موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثَّاني: التَّجديدُ في الأُسلوبِ


بدأ شِعْرُ العَصْرِ الحديث بالاعتِمادِ على الشِّعْرِ القَديمِ في رَصانَتِه، وجَودةِ أُسلوبِه، وتنَوُّعِ أغراضِه، وقُوَّةِ ألفاظِه؛ لاستِحياءِ الشِّعْرِ العَربيِّ وإيقاظِه مِن غَفْلَتِه تلك؛ فوقَعَ اختيارُ الشُّعَراءِ على أقوى مِثالٍ للشِّعرِ لكي يُحتذَى به، وهو الشِّعْرُ الجاهِليُّ، فكان الشِّعْرُ الحديثُ في أوَّلِ الأمرِ مِرآةً للشِّعرِ القَديمِ، فوَقَف الشَّاعِرُ على الأطلالِ، وابتدَأَ القَصيدةَ بالمُقَدِّمةِ الغَزَليَّةِ، وأغرَبَ في الألفاظِ والتَّصويراتِ، ونَظَمَ الشِّعْرَ على الأغراضِ القَديمةِ.
لكنَّ ذلك لم يَدُمْ طَويلًا، فسُرْعانَ ما استَحَثَّ الشِّعْرُ أصحابَه على التَّطَوُّرِ ومُواكَبةِ العَصْرِ؛ فجاء شِعْرُهم قَويًّا في أُسلوبِه، فَصيحًا في لُغَتِه، بَسيطًا في تراكيبِه، مُعَبِّرًا عن ثَقافةِ أهلِ عَصْرِه، وسَطًا بَيْنَ الرَّكاكةِ والسَّماجةِ -كما كانت في الشِّعْرِ قَبْلَه- وبَيْنَ الإغرابِ والتَّعقيدِ اللَّفظيِّ والتَّركيبيِّ الَّذي كان في الشِّعْرِ القَديمِ.
فاختار الشُّعَراءُ أسهَلَ الألفاظِ وأيسَرَها وأقرَبَها للنَّفْسِ البَشَريَّةِ، وألصَقَها بالوِجْدانِ، وابتَعَدوا عنِ الألفاظِ الوَحْشيَّةِ المُبهَمةِ؛ فبَذَل الشَّاعِرُ جُهْدَه ليأتيَ بالعِباراتِ الرَّشيقةِ الجَميلةِ الجَديدةِ مُحاوِلًا أن يتجَنَّبَ القوالِبَ الجامِدةَ، والعِباراتِ الجاهِزةَ، والتَّراكيبَ المُعَقَّدةَ الَّتي لا يُدرَى المرادُ منها؛ إذِ اللُّغةُ وَسيلةُ الفَهْمِ، وهي الواسِطةُ بَيْنَ الشَّاعِرِ والمُستَمِعِ مِن ناحيةٍ، وبَيْنَ القَلْبِ والذِّهْنِ مِن ناحيةٍ أُخرى.

انظر أيضا: