موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثَّاني: إعمالُ اسمِ الفاعِلِ وصيغِ المُبالَغةِ منه


اسمُ الفاعِلِ يَعمَلُ عَمَلَ الفِعْلِ، فيَرفَعُ الفاعِلَ ويَنصِبُ المفعولَ. تَقولُ: هذا زيدٌ الضاربُ أبوهُ عليًّا.
هذا: اسمُ إشارةٍ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ مُبتَدَأٌ.
زيدٌ: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
الضارب: نعتٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
أبوه: فاعِلٌ لاسمِ الفاعِلِ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الواو؛ لأنَّه من الأسماءِ السِّتَّةِ، والهاءُ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه.
عليًّا: مَفعولٌ به مَنصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
فإن كان اسمُ الفاعِلِ مُعَرَّفًا بـ(أل)، فإنَّه يَعمَلُ بلا شُروطٍ، فيَعمَلُ في الماضي والحالِ والمُستَقبَلِ. تَقولُ: هذا الضَّاربُ زيدًا أمْسِ.
أمَّا إن كان مجرَّدًا من (أل)، فإنَّه يَعمَلُ بشَرطِ أن يُفيدَ زَمانَ الحالِ أو الاستِقبالِ، ولا يَعمَلُ في الماضي؛ فلا يجوزُ: هذا ضاربٌ زَيدًا أمسِ.
فإن جاء اسمُ الفاعِلِ المجَرَّدُ من (أل) الدَّالُّ على المُضيِّ، وبَعْدَه مفعولٌ ثانٍ منصوبٌ. تَقولُ: هذا مُعطي زَيدٍ أمسِ دِرهمًا، وهذا ظانُّ زَيدٍ أمس منطلقًا؛ فإنَّ المفعولَ الأوَّلَ جاء مجرورًا بالإضافةِ لعَدَمِ عَمَلِ اسمِ الفاعِل الدَّالِّ على المُضي، ونُصِبَ المفعولُ الثَّاني بفعلٍ مُضمَرٍ؛ إذ لا يجوزُ جَرٍّ مُضافَينِ لاسمٍ واحدٍ.
وغالبًا ما يعتَمِدُ المُجَرَّدُ من (أل) على استفهامٍ: أضاربٌ أخوك زيدًا؟ أو نفْيٍ: ما مُكرِمٌ أبوك عَمْرًا، أو منعوتٍ: مررتُ برجُلٍ راكبٍ دابَّتَه، أو صاحِبِ حالٍ: جاء زيدٌ طالبًا أدبًا، أو مُسنَدًا يحتاجُ إلى مُسنَدٍ إليه؛ كأن يَقَعَ خَبَرًا لمُبتَدَأٍ، أو خَبَرًا لناسخٍ، أو مفعولًا ثانيًا لـ(ظنَّ)، مِثلُ: أنا ضاربٌ عَمْرًا، ليس عليٌّ ضاربًا عَمْرًا، ظَنَنْتُ عليًّا ضاربًا عَمْرًا. وقد يأتي مُنادًى، وهو المنادى الشَّبيهُ بالمضافِ. تَقولُ: يا طالِعًا جَبَلًا، يا مُذاكِرًا درْسَك، يا ضارِبًا عَمْرًا ...
وقد يقع نعتًا لمنعوتٍ محذوفٍ، جاز حذفُه للدَّلالةِ عليه، كقَولِه تعالى: وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ [فاطر: 28] ، أي: صِنفٌ مختَلِفٌ ألوانُه.
ومنه قول الأعشى:
كناطحٍ صَخرةً يَومًا ليُوهِنَها
فلم يَضِرْهَا وأَوْهى قَرْنَه الوعْلُ
أي: كوَعلٍ ناطحٍ.
وتَعمَلُ صِيَغُ المبالغةِ كذلك عَمَلَ الفِعْلِ، بنفس الشُّروطِ التي يَعمَلُ بها اسمُ الفاعِلِ؛ لأنَّها اسمُ فاعِلٍ بُنيَ على هذه الصُّورةِ لقَصدِ المبالَغةِ.
فتَعمَلُ صِيَغُ المبالَغةِ جميعًا: "فَعَّال، مِفْعَال، فَعُول، فَعِيل، فَعِل" عَمَلَ اسْمِ الفاعِل، تَقولُ: أنا شرَّابٌ العَسَلَ، وقال الشَّاعِر:
أخا الحربِ لبَّاسًا إليها جِلالَها
وليس بولَّاجِ الخوالِفِ أعْقَلا
بنصْب جِلالَها على أنَّها مفعولٌ لـ(لَبَّاس).
وقال الشَّاعِر:
حَذِرٌ أُمورًا لا تَضِيرُ وآمِنٌ
ما ليس مُنْجِيَه من الأقدارِ
بنصْب (أمورًا) على أنها مفعولٌ لـ(حَذِرٌ).
وقال آخَرُ:
أتاني أنَّهم مَزِقُونَ عِرضي
جِحاشُ الكِرمِلَينِ لها فَدِيدُ
وتَقولُ: فلانٌ مِهْراقٌ دماءَ الأعداءِ، إنَّ الله سَميعٌ دُعاءَ مَن دعاه، إنَّ اللهَ شَكورٌ المحسِنين.
ويَعمَلُ المُفرَدُ والمُثَنَّى والجَمعُ من تلك الصِّيَغِ كما يَعمَلُ من اسمِ الفاعِلِ. تَقولُ: هؤلاء ضارِبون زَيدًا مُكرِمون عَمْرًا، هذان ضاربانِ زيدًا.
ويجوزُ في اسمِ الفاعِل العامِلِ إذا تلاه مَعمولُه المنصوبُ أن يُجرَّ المعمولُ على الإضافةِ. تَقولُ: هذا ضاربُ زَيدٍ.
هذا: اسمُ إشارةٍ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ مُبتَدَأٌ.
ضارب: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
زيد: مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
ومنه قَولُه تعالى: إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ [الطلاق: 3]
وهذا إذا لم يكُنْ مَعمولُه ضَميرًا، فإن كان ضميرًا مُتَّصِلًا وجب فيه اعتبارُ النَّصْبِ؛ ففي قَولِك: هذا مُكْرِمُك.
هذا: اسمُ إشارةٍ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ مُبتَدَأٌ.
مكرم: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، والكاف ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ به.
فإن فُصِلَ بين اسمِ الفاعِلِ ومَعمولِه لم يَجُزِ الجرُّ؛ كقَولِه تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: 30] ، وقَولِه تعالى: فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ [إبراهيم: 47] .
فإذا جوَّزْتَ الجرَّ فإنَّ تابِعَ المجرورِ يجوزُ فيه اتِّباعُ اللَّفظِ، فيكونُ مجرورًا، ويجوزُ مُراعاةُ المحَلِّ فيكونُ منصوبًا، أو يكونُ منصوبًا بفِعلٍ مُقدَّرٍ مِن جِنسِ اسمِ الفاعِلِ. تَقولُ: محمَّدٌ ضاربُ زيدٍ وعَمرٍو / وعَمْرًا.
محمد: مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
ضارب: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
زيد: مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
وعمرو: معطوفٌ مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
وعَمْرًا: معطوفٌ منصوبٌ (مراعاةً لمحَلِّ المعطوفِ عليه، وهو المفعوليَّةُ) وعلامةُ نَصْبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ، أو: منصوبٌ بفِعلٍ مُضْمَرٍ (يضرب)، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
فإن لم يكُنِ اسمُ الفاعِلِ صالحًا للعَمَلِ أصلًا، فيجوزُ في التَّابِعِ إمَّا الجَرُّ على العَطفِ لفظًا ومحلًّا، وإمَّا النَّصْبُ على تقدير فِعلٍ. تَقولُ: محمَّدٌ ضاربُ زيدٍ أمسِ وعَمرٍو/ وعَمْرًا.
زيدٍ وعمرٍو / وعَمْرًا.
محمد: مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
ضارب: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
زيد: مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
أمْسِ: ظرفُ زَمانٍ مَبْنيٌّ على الكَسرِ في مَحَلِّ نصبٍ.
وعمرو: مَعطوفٌ مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
وعَمْرًا: مَفعولٌ به مَنصوبٌ بفعل مُضْمَر (ضرب) وعلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
ومنه قَولُه تعالى: فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا [الأنعام: 96] على قراءةِ ابنِ كثيرٍ ونافعٍ وابنِ عامرٍ وأبي عَمرٍو: "وجاعِلُ الليلِ" ينظر: ((المبسوط في القراءات العشر)) لابن مهران (ص: 199)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 262). . فنَصَب "الشَّمس والقَمَر" على إضمارِ "جَعَلَ" ينظر: ((توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك)) للمرادي (2/ 849)، ((شرح ألفية ابن مالك)) لابن عقيل (3/ 106). .

انظر أيضا: