موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: ما يختصُّ بجَرِّ الظَّاهِرِ دونَ الضَّميرِ


أغلَبُ حُروفِ الجَرِّ تجُرُّ الاسمَ الظَّاهِرَ والضَّميرَ البارِزَ. تَقولُ: من المدرسة، منها، في البيتِ، فيه، إلى السُّوقِ، إليه.... لكنَّ بعضَ تلك الحُروفِ تختَصُّ بأنَّها تجُرُّ الأسماءَ الظَّاهِرةَ فحَسْبُ، وهي: مُنذُ، ومُذ، وحتى، والكاف، والواو، والتاء، ورُبَّ، إضافةً إلى لعلَّ، وكي، ومتى.
فهذه الحُروفُ كُلُّها لا يجوزُ أن تجرَّ ضميرًا؛ فلا يقالُ: مُذْها، مُنذُنا، حتَّاكم، رُبَّنِي. والواو والتاء حرفانِ للقَسَمِ، فلا يقال: وهو، أي: واللهِ، وكذلك التاء؛ فلا يقال: تهو.
أمَّا ما ورد مِن مِثْلِ قَولِهم: رُبَّه رجلًا مررتُ به، وقول الراجز:
فإن يَكُ مِنْ جِنٍّ لأَبرَحُ طارِقًا
وإن يَكُ إنسًا مَـا كَـهَـا الإنْسُ تَفْعَـلُ
حيث دخَلَ حرفُ الجرِّ (الكاف) على الضَّميرِ (ها) فنادرٌ لا عِبرةَ به يُنظَر: ((شرح ألفية ابن مالك)) لابن الناظم (ص: 257)، ((إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك)) لبرهان الدين ابن القيم (1/ 441). .
وهذه الحُروفُ منها ما يختَصُّ بنوعٍ من الظَّاهِرِ، وهي:
أوَّلًا: مُذ ومُنْذ
ويَخْتصَّان بأسماءِ الزَّمانِ، فلا يَجُرَّان إلَّا ما كان فيه معنى الزَّمانِ؛ فإن كان الزَّمانُ ماضيًا كان لابتداءِ الغايةِ. تَقولُ: ما رأيتُه منذُ يومِ الجُمُعةِ، أي: ابتداءُ انقِطاعِ رؤيتِه يومُ الجُمُعةِ، وإن كان الزَّمانُ حاضرًا فهُما للظَّرفيَّة. تَقولُ: ما رأيته مُذْ يومِنا، أي ما رأيتُه اليومَ.
ما: حرفُ نَفيٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
رأيته: رأى فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاء الفاعِل، وتاء الفاعِل ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ، والهاءُ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ به.
منذُ: حَرفُ جَرٍّ مَبْنيٌّ على الضَّمِّ.
يومِ: اسمٌ مَجرورٌ بـ(منذ)، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
الجمعة: مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
على أن (مُذ) و(منذ) إنْ ولِيَهما اسمٌ مرفوعٌ أو جُملةٌ فهما اسمانِ لا حرْفا جرٍّ. تَقولُ: لم أره مذ كان هنا، ولم يأتِ منذُ أحمدُ طرَده، وما أكلَ منذُ يَومانِ.
وحينئذٍ يكونُ إعرابُهما وما بَعْدَهما إما مُبتَدَأٌ وخَبَرٌ، وإمَّا ظَرفٌ مُتعَلِّقٌ بمَحذوفٍ في محَلِّ رَفعٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، ومُبتَدَأٌ مؤخَّرٌ، وإمَّا ظرفٌ وفاعِلٌ لـ(كان) التَّامَّةِ المحذوفةِ، أي: ما أكل منذُ كان يومانِ.
ثانيًا: رُبَّ
تختَصُّ (رُبَّ) بجرِّ النَّكِراتِ، وتأتي لإفادةِ التقليلِ، وقد تُستعمَلُ في التكثيرِ مِن بابِ التهَكُّمِ، تَقولُ: رُبَّ رجُلٍ يَجْبُن، ورُبَّ امرأةٍ لا تَلِدُ.
نموذجٌ إعرابيٌّ: رُبَّ رجلٍ بخيلٍ أضافك
رُبَّ: حَرفُ جَرٍّ شبيهٌ بالزَّائِدِ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
رجُلٍ: مُبتدَأٌ مجرورٌ لفظًا مرفوعٌ محَلًّا بضَمَّةٍ مُقدَّرةٍ منَعَ مِن ظُهورِها اشتِغالُ المحَلِّ بحَرَكةِ حرفِ الجَرِّ الشَّبيهِ بالزَّائِدِ.
بخيلٍ: نعتٌ مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسرةُ.
أضافك: أضاف: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ، والفاعِلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ تقديره: هو، والكاف ضَميرٌ مُتَّصِلٌ في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ به. والجُملةُ في محَلِّ رَفعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ.
ثالثًا: التاءُ
ولا يُجَرُّ بها إلَّا اسمُ الجلالةِ "الله"، أو "رَبُّ" المُضافُ إلى ضَميرُ المُتكَلِّمِ، أو إلى الكَعبةِ، تَقولُ: تاللهِ، تَربِّي، تَرَبِّ الكعبةِ، وقد شذَّ مِثْلُ: تالرَّحمنِ، وتحَيَاتِك. ومنه قَولُه تعالى: تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ [النحل: 63] ، وتَقولُ: تربِّ الكَعبةِ لأفعَلَنَّ.
تربِّ: التاءُ حَرفُ جَرٍّ مَبْنيٌّ على الفَتحِ، رَبِّ: اسمٌ مَجرورٌ بالتاءِ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
الكعبة: مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ.
لأفعَلَنَّ: اللامُ رابِطةٌ في جَوابِ القَسَمِ، أفعلَنَّ: فِعلٌ مُضارعٌ مَبْنيٌّ على الفَتحِ لاتِّصالِه بنونِ التوكيدِ الثَّقيلةِ.
رابعًا: الواو
وتَدخُلُ على المُقْسَمِ به مِثْلُ التاء، لكنَّها تَدخُلُ على جميعِ المقسَمِ به. تَقولُ: واللهِ، والرَّحمنِ، والقُرآنِ.
ومنها ما يُقسِمُ اللهُ به وحْدَه؛ كالتِّينِ والقَمَرِ والعَصرِ والضُّحى والشَّمسِ واللَّيلِ وغيرِ ذلك، حتى على ما لا يجوزُ الحَلِفُ به شرعًا؛ فيقال: والنَّبيِّ، والنِّعمةِ، والكَعبةِ، وأبي، ورحمةِ فُلانٍ...
وأكثَرُ ما في القُرآنِ مِنَ القسَمِ بها؛ كقَولِه تعالى: قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: 23] ، وقَولِه تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر: 92] ، وقَولِه تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ [مريم: 68] ، وقَولِه تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا [الشَّمس: 1 - 7] .
أما (حتى) والكافُ فلا تختَصُّ بنوعٍ مُعَيَّنٍ مِن الظَّاهِرِ، بل تجُرُّ جميعَ الأسماءِ الظَّاهِرةِ يُنظَر: ((شرح ألفية ابن مالك)) لابن الناظم (ص: 258)، ((توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك)) للمرادي (2/ 741). .

انظر أيضا: