قراءة ونقد

الحريات العامة في الدولة الإسلامية (قراءة ونقد)
book
راشد الغنوشي
عنوان الكتاب: الحريات العامة في الدولة الإسلامية
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1993م
عرض ونقد: القسم العلمي بمؤسسة الدرر السنية


هذا الكتاب تبلورت مبادئ فكرته واجتمعت غالب مادته في الفترة التي قضاها المؤلف في السجن، والمؤلف حاول من خلاله مناقشة عدد من القضايا التي تخص الحريات العامة ومدى قدرة الإسلام على تنظيم الحياة وما يقدمه من ضمانات للحريات العامة والخاصة ومن حقوق للأقليات السياسية والدينية وحقوق النساء إلى غير ذلك ، وسنقوم بعرض الكتاب وأهم المؤاخذات عليه.
أولًا: عرض الكتاب
قسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: حقوق الإنسان وحرياته في الإسلام
وتحته فصلان:
الفصل الأول: حول مفاهيم الحرية في الغرب
الفصل الثاني: التصور الإسلامي للحرية وحقوق الإنسان
والذي تناوله بعد التمهيد في عنصرين
الأول: العقيدة أساس حقوق الإنسان في الإسلام
الثاني: الإطار العام لحقوق الإنسان في الإسلام
واشتمل على: حرية المعتقد وآثارها
حرية الذات وحق التكريم الإلهي للذات البشرية
حرية الفكر والتعبير
الحقوق الاقتصادية
الحقوق الاجتماعية
وأما القسم الثاني: فهو الحقوق والحريات السياسية
واشتمل على الفصل الثالث والرابع
الفصل الثالث: المبادئ الأساسية للديمقراطية (تمهيد- المبادئ الأساسية للنظام الديمقراطي – نظرة إجمالية – الدولة في التصور الغربي – أين النظام الديمقراطي من مثاله- الخلاصة)
الفصل الرابع: المبادئ الأساسية للحكم الإسلامي
(ذكر أولا عدة مقدمات: مقدمة (1) في اعتبار السلطة في الإسلام ضرورة أو طبيعة اجتماعية ضرورية- مقدمة (2) مقومات الدولة الإسلامية في المدينة – مقدمة (3) أساس الحومة الإسلامية. وذكر ثانيا مبادئ الدولة الإسلامية: النص الشورى وتساءل ما موقع الأمة في الحكم الإسلامي )
وأما القسم الثالث وهو ضمانات عدم الجور أو الحريات العامة في النظام الإسلامي واشتمل على فصلين وهما:
الفصل الخامس: وهو مفهوم الاستبداد
والفصل السادس: المبادئ الأساسية لمقاومة الجور في الدولة الإسلامية,هي:
أولا: مشروعية الله العليا ورقابة الشعب
ثانيا: الإمامة عقد
ثالثا: القرب من الناس وعدم الاحتجاب والبعد عنهم
رابعا: مبدأ فصل السلطات أو تعاونها (تعريف – تقويم – نماذج للعلاقات بين السلطات – العلاقات بين وظائف الدولة الإسلامية)
خامسا: تعدد الأحزاب للوقاية من الاستبداد (في التصور الغربي الليبرالي والتصور الغربي الماركسي – وما موقف الفكر الإسلامي والجماعات الإسلامية المعاصرة من المسألة الحزبية- تطور في الفكر أم في الممارسة السياسية- تجارب للمشاركة قمعت – موقف الجماعات الإسلامية الجهادية لاسيما في مصر – والحركة الإسلامية في السودان وأنموذج الحكم الإسلامي- مواقف مفكرين رافضة للحزبية – الجيل الرابع- المواطنة عامة وخاصة- وضعية الأحزاب غير الإسلامية في الدولة الإسلامية تعددية في إطار الإجماع ما هي مهمات الأحزاب في الدولة الإسلامية )
سادسا: ضمانات أخرى لمنع الاستبداد
سابعا: كيف نفسر ما ظهر من استبداد في تاريخ الإسلام
ثامنا: نظرة عامة على الأحزاب الإسلامية (الحركة الإسلامية والعنف – مناهج الجماعات الإسلامية)
وبعد ذلك نتائج البحث وبعض الملاحق
ثانيا النقد:
هذه بعض المؤاخذات التي أخذت على المؤلف:
1- موقفه من الديمقراطية:
يقول عن الديمقراطية (ص 17): (على حين أن ما تحصل عندي من قناعات راسخة واضحة يتلخص في أن الديمقراطية ليست مفهوما بسيطا كما يظن وأنها ولئن قدمت مفاهيم للحرية وأجهزة لتجسيدها وترشيح الإجماع في مجتمع قومي محدود ويمكن وصفها في الجملة بأنها لا بأس بها فإنها لا تتجاوز كونها ممكنا من الممكنات وأن الإسلام لا يتناقض معها ضرورة بل إن بينهما تداخلا واشتراكا عظيما يصلحان أساسا متينا لتبادل المنافع والتعايش كما أن التباين والاستدراك عليهما واردان).
ويقول (ص 86) بعد اعترافه بوجود أعتى الديكتاتوريات وكثير من المظالم والفواحش وانتشار المجاعة في قرابة ربع البشرية إلى غير ذلك في ظل الديمقراطية : (إن موطن الداء ليس في أجهزة الديمقراطية: الانتخاب والبرلمان والأغلبية وتعدد الأحزاب وحرية الصحافة بقدر ما هو كامن في فلسفات الغرب السياسية القومية والمادية تلك التي فصلت بين الروح والجسد ثم تجاهلت الروح ووأدتها وحاربت الله ... إن مصائب الإنسانية لا تكمن في النظام الديمقراطي أو تقنياته المعروفة التي يمكن أن تعمل بنجاح ...)
ثم يقول: (نحن الإسلاميين نرفض بشدة فتاوى أنظمة الأقليات المستبدة التي بلغ بها الاستهتار بشعوبها وإيغالها في النفاق إلى حد إصدار الفتاوى بتحريم النظام الانتخابي بدعوى رفض الابتداع وتقليد الغرب متغافلين أن الحكمة ضالة المؤمن وأنه حيث المصلحة والعدل فثم شرع الله وأن الديمقراطية آلية ممتازة لتجسيد الشورى في إطار قيم الإسلام) انتهى كلامه.
وهذا الموقف الذي تبناه المؤلف غير صحيح، فالديمقراطية مذهب سياسي له أساس فكري وليست مجرد آليات لضمان العدل والمساواة وعدم الاستبداد فالديمقراطية قامت ضد حكم الكنيسة ولذلك تعتبر التطبيق السياسي للعلمانية التي تفصل الدين عن الدولة بل عن الحياة كلها، وقد ذكر المؤلف بعض ما نشأ في ظل الديمقراطية كالأنظمة المستبدة وفشو المظالم وانتشار الفاحشة إلى غير ذلك ومع ذلك يدافع عنها مرجعا سبب ما سبق إلى فلسفات الغرب السياسية القومية والمادية التي فصلت بين الروح والجسد وهذا السبب نفسه كامن في أصل فلسفة الديمقراطية التي تفصل الدين عن الدنيا.
هذا وقد شهد بعض المفكرين الغربين بعوار الديمقراطية، ووجدت اعتراضات من بعضهم حولها وقد ذكر عددا منهم بعض من كتب عن زيف الديمقراطية الغربية ومنهم محمد أحمد مفتي في كتاب نقض الجذور الفكرية للديمقراطية الغربية. إذًا فليس رفض الديمقراطية أو القدح فيها موقفا خاصا ببعض الاتجاهات الإسلامية .
وإذا كانت الديمقراطية- فَرَضًا- أرست العدل والمساواة فديننا قد سبق إلى تقرير ذلك بما اشتمل عليه من نظام سياسي رشيد، فما الداعي إلى المصير إلى هذا النظام بما يحمله من مساوئ؟! وما هي القداسة التي تكتنفه حتى نطبع كل شعارات العدل والمساواة والحرية بطابع الديمقراطية.
وأما مسألة رفضها لكونها متلقاة من الغرب فينبغي في مجال الاقتباس أو الابتكار أن نفرق بين ما هو من أمور الدين وما هو من أمور الدنيا وما هو من قبيل النظم والأحكام والمبادئ الشرعية وما هو من قبيل الآليات والأمور التقنية والفنية، فلا يصح الابتكار والاقتباس إلا في أمور الدنيا بشرط عدم مخالفة الشرع وأن تكون مصلحته راجحة.
ومع ذلك فإذا قلنا بالعمل بالديمقراطية لدواع سياسية أو أخلاقية لإقامة العدل والشورى ومواجهة الطغيان فيكون ذلك من باب اختيار أهون الشرين بدفع أشدهما ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أخفهما دون إطلاق القول بجواز الأخذ بها أو تماشيها مع تعاليم الإسلام.
2- موقفه من المرأة:
يقول (ص 130): (ليس هناك في الإسلام ما يقطع بمنع المرأة من الولايات العامة قضاء أو إمارة وحتى على فرض ذهابنا مع الجمهور إلى منعها من الولاية العامة (رئاسة الدولة) فبأي مستمسك يستمسك غاصبو حقها المشاركة في إدارة الشؤون العامة في كل المستويات). ويرُجع عدم مشاركة المرأة في شؤون الدولة في القرون الأولى إلى طبيعة الحياة الاجتماعية.
وأما الحديث الوارد نصًّا في المسألة فقد حاول أن يضعف الاحتجاج به بدعوى أنه ظني وأن راويه على الرغم من كونه من الصحابة إلا أنه قد حد وأن العلماء مختلفون في شهادة الراوي المحدود وأن الأحكام الشرعية خاصة ما تعلق منها بنظام الدولة الإسلامية ما ينبغي أن تبنى على سند ظني مهما كانت درجة الظنية قليلة كما في (حاشية 155 ص 129)
ثم يقول (ص 132): (الخلاصة أنه ليس في الإسلام ما يبرر إقصاء نصف المجتمع عن دائرة المشاركة والفعل في الشؤون العامة بل إن ذلك من الظلم للإسلام ولأمته قبل أن يكون ظلما للمرأة ذاتها).
والجواب أن الحديث نص في المسألة ومحاولة المؤلف تضعيف الاحتجاج به غير مقبولة فالحديث قد تلقاه العلماء بالقبول وأخرجه البخاري في صحيحه وهذه قرائن تدل على ثبوت الحديث وراويه هو أحد الصحابة الأجلاء والصحابة كلهم عدول ثم إن هناك فرقا بين قبول الشهادة والرواية.
وليس الحديث وحده هو المتفرد بالدلالة على منع المرأة من الولاية بل يؤكده قول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] ثم إنه قد أقر أن المرأة لم تشارك في شؤون الدولة في القرون الأولى المفضلة فهل هذا يعني أن المرأة ظُلمت طوال هذه القرون.
3 – موقفه من حكم الردة:
يرى المؤلف أنَّ حكم الردة عن الإسلام هو حكمٌ لجريمة سياسيّة تتمثّل في الخروج عن نظام الدّولة، وبالتّالي يُترك للإمام معالجتها بما يناسبها من التعازير، وليست هي جريمة عقيديّة تدخل ضمن جرائم الحدود التي هي من حق الله.
يقول (ص 50) : (إن الردة جريمة لا علاقة لها بحرية العقيدة التي أقرها الإسلام وأنها مسألة سياسية قصد بها حياطة المسلمين وحياطة تنظيمات الدولة الإسلامية من نيل أعدائها)
4- في مقدَّمة كتابه يهدي المؤلف كتابه إلى من لا يستحقون ذلك ويصفهم بأنهم : آباءه الروحيون، من أمثال: حسن الترابي ويصفه بالقائد المجدد، والخميني ويصفه بالإمام وبقائد الثورة الإسلاميّة المعاصرة ، ورجاء جارودي ويصفه بأنه طليعة الغرب الإسلامي ... وغير هؤلاء .
5- تعرضه وذمه لمعاوية رضي الله عنه، حيث قال (ص 164) : ( الوالي المنشق معاوية بن أبي سفيان، وقد غلبت عليه - غفر الله له - شهـوة الملك وعصبيَّة القبيلة، فلم يكتف بأن انتزع الأمر من أهله بل ومضى في الغيّ!! لا يلوي على شيءٍ حتّى صمّم على توريثه كما يوّرث المتاع لابنه وعشيرته، فجمع في قصّته المشهورة ثلّة من المرشّحين للخلافة من الجيل الثّاني من الصحابة، وأمام ملأ من النّاس قام أحد أعوانه يخطب بصفاقة... وحيـنئذ بدأ مسلسل الشّر والفساد، مكرسا الدكتاتوريّة والوصاية والعصمة، مقصياً الأمّة عن حقّها، مبدّداً طاقتها في جدلٍ عقيم حول الخلافة والاستخلاف) .
6- يجيز لغير المسلم أن يدعو في الدولة الإسلامية إلى دينه وملّته، فللشيوعي أن يدعو إلى شيوعيّتة وإلحاده، والبعثي إلى بعثيته، والقومي إلى قوميته، شريطة التزام الجميع بالآداب العامّة للحوار، ويقول محتجّاً لذلك: (إنّ إقرار أحدٍ على مذهبه يقتضي ضرورة الاعتراف له بحقّ الدّفاع عنه لإظهار محاسنه، ومساوئ ما يخالفه، وذلك جوهر عمل كل داع).
بل كما هو ظاهر من اللفظ فإنّه يجيز لهذا المشرك أن يظهر مساوئ الإسلام!!. فالمؤلف يذهب إلى أن الحرية في النظام السياسي الإسلامي تتّسع لكافة الآراء مهما كانت مصادمة للشريعة أو قادحة فيها. انظر: (ص 293، 294) . ويقول تحت عنوان حرية التعبير دفاعا عن العقيدة أو دعوة إليها أو نقدا لها، نقلا عن أحدا الكتاب ومقرا له(ص 47) : (وإذ كان من حق بل من واجب المسلم أن يعرض دعوته على مواطنه غير المسلم فإن لهذا الأخير الحق نفسه وإذا كان هناك من خشية على إيمان المسلمين فليس أمام هؤلاء من علاج إلا التعمق في إيمانهم أو نشدان ذلك من سؤال علمائهم.
هذا غيض من فيض مما في هذا الكتاب، وهو من أهم الكتب التي كتبت عن الحريات في الإسلام من منظار ليبروإسلامي.