِّف ما يدفع هذا عن عامَّة أهل الحديث والفقهاء والمتكلِّمين، وعليه نصوص أكثر الأئمَّة وأتباعهم من أصحاب مالك وأحمد والشافعي وغيرهم. على أنَّ ابن تيميَّة أيضًا داخل عند المؤلِّف في ضِمن أصحاب الخطاب المؤوَّل؛ إذ لم يستثنه المؤلِّف وأشار إلى شيوع ذلك الخِطاب عنده أيضًا كما في (ص: 164)! وسيأتي مزيدُ بيان لهذه النقطة.

ثانيها: أنَّ حوادثَ التاريخ شاهدةٌ بصِدق وصحَّة كلام المحقِّق ابن القيِّم رحمه الله تعالى؛ فإنَّ الذين خرجوا على الحجَّاج ندموا بعد ذلك؛ لكثرة ما أُسيل من الدماء.

وثالثها: أنَّ تقسيم المؤلِّف الخروج على الحاكم المسلِم قِسمين: الأوَّل: خروج سياسي، وهو غير مذموم، والثاني: خروج عقائدي، وهو الذي جاءت النُّصوص بذمِّه، وقياسه هذا الأمر على ما ذكره ابن تيميَّة في قتال البغاة وقتال الخوارج - غير متَّجه أيضًا، ويحتاج إلى تأمُّل؛ لأنَّ أصل الخروج هو الخروج عن بيعة الإمام سواء كان سياسيًّا أو عقديًّا، وهذا ممَّا ورد النهيُ عنه، إلَّا لمن رأى كفرًا بواحًا وقدَر على خلعه بغير مفسدة متوقَّعة أكبر من مفسدة وجوده؛ فهذا هو الواجب حينئذٍ.

ورابعها: أنَّ هذا يؤدِّي إلى الخروج والفِتنة إلى ما لا نهاية؛ فالعباسيُّون خرجوا على الأمويِّين وامتدح المؤلِّف هذا الخروج، وجعله ناقضًا لكلام السَّلف، ثم ذكر أنَّ أبا حنيفة كان يستحبُّ أو يوجب الخروجَ على العباسيِّين ويرى أنَّ قتالهم خيرٌ من قتال الكفَّار! فهذا خروج على مَن خرج، وهكذا إلى ما لا نهاية، وإغراق للأمَّة في الدِّماء والفِتنة.

وخامسها: أنَّ الزعم بأنَّ عصر العباسيِّين أفضلُ من عصر الأمويِّين غيرُ مسلَّم للمؤلِّف؛ فلقد ظهر في عهد العباسيِّين القولُ بخلق القرآن، وعُرِّبت كتب اليونان التي أدخلت مِن الفساد على عقائد الأمَّة ما الله تعالى به عليم، وصِيغت الشريعة صياغة فلسفيَّة، وقرِّب أهل البدع...إلخ، إضافةً إلى أنَّ بني أُمية كان فيهم الخليفةُ العادل عمر بن عبد العزيز، مع انتشار الإسلام وكثرة الفتوح فيها، (ثم السُّنة كانت قبل دولة بني العبَّاس أظهر منها وأقوى في دولة بني العبَّاس؛ فإنَّ بني العبَّاس دخل في دولتهم كثيرٌ من الشِّيعة وغيرهم من أهل البِدع) كما يقول شيخ الإسلام في (منهاج السنة) (4/ 130).

وسادسها: أنَّ كثيرًا ممَّن دخل في القتال ووصَفه المؤلِّف بأنَّه خروج واستدلَّ به، قد ندِموا على ما وقعوا فيه، مع ما في توصيف المؤلِّف من نظر أيضًا؛ يقول شيخ الإسلام في ((منهاج السنة)) (4/ 116، وما بعدها): (وهكذا عامَّة السابقين ندِموا على ما دخلوا فيه من القتال؛ فندِم طلحة والزُّبير وعلي رضي الله عنهم أجمعين، ولم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في القتال، ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم...إلخ). كما أنَّ ابن الأشعث ومَن معه الذين خرَجوا على الحجَّاج والْتقوا هم والحجَّاج إحدى وثمانين وقعةً، سالت فيها دماءٌ كثيرةٌ، وانتصروا في هذه المعارك، إلَّا أنَّهم في آخر وقعة (يوم دير الجماجم سنة 83هـ) هُزِموا هزيمة نكراء! وأصبحوا ما بين قتيل وشريد وسجين، حتى تمنَّوا أنهم لم يكونوا شاركوا في هذا القتال وأنْ لو لم يفعلوا لكان خيرًا لهم، وقد استدلَّ المؤلِّف بهذه الهزيمة على هزيمة الفقهاء وتأويلهم للخِطاب السِّياسي الشرعي بناءً على هذه الهزيمة! وهذا من تحليله وتحميله الواقع أكثرَ ممَّا يحتمل.

6- التَّحديد الزَّمني للمرحلة الثانية من مراحل الخطاب السِّياسي الشَّرعي (مرحلة الخطاب المؤوَّل)، والتَّعميم في الحُكم عليها:
ذكر المؤلِّف (ص: 105 - 238) أنَّ من أهمِّ ملامح المرحلة الثانية - والتي حدَّدها زمنيًّا (من 73 هـ - إلى 1350 هـ تقريبًا)، وفي (ص: 206) أنَّها بدأتْ (منذ نصف القرن الأول تقريبًا)-: مصادرةَ حق الأمَّة في اختيار الإمام، وتحوُّل الحُكم من شورى إلى وراثة، ومصادرة حقِّها في الرأي والشورى، وتراجُع دورها في مواجهة الظُّلم والانحراف، وهذا الفصل هو من أكبر فصول الكتاب.

فأولًا: المؤلِّف في تحديده الزَّمني لهذه المرحلة غير مسبوق، وليس على هذا التحديد دليلٌ صريح، بل معالم الخِطاب السِّياسي المنزَّل - على حدِّ قوله - كانت قائمةً إلى حدود سنة ستٍّ ومئة، ويُشير إلى هذا كلام الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) (13/ 214 - 215) في شرحه لحديث: ((تدور رَحَى الإسلام على خمس وثلاثين أو ستٍّ وثلاثين، فإنْ هلكوا فبسبيل مَن هلك، وإن بقُوا بقِيَ لهم دِينُهم سبعين سَنَة))، على أنَّ الحديث لم يتعرَّض لبقاء الخلافة أو الدولة، بل نصَّ على   بقاء الدِّين، فضلًا أنَّ تلك المرحلة - على تحديد المؤلِّف - قد طالتْ لقرون عديدة، ويصحُّ أنها شمِلت تاريخَ أمَّة الإسلام كلَّه إلَّا 73 عامًا أو نِصف القرن الهجري الأوَّل فقط؛ كل هذه المدَّة المديدة تعيش أمَّة الإسلام مرحلة الخِطاب المؤوَّل المخالِف للخطاب المنزَّل – على حسَب رأي المؤلِّف!

وثانيًا: أنَّ الناظر بعين الإنصاف والبصيرة يجِد أنَّ هذه الأحكام لا تنطبق على كلِّ هذه المرحلة الزمنيَّة الكبيرة، ولا على مُعظمِها، بل كانت بعض تلك المراحل من أزهى عصور الإسلام، خصوصًا وأنَّ تلك المرحلة يدخل فيها قرنانِ ورُبع من القرون المفضَّلة الأولى، وكثير من الخلفاء والأمراء قد اتَّصفوا بالعدل مع العلم والصَّلاح والفضل، كما ذكر المؤلِّف نفسه (ص: 188): (لم يخلُ عصر أو مِصرٌ من خلفاء وملوك عدول، وعلماء وقضاة ربانيِّين، كان لهم أكبر الأثر في استقرار الحضارة مدَّة ألف عام، كأثر من آثار العدل - الذي اشتهر به كثير من الخلفاء والقضاة - والذي هو السَّبب في استقرار المجتمعات وازدهارها وتطورها...)، وفي سرْد أخبارهم التي عطَّر بها صفحات كتابه (ص: 190 - 223)، ثم قال: (... إذ ثبت أنَّ أكثرهم من أهل العلم والفضل والصلاح والعدل، لا كما يدَّعيه بعض الكتَّاب المعاصرين اليوم من أنَّ التاريخ الإسلامي كله ظلم ودمويَّة واضطهاد).
هذا، مع وجود كثرة كاثرة من الفقهاء والعبَّاد والصالحين ممَّن يقوِّمون الحُكَّام، ويأخذون على أيديهم، ويواجهون الظُّلم والطُّغيان، ووجود الشورى أيضًا...إلخ؛ فلا يصحُّ بحال سحب هذه الأحكام كلها على هذه المرحلة كلِّها، نعم هناك بعض الخلفاء والأمراء انحرفوا، وفشَا الظلم والاضطهاد في بعض تلك المراحل.. لكن تعميم الحُكم على كلِّ هذه المرحلة بعيدٌ عن الصَّواب.
وفي حديث التجديد المشهور ((إنَّ الله يبعث لهذه الأمَّة على رأس كلِّ مئة سنةٍ مَن يُجدِّد لها دِينَها)) ما يُفيد أن انحراف الأمَّة لا يبقى كلَّ هذه المدة دون أن يبعث الله تعالى مَن يكون على يديه أو بتأصيله الصلاحُ في هذه الأبواب، وإخراج الإمام أبي داود - وهو إمام فقيه جِهبذ - لهذا الحديث في أوَّل (كتاب الملاحم) فيه إشارة واضحة إلى جهاد هذا المجدِّد وانتصاره في تلك الملاحم والحروب، وهذا ممَّا يفيد أنَّ هذا التجديد كما يكون في النواحي العِلميَّة، فإنه يكون أيضًا في النواحي العمليَّة كالجهاد، وأمَّا القول باجتماع الفساد العلمي والعملي لمئات السِّنين، ففيه إبطالٌ لدَلالة الحديث.

وممَّا يتَّصل بهذه المسألة في هذه المرحلة ما سمَّاه المؤلِّف:
7- ظاهرة المستبِدِّ العادل:
فقد ذكر المؤلِّف أنَّه ظهرتْ في المرحلة الثانية ظاهرة المستبِدِّ العادل، يعني أنَّه خليفة عادل صالح، ولكنَّه في نفس الأمر مستبِدّ! وسرَد (ص: 190 - 223) - وأطال - أخبارًا وقصصًا مِن صفحات التاريخ الناصعة التي تُشِيد بالخلفاء في هذه الآونة، وتبيِّن أنَّ أكثرهم من أهل الفضل والصَّلاح، ثم خرَج بنتيجة مخالفة لهذه الآثار!
قال (ص: 224): (وكل ما سبق ذِكره يؤكِّد بروز ظاهرة (المستبِد العادل) في هذه المرحلة التي تُعدُّ أحد أسباب استمرار الحضارة الإسلاميَّة واستقرارها، كما يكشف بطلان ما يُشاع عن الخلفاء والملوك في هذه الفترة الطويلة من تاريخ الإسلام؛ إذ ثبت أنَّ أكثرهم من أهل العلم والفضل والصلاح والعدل، لا كما يدَّعيه بعض الكتَّاب المعاصرين اليوم من أنَّ التاريخ الإسلامي كله ظلم ودموية واضطهاد..).
بل ينسب هذا الاستبداد للفقهاء والعلماء! فيقول (ص: 134): (لقد كان كثير من الخلفاء والملوك أهل صلاح وعدل وفضْل، وحِرص على اتباع أحكام الشرع وتنفيذها، غير أنهم لم يجدوا عند علماء عصرهم وفُقهائه سوى الخِطاب السِّياسي الشَّرعي المؤوَّل، الذي همَّش موضوع الشورى واختزله أسوأ اختزال، ممَّا أدَّى إلى شيوع ظاهرة (العادل المستبد) في الشرق الإسلامي).
فنقول: كيف يجتمع الضدَّان؟! كيف يكون عادلًا صالحًا فاضلًا، ومستبدًّا في الوقت نفْسه؟! وكيف يكون مستبدًّا وتكون هذه المرحلة مِن أسباب استمرار الحضارة الإسلاميَّة واستقرارها؟! بل إنَّ كثيرًا من الأخبار التي ذكرها المؤلِّف لتنبئ بغير ذلك؛ إذ تشهد لهؤلاء الخلفاء بأنهم كانوا غير مستبدِّين إطلاقًا، بل كانوا يَستشيرون العلماء والفقهاء، ولا يقطعون أمرًا دونهم، ويأمرون عُمَّالهم وولاتِهم بذلك، ولا يحتجبون عن الرَّعية، ويسمعون شكايتهم بأنفسهم، وينتصفون للمظلوم، ويأخذون على يد الظالم، بل يُوقِفون أنفسَهم أمام القاضي مع خُصمائهم من الرعية، مع تنبيه القاضي إلى أنْ يحكم بالعدل، ولا ينظُر إلى مقام الخليفة، كما ذكر المؤلِّف نفسه (ص: 211 - 213) عن الملك نور الدين زنكي... إلخ، فإنْ لم يكن هذا بُعدًا عن الاستبداد؛ فلا ندري كيف يكون البُعد عنه!

وما ادَّعاه المؤلِّف من أنَّ العلماء والفقهاء كانوا هم السبب في استبداد الخلفاء، يتَّضح في المأخذ التالي:
8- زعْمه أنَّ الفقهاء والعلماء إنَّما عبَّروا عن واقع عصرهم أكثرَ من تعبيرهم عن مبادئ الخطاب السِّياسي الإسلامي، وأنَّهم جعلوا التأويل وسيلةً لتبرير الأمر الواقع وإضفاء الشرعيَّة عليه، وأنَّهم ليس عندهم سوى الخطاب السِّياسي الشَّرعي المؤوَّل، الذي همَّش موضوع الشُّورى واختزله أسوأ اختزال، ممَّا أدَّى إلى شيوع ظاهرة (العادل المستبد) في الشرق الإسلامي:
يقول (ص: 9): (لم يعُدْ دِين الناس اليوم هو الدِّين الذي كان عليه الصحابةُ رضي الله عنهم، مع كون القرآن ما زال غضًّا طريًّا كما نزل، إلَّا أنَّه حِيل بين الناس وبينه بمفهوم مئات العلماء وشُروحهم وتأويلهم...).
ويقول (ص: 110): (... وقد صار الواقع يفرض مفاهيمه الجديدة على الفقه الإسلامي، وبدأ التأويل يأخذ طريقه لنصوص الخطاب السِّياسي، فإذا جاز لأبي بكر رضي الله عنه أن يعهد للأمر مِن بعده لمَن يراه، فجائزٌ - قياسًا على ذلك - العهد بالأمر للأبناء؟! دون مراعاة للفرق بين عهد أبي بكر لعمر وعهد من بعده لأبنائهم وإخوانهم؟! ... وذكر تلك المبرِّرات لهذا العهد..
ثم قال: (لقد تم إلغاء جميع هذه الاعتبارات والفروق بين عهد أبي بكر لعمر، وعهد غيره لأبنائهم؛ ليبدأ الفقهاءُ والفقه بتقبُّل هذا القياس فاسدِ الاعتبار، وإضفاء الشرعيَّة على هذه العهود التي تستلب الأمَّةَ حقَّها في اختيار الإمام).
ومن ذلك قولُه (ص: 150) عن الإمام الحسن البصريِّ المـُجمَع على إمامته وفضله وعبادته: (وبهذا قامتْ دولة بني العبَّاس على أنقاض دولة بني أميَّة؛ ليثبت بطلان نظرية الحسَن البصري وادِّعائه عدمَ قدرة القوة على التغيير، وأنَّ التوبة هي السبيل إلى التغيير الواقع ورفع الظلم، وأنَّه ما أفلح قوم خرجوا على إمامهم قط)، وقوله (ص: 151): (لقد كان نجاح هذه الحركة مؤذِن [الصواب: مؤذِنًا] ببطلان نظرية الحسن البصري التي روَّج لها، وبشَّر بها، وتأوَّل من أجل إثباتها الآياتِ والأحاديث)!

ومن ذلك قوله (ص: 182) عن الإمام المبجَّل أحمد بن حنبل، الصابر وقتَ المِحنة، الثابت عند الفِتنة: (لقد فرض الواقع مفاهيمه على أهل العصر، فجاءت آراؤهم تعبيرًا عن هذا الواقع أكثر منها تعبيرًا عن النُّصوص؛ ولهذا ردَّ الإمام أحمد حديث ابن مسعود: ((يكون أمراءُ يقولون ما لا يفعلون؛ فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن))، وقال: "هذا الكلام لا يُشبه كلام ابن مسعود؛ ابن مسعود يقول: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((اصبروا حتى تَلْقَوني))، وقد روى أحمد هذا الحديث في مسنده بلفظ: ((إنَّه لم يكن نبيٌّ قطُّ إلَّا وله من أصحابه حواريُّون وأصحاب يتَّبعون أثره، ويقتدون بهديه، ثم يأتي من بعد ذلك خوالفُ أمراء يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمرون)) ولم يذكُر آخر الحديث وهو: ((فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن))؟!)!
ولم يكتفِ المؤلِّف بهذا حتى زعم (ص: 248) أنَّ مَن تصدَّى من العلماء لهذا الانحراف في الخطاب السياسي، كانت دعوتهم لا تخرُج عن دائرة الدعوة إلى العودة إلى الخطاب السياسي الشرعي المؤوَّل! قال: (لقد تم التصدِّي للدعوة إلى إلغاء تطبيق الشريعة، وإبطال الخلافة... إلخ، إلَّا أنَّ أحدًا لم يدْعُ دعوةً صريحة إلى عودة الأمَّة إلى الخطاب السِّياسي الشَّرعي المنزَّل كما كان عليه المسلمون في العصر الأوَّل بردِّ الأمر شورى، تختار الأمَّة فيه مَن يسوس أمرها ولا يقطع أمرًا دونها، ولا يتصرَّف في مالها إلَّا عن إذنها)، ثم أشار (ص: 252) إلى حركة الإمام المجدِّد محمَّد بن عبد الوهاب، وأنَّه نجح في تجديد الخطاب السِّياسي في بعض جوانبه... إلَّا أنَّه لم يتمَّ بحْث قضية جعْل الأمر شورى، وأنَّ الخطاب المؤوَّل عاد بعد قيام الدولة الإسلاميَّة الجديدة في نجد... وأنَّه لو نجح الشيخ في إحياء هذه المفاهيم لكان للدعوة صدًى أكبر، وأثرٌ أبلغ...))

التعقيب:
لا يُسلَّم للمؤلِّف هذا الزعم بأنَّ الفقهاء والعلماء أوَّلوا النُّصوص بسبب ضغط الواقع المخالف لها، ولا يُسلَّم أنهم عبَّروا عن الواقع أكثر من تعبيرهم عن النُّصوص؛ لأنَّ هذا - أولًا - مخالف لحُسن الظنِّ الواجب بهم، ومعلوم أنَّ علماء الإسلام وفقهاءه ليسوا كرهبان النصارى ولا أحبار اليهود في طمْس الحقائق الشرعيَّة وتحريفها وتبديلها؛ لتتوافق مع الواقع المخالف لها؛ فـ(قد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم؛ إذ كلُّ أمَّة - قبل مبعث نبيِّنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم - فعلماؤها شِرارها, إلَّا المسلمين، فإنَّ علماءهم خيارهم؛ فإنهم خلفاء الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم في أمَّته, والمُحيون لما مات من سُنَّته. بهم قام الكتاب, وبه قاموا, وبهم نطَق الكتاب وبه نطقوا. ولْيُعلمْ أنه ليس أحد من الأئمَّة -المقبولين عند الأمَّة قبولًا عامًّا - يتعمَّد مخالفة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في شيء من سُنته؛ دقيق ولا جليل) - كما يقول شيخ الإسلام في (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) (ص: 8)، وهم وسائلُ للفَهم عن الله تعالى وعن رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنْ كان كلٌّ يُؤخذ من قوله ويُردُّ؛ فهداية الأمَّة في الرجوع إلى عُلمائها، وهم أئمَّة الهدى يُستضاء بهم في دياجير الظلام؛ يقول الأمير الصَّنعاني في ((إرشاد النقَّاد إلى تيسير الاجتهاد) (ص: 105): (وفرْق بين تقليد العالم في جميع ما قاله، وبين الاستعانة بفَهمه...، والاستعانة بفَهمه - وهو الثاني – بمنزلة الدَّليل في الطريق، والخِرِّيت الماهر لابن السبيل، فهو دليلٌ إلى دليل)، ويقول العلَّامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ في ((الدُّرر السَّنية)) (4/ 93) عن أقوال أهل العلم والفقهاء: (والعلم بها من أسباب الفَهم عن الله ورسوله)، ويقول الشيخ السعديُّ في ((توضيح الكافية الشافية)) (ص: 153): (مَن ألغى أقوال العلماء وهدَر مقالات أئمَّة الهدى، ومصابيح الدُّجى، ولم يستعِنْ بنور فَهمهم، ولا استعان بعُلومهم، أو بعدما استفاد منهم لم يشكُرْهم على ذلك؛ فهذا قد حُرِم خيرًا كثيرًا). والكلام في هذا الأمر طويل جدًّا، وينظر: كتاب "شرف أهل الحديث" للخطيب البغدادي، ففيه جُمل باهرة في جهد أهل الحديث وفِقهه في حفظ الدِّين وبيان الحق للخلق... وغير ذلك من المصنَّفات كثير.

وإنْ كنَّا نوافق المؤلِّف أنَّ هناك مِن الفقهاء مَن انحرف في بعض الآراء، وأخطأ في تأويل بعض النُّصوص، ولكن جمهورهم وأئمَّتهم على غير ذلك، وما زال العلماء يردُّ بعضهم على بعض، وكثيرٌ من الأمور التي انتقدها المؤلِّف على الفقهاء قد بيَّنوها وشرحوها وفصَّلوها، واستدلُّوا لها بالنصوص الصحيحة الصريحة، ممَّا لا يدَعُ مجالًا للشكِّ أنهم يتَّبعون النصوص ويَحكُمون على الواقع من خلالها، لا العكس، وهذه شُبهة خطيرة جدًّا تردَّدت على ألْسنة كثير من الكتَّاب المعاصرين، والمؤلِّف نفسه قد ذكر نماذج ناصعةً من تأصيل العلماء في مختلف العصور، ممَّا يردُّ هذا الادِّعاء أيضًا.. انظر (ص:126 - 127)، ومن عجبٍ أنَّ المؤلِّف بعدما ذكر الأمثلة الناصعة للفقهاء قال (ص: 127 - 128): (ومع كلُّ هذا التفصيل والثراء الفقهي في هذا الموضوع إلَّا أنه ظلَّ بحثًا نظريًّا بعيدًا عن الواقع الذي سيطرتْ عليه نظرية الاستيلاء بالقوَّة، وهي الطريقة التي أجازها مَن أجازها اضطرارًا ومراعاة للمصلحة، فإذا بها تصبح أصلًا للوصول إلى السُّلطة مدَّة ألف وثلاثمئة وخمسين سنة؟!).
فما ذنب الفقهاء إذًا؟! ومَن قال مِنهم: إنَّ طريق الاستيلاء أصل للوصول إلى الحُكم؟! ومَن حَكى الاتِّفاق والإجماع على أنَّ هذه طريقة سائغة للوصول إلى الحُكم؟!
كل هذا لم يكن؛ فقد اتَّضح لنا أنَّ هذه المدة تخلَّلها عصور صالحة، وأخرى فاسدة، وأنَّ أمر التغلُّب والاستيلاء بالقوَّة إنَّما هو عند وجوده كونًا وإنْ كان مخالفًا شرعًا، وإن كان المتولِّي بالشوكة عاصيًا لله تعالى إذا كان فاسقًا كما نقل المؤلِّف نفسُه عن الإمام النووي (ص: 122)، أو غير مستجمع لشروط الولاية.. مع كلِّ هذا فالواجب شرعًا هو طاعتُه إذا قام بمقصود الولاية، وإنْ كان عاصيًا في الوقت نفسه، وهذا فقهٌ سديد، وتأصيلٌ منضبط على قواعد الشرع المطهَّر؛ مراعاة للمصالح، ودرءًا للمفاسد..
وقد كان للماورديِّ في كتابه"الأحكام السلطانية"، النصيبُ الأوفر من نقد المؤلِّف، مع تعميم كلامه على الماورديِّ على الفقهاء كما مرَّ، كما في قوله (ص: 129): (وبمِثل هذا الفقه الماوردي شاع الاستبداد السياسي، واستقرَّت سنة هرقل وقيصر).
مع أنَّ كثيرًا من العلماء والفقهاء لم يوافقوا الماورديَّ في كثير من أحكامه، ومِن أبرزهم الجويني في "الغياثي"؛ فقد انتقَده في كثير من آرائه؛ انظر: "غياث الأمم" (ص: 141 وما بعدها)، و(ص: 155 وما بعدها)، و(ص: 205 وما بعدها)، ومِن هذه المآخذ التي أخذها الإمامُ الجوينيُّ على الإمام الماورديِّ: أنَّه يَحكي الآراء حكايةً واحدة لا يفرِّق بين المختلَف فيه والمتَّفَق عليه؛ يقول الجوينيُّ: (وشرُّ ما فيه [الماوردي]، وهو الأمر المعضل الذي يعسُر تلافيه، سياقةُ المظنون والمعلوم على منهاج واحد، وهذا يؤدِّي إلى ارتباك المسالك، واشتباك المدارك، والْتِباس اليقين بالحُدوس، واعتياص طرائق القطع في هواجس النُّفوس...)، والمؤلِّف قد عمَّم الأحكامَ التي ذكرها الماورديُّ، وأنَّها شاعت وكأنَّها محلُّ اتِّفاق بين الفقهاء، والأمر ليس كذلك.

9- ومِن هذه المآخذ:
قوله (ص: 92): (إنَّ حرية الإنسان تقتضي عدم وضع قيد على هذه الحرية، وعدم إكراه الإنسان بأي نوع من أنواع الإكراه؛ ولهذا قرَّر الإسلام مبدأ:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، والدين بمفهومه العام يعني الطاعة والخضوع. فلا يحق للسلطة أن تخضع الأفراد لطاعتها بالقوة والإكراه، ولا أن تلزمهم برأي أو وجهة نظر، بل للإنسان الحرية في أن يؤمن أو لا يؤمن؛ {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]{أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]، وله الحرية في اتباع دينه الذي يدين به:{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] ).
إنَّ مسألة حريَّة الاعتقاد، والزعم بأنَّ للإنسان الحريةَ في الإيمان أو الكفر، ممَّا كثر فيها الخلط والخبط، وهذا من أبطل الباطل. والقول الحق: أنَّ عدم الإكراه لا يعني إطلاق الحرية في الكفر، أو أنَّ هذا من حق الإنسان أن يؤمن أو لا يؤمن، بل الواجب أن يؤمن، ويحذر من الكفر، وليس هو حُرًّا في ذلك، بل هو مهدَّد ومتوعَّد على عدم إيمانه، وإنْ كان لا يُكره عليه؛ قال شيخ المفسرين الطبري في ((تفسيره)) (18/ 10): ({فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} يقول: من شاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء الله له الكفر كفر، وهو قوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، وليس هذا بإطلاق من الله الكفر لمن شاء، والإيمان لمن أراد، وإنما هو تهديد ووعيد.وقد بيَّن أنَّ ذلك كذلك قوله: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا} والآيات بعدها)، وكذا تفسير بقية الآيات التي استدلَّ بها المؤلف وفهمها على الوجه الصحيح، ينتظم مع هذا المعنى الصحيح. ينظر: ((المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)) لابن عطية (1/ 343)، و((تفسير ابن كثير)) (1/ 682)، و((تفسير البغوي)) (5/ 317)...إلخ.
وقد لا يكون هذا مقصود المؤلِّف، لكن كلامه يوهِم هذا، فكان عليه في مثل هذه المسألة الخطيرة أن يبيِّن مقصوده بكلِّ وضوح ولا يدَع هناك سبيلًا للفَهم الخاطئ.

10- ومن المآخذ أيضًا:
أنَّ المؤلف أشار إلى أهميَّة حريَّة الكلمة، وفوائد التعدديَّة الفكرية...إلخ، ولم يتطرَّق إلى مفاسد الاختلاف وتعدُّد الآراء، وأنَّ الخلاف كله شرٌّ، بل اقتصر على حرية الكلمة، وحرية الرأي دون وضع ضابط لها،وفي هذا تغافل عن قوله تعالى:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46] وغيرها من الآيات،وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة...)). وكما هو معلوم أنَّ الحقَّ واحد لا يتعدد ولا يختلف فرقًا، وأن الائتلاف رحمة وهي من أعظم صفات أهل السنة والجماعة، والفرقة عذاب وهي من أخس أوصاف أهل البدعة والاختلاف؛ فليس تعدد الرأي ممدوحًا بإطلاق، وليس كل الاختلاف له حظ من النظر.
كما أنَّ المؤلِّف في حديثه عن الشورى (ص: 107 - 130) أطال الحديث جدًّا، ذاكرًا أهميتها مرجِّحًا وجوبها لا استحبابها، وأنَّها حقٌّ للأمَّة قد صُودر واختزل...إلخ، وفي هذا الفصل أشياء حسَنة، ومع ذلك لم يضَع ضوابط لهذه الشورى؛ في أيِّ الأمور تكون؟ ومَن هم أهلُ الشُّورى المأمونون؟ ومتى يكون الإمام ملزمًا بها ومتى لا يكون؟ إلى غير ذلك ممَّا قرَّره الفقهاء والشُّرَّاح والمفسِّرون، ممَّا يطول ذكره هنا، ويكفي فيه التنبيه.

11- ومن المآخذ أيضًا:
قَصْر الإصلاح عن طريق السُّلطة فقط:
يقول الدكتور حاكم (ص: 317): (إنَّ على الحركة الإسلاميَّة أن تُدرك أنَّ جميع الحركات الإصلاحيَّة في العالم كله إنَّما حقَّقت مشاريعها الإصلاحيَّة عن طريق السلطة، ولا سبيل إلى تحقيق الإصلاح أو نهضة أمَّة إلَّا بصلاح السلطة نفسها، فبصلاحها يتحقَّق إصلاح المجتمع ونهضته، وكلُّ جهد يُبذَل في غير هذا الاتِّجاه لا يمكن أن يُحقِّق الإصلاح العام للمجتمعات الإسلاميَّة، وإنْ عاد على بعض الأفراد بالخير والصَّلاح...).
إنَّ مسألة ربط الإصلاح بالسلطة فقط، غير صحيح! نعمْ للسلطة دَور كبير، وتأثيرها بالغ في الشعوب، لكن ليس الصلاح منوطًا بها فقط، وفي تاريخ الأنبياء والمرسلين شاهد على ذلك؛ فإنَّ من الأقوام ما انصلح حالهم بمجرَّد الإيمان كما هو حال قرية يونس، وقصَّة أصحاب الأخدود وإيمان الشَّعب وصلاحه، مع طُغيان الملك والسُّلطة وفسادهما. كما أن كثيرًا من الأنبياء بلَّغوا رسالتهم ودعوا أُممهم، من غير وجود سُلطة. بل في تاريخ الإسلام شواهدُ كثيرة على أنَّ الصَّلاح غير مرتبط بالحكَّام والسُّلطة فقط، وأكبر مثال على هذا: الدولة العبيديَّة، المسمَّاة زورًا بالفاطميَّة؛ فقد عاثوا في الأرض فسادًا وسبًّا للصحابة الأبرار الأطهار، وطمسًا لمعالم الدِّين في مصر، ولكن شعب مصر المسلِم ظلَّ على دِينه واعتقاده، حتى أذِن الله تعالى بكشف الغمَّة. والمؤلِّف نفسه قد ذكر (ص: 173) أنَّ التغيير يبدأ من نفْس الإنسان إلى الأحسن أو إلى الأسوأ، مستدلًّا بقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، وعلى هذا فقد قرَّر أنَّ بداية التغيير والإصلاح تبدأ من الرَّعية، وهو كلام حسَن؛ لكنَّه خالفه في آخر الكتاب!
على أنَّ كلام المؤلِّف يكون له محمَل حسن؛ إذا أراد أنَّ تطبيق شرائع الإسلام يسهُل بصلاح السُّلطة، ما لا يسهُل بغير صلاحها، وهو كلام متَّفق عليه، ولكن المشكلة في الكلام الموهم والمجمَل، وعدم فك الاشتباك بين الأمور المشتبِهة والمشتبِكة.

وختامًا:
هل وضع المؤلِّف حلًّا للخُروج من هذه الأزمة، وهل أشار إلى الهَدْي النبويِّ في الإصلاح عامَّة، وكيفية عودة الخلافة الراشدة، وهل الثورة ومجابهة السُّلطات الطاغية وحْدَه كفيلٌ بعودة الأمور إلى مجراها الراشديِّ؟ أسئلة تحتاج إلى إجابة، وكان الأولى بالمؤلِّف أنْ يبيِّن الحلَّ الأمثل الذي يشمل جوانبَ الإصلاح المتعدِّدة، في جوانب التوحيد المختلفة، وتصحيح عقائد الناس وعبادتهم، وحُسن التوكُّل على الله تعالى، والاستعانة والاستغاثة به سبحانه، مع الأخْذ بأسباب النَّصر والتمكين، وإعداد العُدَّة المعنويَّة والحِسيَّة، والاعتصام بحبل الله تعالى وعدم التفرُّق في الدِّين، والتزام معالي الأخلاق في كلِّ التعاملات...إلخ، من غير ذمٍّ أو تقليل، أو تشنيع على أحد؛ فقد يصلح الله تعالى الأمَّة وينصرها بشيء لا نتوقَّعه، وما ذلك على الله بعزيز.

والحمد لله ربِّ العالمين.