مقالات وبحوث مميزة


شبابَ السَّلفيَّة.. الْزَموا أماكِنَكم

مشاري الشثري

 

هذه خاطرةٌ عابرةٌ، ونَفْثةُ مَصدورٍ، لا تَحتَمِلُ التطويلَ في الـمقدِّماتِ، واللهُ الـمُؤَمَّلُ أنْ يستَعمِلَنا في طاعَتِه..

الشبابُ السلفيُّ يَجني على نَفْسِه إذا صَدَفَ عن كُتُبِ العِلْمِ الشرعيِّ بحُجةِ الاشتِغالِ بالعُلومِ الـمُعينةِ على كَبْحِ تيَّارِ الانحرافِ، ولو كانت عُلومًا بنائيةً، فرَأْسُ مالِنا في عُلومِنا الأصيلةِ، وبقَدْرِ تَضلُّعِنا منها وتحقيقِنا لِمَسائلِها يتَّسعُ تأثيرُنا وتَنضَجُ مُخرجاتُنا.

وكم ازدرَيْنا كثيرًا مِن أهلِ الانحرافِ، وعيَّرْناهم بتقَلُّباتِهم، ونحن في واقِعِ الأمرِ نُسامِتُ أمواجَهم ونَلِجُ أوديةَ تحوُّلاتِهم، وإنِ اختلَفَتْ بوصلةُ النظر.
 

إنَّ انفتاحَ الشبابِ السلفيِّ على العُلومِ الإنسانيةِ -ولو كان بمجرَّدِ الرغبةِ فيها- ليس أمارةَ نُضجٍ، بلِ الذي أزعُمُه أنَّه علامةُ تأخُّرٍ وانهِزامٍ في "كثيرٍ" مِن أحوالِه، إذْ نَجِدُ أغلبَ هذه الشريحةِ لم يأخُذوا مِن عِلْمِ الشريعةِ بالقَدْرِ الذي يسُدُّ الرَّمَقَ الفِكريَّ.. ولو أجَلْنا النظرَ لوَجَدْنا الـمُؤثِّرين في الساحةِ الإسلاميةِ مِن السلفيِّين قد كان صُلبُ تَكوينِهم مِن عُلومِ تُراثِهم، وقد أبلَغوا مِنَ النَّهلِ منه، فكان ذلك حِصنًا مَكينًا لهم حين تقَحَّموا عُلومَ القَوم.
 

لابُدَّ مِنَ التأكيدِ على قيمةِ العِلْمِ الشرعيِّ، وفَضلِ طَلَبِه، ومَقامِ أصحابِه، ولابُدَّ مِن تثبيتِ مركزيَّةِ الوَحْي والعُلومِ الـمُستقاةِ منه في قُلوبِنا قبْلَ غَيرِنا، ثم فيمَن يسمعُ مِنَّا ويقَرَأُ لنا.
 

كنتُ على مَوعِدٍ مع بعضِ طلبةِ العِلْمِ، فأخَذتُ معي أحَدَ الأشياخِ الـمُؤثِّرين في الساحةِ الفكريةِ، وهو مِنَ الذين أخَذوا بحَظٍّ وافِرٍ مِن عِلْمِ الشريعةِ، فكان مَجلِسًا عامِرًا بمسائِلِ الفِقهِ والأُصولِ وغَيرِها، وبعْدَ أنْ خرَجْنا قال لي: (أينَ مَن يُثيرُ هذه الـمسائلَ في مَجالِسِنا؟! كانت مَجالِسُنا على هذه الشاكلةِ، وكُنَّا نَجلِسُ مِنَ العِشاءِ حتى الفَجرِ لِمُداوَلةِ مَسائلِ شَريطٍ مِنَ الأشرطةِ، ولكنْ ما صارت هذه الـمسائلُ تأخُذُ باهتِمامِ الشبابِ السلفيِّ الآنَ) اعتِرافٌ مُرُّ!
 

وقد كتَبَ أحَدُ الأشياخِ السلفيِّين على صَفحَتِه في الفيس بوك قائمةَ سُؤالاتٍ مِن مُختَلَفِ العُلومِ، ثم ذيَّلَها بقَولِه: (في مِثلِ ما تقدَّمَ كانت نِقاشاتُنا مع إخوانِنا طلبةِ العِلْمِ، هل تَعرِفُ أحَدًا يتكَلَّمُ في هذه الـمَسائلِ في هذَيْنِ اليَومَيْنِ؟) سُؤالٌ عَلقَمٌ!
 

مِنَ الـمُحزِنِ حَقيقةً أنْ تَفْنى مَجالِسُنا بَحثًا في تغريداتِ فُلانٍ وعِلَّانٍ، ونَستعيضَ بها عن مُخبَّآتِ الكُتُبِ ومُعضِلاتِ مَسائلِ الفِقهِ والاعتقادِ ونَحوِها.
 

يا شبابَ السلفيةِ، سألتُكم باللهِ أنْ تَلزَموا أماكِنَكم، فما بلغَ منكم خُصومُكم مَبلَغًا أحبَّ إليهم مِنَ اجتِيالِكم عن مَصدَرِ قُوَّتِكم، وأخشى أن يأتيَ علينا زمانٌ نتحَسَّرُ فيه على فَواتِ زهرةِ أوقاتِنا حينَ قضَيناها في هوامِشِ الـمَعرفةِ.
 

 ومُوجَزُ وَحْيِ الخاطِرِ قولُ عُروةَ:

(إنَّا كُنَّا أصاغرَ قَومٍ، ثم نحن اليَومَ كِبارٌ، وإنَّكم اليَومَ أصاغِرُ، وستكونونَ كِبارًا، فتعَلَّموا العِلْمَ تَسُودوا به قَومَكم، ويَحتاجوا إليكم).
 

اللَّهمَّ إنَّا نَعوذُ بك مِن قلةِ الزَّادِ زَمَنَ الفاقة.