موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الرابع: عَطفُ البَيانِ


يتَّفِقُ عَطفُ البيانِ مع البَدَلِ في أكثَرِ المواضِعِ؛ لهذا جِئْنا بعَطفِ البيانِ بعد البَدَلِ؛ لاستحضارِ ذلك، والتفرقةِ بينهما.
تعريفُه: هو التَّابِعُ الجاري مجرى النَّعتِ في ظهورِ المتبوعِ، وفي التوضيحِ والتخصيصِ، جامدًا أو بمنزلتِه. ويوافِقُ المتبوعَ في الإفرادِ وضِدَّيه، وفي التذكيرِ والتأنيثِ، وفي التعريفِ والتنكيرِ.
شَرحُ التَّعريفِ:
سُمِّي عَطفُ البيانِ بذلك؛ لأنَّه زيادةٌ في البيانِ، وأصلُه من العَطفِ، فإذا قلتَ: جاء أخوك زيدٌ، فإنَّ أصلَه: جاء أخوك وهو زيدٌ.
وقَولنا: (الجاري مجرى النَّعتِ في ظهورِ المتبوعِ والتخصيصِ) أخرج به التوكيدَ؛ فإنَّه لا يفيدُ تخصيصَ المتبوعِ، وكذلك أخرج النعتَ الذي لا يفيد إلَّا التوكيدَ؛ كقَولِك: ضربةٌ واحدةٌ.
وقَولنا: (جامدًا) أخرج النعتَ؛ فإنه -كما قلنا- مُشتَقٌّ وضْعًا أو تأويلًا.
وقَولنا: (أو بمنزلتِه) أي: ما كان صفةً لكِنْ صار بالغَلَبةِ عَلَمًا؛ كالصِّدِّيق والصَّعقِ؛ فإنهما وصْفان مُشتَقَّانِ، إلَّا أنَّه غلب استعمالُهما أعلامًا.
وقَولنا: (ويوافِقُ المتبوعَ في الإفرادِ وضِدَّيه) أي: يوافِقُ المتبوع في الإفرادِ والتثنيةِ والجَمعِ. تَقولُ: هذا صاحِبُك زيدٌ، وهذان صاحِباك الزَّيدانِ، وهؤلاء أصحابُك الزَّيدون.
وقَولنا: (وفي التذكيرِ والتأنيثِ) تَقولُ: هذه أَمَتُك هند، وهذا غلامُك زيدٌ.
وقَولنا: (وفي التعريفِ والتنكيرِ) خلافًا للبَدَل؛ فقد ذكَرْنا أنَّه يجوزُ بَدَلُ المَعرِفةِ مِن النَّكِرةِ والعكسُ. وهذا فارقٌ بين عَطفِ البيانِ والبَدَلِ؛ ولهذا لا يجوزُ في مِثْلِ قَولِه تعالى: فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ [آل عمران: 97] أن يكونَ عطْفَ بيانٍ؛ فإن "مَقام إبراهيمَ" معْرِفةٌ، و"آيات" نَكِرةٌ.
ويجوزُ في عَطفِ البيانِ أن يكونَ أعمَّ من المتبوعِ، أو أخَصَّ منه، أو مساوِيَه؛ لأنَّه مِثْلُ النَّعتِ، والنعتُ يجوزُ فيه ذلك، فيجوزُ أن يكون قولُك: يا هذا ذا الجُمَّةِ، أن يكون "ذا" عَطْفَ بيانٍ، كما يجوزُ أن يكونَ بَدَلًا، وإن كان أَعَّم من المتبوعِ؛ فإنَّ اسمَ الإشارةِ في المثالِ أخَصَّ من المُضافِ إلى المعرَّفِ بـ(أل).
ويخالِفُ عَطفُ البيانِ البَدَلَ في أنَّه ليس على نِيَّةِ تَكرارِ العامِلِ؛ ولهذا كان قَولُ الشَّاعِرِ:
أنا ابنُ التَّارِك البَكريِّ بِشرٍ
عليه الطَّيرُ تَرقُبُه وُقوعَا
عطْفَ بيانٍ لا بَدَلًا؛ فإنَّ (بِشْر) لو كان بَدَلًا من البَكريِّ، والبَدَلُ في حُكمِ تَكرارِ العامِلِ؛ لكان العامِلُ في المُبدَلِ منه داخلًا عليه؛ فيكونُ (بِشْر) صفةً للتارِك، وهذا لا يجوزُ؛ إذ الموصوفُ مُقتَرِنٌ بـ(أل)، والصِّفةُ ليست كذلك.
الإعراب:
أنا: ضَميرُ المُتكَلِّم مَبْنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ رَفعٍ مُبتَدَأٌ.
ابن: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
التارك: مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
البكري: نعتٌ مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
بشرٍ: عَطفُ بَيانٍ مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
كذلك إذا كان المتبوعُ منادًى والتابِعُ مُفرَدًا مُعْربًا؛ كقَولِك: يا أبا عبدِ اللهِ زَيدًا؛ فإنَّك لو اعتبرته بَدَلًا لكان ذلك بتَكرارِ العامِلِ، فكأنَّ أداة النِّداءِ دَخَلت على البَدَلِ، فيكون مَبْنيًّا على الضَّمِّ لا منصوبًا، ولهذا يتعَيَّنُ فيه العَطفُ لا البَدَلُ.
ومِثْلُه إذا كان التابِعُ غيرَ صالحٍ لأن تَدخُلَه الأداةُ؛ كالمحَلَّى بـ(أل)؛ كقَولِك: يا أبا عليٍّ الحارثَ؛ فإنَّ الحارِثَ هنا عَطفُ بيانٍ؛ إذ لو اعتبرناه بَدَلًا لاستوجب ذلك أن تَدخُلَه أداةُ النداءِ، وهذا لا يَصِحُّ؛ إذ الأداةُ لا تَدخُلُ على (أل) مباشَرةً.
إعرابُ: يا أبا عليٍّ الحارثَ
يا: حرفُ نداءٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
أبا: منادًى مُضافٌ منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الألِفُ؛ لأنَّه من الأسماءِ السِّتَّةِ.
علي: مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
الحارِثَ: عَطفُ بيانٍ مَنصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
ويختَلِفانِ أيضًا في مطابقةِ المتبوعِ في التعريفِ والتنكيرِ؛ فما كان من المَعرِفة تابعًا لنكرةٍ أو العكس فهو بَدَلٌ لا عَطفُ بيانٍ؛ ولهذا يمتنِعُ في قَولِه تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ [الشورى: 52، 53]، وقَولِه تعالى: لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ [العلق: 15، 16] أن يكونَ عَطفَ بَيانٍ، فإنما هو بَدَلٌ فحَسْبُ.
ويجوزُ في غيرِ تلك الحالاتِ أن يُعرَبَ التابعُ بَدَلًا أو عَطْفَ بيانٍ؛ فتقول في: هذا أبو حَفصٍ عُمَرُ:
هذا: اسمُ إشارةٍ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ مُبتَدَأٌ.
أبو: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الواو؛ لأنَّه من الأسماءِ السِّتَّةِ.
حفص: مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
عُمَرُ: بَدَلٌ أو عَطفُ بيانٍ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
إلا أنَّه إذا كان التابعُ يُفيدُ زيادة بيانٍ وتوضيحٍ كان الأليقُ به أن يكونَ عَطفَ بيانٍ لا بَدَلًا؛ ففي قَولِه تعالى: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ [المائدة: 95] يكون "طعام" عَطْفَ بَيانٍ؛ لِما فيه من بيانِ الكَفَّارةِ، وهي المتبوعُ، وكذلك قَولُه تعالى: وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ [إبراهيم: 16] يُنظَر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (2/ 271)، ((شرح التسهيل)) لابن مالك (3/ 325)، ((المساعد على تسهيل الفوائد)) لابن عقيل (2/ 423). .


انظر أيضا: