موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثَّاني: الأسماءُ المُلازِمةُ للإضافةِ


بعضُ الأسماءِ مُلازِمةٌ للإضافةِ، فلا تأتي إلَّا مضافةً؛ مِثْلُ: "قُصارى" تَقولُ: يَبذُلُ قُصارى جُهْدِه، وقُصارى الشَّيءِ: غايَتُه.
كذلك "لدى، عند، سوى" فلا تأتي إلَّا مضافةً، تَقولُ: لَدَيْك، ولَدَيَّ، ولَدَيْهم، ولَدى محمدٍ، وعندي، وعِندكم، وعِندنا، وعند الجميع، وسِوَايَ، وسِوَاك، وسِوَى زيدٍ.
وقد تكونُ الملازَمةُ للإضافةِ مَعنويَّةً، بحيث يأتي الاسمُ مُفرَدًا لفظًا فحسْبُ، وهي "كل، بعض، أيٌّ"؛ فقد تأتي تلك الأسماءُ مُفرَدةً لفظًا، لكنَّ حقيقةَ الأمرِ أنَّها مضافةٌ، والمُضافُ إليه محذوفٌ، عوَّضْنا عنه بالتنوينِ الذي هو تنوينُ العِوَضِ.
كقَولِه تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [البقرة: 253] ؛ فالأصل: بعضَهم على بَعضِهم، وقَولِه تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء: 33] ، أي: كلُّ ذلك في فَلَكٍ، وقَولُه تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء: 110] ، أي: أيَّ اسمٍ تدعوه.
والملازِمُ للإضافةِ أنواعٌ:
1- ألَّا يُضافَ إلَّا إلى ضميرٍ، مِثْلُ: "وحْدَك، لبَّيك، حَنانيك، سَعْدَيك ..." فإنها لا تُضافُ إلى اسمٍ ظاهرٍ، فلا يقال: وحْدَ زيدٍ، ولا: لَبَّي محمَّدٍ.
2- يضافُ إلى الضَّميرِ والظَّاهِرِ على حدٍّ سواءٍ، مِثْلُ: قُصارى، ولدى، وعند، وسِوى.
لَدُنْ:
لَدُنْ: ظرفٌ ملازِمٌ للإضافةِ، يُضافُ إلى المُضْمَرِ والظَّاهِرِ، وإعرابُه دومًا إمَّا أن يكونَ ظرفًا أو مجرورًا بـ(مِن)؛ فإذا تجرَّد مِن (مِن) كان ظرفًا مَبْنيًّا في مَحَلِّ نصبٍ، وإذا سُبق بـ(مِن) كان اسمًا مجرورًا، وهذا أغلَبُ أحوالِه، كقَولِه تعالى: وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً [آل عمران: 8] ، وقَولِه تعالى: وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 67] ، وقَولِه تعالى: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود: 1] .
وما بَعْدَه دائمًا يُعرَب مُضافًا إليه، إلَّا إذا كان ما بعْده "غُدوة"، فله حالتان:
1- الإضافةُ، ويكونُ "غُدوةً" مضافًا إليه مجرورًا.
2- الإفرادُ، ويكونُ "غُدوة" تمييزًا.
تَقولُ: لقيته لدنْ غُدوةٍ، لقيتُه لَدنْ غُدوةً.
لقيتُه: لقي فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاء الفاعِل، والتاء: تاءُ الفاعِلِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ في مَحَلِّ رَفعٍ، والهاء: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ به.
لَدُن: ظرفُ زَمانٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ نصبٍ.
غدوة (في المثال الأول): مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ، و(في المثال الثاني): تمييزٌ منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفتحةُ.
(مع):
(مع) اسمٌ ملازِمٌ للظَّرفيَّةِ والإضافةِ، تَقولُ: ذهب مع فلانٍ.
ذهب: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
مع: ظرف منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفتحةُ.
فلانٍ: مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ.
وهو مُعرَبٌ إلَّا أنَّه مختَصٌّ بالظَّرفيةِ؛ لهذا لا يكونُ إلَّا منصوبًا.
وقد تُقطَع "مع" عن الإضافةِ، فتُعرَبُ حالًا. تَقولُ: جاء زيدٌ وعمرٌو معًا.
جاء: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
زيد: فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
وعمرو: معطوفٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
معًا: حالٌ منصوبةٌ، وعَلامةُ نَصبِها الفتحةُ يُنظَر: ((توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك)) للمرادي (2/ 815)، ((إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك)) لبرهان الدين ابن القيم (1/ 499). .
3- لا يُضافُ إلَّا إلى جُملةٍ، وهي "حيث، إذ، إذا":
أ- حيث: وتُضافُ إلى الجُملةِ الاسميَّةِ أو الفِعْليَّة. تَقولُ: جلس الصبيُّ حيث أبوه جالِسٌ، وتَقولُ: جلس الصبيُّ حيث جلس أبوه.
جلس: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
الصبي: فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
حيث: ظرفُ مكانٍ مَبْنيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ نصبٍ.
أبوه: مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الواو؛ لأنَّه من الأسماءِ السِّتَّةِ، والهاءُ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه.
جالس: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّة، والجُملةُ الاسميَّةُ: أبوه جالس في مَحَلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه.
وكذا في المثالِ الثَّاني: جُملة: "جلس أبوه" جُملة فِعليَّةٌ مكوَّنةٌ مِن فِعلٍ وفاعِلٍ، في مَحَلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه.
ويشذ إضافتُها إلى مُفرَدٍ، كقَولِ الشَّاعِرِ:
أما ترى حيثُ سُهَيلٍ طالعًا
نجمًا مُضيئًا كالشِّهابِ لامِعَا
ب- (إذ): وتُضافُ إلى الجُملةِ الاسميَّةِ والفِعْليَّةِ، شأنُها شأنُ "حيث"؛ فتَقولُ: وقَعَت الزُّجاجةُ إذ قام زيدٌ، وقعت الزُّجاجةُ إذ زيدٌ نائِمٌ.
وقعت: وقع فعلٍ ماض مَبْنيٌّ على الفَتحِ، والتاء تاء التأنيث.
الزجاجةُ: فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
إذ: ظرفُ زمانٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ نصب.
قام: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
زيد: فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
والجُملة الفِعْليَّة (قام زيد) في مَحَلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه. وكذلك الجُملةُ الاسميَّةُ في المثالِ الثَّاني (زيدٌ نائم) المكوَّنةُ من مُبتَدَأٍ وخَبَر.
ج- إذا: وتضافُ إليها الجُملةُ الفِعْليَّةُ فقط. تَقولُ: آتيك إذا طَلَعَت الشَّمسُ، أي: آتيك وقتَ وُقوعِ الشَّمسِ؛ فإن وَلِيَها اسمٌ مرتَفِعٌ فهو مرفوعٌ بفعلٍ مُضمَرٍ على شريطةِ التفسيرِ، كقَولِه تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير: 1] ، وقَولِه تعالى: إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ [الانفطار: 1]؛ فهما على تأويل: إذا انشَقَّت السَّماءُ انشَقَّت، إذا انفطرت السماءُ انفَطَرت.
ويجوزُ أن تُحمَلَ أسماءُ الزمانِ التي في معنى (إذ) و(إذا) عليهما في إضافتِهما إلى الجُملةِ، مِثلُ: "حين، وقت، يوم". تَقولُ: جئتُ حينَ زيدٌ نائِمٌ، جِئتُ حين نام زيدٌ، أكلِّمك وقْتَ تَطلُعُ الشَّمس، أكلِّمُك وقْتَ الشَّمسُ طالعةٌ، ومنه قَولُه تعالى: يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ [غافر: 16] .
وهذه الأسماءُ التي جاز فيها الإضافةُ تَظَلُّ على إعرابِها ولا تُبنى، فتظل: "حين، وقت، يوم، زمان..." على إعرابها، فتُرفَعُ أو تُنصَبُ أو تُجَرُّ حَسَبَ مَوقِعِها، إلَّا أنَّه قد ورَدَ مع إضافتِها إلى جُملةٍ فِعليَّةٍ فِعلُها ماضٍ البناءُ على الفَتحِ للمُفرَدِ، والبناءُ أكثَرُ، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
على حينَ عاتبتُ المشيبَ على الصِّبَا
وقلتُ أَلَمَّا أَصْحُ والشيبُ وازعُ
ببناء "حين" هنا على الفَتحِ لمشابهتها الحروفَ مِثْلُ "إذ".
أما إذا أضيفَت إلى جُملةٍ اسميَّةٍ أو إلى جُملةٍ فِعليَّة فِعلُها مضارعٌ فالأحسَنُ بقاءُ الإعرابِ، والبناءُ جائِزٌ يُنظَر: ((شرح ألفية ابن مالك)) لابن الناظم (ص: 278)، ((شرح ألفية ابن مالك)) للأشموني (2/ 146). .

انظر أيضا: