موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ العاشِرُ: الشِّعْرُ التَّعْليميُّ


ازْدَهرَتِ الحَرَكةُ العِلميَّةُ في العَصْرِ العبَّاسيِّ كَثيرًا، وتَألَّفتِ المَذاهِبُ الفِقْهيَّةُ، وكَثُرَتِ المُصنَّفاتُ العَقَديَّةُ في مُخْتلِفِ المَذاهِبِ الإسلاميَّةِ، واحْتاجَ العُلَماءُ إلى ضَبْطِ العُلومِ وتَقْييدِها بالحِفْظِ معَ الفَهْمِ، فنَظَموا مَبادِئَ العُلومِ وفُروعَها في مَنْظوماتٍ شِعْريَّةٍ، يَسهُلُ على الطُّلَّابِ حِفْظُها، وقد لَجَؤوا فيها إلى البُحورِ الخَفيفةِ الوَزْنِ، وقد كانَ أكْثَرُ تلك القَصائِدِ على بَحْرِ الرَّجَزِ؛ ولِهذا سُمِّيَتْ بالأرْجازِ.
وأبْرَعُ مَن اسْتَخدَمَه أبانُ بنُ عبْدِ الحَميدِ، فقدْ نَظَمَ فيه كَليلةَ ودِمْنةَ في نَحْوِ أرْبَعةَ عشَرَ ألْفَ بَيْتٍ، وصَدَّرَه بقَوْلِه:
هذا كِتابُ كَذِبٍ ومِحْنَه
وهْو الَّذي ‌يُدْعى ‌كَليلةَ دِمْنَه
فيه دَلالاتٌ وفيه رُشْدُ
وهو كِتابٌ وَضَعَتْه الهِنْدُ
فوَصَفوا آدابَ كلِّ عالِمِ
حِكايةً عن ألْسُنِ البَهائِمِ
فالحُكَماءُ يَعْرِفونَ فَضْلَهُ
والسُّخَفاءُ يَشْتَهونَ هَزْلَهُ
ويقالُ: إنَّه لمَّا أنْشَدَ هذه القَصيدةَ أعْطاه هارونُ مِئةَ ألْفِ دِرْهَمٍ [586] ينظر: ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (7/511). .
وعلى دَرْبِ أبانَ بنِ عبْدِ الحَميدِ سارَ الشُّعَراءُ، كعَليِّ بنِ الجَهْمِ وابنِ المُعْتَزِّ وابنِ دُرَيدٍ؛ إذ وَضَعَ عليُّ بنُ الجَهْمِ مَنْظومةً في التَّاريخِ، تَقَعُ في أكْثَرَ مِن ثَلاثِمِئةِ بَيْتٍ، قَسَّمَها على نِصْفَينِ؛ تَناوَلَ في النِّصْفِ الأوَّلِ مِنها بدايةَ الخَليقةِ وتاريخَ الأنْبِياءِ، وفي النِّصْفِ الآخَرِ تَناوَلَ تاريخَ الإسلامِ وخُلَفاءَه، يقولُ في صَدْرِه:
يا سائِلي عن ابْتِداءِ الخَلْقِ
مَسألةَ القاصِدِ قَصْدَ الحَقِّ
أخْبَرَني قَوْمٌ مِن الثِّقاتِ
أولو عُلومٍ وأولو هَيْئاتِ
تَفَرَّغوا في طَلَبِ الآثارِ
وعَرَفوا مَوارِدَ الأخْبارِ
ودَرَسوا التَّوْراةَ والإنْجيلا
وأحْكَموا التَّأويلَ والتَّنْزيلا
أنَّ الَّذي يَفْعلُ ما يَشاءُ
ومَن له القُدْرةُ والبَقاءُ
أنْشَأَ خَلْقَ آدَمٍ إنْشاءَ
وقَدَّ مِنه زَوْجَه حَوَّاءَ [587] ينظر: ((البدء والتاريخ)) للمطهر ابن طاهر المقدسي (2/85)، ((تاريخ الأدب العربي)) لشوقي ضيف (4/247).

انظر أيضا: