موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثَّالثُ: حذفُ حَرفِ الجَرِّ وبقاءُ عَمَلِه


أولًا: حذفُ (رُبَّ)
يجوزُ حَذفُ رُبَّ وإبقاءُ ما بَعْدَها مجرورًا بها، ويكثُرُ ذلك بعد الواوِ، وتُسمَّى (واو رُبَّ)، كقَولِ امرئِ القَيسِ:
وليلٍ كمَوجِ البَحرِ أرخى سُدولَه
عليَّ بأنواعِ الهُمومِ لِيَبتلِي
وقَولِ الشَّاعِرِ:
وَقَائِلَةٍ خَوْلَانُ فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ
وَأُكْرُومَةُ الحَيَّينِ خِلْوٌ كَمَا هِيَا
فكَلِمَتا (ليلٍ) و(قائلةٍ) مجرورتانِ لفْظًا بـ(رُبَّ) المحذوفةِ.
ويكثُرُ أيضًا بعد الفاء، لكنَّه أقلُّ منه مع الواوِ، ومِثْلُه قَولُ امرئِ القَيسِ:
فمِثْلِكِ حُبلى قد طرقتُ ومُرضِعٍ
فألهَيْتُها عن ذي تمائِمَ مُغْيِلِ
وقال غَيرُه:
فَحُورٍ قد لهوتُ بهِنَّ دَهرًا
نواعِمَ في المُروطِ وفي الرِّياطِ
بجَرِّ "مِثْل" و"حُور" بـ(رُبَّ) المحذوفةِ، وقد دلَّ عليها الفاءُ.
ويَقِلُّ حذفُ "رُبَّ" بعد "بل"، ومنه قولُ رُؤبةَ:
بل بَلَدٍ ذي صُعُدٍ وأصبابِ
قطَعْتُ أخشاه بعَسفِ جَوابِ
ويَندُرُ حَذفُها بغيرِ تلك الحُروفِ "الواو والفاء وبل"، كقَولِ الشَّاعِرِ:
رَسمِ دارٍ وقفتُ في طَلَلِه
كِدتُ أقْضي الحياةَ مِن جَللِه
بجرِّ "رسمٍ" على أنها اسمٌ مَجرورٌ بـ(رُبَّ) المحذوفةِ.
فجَرُّ الاسمِ بعد الواوِ كَثيرٌ جدًّا، وبعد الفاءِ مُتوَسِّطٌ، وبعد (بل) قليلٌ، وبدونِهم نادِرٌ يُنظَر: ((أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك)) لابن هشام (3/ 63)، ((شرح شذور الذهب)) للجوجري (2/ 561). .
ثانيًا: حَذفُ غَيرِ (رُبَّ) اطِّرادًا
قد تُحذَفُ سائِرُ الحُروفِ ويبقى عَمَلُها، وذلك في مواضِعَ:
1- بعد اسمِ الجَلالةِ في القَسَمِ دونَ عِوَضٍ. تَقولُ: اللهِ لأضرِبَنَّك؛ فاسمُ الجَلالةِ مَجرورٌ بالباِء المحذوفةِ.
2- المعطوفُ على خَبَر (ليس) و(ما) إذا كان صالحًا لدُخولِ الباءِ، كقَولِ زُهَيرِ بنِ أبي سُلْمى:
بدا لي أنِّي لَستُ مُدرِكَ ما مضى
ولا سابقٍ شيئًا إذا كان جائِيَا
أي: ولا بسابقٍ.
3- بعد "ألا"، مِثلُ قَولِ الشَّاعِرِ:
ألا رَجُلٍ جزاه اللهُ خيرًا
يدُلُّ على مُحَصلةٍ تَبِيتُ
أي: ألا مِن رَجُلٍ.
4- بعد (كم) الاستفهاميَّةِ إذا جُرَّت بالحَرفِ. تَقولُ: بكم دِرهَمٍ اشتريتَ الكتابَ؟ أي: بكَم مِنْ دِرهَمٍ. وقد سبقت الإشارةُ إلى ذلك في دَرسِ التمييزِ.
5- في الجوابِ. تَقولُ: زَيدٍ، لمن قال: بمَن مررتَ؟ والتقدير: بزَيدٍ، وتَقولُ: خيرٍ، لمن قال: كيف أصبَحْتَ؟ والتقديرُ: بخيرٍ.
6- المعطوفُ على المجرورِ بالحَرْفِ. تَقولُ: في الدَّارِ زيدٌ والحُجرةِ عَمرٌو، أي: وفي الحُجرةِ عَمرٌو.
7- المعطوفُ على المجرورِ بحَرفِ مُنفَصِلٍ بـ"لا"، كقَولِ الشَّاعِرِ:
ما لِمُحِبٍّ جَلَدٌ أن يَهجُرَا
ولا حبيبٍ رأفةٌ فيَجْبُرا
8- المعطوفُ على المجرورِ بحَرفِ مُنفَصِلٍ بـ"لو"، تَقولُ: جئني بزيدٍ أو عَمرٍو ولو أَحَدِهما.
وأمَّا الحَذفُ لغَيرِ اطِّرادٍ، فمنه قَولُ الشَّاعِرِ:
إذا قيل: أيُّ النَّاسِ شَرُّ قَبيلةٍ
أشارت كُلَيبٍ بالأَكُفِّ الأصابِعُ
بجرِّ كُلَيبٍ، أي: إلى كُلَيبٍ. وهذا شاذٌّ لا يُقاسُ عليه يُنظَر: ((توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك)) للمرادي (2/ 777)، ((شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو)) لخالد الأزهري (1/ 671). .

انظر أيضا: